array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 164

ستة ركائز تضمن ديمومة واستمرار العلاقات السعودية / العمانية

الثلاثاء، 10 آب/أغسطس 2021

لا يمكن وصف ما خرجت به القمة العمانية السعودية من نتائج كبرى وتاريخية، سوى بشراكة القرن بين البلدين، ولها انعكاسات إقليمية، وهو اسم على مسماه ، فهي تؤسس المصير البنيوي المشترك بين أكبر دولتين في المنظومة الخليجية من جهة، وتفتح آفاق السلام في منطقة الخليج – بعربها وفرسها – وشبه الجزيرة العربية من جهة أخرى، وتتوفر لها كل مقومات النجاح والديمومة، لأنها تؤسس بفكر عملياتي يغلب عليه البرغماتية المتقابلة، وبمشاريع بينية مصيرية عملاقة، ومتعدية الثنائية، تتقاطع مع أجندات حلم الوحدة الخليجية، وتحتوي التباين في الخلافات وتباين المواقف السياسية، وتضع الخليج العربي في واقع جيواستراتيجي جديد بعيدًا عن مخاطر مضيق هرمز.

سنتناول شراكة القرن العمانية السعودية وانعكاساتها الخليجية وعلى المنطقة عامة من خلال المحاور التالية :

أولاً : القمة العمانية / السعودية .. تؤسس المصير المشترك والدائم بين البلدين.

ثانيًا : مشاريع شراكة  القرن .. تفتح السلام في الخليج والجزيرة العربية.

ثالثًا : طريق ثان وقطار بين السلطنة والمملكة .. حتميتهما متعددة الأغراض.

رابعًا : ضمانات ديمومة مستقبل الشراكة من التأثيرات السياسية وتقلباتها.

.................

أولاً : القمة العمانية السعودية .. تؤسس المصير المشترك والدائم بين البلدين

ما تم الكشف عنه من مشاريع ضخمة بين الرياض ومسقط حتى الآن، ليست سوى الحزمة الأولى للشراكة بين البلدين، وهى كافية لإصدار أحكام استشرافية على مرحلة تأسيس الشراكة ومستقبل العلاقات بين البلدين، وقد تم اختيار مجموعة مشاريع اقتصادية بنيوية لكلا البلدين، وذات حمولة اجتماعية ثقيلة، لكي تنطلق منها الشراكة، ويغلب عليها  مفهوم المصير المشترك  والمتبادل في النفع والضرر – لا قدر الله – لذلك، فهي مصيرية وبنيوية لكلا البلدين.

وهذا الارتباط العضوي يؤسس مستقبل الرياض ومسقط على المدى الطويل في إطار جهودهما لصناعة اقتصاديين بمصادره غير النفطية، وتطلعات ثنائية للعالمية، لذلك، فهناك مصلحة استراتيجية لكلا البلدين من هذه الشراكة، ومن خلالها تم إعادة توجيه بوصلة الاستثمارات السعودية الحكومية والخاصة إلى سلطنة عمان التي يعاني اقتصادها من تداعيات كورونا وتأثير انخفاض أسعار النفط ، ومن مستويات مرتفعة من الديون.

ولو بحثنا في طبيعة المشاريع المعلنة التي تؤسس المصير الاقتصادي المشترك فسنجدها كثيرة ، كإقامة منطقة صناعية سعودية في السلطنة، يديرها ويشغلها ويطورها الجانب السعودي،  وكذلك إقامة  " 150 " مشروعًا استثماريًا سعوديًا تقدر قيمتها بـ " 15 " مليار ريال سعودي  في قطاعات التطوير العقاري والصناعة والسياحة والثروة السمكية والطاقة المتجددة والبتروكيماويات .. الخ وقد تم تشكيل فرق عمل تشمل كافة القطاعات الواعدة التي تدخل ضمن متطلبات الرؤية المستقبلية لكل دولة ، السلطنة  2040 م، والمملكة 2030 م، وهما تعتمدان على الاستثمارات الأجنبية بصورة كبيرة ، تصل في الرؤية العمانية إلى " 80 % " ، وهذا  يعني أن مسقط تعتمد الآن كثيرًا على الاستثمارات السعودية بنسبة كبيرة ، وتضع ثقلها الاقتصادي عليها، من هنا تتضح لنا ملامح أساسية لمفهوم المصير البنيوي المشترك بين البلدين، سنتوقف عند حدثين هامين لهما فوائد متعددة اقتصادية وسياسية، ومتجاوزة الثنائية، وهى :

أولاً : أنبوب النفط السعودي .

