; logged out
الرئيسية / مواءمة استراتيجيات التنمية الخليجية مع "الحزام والطريق" محور دبلوماسية الصين

العدد 165

مواءمة استراتيجيات التنمية الخليجية مع "الحزام والطريق" محور دبلوماسية الصين

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

لقد عززت الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين مجالات التعاون في الطاقة والبنية التحتية والتجارة والاستثمار والطاقة النووية والفضاء والطاقة النظيفة والأقمار الصناعية وغيرها. مما دفع دول الخليج إلى رغبتها في تعميق علاقاتها مع الصين في المجال الأمني وتعزيز انخراطها في القضايا الأمنية للمنطقة وخاصة أنها تعتبر حليف استراتيجي لإيران التي تنظر إليها دول المجلس على أنها تهديد حقيقي لأمنها الوطني والإقليمي، وهي ميزة للدبلوماسية الصينية في التواصل مع جميع أطراف الصراع، وإبراز قوتها الوطنية الشاملة وتجاوز قيود العلاقات الدولية المعقدة في المنطقة.

  • أهمية العلاقات المشتركة بين الصين ودول المجلس في ضوء "رؤية التنمية المستقبلية الخليجية" ومبادرة "الحزام والطريق"

وضعت دول مجلس التعاون الخليجي خططًا تنموية طويلة الأجل لاستكشاف أساليب الحوكمة التي تعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار الداخلي. فصاغت المملكة العربية السعودية خطة "رؤية ٢٠٣٠" ، وعمان " رؤية ٢٠٤٠"، والكويت " رؤية ٢٠٣٥"، والإمارات " مئوية ٢٠٧١". تعكس هذه الخطط التنموية مساعي دول المجلس للإصلاح والتنمية، ولاسيما بعد تجربة الاضطراب العنيف لـ "الربيع العربي". جاءت مبادرة "الحزام والطريق" لتتوافق إلى حد كبير مع متطلبات هذه الخطط التنموية. حيث تتركز المبادرة على التعاون في مجال الطاقة باعتباره المحور الرئيسي، والبنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين، والطاقة النووية، والأقمار الصناعية الفضائية، والطاقة النظيفة باعتبارها مجالات التكنولوجيا الفائقة الثلاثة، وهي نقاط اختراق لنمط معادلة التعاون الصيني العربي "1 + 2 + 3". دفعت هذه المعادلة تعميق التعاون بين الجانبين ليرتقي إلى" شراكة استراتيجية شاملة" ولاسيما مع السعودية والإمارات. وتأتي مجالات التعاون الجديدة كمؤشر للتطور الكبير في العلاقات بين دول المجلس والصين والتغيرات في الدبلوماسية الصينية لحماية مصالحها المتنامية في المنطقة دون انخراط عسكري.

