; logged out
الرئيسية / فشل إصلاح مجلس الأمن لاعتراض الخمسة الدائمين على توسيع المجلس وإلغاء الفيتو

العدد 164

فشل إصلاح مجلس الأمن لاعتراض الخمسة الدائمين على توسيع المجلس وإلغاء الفيتو

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

تزايد الاهتمام بقضية إصلاح نظام الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة بسبب مخاوف من أن الأمم المتحدة لم يعد يتوفر لديها الوسائل اللازمة للتفاعل مع بيئة أمنية دولية متغيرة. وقد نادت أوروبا باستمرار، ممثلةً في كلٍ من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء المنضوية تحت لوائه، ببذل جهود إصلاح موسعة تضم جميع مجالات أنشطة المنظمة، بما فيها مجالات دعم السلام، وحل الصراع، والتنمية المستدامة، وحقوق الإنسان، إلى جانب إصلاح الميزانية والإصلاح الإداري. وفي إطار هذا النهج، يَعتبِر الاتحاد الأوروبي الأمم المتحدة جزءًا لا يتجزأ من نظام فعّال متعدد الأطراف، ولذلك تزعَّم الاتحاد الأوروبي العديد من المناقشات حول الإصلاح من أجل دفع الأمم المتحدة لتعزيز استجابتها للبيئة الدولية دائمة التغير. إلا أن أوروبا لا تملك الكثير لتقدمه فيما يتعلق بالإصلاح الذي تم تحقيقه بالفعل. فأوروبا ليس لها دائما رأي موحد حول مسار الإصلاح، فكل دولة من الدول الأعضاء لها وجهة نظر مختلفة عن الأخرى فيما يتعلق بالجوانب الأساسية للإصلاح، الأمر الذي أطال أمد الجدال حول مستقبل نظام الأمم المتحدة، وما إذا كان من الممكن أن تؤدي جهود الإصلاح الداخلية إلى تطبيق التغييرات اللازمة. وفي هذه الأثناء، يزداد الإجماع على عدم فاعلية نظام الأمم المتحدة الحالي.

الحاجة إلى الإصلاح

علينا أن نقر في بادئ الأمر أن قضية إصلاح الأمم المتحدة ليست بجديدة، بل هي في الحقيقة قائمة، تقريبًا، منذ تأسيس الأمم المتحدة نفسها. فعلى سبيل المثال، بدأ أول نقاش حول توسيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في خمسينات القرن الماضي، وعُرضت اقتراحات فعلية في سبعينات وتسعينات القرن الماضي. فضلاً عن ذلك، شكَّل جميع الأمناء العموميين تقريبًا لدى الأمم المتحدة في الآونة الأخيرة لجان أو هيآت مستقلة رفيعة المستوى لتقديم حلول لجوانب مختلفة من قضية إصلاح الأمم المتحدة. فبالنسبة لعمليات السلام، تضمنت تلك الحلول "أجندة من أجل السلام" أثناء ولاية الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بطرس بطرس غالي، في 1992م، و"تقرير الإبراهيمي" الذي شكله الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، عام 2000م، وتقرير "في جو  من الحرية أفسح" لعام 2005م، والذي ركز على كيفية إعداد الأمم المتحدة على نحوٍ أفضل للتعامل مع التهديدات الجديدة والناشئة، بالإضافة إلى الهيئة المستقلة رفيعة المستوى الخاصة بعمليات السلام، والتي تأسست أثناء ولاية الأمين العام السابق، بان كي مون، مستهدفةً تقييم الطبيعة المتغيرة للصراعات والمهام المتطورة لبعثات حفظ السلام.

كذلك كانت هناك جهودًا إصلاحية في مجال حقوق الإنسان من خلال إنشاء مجلس حقوق الإنسان في جنيف عام 2006م، ليحل محل لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وطرح "الاستعراض الدوري الشامل" لسياسات حقوق الإنسان الخاصة بجميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، وظهور مبدأ "المسؤولية عن الحماية" ‘Responsibility to Protect (RfP)’  لتقديم إطار لدعم إجراءات دعم السلام الشاملة، ومعالجة إخفاق الأمم المتحدة في الاستجابة إلى انتهاكات حقوق الإنسان كما حدث في البوسنة والهرسك، وفي رواندا، وفي سريلانكا في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وفي السنوات الأخيرة، أُثير الجدل مجددًا حول مبدأ "المسؤولية عن الحماية" فيما يتعلق بالأزمة في سوريا، حيث انتُقدت الأمم المتحدة لعجزها عن الحد من وقوع الكثير من الانتهاكات. ولكن يبقى المبدأ نفسه مثيرًا للجدل، حيث تزعم العديد من الدول الأعضاء أنه يتعدى على السيادة الوطنية.