يعتبر مد أنبوب للنفط السعودي عبر الأراضي العمانية للوصول إلى بحر العرب ، من أحلام القرن الجديد في الخليج ، وبقدر ما يشكل بحر العرب والمحيط الهندي مصلحة حتمية خليجية عامة ، فهو الأكثر أهمية للرياض، فلديها رغبة كبيرة قديمة ومتجددة في أن يكون لها منفذ بحري على هذه البحار الآمنة البعيدة عن مناطق التوترات والصراعات في هرمز ، والآن تتحقق لها هذه الرغبة الاستراتيجية، بحيث سيكون لها طريقًا بديلاً لتصدير نفطها للأسواق العالمية، مما سيقلل من الأهمية الاستراتيجية لهرمز ، خاصة في حالة إقامة ميناء سعودي للنفط على الشواطئ العمانية الواقعة على بحر العرب .

في المقابل سيدر هذا الأنبوب عوائد مالية إضافية لخزينة الدولة العمانية، فمسقط تتعامل مع أهم وأكبر دولة بترولية في العالم من حيث الاحتياطي والإنتاج والصادرات والطاقة التكريرية ، فهي تمتلك 19% من الاحتياطي العالمي و12% من الإنتاج العالمي ، وأكثر من 20% من مبيعات البترول في السوق العالمية، كما تمتلك طاقة تكريرية تصل إلى أكثر من خمسة ملايين برميل يوميًا داخليًا وخارجيًا.

وفكرة خط الأنابيب قديمة ترجع للحرب العراقية /الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي، وكان من المخطط في حينها أن تشارك فيه الكويت والإمارات، وهذه الخلفية تعطينا أبعاد أخرى لأنبوب النفط ، فهو الحلم القديم لأهل الخليج كلهم، والآن يتحقق هذا الحلم بثنائية الفعل، وهو ما يجعله مشروعًا خليجيًا مستقبليًا سيكون من أسس السلام والاستقرار الدائم بين الدول الست من جهة وشبه الجزيرة العربية من جهة ثانية ، كما سيأتي لاحقًا.

ثانيًا " الطريق البري المباشر بين البلدين

يدخل إقامة طريق بري مباشر بين البلدين في نفس السياقات، وهو الطريق الوحيد بعد ما كان التواصل البري بينهما يتم عن طريق دولة ثالثة، وهى الإمارات، وسيتم افتتاحه قريبًا، كلف خزينة الدولة السعودية  " 9، 1 " مليار ريال سعودي، وخزينة الدولة العمانية أكثر من مائتين مليون ريال عماني ، وقد شيد بأرقى المواصفات والمقاييس لكي يتناغم مع ظروف صحراء الربع الخالي ، وافتتاحه الآن، تحتمه ضرورة إقامة المنطقة الصناعية السعودية داخل الأراضي العمانية، وبالتحديد ولاية عبرى العمانية التي ستقام فيها هذه المنطقة .

وسيسهم هذا الطريق كذلك في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثماري بين مسقط والرياض، مسهلا وصول البضائع السعودية إلى الموانئ العمانية ومناطقها الاقتصادية الحرة الواقعة مباشرة على بحر العرب، وعلى الجانب العماني، سيفتح الطريق المجال للسلع الطازجة العمانية، كالأسماك حيث تعد السلطنة الأولى في الإنتاج خليجيًا، بالوصول في وقت قياسي إلى السعودية ، مختصر " 800 " كيلو متر من المسافة الأصلية التي تقدر بخمسة عشر ساعة .

كما سيسهل هذا الطريق حركة الحجاج العمانيين والسياح السعوديين و يشكلون المرتبة الأولى خليجيًا الذين يزورون محافظة ظفار الواقعة جنوب السلطنة، حيث تشتهر ظفار بطقسها الموسمي والذي يعرف محليًا بالخريف ، ففيه تكسو الخضرة جبالها وسهولها، ويلف الضباب هضابها، كما يهطل الرذاذ الخفيف ليلطف الجو، ويقصدها الكثيرون من داخل السلطنة ومن الخليج ، وقدر عدد السعوديين في آخر موسم الخريف 44،955 سائحًا .

