; logged out
الرئيسية / الغزو العراقي للكويت ما بين انهيار المنظومة العربية واستعادتها

العدد 164

الغزو العراقي للكويت ما بين انهيار المنظومة العربية واستعادتها

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

بعد مرور عقود من الزمن على الغزو العراقي و حرب تحرير الكويت من قبل التحالف الدولي حيث تحظى الكويت الآن بعلاقات متميزة مع العراق و ذلك بفعل جهود القيادة السياسية في كلا البلدين و التي عادة ما تصاحبها جهود على المستوى الشعبي، إلا أن مع قدوم شهر أغسطس من كل عام  لا يزال العالم أجمع و ليس الكويت فحسب يستذكر ذلك الغزو لفداحة الحدث، ناهيك على انعكاساته الإقليمية و الدولية، فلا يزال يتحدث الكويتيون عن تلك الذكرى المؤلمة كأنها حدثت بالأمس، فالمجتمع الكويتي جبل على الخير والتسامح و العطاء والترابط، لذلك ذكرى الشهداء و المفقودين سوف تظل راسخة في الذاكرة الجمعية للمجتمع الكويتي، و أتذكر تعليق المقبور صدام حسين على إصرار الكويتيين في المطالبة بعودة الأسرى والمفقودين والذين كان يبلغ عددهم آنذاك 6001، حيث يتساءل ماهي قيمة الواحد؟ و لماذا يصر الكويتيون على المطالبة بهؤلاء، فالعراق فقد الملايين في حروبه الخارجية و الداخلية فلا يزال هناك الشهيد و المفقود الذين لم يطالب بهم؟ إنها قيمة الإنسان، فهذا الواحد يكشف عمق الاختلاف الثقافي، ففي حين هذا الواحد لا يحمل أية قيمة بعين الدكتاتور، إلا أنه يعني الكثير في مجتمع يحرص على الكرامة الإنسانية. بعد مرور عقود من الزمن، تكمن أهمية استذكار ذلك الحدث في الدروس و العبر التي يجب أن يعيها العرب ونظامهم الإقليمي يزداد ضعفًا يومًا بعد يوم مع تزاحم و تنافس اللاعبين الإقليميين والدوليين الجدد.

الكويت و العراق صفحة جديدة

تسعى القيادة السياسية في كلا البلدين منذ سقوط الطاغية صدام حسين إلى تعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية و الاقتصادية و الثقافية، و ليس أدل على ذلك من زيارات صاحب السمو الراحل الشيخ صباح الأحمد ـ يرحمه الله ـ  إلى العراق، كما سعت الكويت إلى تبني مؤتمر إعادة إعمار العراق، حيث سارعت لأن تكون أولى الدول المساهمة- إلى جانب المملكة العربية السعودية- في صندوق إعادة الإعمار ، كما يبذل كلا البلدان جهودًا كبيرة في ضبط الحدود و محاربة الإرهاب  والحقيقة أن مفتاح تجاوز الماضي يكون بتعزيز العلاقات الإقتصادية لاسيما في مجال الملاحة و التجارة و الموانيء و هذا ما تقوم به الدول في الوقت الحالي وهي جهود تحتاج كذلك إلى دعم إقليمي و عالمي.

الغزو ..عراقي و ليس صدامي

أجيال جديدة من الكويتيين والعراقيين في الوقت الحالي لم يشهدوا أحداث الغزو، بل هناك شريحة كبيرة منهم لم يولدوا حينها وهذا ما يردده الكثير من الشباب العراقي في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقرون بخطأ ما قام به الطاغية صدام حسين تجاه الكويت و يطالبون بأن لا يحاسبون على تلك الأفعال وهذا عادة ما يدفع للتساؤل حول هوية الغزو ما إذا كانت عراقية أم صدامية؟ و الحقيقة أن تجاوز  الماضي لا يكون بتزويره بل باستيعابه كما هو، كما أن التجاوز يكون من خلال تحكيم العقل والثبات والاستقرار وتغليب المصالح العامة على المصالح الخاصة و الضيقة و هذا و لله الحمد ما تقوم به القيادة الحالية في كلا البلدين، إلا أن التلاعب في هوية الغزو هو في الواقع تزوير مشين لا يتماشى و التحديات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، فالرغبة في الاحتلال هي نمط من السلوك عبرت عنه القيادة السياسية العراقية في العديد من الحقبات التاريخية بما في ذلك الملك غازي، و الرئيس الشيوعي عبدالكريم قاسم مدفوعين بالرغبة في التوسع للحصول على المطل المائي، و هي رغبة عادة ما تغلف بالدعوات الباطلة حول الأحقية التاريخية في دولة الكويت. و هذا ما يدفعنا مجددًا للتأكيد على أن تعزيز التعاون الاقتصادي و الملاحي هو مفتاح تجاوز تلك الأزمات وأوهام الحقوق التاريخية.