البنية التحتية

يخدم هذا الجانب طريق الحرير البحري الصيني عن طريق دعم مشاريع البنية التحتية وتطوير الموانئ ومرافق التخزين المتعلقة بالتجارة، بينما يتوافق هذا المجال مع الخطط التنموية الخليجية المستقبلية التي تتركز على ضخ استثمارات خاصة وأجنبية بشكل كبير في الاقتصاد غير النفطي، مثل قطاعات: التعدين والمعادن، والبتروكيماويات، والتصنيع ، وتجارة التجزئة والجملة، والسياحة، و الضيافة والرعاية الصحية والتمويل والبناء. في السعودية، وصلت قيمة عقود  البناء الصينية إلى أكثر من ٣٥ مليار دولار بين عامي ٢٠٠٥ – ٢٠١٩م، مثل بناء خط سكة حديد يربط بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة لنقل الحجاج، وبناء أكبر محطة كهرباء في الشرق الأوسط شمال جدة، ومصفاة ينبع المشتركة بين أرامكو وسينوبك. ومشروع مدينة نيوم السعودية العملاقة، التي يتم بناؤها على الساحل الشمالي الغربي للبحر الأحمر، وهي مدينة ذكية تبلغ تكلفتها ٥٠٠ مليار دولار أمريكي، وأيضًا مدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية في عام ٢٠١٦م، المدينة التي تقع على الساحل الجنوبي الغربي السعودي على البحر الأحمر، كما يجري بناء مصنع جازان للبتروكيماويات، بالشراكة مع شراكة " Pan-Asia PET Resin Co". وفي عام ٢٠٢١م ، وقعت شركة COSCO Shipping Ports Limited الصينية اتفاقيات مع محطة بوابة البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية لاستثمار ٢٠٪ من رأس المال في ميناء جدة الإسلامي، وأيضًا وقعت شركة Hutchison Ports في هونج كونج اتفاقية استثمار وتشغيل محطة حاويات وشحن البضائع العامة في جيزان. كما تحرص دبي على استقطاب الاستثمارات الصينية الموجهة للمبادرة في المنطقة عبر إقامة مناطق لوجستية وضخ استثمارات بمليارات الدولارات في قطاعات البنية التحتية. فعلى سبيل المثال، وقعت "موانئ أبوظبي" في يوليو ٢٠١٧م، "اتفاقية مساطحة" لمدة خمسين عاماً مع "شركة الاستثمار والتعاون وراء البحار لمقاطعة جيانغسو المحدودة (جوسيك)" لتنفيذ مشاريع في منطقة التجارة الحرة لميناء خليفة بقيمة ٣٠٠ مليون دولار، وتعد الصين أكبر مســـتثـمر أجنبــــــــي في المدينة حيث هناك أكثر من ٢٠ شركة صينية. في مايو ٢٠١٩م، أعلنت مجموعة "إيست هوب" الصينية العملاقة والمتخصصة بقطاع الصناعة عن توقيع مذكرة تفاهم مع مدينة خليفة الصناعية في أبوظبي والتابعة لموانئ أبوظبي؛ للعمل بدراسة جدوى مشتركة للقيام بمشروع بقيمة ١٠ مليارات دولار يمتد على ٣ مراحل لمدة ١٥ عامًا. يتضمن منشأة لتكرير الألومينا، وبناء مركز أبحاث لدراسة خصائص الطين الأحمر، ومشروع لإعادة التدوير ومعالجة خامات المعادن غير الحديدية في مراحل الإنتاج الأولية والنهائية.  ومن أهم المشاريع في عمان، مشروع المدينة الصناعية الصينية- العمانية بولاية الدقم، وفي الكويت، تطوير مشروع مدينة الحرير والجزر الخمس ومشروع شبكة البنية الأساسية، الذي تنفذه شركة (قهتشوبا) في إطار التعاون الثنائي لمبادرة الحزام والطريق الصينية ورؤية الكويت ٢٠٣٥م.

 

الاختراقات الثلاثة ( الطاقة النووية والفضاء والأقمار الصناعية والطاقات الجديدة)

تُعد جزء من الخطط التنموية الخليجية التي تتركز على تقليل الاستهلاك المحلي للنفط ودعم الاقتصاد غير النفطي، وتخدم طموحات الصين السياسية والتجارية مع دول المجلس. في مجال الطاقة النووية، وقعت السعودية مذكرة تفاهم للتعاون في الاستخدام المدني للطاقة النووية مع الصين عام ٢٠١٢م، وتم توقيع عدد من مذكرات التفاهم الأخرى، تتضمن استكشاف وتقييم موارد اليورانيوم والثوريوم ، وتطوير مفاعلات نووية مبردة بالغاز لمشاريع تحلية المياه.  وفي عام ٢٠١٧م، قام رئيس مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، هاشم يماني ، بزيارة الصين لمناقشة دراسة جدوى أولية لبناء أول مفاعلين نوويين في المملكة العربية السعودية، بالرغم من الضغوط السياسية على الرياض من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وفي يناير ٢٠١٨م، زار وفد سعودي مشروع الطاقة النووية في مدينة فوتشينغ بمقاطعة فوجيان في شرقي الصين وتبادل التكنولوجيا والبناء الهندسي حول مفاعل هوالونغ 1. كما شرعت في بناء مصنع لاستخراج اليورانيوم في مدينة العلا شمال غربي البلاد بمساعدة كيانين صينيين، في إطار تعزيز برنامجها النووي ذي الأغراض السلمية ولا ينتهك الاتفاقات الدولية. وفي يوليو ٢٠١٩، وقعت الصين والإمارات العربية المتحدة مذكرة تفاهم، لتعزيز التعاون النووي بين المؤسسة النووية الوطنية الصينية والشركات الإماراتية، وإجراء التبادلات والتعاون في مجالات البحث والتطوير في مجال الطاقة النووية وتطبيق التكنولوجيا النووية.