وستنشأ حركة حياة اقتصادية على طول هذا الطريق، ستنعكس إيجابًا على التنمية الاجتماعية ، مما سيتعاظم الارتباط النفعي بين الشعبين الشقيقين، كما يفتح هذا الطريق الفرص الاستثمارية المشتركة لإقامة المرافق السياحية العائلية لجذب السياحة الخليجية داخل المنطقة عوضًا عن مساراتها الخارجية ، وهذا مصدر دخل كبير ومستدام، وقد بلغ إجمالي حجم الإنفاق على السياحة الداخلية والخارجية للسعوديين عام 2019م، نحو " 123 مليار ريال " 32،8 " مليار دولار ، هذا فقط مؤشر للاستدلال به .

  • طريق ثان وقطار بين السلطنة والمملكة .. حتميتهما متعددة الأغراض

ربما كان ينبغي أن يتجه التفكير إلى إقامة طريق ثان بين السلطنة والمملكة، وفي الوقت نفسه قطار يربط البلدين، وهما يشكلان أولوية اقتصادية وسياسية أمنية لكلا البلدين ، وفي السياقات الزمنية  للطريق الأول، على أن  يبدأ الطريق البري – المقترح - من خرخير التابعة لمنطقة نجران السعودية إلى نيابة ميتين بولاية المزيونة بمحافظة ظفار العمانية، وهى ولاية حدودية مع اليمن، وهذا المنفذ البري سيخدم بالإضافة إلى ما سبق ذكره ، منطقة المزيونة الحرة التي سيكون سوقها اليمن بتعداد سكانها البالغ أكثر من " 32 " مليون نسمة، وكذلك لما بعد اليمن خاصة القرن الإفريقي ، وبالتالي ، فإن منطقة المزيونة الحرة ، تعد منطقة جذب استثمارية سعودية مغرية .

كما سيكون للقطار بين البلدين، فوائد اقتصادية واجتماعية بل وأمنية كبيرة ، لأنه أولا ، سيخلق التنوع في وسائل نقل الأفراد والبضائع بين البلدين، ومنهما لبقية الخليج وشبه الجزيرة العربية وأخيرًا للعالم عبر ربطه بموانئ كلا البلدين، وسيقلل من التكاليف ويعزز التكامل الاقتصادي بين البلدين مع محيطه الخليجي، وإطاره العربي، كما سيساعد في تنشيط السياحة الثنائية، وسيعمل على إحياء المناطق التي يمر بها خط القطار والمحطات التي يقف فيها، إنه سيعمل على إحداث تنمية اقتصادية واجتماعية تستفيد منها شرائح اجتماعية واسعة .

كما أن أهميتهما – الطريق البري الجديد والقطار  ، تكمن كذلك  في مرحلة إعادة إعمار اليمن التي تهدف إلى إعادة بناء وتطوير البنية التحتية التي تأثرت بالحرب ، وإعادة تأهيل القدرات اليمينة في كل المجالات، وكذلك مساهمة الرياض ومسقط في تأمين احتياجات السوق اليمني من السلع والبضائع والحاجات الأخرى، كما سيسهل للبضائع السعودية الوصول إلى ميناء صلالة، ومن ثم إلى البحار المفتوحة التي تقرب المسافة لكل القارات.

ثانيًا : شراكة  القرن .. تفتح السلام في الخليج والجزيرة

كما اتضح لنا مما سبق، أن شراكة القرن بين مسقط والرياض تتعدى الثنائية بين البلدين، وذلك بجحم مشاريعها الضخمة، وانعكاساتها على دول المنطقة، فتلكم المشاريع جوهر ديمومتها، استقرار وتناغم العلاقات بين أكبر دولتين في المنظومة الخليجية، وما لذلك من انعكاسات على إقليمية مباشرة، وهذا الآن يتحقق من خلال شراكة القرن بين البلدين، خاصة مدى اعتمادها على مبدأ الترابط والاعتماد المتبادل لمشاريعها .

فمثلاً ، يحمل أنبوب النفط السعودي داخل الأراضي العمانية بغية الوصول  إلى بحر العرب،  أمل السلام والاستقرار للخليج العربي ولشبه الجزيرة العربية ، فهو يبعث برسائل اطمئنان للمخاوف الجيواستراتيجية وصراعاتها، ويضع حدًا للهواجس التي كانت تعرقل حل بعض النزاعات الإقليمية، خاصة الأزمة اليمنية، بعد أن أخذ ملف مد أنبوب للنفط السعودي عبر الأراضي اليمينة، حيزًا كبيرًا من التجاذبات والاحتقانات، امتزجت فيه الحقيقة مع الشائعات .