وإلى جانب حركة الإصلاح المتعلقة بالأنشطة المحددة التي يجريها نظام الأمم المتحدة، كانت هناك أيضًا جهود لتنظيم الطبيعة الفوضوية للهيكل المؤسسي للأمم المتحدة، وبيروقراطيتها المتضخمة المترهلة، ونظام الميزانية والنظام المالي غير الفعال لديها. وقد كانت الولايات المتحدة في طليعة هذا الجدل بانتقادها الأمم المتحدة مرارًا في قضايا هامة مثل إهدار الموارد وسوء الإدارة والفساد، داعية إلى تعزيز المراقبة والاستخدام الفعال للأموال. وعلى الصعيد المؤسسي، أخفقت غالبية جهود الإصلاح الموجهة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث قاوم النظام الحالي للأعضاء الخمسة الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض (الفيتو) اقتراحًا بتوسيع المجلس أو إلغاء نظام الفيتو. وبوجه عام، كان الوجود المجزأ للأمم المتحدة على أرض الواقع أحد العوائق الأساسية أمام فاعلية المنظمة، وذلك فيما يتعلق بأجهزتها الستة الرئيسية والمنظمات الخمسة عشر المتخصصة التابعة لها، مما يؤدي إلى تشتت المسئوليات عن قضايا معينة حول الوكالات والصناديق والبرامج. أما على الصعيد المالي والميزانية، فقد نتج عن مبادرة "توحيد الأداء"، على سبيل المثال، بعض التحسينات، ولكن لا تزال هناك حاجة إلى اتخاذ المزيد من الخطوات. ويتضمن ذلك توفر تقارير تدقيق داخلي للدول الأعضاء، وسياسات أفضل للإقرار المالي، ومكتب أخلاقيات فعّال للأمم المتحدة، وإمكانية الوصول العام لجميع وثائق الميزانية والشراء ذات الصلة.

إن النقاط المذكورة أعلاه تفيد بأن إصلاح نظام الأمم المتحدة قضية واسعة النطاق ومتواصلة. وهي تنطوي على عوائق أساسية مثل المصالح الدولية المترسخة التي تميل إلى الحفاظ على الوضع الراهن، إلى جانب صعوبة إصلاح بيروقراطية ضخمة متمثلة في الأمم المتحدة، فهي ستدافع عن نفسها ضد جهود تقلص من أنشطتها وتوقف تمويلها. علاوة على أن السعي نحو إصلاح الأمم المتحدة يتم تحت ستار تحول الأولويات الجيوسياسية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وهو ما يحول اقتراحات الإصلاح إلى هدف متغير. وفي هذا السياق، لا تزال الأمم المتحدة حتى الآن عاجزة عن حل المعضلة الأساسية المتمثلة في كيفية أداء مهمتها في ظل افتقادها للصلاحية أو القدرة الكافية اللازمة لتلك المهمة.

أوروبا ونظام الأمم المتحدة

يعد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء من أشد المناصرين للأمم المتحدة وأنشطتها، حيث يعتبر الاتحاد الأوروبي وأعضاؤه الأمم المتحدة جزءًا لا يمكن الاستغناء عنه في النظام الدولي فيما يتعلق بالنهج متعدد الأطراف. ولذلك يعد تأييد الأمم المتحدة ركنًا أساسيًا في سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يرى فبها أحد أعمدة جهود الحوكمة العالمية. ويتمثل ذلك إلى حدٍ كبير، وبشكل مباشر، في أن الاتحاد الأوروبي ككل هو أكبر المانحين لميزانية الأمم المتحدة، وذلك بنسبة 30% من ميزانية الأمم المتحدة العادية، وأكثر من الثلث من ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام، بالمقارنة بنسبة 22% من الولايات المتحدة و9% من اليابان.