وفي الأقمار الصينية، توقيع اتفاقيات تعاون مع الإمارات والسعودية في مجال استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي للأغراض السلمية، والتي تتضمن الخبرات العلمية والبحثية المتطورة وموضوعات ذات صلة بالتدريب وبناء القدرات وعقد المحاضرات والمؤتمرات البحثية وغيرها من المبادرات المشتركة. علي سبيل المثال، شاركت السعودية مع الصين في رحلة نادرة لاستكشاف الجانب غير المرئي للقمر عن قرب، في إطار اهتمامها المتنامي باستكشاف الفضاء البعيد لعام ٢٠١٨م، وفي الطاقة النظيفة، أعلنت شركة أكوا باور السعوديّة عام ٢٠٢٠م، منح شركة شنغهاي إلكتريك الصينية، عقد الهندسة والمشتريات والبناء كشريك ومساهم بنسبة ٤٩%  لمشروع المرحلة الخامسة من مجمّع محمد بن راشد آل مكتوم، أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، بعد تقدم سير العمل في المرحلة الرابعة. كما وقع صندوق الاستثمارات العامة مذكرة تفاهم مع إدارة الطاقة الوطنية الصينية في عام ٢٠١٩م، بهدف تطوير التصنيع وتوليد الطاقة والتقنيات الناشئة في قطاع الطاقة المتجددة في المملكة. وتخطط LONGi الصينية لإنشاء مصنع لإنتاج الألواح الشمسية في المملكة العربية السعودية بقيمة ٢ مليار دولار. وفي أبريل ٢٠٢١م، وقعت مجموعة Energy China Guangdong Thermal Power  عقدًا لمشروع EPC لمحطة الطاقة الكهروضوئية التابعة لشركة Shatrabigh لمشروع توليد الطاقة الكهروضوئية ٣٠٠ ميجاوات في السعودية. وفقًا لتقرير الاستثمار الصيني لمبادرة الحزام والطريق لعام ٢٠٢٠ م، الصادر عن مركز مبادرة الحزام والطريق الأخضر، تشكل استثمارات الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية) غالبية استثمارات الطاقة الصينية في الخارج - حيث زادت حصتها من ٣٨٪ في عام ٢٠١٩ إلى ٥٧٪. في عام ٢٠٢0م. من بينها ، تتلقى آسيا الحصة الأكبر من استثمارات الحزام والطريق الصينية (حوالي ٥٤٪ لعام ٢٠٢٠م). وفي تكنولوجيا الجيل الخامس، تسعى دول المجلس للتركيز على الاستثمار في التقنية الصناعية الرابعة. فخلال منتدى الاستثمار السعودي الصيني مارس ٢٠١٩ م، وقعت هواوي مذكرات تفاهم مع وزارات وشركات سعودية لتعزيز التعاون في المدن الذكية، اللوجستيات الذكية، التعليم الذكي، حركة المرور الذكية والشبكة الذكية. كما وقعت مذكرة تفاهم مع شركة أكوا باور لاستخدام الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة. وتم بالفعل تنفيذ شراكة بين هواوي للجيل الخامس مع شركة الاتصالات السعودية في مجال إدارة المدن الذكية، مع إنشاء نظام أمان موحد لمركز عمليات في مكة عام ٢٠١٥م، لدعم الحكومة السعودية أثناء الحج عندما تتلقى ارتفاعًا كبيرًا في مكالمات الطوارئ.