والآن ، بعد الاتفاق العماني السعودي على مد الأنبوب من داخل الأراضي العمانية ، يكون موضوع الأنبوب قد حسم نهائيًا ، وبالتالي، فإن الأمور ستتجه للتهدئة، ولن تثور قضية الأطماع الجيواسراتيجية التي استغلت من قبل البعض وأثارت حفيظة الاشقاء اليمنيين، وحاولت بعض الأطراف زج مسقط في هذه الاحتقانات ، والاتفاق على الأنبوب يدلل على الواقعية التي تتعامل بها الرياض ومسقط بعيدًا عن الضوضاء وتأثيراتها، وهى تعني هنا، ربط العمق الجيواستراتيجي العماني المتمثل هنا ببحر العرب والمحيط الهندي بالعمق الجيواستراتيجي السعودي الذي يمثله هنا بالبحر الأحمر .

واحتضان الأراضي العمانية للأنبوب السعودي، له عدة نتائج لصالح المنقطة عموما ابرزها: أنه يصنع حالة تفاهم مستدامة بين الرياض ومسقط، مما ستعزز حالة التوزان الإقليمي ، وتسهم في نقل المنطقة الى التركيز على التنمية والتقدم، كما ينهي أكبر حالة احتقان تستغل من قبل أعداء السلام والاستقرار في المنطقة، ويجعل جهود الدول الإقليمية والدولية تنصب الآن على التسويات السلمية، والتفرغ لمعركة التنمية التي تخدم الشعوب، فليس هناك من خيارات أخرى لدول المنطقة جميعها لصناعة اقتصاداتها الجديدة سوى طريق السلام، والاستفادة الجماعية من أعماقها الجيواستراتيجية وجعلها في خدمة التنمية والاقتصاديات الإقليمية، كالحالة العمانية السعودية " .

ومن نتائجه كذلك، أنها تؤثر على الإمكانية المتاحة الآن أكثر من أي وقت مضى ، على تحقيق الأجندات الخليجية كالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والوحدة الاقتصادية .. وصولاً إلى حلم الاتحاد الخليجي، لذلك، تتلاقى الشراكة العمانية السعودية مع ما خرجت به قمة الرياض الخليجية الأخيرة التي اتفق فيها القادة الستة، على الانتقال من التعاون إلى التكامل الشامل وصولاً للوحدة الاقتصادية، وحددت عام 2024م، موعدًا لاستكمال تحقيق متطلباتها، وهنا يمكن اعتبار شراكة القرن بين الرياض ومسقط على أنها خطوة ضمن هذا السياق الوحدوي، وينبغي عليها أن تختصر الوقت، وتندمج فيه سريعًا، فهو خيارها المستقبلي.

والنموذج العماني السعودي، سيقود المنطقة للاستقرار، فأكبر جغرافيتين سياسيتين في الخليج تذهبان لخيار الأجواء والحدود والبحار المفتوحة بينهما من منظور التكامل وتبادل المنافع، وتطويان صفحة الخلافات، وتنظران للمستقبل بتلكم البرغماتية وفق مقاربة مشتركة لإعادة تأسيس الدولة والمجتمع في كل منهما .

وهنا، قد تثور قضية الاستمرار والديمومة، والمخاوف من تأثير السياسة وأنوائها على شراكة القرن، وهذه الهواجس مشروعة قياسًا بالتجارب العربية والخليجية المعاصرة ، وهذا ما سنبحثه في المحور التالي .

  • ضمانات ديمومة شراكة القرن بين مسقط والرياض .

في مثل هذه الشراكات الضخمة، وعميقة الترابط والاعتماد المتبادل، وبعيدة المدى ، فإن العقلية العربية، تطرح هواجس الاستمرارية والديمومة، لأن في ذاكرتها تجارب واعدة، افشلتها السياسة والتآمر ، ولأهمية هذه المسألة، فإننا سنتناولها من منظورين على النحو التالي :

الأول : البديهيات .