وبينما يرى الاتحاد الأوروبي أن مؤسسة الأمم المتحدة لا غنى عنها، كانت أوروبا أيضًا في مقدمة المنادين بإصلاحات واسعة للأمم المتحدة تشمل نطاقًا كاملاً من الشفافية والفاعلية والإدارة. ومن ضمن استراتيجية الاتحاد الأوروبي للدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة من سبتمبر 2017 إلى سبتمبر 2018م، أصدر الاتحاد الأوروبي بيانًا بالأولويات الأساسية للاتحاد الأوروبي "لتأييد الأمم المتحدة والنظام العالمي القائم على القواعد وتعزيزهما وإصلاحهما. ومن هذا المنطلق، يهدف الاتحاد الأوروبي إلى شراكة قوية مع الأمم المتحدة. كما سيسعى الاتحاد الأوروبي أيضًا إلى الحفاظ على الزخم السياسي من أجل الإصلاح ودفع الأمم المتحدة لتجاوبٍ أكبر سياسيًا وعلى صعيد العمليات على كافة المستويات."  وأفاد البيان أيضًا:

"سيساعد الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء الأمين العام للأمم المتحدة على حشد الدعم من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتعزيز التعاون على الإصلاح. وسيكون التحدي الرئيسي في السنة القادمة هو تمكين الأمين العام للأمم المتحدة من تنفيذ اقتراحاته للإصلاح. لقد آن الأوان للأمم المتحدة لإثبات تجاوبها مع القضايا المطروحة وإظهار القيمة التي ستضيفها إليها. وسيتطلب ذلك إجراء تغييرات في ثقافة الأمم المتحدة واستراتيجيتها وهياكلها وعملياتها. وسيكون من الضروري للأمم المتحدة أن تتواصل مع جميع الشركاء، مما سيؤدي إلى توسيع دائرة الحوار والاستثمار في حلفاء جدد. وسيستخدم الاتحاد الأوروبي تواصله السياسي والدبلوماسي لبناء تحالف دعمًا لإصلاح الأمم المتحدة. كما سيؤدي الالتزام بحوكمة عالمية أقوى أيضًا إلى إصلاح كيانات نظام الأمم المتحدة وأجهزتها، بما في ذلك الإصلاح الشامل لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب إنعاش دور الجمعية العامة حتى يكون عمل لجانها أكثر اتساقًا مع أجندة 2030. ينبغي ألا يؤدي التوجه متعدد الأطراف إلى التراخي، فعلينا جميعًا أن نساهم في إعادة بناء الثقة في قدرة الأمم المتحدة على الوفاء بمهامها."

لقد ركَّز الاتحاد الأوروبي بصورة خاصة على عملية تيسير هياكل الأمم المتحدة وميزانيتها وطرق عملها لجعلها أكثر فاعلية. وفي مجال دعم السلام بوجه عام، بُذلت جهود لتحسين التعاون بين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ولحشد البرامج والخبرات ومشاركتها. ففي بيان حول "تعزيز نظام الأمم المتحدة – إصلاح الأمم المتحدة: التدابير والمقترحات" ألقاه سفين يورجنسون، رئيس وفد البعثة الدائمة لجمهورية إستونيا لدى الأمم المتحدة في ديسمبر 2017م، بالنيابة عن الاتحاد الأوروبي، قُدم الدعم لمبادرات الأمين العام ورؤيته لإصلاح ركيزة السلام والأمن في الأمانة العامة. وأشار البيان بالأخص إلى أن "إعادة الهيكلة المؤسسية تلك، هي فرصة سانحة لضمان تحقيق تحسن مزدوج، يتمثل أولاً وبوجه عام في عمل ركيزة السلام والأمن بصورة أكثر اتساقًا وانسيابية واستراتيجية، وثانيًا في عملها على نحو أكثر فاعلية مع الركائز الأخرى التي يقوم عليها نظام الأمم المتحدة. ومن خلال تلك الجهود، ستتمكن الأمانة من تحسين قدرتها على منع الصراع والحفاظ على السلام وتوطيده، بغية استدامته."  

وعلى النحو ذاته فيما يخص عمليات حفظ السلام، صرحت جوان أدامسون، القائمة بأعمال وفد الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة، في مارس 2018م، في المناقشة المفتوحة لمجلس الأمن حول "العمل الجماعي لتحسين عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة" أن:

"هناك حاجة للتغيير لضمان نجاح عمليات حفظ السلام في البيئات شديدة التعقيد والصعوبة. نحن نتفق مع الأمين العام في دعوته الأمم المتحدة لتجنب العزوف عن المخاطرة عندما يتعلق الأمر بالتجديد، وللاستمرار في توليد أفكار جديدة واختبارها، مع الاستفادة من الدروس المكتسبة من الخبرات السابقة. إن العمل الفوري المتضافر من جميع الأطراف المعنية مطلوب لزيادة فاعلية عمليات حفظ السلام وموائمتها واتساقها مع كل وضع محدد عليها أن تتعامل معه."