وهناك توقعات بأن مساعي الحكومة السعودية لجعل اقتصادها يعتمد على التكنولوجيا والمعلومات والقدرات والمهارات قد يؤتي ثماره في المستقبل باستثمارات ضخمة تصل إلى أكثر من 10.000 منشأة صناعية بقيمة ٢٥ مليار دولار. وفقًا لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، من المتوقع أن يرتفع استثمار المملكة العربية السعودية في رقمنة مدنها، لتغطية ٦٠٪ من المراكز الحضرية بشبكات الجيل الخامس، ومن المتوقع أن يرتفع الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بأكثر من 4 في المائة من عام ٢٠١٧ إلى عام ٢٠٣٠م ، مما يولد 1 تريليون ريال من الإيرادات الجديدة وفقًا للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا).  تدعم دولة الإمارات أيضًا استخدام ونمو تقنيات مثل الجيل الخامس في منطقة يكون فيها استهلاك بيانات الهاتف المحمول هو الأعلى في العالم، مدفوعة برؤية الإمارات ٢٠٢١ م، ومختلف المبادرات الرقمية الأخرى مثل رؤية دبي الذكية لجعل المدينة خالية من الورق وجميع المعاملات الحكومية رقمية بنسبة ١٠٠٪ . كما أن هناك تعاون بين الكويت وعمان وقطر مع شركة هواوي الصينية  حول  أهم التقنيات الحديثة المتعلقة بشبكات الجيل الخامس، وكيفية توظيف الإمكانات الكبيرة لجيل الإنترنت الجديد في قطاعات الصحة والنقل والطيران والنفط وغيرها، والتي تتضمن تسريع العمل وتحسين الأداء إلى مستويات غير مسبوقة. وستكون غالبية حركة المرور عبر الهاتف المحمول في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي على شبكة الجيل الخامس بعد عام ٢٠٢٣ م، ويتوقع أن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ستبلغ ٦٢ مليون مشترك في خدمة الجيل الخامس بحلول نهاية عام ٢٠٢٦م، وهي ثاني أعلى نسبة اختراق لسوق الجيل الخامس على مستوى العالم وفقًا لتقرير إريكسون الجديد.

ومع ذلك، ليس هناك شك في أن مبادرة الحزام والطريق تهدف في المقام الأول إلى تعزيز الركيزة المركزية للتعاون في مجال الطاقة، كما أنها ستمكّن الصين من إنشاء البنية التحتية الضرورية ومرافق النقل والتكرير اللازمة لتأمين مستقبل طاقتها في المنطقة. فعلى الرغم من الاضطرابات الاقتصادية في سوق الطاقة الناجمة عن الوباء، لا تظهر العلاقات الصينية الخليجية أي علامات على التباطؤ. بدلاً من ذلك، أفسح الوباء الطريق لمزيد من الاعتماد المتبادل بين الصين و دول مجلس التعاون الخليجي، التي تعتمد رفاهيتها الاقتصادية بشكل كبير على انتعاش أسواق النفط العالمية. إن أوجه التآزر بين مختلف أجندات "رؤية التنمية" لدول مجلس التعاون الخليجي ومبادرة الحزام والطريق في الصين واسعة النطاق، وستساهم في توصل الاثنين إلى المراحل النهائية من إبرام اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التي طال انتظارها، وهي خطوة ستدفع بلا شك التعاون الاقتصادي وتفتح الأبواب أمام مجموعة واسعة من الفرص في المجالات الجديدة، ناهيك عن مجال الطاقة، الذي من المرجح أن يستمر في قيادة هذا التحالف الاستراتيجي كقطاع ذي أهمية متبادلة كبيرة.

 

  • التوجهات المستقبلية للدبلوماسية الصينية تجاه دول المجلس: الفرص والتحديات

 

كان هناك مؤشرًا إيجابيًا لبعض التغيرات في الدبلوماسية الصينية السنوات الأخيرة التي انعكست في ارتقاء علاقاتها بالدول الرئيسية في المجلس: السعودية والإمارات إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة من أجل تلبية الاحتياجات الفعلية للمصالح الوطنية للجانبين وبناء ثقة مع الشركاء الخليجيين. كما كشفت هذه الشراكة عن التحولات في النمط التقليدي للولايات المتحدة التي تهيمن على الشرق الأوسط، فبعض دول المجلس لم تعد تتبع الولايات المتحدة بشكل أعمى. على سبيل المثال، تصريحات دول المجلس، وخاصة حلفاء الولايات المتحدة، بـدعم الصين بشأن قضية شينجيانغ وتايوان. في حين، أن الاستثمار المتزايد في البنى التحتية مثل الطرق والسكك الحديدية وإدارة الموانئ والخدمات اللوجستية، فضلاً عن الطاقة النووية، والفضاء والأقمار الصناعية والطاقة الجديدة وغيرها من مجالات التكنولوجيا الفائقة، يعزز من النفوذ السياسي والأمني لبكين في المنطقة.