الحليف أخر من يعلم

لم يكن الملك غازي أو عبدالكريم قاسم لينفذ ذلك المخطط المتهور وذلك لأسباب إقليمية ودولية، وإنما احتاج إلى شخصية مثل صدام حسين المهوس بعقدة الأنا منذ الصغر و المعجب بنحو خاص بالسكرتير الثاني للحزب الشيوعي جوزيف ستالين، حيث كان يحتفظ بمكتبة خاصة جمع فيها كل ما كتب عن هذا الطاغية الجورجي الذي اعتلى سدة الحكم في موسكو، والذي جاء من خلفية ثقافية بسيطة استطاع من خلالها الانتقام من شعوب الاتحاد السوفيتي بأكمله حيث شهدت حقبته أسوأ عصور الشرطة السرية والنفي إلى سيبيريا و التهجير وقتل الملايين. صدام حسين خرج من حروبه مع إيران والتي عزز من خلالها نظام الملالي الجديد مفلسًا ومصدومًا حينما علم بأنه كان ضحية للسياسة الأمريكية والغربية والتي كانت قائمة آنذاك على الاحتواء المزدوج لإيران والعراق من خلال تزويد كلا الطرفين بالسلاح من أجل إنهاكهم، و قد ازدادت الأزمة قسوة بعد فضيحة إيران جيت، والتي علم من خلالها أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تزود إيران بالأسلحة من خلال إسرائيل، فقد دفعت تلك الأحداث إلى ولادة فكرة احتلال الكويت، و التي رأى فيها صدام الحليف الأمريكي المخدوع بأنها تعويض عن تلك الخيانة، كما ازدادت قناعته بعد لقائه بالسفيرة الأمريكية في العراق ابريل غلاسبي والتي علقت على فكرة الإحتلال بأن الإدارة الأمريكية لا تتدخل في الخلافات العربية-العربية، وقد خضعت فيما بعد إلى جلسات محاكمة مطولة في أروقة الكونغرس، أما ما أثير حول حرب البترول و ابتزاز صدام للكويت بعد مطالبته بدفع مليار دولار، فهي جميعها كانت ملفات مفتوحة قابلة للتفاوض ولا تستدعي احتلال دولة مستقلة مرتبطة بعلاقات دولية معقدة، تطلبت من العراق الدخول في عملية تعويضات هائلة لكافة تلك الدول التي تضررت من الغزو العراقي على الكويت، الغريب أن الأردن من الدول الأولى التي طالبت بالتعويضات و كانت آنذاك من أوائل الدول التي باركت الغزو. كذلك الحال مع موريتانيا التي وقفت مع الغزو، و كانت الكويت آنذاك تقوم بتقديم مساعدات هائلة لها، حيث طالبت موريتانيا بعدم إيقاف صرف رواتب المعلمين فيها حيث كانت الكويت تتحمل تكاليف تلك الرواتب. كذلك الحال مع منظمة التحرير الفلسطينية التي باركت الغزو، إلا أن الكويت استمرت في مساعداتها المالية لفلسطين حيث لم تكن ترغب في معاقبة الشعوب بجريرة مواقف حكوماتها. فالقرارات المدمرة في الدكتاتوريات هكذا تولد من رحم الحسابات الخاطئة و المدمرة. و بذلك دخل العراق في دوامة العقوبات الدولية و التعويضات.

ما بين الغزو و حرب العراق في 2003

محطة مهمة أخرى من تبعات الغزو العراقي على دولة الكويت، و هي حرب العراق في 2003م. الوجود الأمريكي والأجنبي في منطقة الخليج لاسيما في الكويت كان من القضايا الحساسة ، فالكويت نجحت إلى حد كبير في تبني سياسة الحياد إبان الحرب الباردة لاسيما من خلال حادثة إطلاق الأعلام على السفن و شاحنات البترول حتى تتجنب الوقوع تحت سيطرة أي من المعسكرين الشرقي أو الغربي، كما تحظى الكويت بحركة مجتمع مدني نشطة تميل إلى المواقف العروبية الرافضة لمثل هذا التواجد، كذلك الحال مع المملكة العربية السعودية والتي كانت تشهد آنذاك أعمال إيرانية معادية في محاولة للنيل من مكانتها في العالم الإسلامي، وبذلك جاء صدام حسين ليقدم الخليج على طبق من ذهب للتدخل الأجنبي بفعل سياساته المتهورة، لذلك لم تكن الكويت أو دول الخليج الذي دفع بالتواجد الأمريكي العسكري في منطقة الخليج، بل كانت السياسات الصدامية، ولهذا فإن إسقاط نظام صدام في عام 2003م، هو استكمال لما تم في عام 1991م،  فالولايات المتحدة الأمريكية التي خرجت منهكة من الحرب الباردة أرادت نصرًا سريعًا قدمه صدام لأمريكا من خلال غزوه للكويت، وقد تحدثت الإدارة الأمريكية صراحة آنذاك، حيث ساهمت حرب تحرير الكويت في تخلص أمريكا من عقدة فيتنام، والتي أفضت إلى ولادة نظام عالمي جديد يقوم على الأحادية القطبية، لهذا لم تتردد الإدارة الأمريكية في عام 2003م، للتصريح علانية بأن إسقاط صدام هو عبارة عن "استكمال لعمل لم يتم استكماله" في عام 1991م، فبعد أن أدخل صدام العراق في دوامة العقوبات الدولية والتعويضات، أدخلها مجددًا في حروب الميليشيات و التدخلات الإيرانية.