ولكن في الوقت نفسه يعتبر تاريخ جهود الاتحاد الأوروبي في الدفع بتطبيق الإصلاحات المختلفة للأمم المتحدة مخيبًا للآمال نسبيًا. فعلى سبيل المثال، بالرغم من دعوة الاتحاد الأوروبي لمزيد من التغييرات في عمليات دعم السلام وحفظ السلام، إلا أن الاتحاد الأوروبي قلَّل من دعمه المباشر لتلك البعثات. فهناك حاليًا ما يزيد على تسعين ألف من أفراد حفظ السلام تخدم في بعثات الأمم المتحدة المختلفة في كل أنحاء العالم، وتأتي غالبية تلك القوات من دول خارج الاتحاد الأوروبي. وتقدم ست دول فقط وهي بنجلاديش وإثيوبيا والهند ونيبال وباكستان ورواندا حوالي 50% من قوات حفظ السلام الحالية، بينما يساهم الاتحاد الأوروبي بأعضائه الثمانية والعشرين بحوالي 6500 من القوات فقط. كذلك بدأ الاتحاد الأوروبي في الاعتماد على نحوٍ متزايد على التنسيق مع المنظمات الإقليمية، مثل الاتحاد الإفريقي أو المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، أو حتى محاولة إدارة الأزمات من خلال سياسة الأمن والدفاع المشتركة للاتحاد الأوروبي أو من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو) كما هو الحال في ليبيا. وقد كانت النتيجة انخفاض التفاعل مع عمليات حفظ السلام التقليدية للأمم المتحدة. والأهم من ذلك، فقد واكب عزوف الاتحاد الأوروبي أو تغير توجهاته، أن أصبحت الدول الأعضاء الأخرى ليس لديها بالمثل الاستعداد للمساهمة بأفرادها ومعداتها ومواردها المالية في مجال دعم السلام. 

هذا التطور قد عرَّض نظام الأمم المتحدة لقدرٍ أكبر من التناقض. ففي ذات الوقت الذي تطورت فيه بعثات دعم السلام للأمم المتحدة من مجرد بعثات رصد ومراقبة إلى عمليات متعددة الأبعاد وأكثر تعقيدًا، يتحول جزء كبير من المجتمع الدولي من عمليات متعددة الأطراف إلى نوع من أنواع التعاون أقرب الى نمط تحالفات الراغبين " coalition-of-the-willing”. وهذا يعني الافتقاد المتزايد للاتفاق حول قضايا التهديد الرئيسية التي سيتم مواجهتها، حيث تميل التحالفات الأصغر إلى إيلاء اهتمام وتركيز أكبر على أهدافها التشغيلية وتحكم المصالح الجيوسياسية الفردية والوطنية على دوافع المشاركة وهيمنتها على التوجهات الاستراتيجية. إن هذا الوضع الذي تشكل فيه الدول الفقيرة في الجنوب غالبية القوات لمهام حفظ السلام، في الوقت الذي تقوم فيه دول الشمال بتوفير الموارد المالية، لمن شأنه ان يخاطر بخلق صدعاً آخر، قد يكون دائما. وعليه، تشعر الدول المنتمية لما يسمي بـ "عالم الجنوب" بشكلٍ كبير بأن عليها تحمل العبء الأكثر خطورة على أرض الواقع، بينما تستطيع دول "عالم الشمال" أن تختفي وراء إسهاماتها المالية كدرعٍ واقٍ دون أن تتعرض فعلياً لأي أذى. وبدعم من البرلمانات الوطنية في أوروبا تتلاشى المشاركة الأوروبية شيئًا فشيئًا في بعثات حفظ السلام الصعبة، وهو بالتأكيد الوضع الذي غالباً ما يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في مواجهته.