ومع ذلك، هناك تحديات تواجه الصين في دفع عجلة بناء "الحزام والطريق" التي تتوافق مع "رؤية التنمية المستقبلية" لدول المجلس، وتكمن في رغبة دول المجلس في تعزيز الجانب الأمني مع الصين، ولا سيما الملف النووي الإيراني وكبح توسعاتها الإقليمية. ومدى قدرة بكين على تجنب وقوع دول المجلس في دائرة الاختيار بين بكين وواشنطن في المنافسة، وخاصة بعد التحذيرات الأخيرة من إدارة بايدن لقادة الشرق الأوسط بضرورة إنهاء التعاون مع الصين بشأن القضايا التي تتعلق بالتعاون في شبكات الجيل الخامس التي تضع دول المجلس في قلب المنافسة السيبرانية الصينية-الأمريكية، وتعتبرها خطرًا على أمنها القومي. كما أعطت هذه التحذيرات العامة علامة على نظرة فريق بايدن إلى صفقة بيع الطائرات المقاتلة المتطورة من طراز F-35 لدولة الإمارات العربية المتحدة.

ترغب الصين في تجاوز الولايات المتحدة في العديد من المجالات وخاصة مع انطلاق ثورة التكنولوجيا الرابعة، ولكن لا يوجد حاليًا دليل يذكر على أنها ستنشئ قاعدة عسكرية أو الرغبة في الهيمنة في المنطقة، ولكن لاعتبارات الاستقرار الاقتصادي والمحلي.مع الأخذ في الاعتبار العمليات العسكرية الكارثية للولايات المتحدة في أفغانستان والعراق ودول أخرى كدرس، لطالما اعتقدت النخب السياسية في الصين أن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط قد أضعفت نفسها وأضرت بنفوذها العالمي، وبالتالي لا تريد بكين تكرار نفس الأخطاء. غير أن الولايات المتحدة والصين لديهما مصالح مختلفة في الشرق الأوسط، لكن الاستنتاج بأن بكين تريد استبدال واشنطن في المنطقة لا تدعمه ببساطة الأدلة الموجودة. فلن تغير الصين أهدافها، ومن غير المرجح أن تسعى بكين إلى الانخراط في الصراعات السياسية للمنطقة، فهي أكثر استعدادًا لتطوير العلاقات مع دول المجلس لضمان الوصول إلى النفط والأسواق. كما أنها تنظر إلى منطقة الشرق الأوسط ليس كساحة تنافس بين القوى الكبرى، بل فرص للتعاون لحل النزاعات والصراعات الإقليمية ومكافحة الإرهاب، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي وضمان أمن قنوات الطاقة. لذلك، هناك نقاط تقارب بين مصالح الولايات المتحدة والصين إذا استطاعت الأخيرة التخلي عن عقلية الحرب الباردة وعقلية المحصل الصفري، فيمكن أن تجد مساحة للتواصل والحوار في هذه المنطقة.

تكمن رغبة دول المجلس ولا سيما الإمارات والسعودية في تعزيز التعاون الأمني مع الصين في الملف النووي الإيراني، فالصين تمتلك العديد من نقاط التقارب مع دول المجلس. فعلى سبيل المثال، تفتقر المملكة العربية السعودية وإيران دائمًا إلى الثقة المتبادلة، بينما الصين تمتلك علاقات جيدة مع البلدين، وهو أمر ملائم للإقناع وتعزيز المحادثات. ومع ذلك، تتبنى الصين موقفًا لا يتناسب مع هذا التعاون ولا قوتها الوطنية الشاملة، وتزعم بأنها تسعى لبناء منصة حوار متعددة الأطراف في منطقة الخليج على أساس الحفاظ على الاتفاق الشامل لإدارة النزاعات والخلافات والسيطرة عليها من خلال المشاورات الجماعية، وتعتمد شراكتها الاستراتيجية الشاملة على الاستفادة من تعزيز المصالح الاقتصادية التي تحمي في الوقت نفسه مصالحها الأمنية والسياسية، وتتركز استراتيجيتها في التعامل مع القضايا الأمنية في المنطقة على السهولة أولاً، والصعوبة لاحقًا ، والتقدم التدريجي. وتنظر إلى مبادرة "الحزام والطريق" كدافع تنموي لتعزيز الاستقرار الإقليمي والحفاظ على التوازن بين المملكة العربية السعودية وإيران وتجنب التورط في الخلافات السياسية بين البلدين.

