array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 163

مجلس التعاون الخليجي ومنطلقات جديدة نحو المستقبل

الثلاثاء، 29 حزيران/يونيو 2021

منذ 40 عامًا مضت شهدت منطقة الخليج العربي الكثير من الأحداث العاصفة على مستويات كثيرة داخلية وخارجية، وظلت منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية طيلة هذه الفترة ومنذ تأسيسها عام 1981م، مستمرة، وصامدة، ومحافظة على وجودها والمضي في مسيرتها التي بدأت من أجلها ولسان حال الدول الأعضاء يقول "مجلس التعاون الخليجي ...جاء ليبقى ويستمر". وليس أدل على ذلك من قدرة المجلس على تجاوز الصعاب رغم تباين الآراء والمواقف  أحيانًا بين الدول الأعضاء، أو حتى ما يطرأ من خلافات أو اختلافات كما حدث مؤخرًا ومر وانتهى، وتأتي هذه المرونة في الاحتواء من الثوابت الخليجية وهي أكثر من المتغيرات التي تعترض هذه المسيرة المباركة، ومن بين هذه الثوابت، تقارب شعوب الدول الست في الجذور وأواصر القربى، و العادات والتقاليد وعدم وجود حواجز طبيعية أو مصطنعة، وسهولة الانتقال، وكذلك تماثل مكونات الاقتصادات الخليجية، وطبيعة  الحكم في دول المجلس واقتراب الحكومات من الشعوب وتطبيق سياسات الباب المفتوح في إدارة البلاد التي تتيح المشاركة الفعلية لا الشكلية في إدارة شؤون الدولة، وتلاحم الشعوب مع قادتها.

ولقد نجح مجلس التعاون بالفعل في تحقيق خطوات مهمة على طريق التكامل الخليجي أكثرها في الجانب الاقتصادي وإن كانت هذه الخطوات لم ترق لما ينشده أبناء المنطقة اللذين ينتظرون بقية الخطوات التي صدرت بها قرارات من المجلس الأعلى والتي تصب في خدمة الشعوب وتنتهي بتحقيق التكامل الاقتصادي الفعال والقادر على مواجهة المنافسة العالمية ومسايرة التكتلات الاقتصادية الكبرى  في العالم، وزيادة قيمة التجارة البينية بين دول المجلس وتفعيل المزايا النسبية إلى أن ينتهي المطاف بتحقيق الاتحاد الخليجي الذي تضمنه النظام الأساسي لقيام مجلس التعاون نفسه.

وهناك مزايا مشتركة جعلت المنظومة الخليجية الأكثر استمرارًا والأطول عمرًا من بين تجارب عربية وإقليمية كثيرة فشلت في تحقيق نتائج مماثلة، بل انتهت وذهبت، أو تجمدت، لأن تلك التجارب افتقدت الأسس التي يقوم عليها مجلس التعاون الخليجي، لذلك لم تستطع التجارب الأخرى مواجهة التحديات التي اعترضت مسيرتها ولم تمتلك آليات البقاء ومنطلقاته.

 والتحديات التي واجهت مجلس التعاون الخليجي صعبة وخطيرة ومنها ثلاث حروب إقليمية كبرى في محيط دول المجلس، بل  كانت واحدة من دول المجلس  طرفًا فيها (الكويت)، ثم تبعات ما يسمى بثورات الربيع العربي وتأثيرها على دول المجلس أو جواره، و تداعيات انهيار أسعار النفط على اقتصادات دول المجلس في مراحل زمنية كثيرة  منذ انطلاق المجلس، وكذلك تداعيات فيروس كورونا المستجد والظلال التي ألقتها هذه الجائحة على دول المنطقة، وأيضًا ما شهدته دول المجلس من خلافات بينية كانت مقلقة للكثيرين لكن ولله الحمد طوت صفحتها قمة العلا بالمملكة العربية السعودية  مطلع العام الحالي والتي شهدت المصالحة الخليجية بين قطر وثلاث دول من أعضاء المجلس.