يمكن توجيه نقد مشابه لقدرات الأمم المتحدة في مجال منع النزاعات والوساطة، وهو المجال الذي استثمر فيه الاتحاد الأوروبي موارد كبيرة وجهودا إصلاحية. وكما شوهد مؤخرًا في الدور الذي قام به من يطلق عليهم كبار المبعوثين في قضايا مثل قضيتي سوريا واليمن، يتضح فشل الأمم المتحدة في الوصول بأي من تلك النزاعات إلى الحل السياسي. والسبب في هذا الوضع هو الهيكل المؤسسي الفوضوي للأمم المتحدة، والتحيزات السياسية وتشكيلات السلطة بين أعضاء الأمم المتحدة الرئيسيين، بالإضافة إلى عدم وجود إرادة سياسية للمضي قدمًا في الاستراتيجيات التي نكون بأمس الحاجة إليها. إن جهود الاتحاد الأوروبي في تعزيز موقف المبعوثين أو لوضع المقترحات حول التدابير الصارمة التي ينبغي تنفيذها على أرض الواقع، لم تلق أي آذان صاغية أو أنها أصبحت عالقة في مستنقع بيروقراطية الأمم المتحدة. وعوضاً من ذلك، بدأ الاتحاد الأوروبي في الاهتمام بتطوير قدرات الحد من النزاع داخل الأمم المتحدة، حيث اتضحت محدودية تأثير الأمم المتحدة عند نشوب النزاع.

ومن القضايا الأخرى التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، والتي أحالت دون تحقيق نجاحًا أكبر في الدفع بإصلاح الأمم المتحدة، هي اختلاف وجهات نظر الدول الأعضاء داخل الاتحاد الأوروبي. ويتضح ذلك بشكل كبير عندما تتعلق المسألة بإصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث توجد دولتان -فرنسا والمملكة المتحدة-من بين أعضاء كلا الكيانين. وباعتبار أن مجلس الأمن أقوى مؤسسة تابعة للأمم المتحدة، فقد ثبت أنه الأكثر تمنعاً على الإصلاح، فهناك العديد من الدول التي تشتكي استبعادها من المناقشات الهامة أو تهميشها حتى عند تأثرها بشكل مباشر بقضايا السلام والأمن التي تم عرضها على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتزداد القضية تعقيداً بما أن أي تعديل في عضوية مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يتطلب تعديل ميثاق الأمم المتحدة نفسها، وهي خطوة يجب أن تكون مدعومة من قِبل ثلثي أعضاء الأمم المتحدة بما في ذلك جميع الأعضاء الخمسة الدائمين. وبالرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي على الحاجة إلى إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلا أنه ليس لديه أي موقف موحد، حيث تعترض فرنسا والمملكة المتحدة بشدة على إجراء أي تغيير في مبدأ حق الفيتو. فضلاً عن ذلك، ينقسم أعضاء الاتحاد الأوروبي بين عدة مجموعات: مجموعة الدول الأربع المكونة من ألمانيا والبرازيل واليابان والهند، الذين يسعون جميعًا إلى الحصول على مقعد دائم في المجلس، وهناك مجموعة تُسمى "الاتحاد من أجل التوافق" والتي تضم إيطاليا وتطالب بتمثيل أكثر عدالة في المجلس، كما ظهرت مؤخرًا مجموعة تابعة لأوروبا الشرقية تسعى أيضًا لتعزيز وضعها مقابل دور في المجلس. وفي المجمل، فإن القوة الدافعة للإصلاح قد بدأت في الزوال سريعًا.

ثمة قول بأن الجهود المبذولة في إصلاح نظام الأمم المتحدة يمكن تشبيهها بالطقس، الجميع يتحدث عنه ولا يملك أحد تغييره.  وبالنظر الى تمسك الاتحاد الأوروبي بنظام الأمم المتحدة، فلسوف يستمر الاتحاد في تعزيز المناقشات واتخاذ المبادرات عند الحاجة إلى الإصلاح على جميع الأصعدة داخل الأمم المتحدة، إلا أن المنهج الذي يتخذه الاتحاد الأوروبي، والمتمثل في العمل من داخل النظام ومحاولة عدم زعزعة استقرار النظام ككل، يعني عشوائية جهود الإصلاح وتفككها، ليصبح تأثيرها في النهاية تأثيراً هامشيا. وإذا ما ظل الاتحاد الأوروبي يحاول المحافظة على الوضع الراهن، بينما يسعى في الوقت نفسه الى تغييره، فسيبقى هذا التناقض قائمًا.

مقالات لنفس الكاتب