البيت الخليجي في الأزمات

صلابة البيت الخليجي تعتبر أحد أبرز محطات الغزو، والتحرير حيث تؤكد تلك التجربة على أن الأزمات تساهم في تعزيز التضامن الخليجي، فقد بادرت كافة دول الخليج بدءا بالمملكة العربية السعودية في تقديم كافة أشكال الدعم المعنوي والمادي للكويت حكومة و شعبًا خلال تلك الأزمة التي تمكن الكويتيون من تجاوزها بفضل الموقف الخليجي المشرف، فلا تزال كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله ــ عالقة في أذهان كل كويتي حينما قال: " الحياة تساوت بالنسبة لنا بعد ما احتلت الكويت ..ما عاد في كويت ولا في سعودية فيه بلد واحد.. يا نعيش سوى يا ننتهي سوى.. يا تنتهي الكويت والسعودية.. يا تبقى الكويت والسعودية.. لا يمكن أن تنتهي واحدة و تبقى واحدة."

الدور المصري في رفض الاحتلال

 في مثل هذا اليوم لنا أيضًا أن نستذكر المواقف المشرفة للرئيس المصري الراحل حسني مبارك و الذي أبدى تضامنًا هامًا مع الكويت خلال تلك الأزمة، وهي مواقف لعبت دورًا هامًا في عودة الحق الكويتي وذلك لما لمصر من أهمية محورية في المنطقة العربية، فقيادتها كانت واعية لما لهذا الغزو من انعاكاسات مدمرة على الأمن القومي العربي. ففي الوقت الذي تماسك فيه الخليجيون وهم من وقع عليهم الضرر بالدرجة الأولى، تهاوى الموقف العربي، ما بين مؤيد و معارض لذلك الغزو المشين، بل حتى بعض الحكومات التي أيدت تحرير الكويت، خرجت بعض جماهيرها المغيبة تعارض تحرير الكويت. و قد استمر الموقف العربي ضعيفًا حتى بعد تحرير الكويت، فدبلوماسية الجامعة العربية ارتكزت على قضايا هامشية في معالجة العلاقات الكويتية-العراقية ما بعد التحرير، فبدلاً من السعي الفعال لحل أزمة المفقودين والمرتهنين وإقناع صدام بالتنحي السلمي، والبدء في  إجراءات بناء الثقة، ارتكزت الدبلوماسية آنذاك على المسميات، كاستبدال كلمة الغزو العراقي بالحالة العراقية- الكويتية وغيرها من مواقف لا تغني ولا تسمن من جوع، وهكذا فقد العرب إحدى الفرص التي سبقت التدخل الأمريكي مجددًا لإنهاء ما تبقى من النظام البائد. و تصاعد النفوذ الإيراني على حساب الهوية العربية للمنطقة. و قد دفع ذلك الوضع إلى تصاعد نفوذ القوى الإقليمية الشرق أوسطية في المنطقة لاسيما تركيا و إسرائيل، و ها نحن الآن نشهد تنافسًا روسيًا وصينيًا، حيث أصبحت المنطقة العربية مسرحًا لسقوط وصعود قوى إقليمية ودولية.

العرب و الحاجة إلى الصعود من جديد

الغزو العراقي على دولة الكويت، ليس حادثة عابرة، بل هو درس لابد أن يعيه العرب جميعًا لاسيما المغيبون بالأفكار الأيديولوجية، ودراسة تبعاته المدمرة على كامل المنظومة العربية، و بذلك فإن إعادة بناء تلك المنظومة تكون من خلال  احترام حقوق الإنسان و المشاركة الديمقراطية والتي تنعكس إيجابًا على العلاقات الإقليمية والدولية حيث تسعى الدول إلى احترام مفهوم السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي واتباع كافة الأساليب الدبلوماسية الممكنة في إدارة الأزمات لاسيما في مرحلة ما قبل وقوع الأزمة وما بعد الأزمة، و تعزيز دور الوساطة والأمن الإنساني والتعاون الدولي واحترام القوانين الدولية، حتى نتمكن من تحقيق استدامة السلام في الخليج و المنطقة العربية.

مقالات لنفس الكاتب