وتوجد تحديات وجودية ماثلة للعيان وفي مقدمتها ما تقوم به إيران من زعزعة أمن المنطقة وتأثيرها السلبي والمزعج على دول المجلس سواءً في اليمن وسوريا والعراق، أو محاولاتها ضرب استقرار بعض دول المجلس نفسه، إضافة إلى برنامجها النووي والصاروخي وسلاح الطائفية وتمويل الميليشيات المسلحة في بعض دول المنطقة، ودعم الجماعات الإرهابية العديدة والخطيرة.

ما سبق يمثل بعضًا من التحديات التي شهدها مجلس التعاون الخليجي خلال مسيرته منذ تأسيسه وما زالت قائمة، كما أن ما قد تحمله الأيام المقبلة قد يكون أشد وطأة، فعلى الصعيد العسكري والأمني تقترب إيران من امتلاك القنبلة النووية في ظل تراخي دولي وتغير التحالفات الدولية والإقليمية المعمول بها منذ مبدأ كارتر مطلع الثمانينيات الميلادية وبعد سقوط نظام شاه إيران وهيمنة ثورة الخميني على الحكم في إيران، فإيران تمضي حاليًا في امتلاك السلاح النووي باعتراف حكامها. وقد تزيد المخاطر بعد صعود إبراهيم رئيسي إلى سدة الحكم في طهران وهو محافظ متشدد وقريب من المرشد على خامنئي، وذلك بالتزامن مع سحب معدات عسكرية ودفاعات جوية أمريكية من منطقة الخليج ما يؤشر لحدوث خلل في التوازن العسكري بالمنطقة، وكذلك عدم حسم الموقف في اليمن ومماطلة الحوثيين وتهربهم من كل مبادرات ومشروعات السلام الخليجية والأممية واستمرار تعنتهم والتصعيد حول مأرب وغيرها، وما تقوم به من الاعتداءات بالطائرات المسيرة على المملكة العربية السعودية.

كل ذلك من تحديات ومخاطر يتطلب مواجهتها بإرادة خليجية جماعية أكثر صلابة وعزيمة للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة والتصدي  لتهديدات وجودية ليست سهلة ما يتطلب قراءة دقيقة للمتغيرات الإقليمية والدولية والاعتماد بنسبة أكبر على الجهد الجماعي والقوة الذاتية الخليجية، وفي هذا الصدد من الضروري تطوير قوات درع الجزيرة المشتركة من حيث العدة والعتاد وتحديث منظومة التسليح الخليجي وتنويع مصادرها وخصوصًا منظومة الدفاعات الجوية، وإن اقتضى الأمر مراجعة التحالفات التقليدية التي بدأت منذ انسحاب بريطانيا من ساحل الخليج مطلع سبعينيات القرن العشرين، حيث طرأت عليها متغيرات عديدة منذ تلك الفترة، ثم ما تشهده منطقة الخليج حاليًا من تضارب مصالح القوى الكبرى وتغير مصالحها واهتماماتها وتوجهاتها ومنها المعلن ومنها السري، ومع دخول عناصر قوى جديدة إلى المنطقة وفي طليعتها روسيا والصين مع تراجع الوجود الغربي التقليدي، وقد تم إبرام اتفاقيات بين إيران وكل من موسكو وبكين، وعلى ضوء ذلك وحتى لا تجد منظومة دول مجلس التعاون نفسها في مفترق طرق أمام متغيرات مفاجئة وإن كانت ملامحها متوقعة للبعض.

وعليه، من الضروري أن يتوجه مجلس التعاون الخليجي نحو تحديث آلياته والنظر في المتطلبات الجديدة، والانتقال بالعمل الجماعي إلى مرحلة متقدمة لملء الفراغ الاستراتيجي، وبناء تحالفات عملية تخدم استقرار المنطقة وتحفظ أمنها وتحصنها من التدخلات الأجنبية.

 

مقالات لنفس الكاتب