ويتم تضمين إيران في الدبلوماسية الشاملة للصين في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وآسيا الوسطى، ودول المجلس في تحقيق التنمية المستدامة التي ستكون مفتاح القوة العالمية التي تتمكن من الإسهام بشكل أفضل في تحقيق السلام والتنمية في منطقة الخليج العربي. لذلك، مواءمة استراتيجيات التنمية لدول المجلس مع مبادرة "الحزام والطريق" هو المحور الرئيسي لدبلوماسية الصين في المنطقة، ولا سيما مع مساعي دول المجلس لدفع تنمية الاقتصاد غير النفطي والتركيز على الطاقة الجديدة والنووية والبنية التحتية والتكنولوجيا الفائقة.  فالدبلوماسية الصينية الحالية في المنطقة لا تتعلق فقط بالنفط، بل الجمع بين الدبلوماسية التنموية القائمة على الاستثمارات الجديدة وتنويع السوق لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الوقود الأحفوري، وبناء الموانئ والمجمعات الصناعية التي تقع في حناجر مهمة تربط الشرق الأوسط وبقية العالم، مثل خليج عمان والبحر الأحمر ومضيق هرمز، ويعتمد نجاح المبادرة على التدفق السلس لهذه الشرايين.

ومع ذلك، تخضع المنطقة لتغيرات كبيرة تتطلب إحداث تغيرات في الدبلوماسية الصينية في المنطقة من خلال إيلاء بكين مزيدًا من الاهتمام لتطوير علاقاتها الأمنية مع دول المجلس ذات نفوذ إقليمية ودولية، وتجاوز قيود العلاقات الدولية المعقدة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعد أن أصبح " كبحِ التمدُّد الصيني " استراتيجية دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. فحتى الأن، لم نلمس التأثير الدولي الفعال للقوة الوطنية الشاملة للصين، إذ أنها لم تستغل غياب المنافسة بين القوى الكبرى في المنطقة لتحسين قدراتها الدبلوماسية التي سيظهر أوجه قصورها بمجرد عودة المنافسة.

بالرغم من أن طهران تعتبر حليف استراتيجي لبكين، إلا أن هناك متغيرات في العلاقات الخارجية لإيران، ولدى الدولة القدرة على التطور السريع. فالعلاقة الحالية بين إيران والولايات المتحدة لا تزال سيئة للغاية، إلا أن التبادلات الدبلوماسية مع الغرب لها تاريخ طويل؛ كما أن بعض القوى السياسية المحلية في طهران ترغب في تحسين وتسهيل العلاقات مع الولايات المتحدة، ناهيك أن هناك سخط من قبل قاعدة كبيرة في المجتمع من السياسة الداخلية والخارجية للنظام الإسلامي وهذا ما يهدد أمن النظام في طهران. لذلك، لم تعلن الصين ولا إيران عن النص الرسمي لخطة التعاون الشامل، ولا يمكن المبالغة في أن خطة التعاون الشاملة بين الصين وإيران تعد مساعدة كبيرة لإيران، لأن تنمية العلاقات الثنائية تقوم على أساس الاحتياجات المشتركة. يجب أيضًا على الصين تجنب وضع دول مجلس التعاون في "الاختيار" بين الصين والولايات المتحدة، وخاصة  مع مساعي دول المجلس لتحقيق التوزان بين الشركات الصينية والغربية في المنافسة السيبرانية الصينية-الأمريكية، للحفاظ على مظلة الأمن الأمريكية وأمن النظام والتنوع بين الحلفاء لتجنب الاعتماد المفرط على حليف معين. كما أن دول المجلس لديها فهم أكثر واقعية لميزان القوى للقوى العالمية؛ بالإضافة إلى أن لديهم مواقف مختلفة تجاه القوى العالمية. لذلك، يجب على بكين بذل الجهود لتجنب وضع دول المجلس وخاصة الإمارات والسعودية في موقف يجبرون فيه على الوقوف في صف بين الصين والولايات المتحدة، لأنه بمجرد حدوث مثل هذا الموقف، ستواجه الصين موقفًا محرجًا للغاية ووضعًا خطيرًا.

مقالات لنفس الكاتب