من البديهي أن تكون الرياض ومسقط قد توصلتا لرؤية استراتيجية للأزمات والصراعات الإقليمية والدولية الراهنة، وكيفية التعامل مع ما يستجد منها دون أن تؤثر على مصالح البلدين، ومن خلالها قررتا المضي قدمًا في هذه الشراكة، بدليل ، البداية القوية لها ، ودليل آخر، وهو ما كشفته القمة السعودية العمانية عن اتفاق البلدين بشأن أزمات وقضايا إقليمية في غاية الحساسية والتعقيدات، مثل حل الأزمة اليمينة، والنووي والصاروخي الإيرانيين، واستقرار السوق النفطية .. الخ وهذه كبرى الاستدلالات على وجود رؤية استراتيجية بين البلدين .

وما جاء في البيان المشترك عقب القمة، يعكس ما ذهبنا إليه ، فقد اتفق البلدان على مرجعية الحل السلمي للأزمة اليمنية وهى، المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل وقرار مجلس الأمن الدولي ومبادرة الرياض لإنهاء الأزمة اليمنية ورفع المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني ، وبعثت مسقط والرياض في البيان برسائل سياسية خارجية قوية، تشير بوضوح إلى رغبة البلدين، وقدرتهما على السيطرة على الأزمات المستقبلية، فقد أكدتا نهج التنسيق بما يخدم مصالحهما ويدعم ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وهذا التنسيق من شأنه التقليل من هوامش الاختلاف.

ثانيًا: آلية التنسيق السياسية.

أوجدت قمة نيوم العمانية / السعودية، آلية سياسية لضمانة ديمومة تنسيق مواقف البلدين، والتحكم في المستجدات، وهى تتمثل في تأسيس مجلس تنسيقي بين البلدين برئاسة وزيري الخارجية في كلا البلدين، وهما الأعلم بالسياسة وتوافقاتها وتحدياتها، وهذا اختيار في محله، أفضل بكثير من مستويات أعلى  للرئاسة، فالتحديات السياسية التي تواجه الشراكة أكبر، لذلك، ستدار من قبل كبار سياسيي البلدين ومنفذي سياساتهما الخارجية، كما للمجلس اختصاصات أخرى، وهى تتلخص في رعاية مرحلة التأسيس إلى الديمومة حتى نضمن نجاحها من جهة، وتحقيق سقوفاتها العليا من جهة أخرى، ومن المؤكد أن هذا المجلس سيكون له لجان تنفيذية، وأمانة عامة، ولجنة استشارية، وهنا نقترح أن يمثل في اللجنة الأخيرة أعضاء من ممثلي المجتمع والمفكرين المستقلين من  كلا البلدين، كصوت اجتماعي يعتد به في مسارات الشراكة .

 

ثالثًا : ضمانة التلاقي البرغماتي

لم تأت الشراكة العمانية / السعودية بمشاريعها الضخمة، إلا بعد أن تقاربت البرغماتيتين لقيادتي البلدين، وتجردتا من هواجس الماضي، وانزاحت من المشهد السياسي بعابع أعداء التقارب بين البلدين، وتوفرت الظروف والمعطيات النفعية المتبادلة والحتمية، عندها، انكشفت بجلاء تلاقي مصالح البلدين، وحاجة كل منهما للآخر في بناء اقتصاده الجديد، وهى تشكل حاجة وجودية، وهذه الحاجة ، تشكل إحدى رهانات ديمومة الشراكة  لكلا البلدين.

وهنا، يمكن القول صراحة، أن الضمانات تتوفر من الطرف العماني، ولماذا هذا التخصيص ؟ كونه المحتوى الجغرافي الذي سيحضن الحلم السعودي، ورهاناته  للوصول إلى بحر العرب، ومن ثم باقي الممرات المائية المفتوحة، فأهم ما يميز مسقط الآن، إضافة إلى ما سبق ذكره، عدة عوامل قديمة وجديدة، أبرزها، عامل الخبرة التاريخية الطويلة، التي تجعلها تقدس التزاماتها الإقليمية والدولية، وتجعلها بمنأى عن الأنواء السياسية، فلم يسجل لها تاريخيًا، أنها قطعت علاقاتها أو سحبت سفراءها مع دول شقيقة أو صديقة ، أو تأثرت المصالح مع الآخرين بسبب تباين المواقف السياسية معهم .

كما اكسبت سياستها الخارجية شهرة واسعة بالثنائية الشهيرة وهما، الثبات على  المبادئ والالتزامات، ومصداقية تطبيقها مهما كانت التحديات بما فيها تقلبات مواقف الطرف الآخر، والمثال الذي نقدمه على ثباتها على المبادئ، احتفاظها بعلاقاتها مع القاهرة بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد في وقت قاطعها العرب كلهم ، وأيضًا مع طهران، فرغم خذلان مسقط في الكثير من المواقف الحرجة، إلا أن العلاقات معه لم تتضرر، وظلت تنظر لها كشريك تتشارك معه على ضفتي مضيق هرمز الذي تمر عبره 90% من النفط الخليجي المصدر للعالم.

وهذا تاريخ يحسب لمسقط ، وقد أصبح مقدرًا الآن من الكل بما فيهم الأشقاء في الرياض، بحيث يدفع بهم إلى بناء شراكات معها، وهم يعلمون مدى الالتزام بها، وهذا يعزز ديمومة الشراكة مع الرياض، وينضج الثقة فيها .

رابعًا : تغليب مفهوم الأمن السياسي في الفكر السياسي العماني .

وهذا المفهوم يضيف ميزة كبيرة وهامة على ضمانات الديمومة سالف الذكر ، ونرى أنه لوحده كافيًا لتوفيرها – أي الضمانات - ويتبلور هذا المفهوم في إيمان القيادة الجديدة في مسقط في ربط الشأنين الداخلي والخارجي للدولة، وبما ينسجم مع المصلحة الوطنية العليا، وهو يجمع – كمفهوم - بين العام والخاص في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والعسكرية والأمنية والإعلامية، وهذا يفسر لنا توجهات الشراكة بين الجانبين، حيث تشمل كل تلك المجالات، وهذه كبرى التحولات غير المسبوقة في المنطقة، ومنها يفهم طبيعة الوفد العسكري والأمني الكبير المرافق للعاهل العماني في زيارته للملكة، وهذا في حد ذاته كبرى ضمانات الديمومة.

خامسًا : الثقة الأمنية التاريخية

هناك تاريخ أمني وعسكري عميق بين البلدين، يساعدهما الآن كثيرًا في تجاوز مسألة الثقة، والانتقال إلى الخطوات التالية، ففي حالات الجزر والشكوك في العلاقات بين البلدين، لم يتأثر هذا التعاون الأمني والعسكري أبدًا،  كما لم يسجل اختراقًا أمنيًا – صغيرًا أم كبيرًا – من على الحدود العمانية ضد جيرانها بما فيها الرياض،  رغم تحديات صحراء الربع الخالي

ولن نبالغ إذا ما قلنا، أن الثقة الأمنية والعسكرية بين الجانبين، هي التي تمنح الزخم القوي لتوجهات البلدين نحو المصير الاقتصادي المشترك، وهنا مرة أخرى، نرجع إلى الوفد الأمني والعسكري الكبير والرفيع المصاحب لزيارة السلطان هيثم للسعودية، وهو هنا يظهر مجددًا، أنه من مقتضيات تعزيز البعد الأمني والعسكري لمشاريع أحلام القرن بين البلدين .

سادسًا : العلاقات العمانية الجيدة مع إيران والحوثيين

وهذه العلاقات ستوظف لصالح صناعة الاستقرار في المنطقة، وستكون شأنًا عمانيًا خالصًا، أي مباشرًا، وهو أي - الاستقرار – من مقتضيات الاقتصاديات الجديدة في المنطقة، من هنا ينبغي ان نتفاءل  في حل بعض الأزمات الإقليمية، فحجم مصالح مسقط المصيرية مع الرياض، المعلنة والمستقبلية، سيجعلها توظف علاقاتها لصالح الحل أو تقريب وجهات النظر أو دفع الأمور نحو التهدئة حتى لا تؤثر أية توترات في المنطقة على هذه المصالح ، وهى مصالح لن تقتصر على ما أعلن عنها، بل أكبر، حيث تعكف فرق العمل المشتركة على اكتشاف الفرص الجديدة بعد ربط العمق الجيواستراتيجي العماني بالعمق الجيواستراتيجي السعودي، وعلينا هنا أن نطلق التفاؤل دون قيود بالوحدة الاقتصادية الخليجية خلال المدى المتوسط، وربما بالاتحاد وفي الأجل نفسه، كل الاحتمالات قائمة، بما فيها السلام الإقليمي .

مقالات لنفس الكاتب