; logged out
الرئيسية / الصين والخليج ما بين الشراكة والجرأة الاستراتيجية

العدد 165

الصين والخليج ما بين الشراكة والجرأة الاستراتيجية

الإثنين، 30 آب/أغسطس 2021

أطلق زبغنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق لحظة القبول الأمريكي لروسيا كشريك أمني في منطقة الشرق الأوسط لاسيما في المساهمة في حل المعضلة السورية "بالجرأة الاستراتيجية"، وجاء هذا المصطلح ضمن مقال نشر في الفاينانشال تايمز مع لحظة توجيه سلاح الجو الروسي ضربات جوية في الأراضي السورية تلبية لنداء الرئيس السوري للحصول على الدعم العسكري في مواجهة المقاومة الداخلية، و هو مقال يدعو لقبول روسيا كشريك أمني في إدارة نزاعات الشرق الأوسط، بل يدعو الصين كذلك بعدم الاكتفاء بالاستفادة المجانية للدور الأمني الأمريكي في المنطقة لدعم مشروعها  الاقتصادي "الحزام و الطريق" ، حيث لابد أن تساهم الصين في تحمل الكلفة الأمنية و العسكرية في منطقة الشرق الأوسط. وهذه الدعوات لم تقتصر على المفكرين الأمريكيين بل عبر عنها صراحة ساسة البيت الأبيض وعلى رأسهم أوباما و ترامب بأنه لم يعد من المقبول أن يستفيد أحد من مجانية التواجد الأمني الأمريكي، و الحقيقة إن الموضوع لا يقتصر على مفهوم الربح و الخسارة، بل يتعدى ذلك بكثير، حيث تسعى الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة التموضع في آسيا و دعم إمكانياتها الناعمة في مواجهة الحليف و الخصم الصيني. و بذلك انتقلت تلك الجرأة الاستراتيجية لترسم طبيعة العلاقات الخليجية-الصينية التي تعيش كذلك الجرأة في الشراكات الاستراتيجية والتي أصبحت ما بين السياسة الواقعية والمخاطر المحتملة.

أولاً: واقع و ليس اختيار: لا زال هناك الكثيرين الذين لا زالوا يعتقدون بأنهم يملكون ترف الوقت و الاختيار في اللحاق بالقطار الصيني و ما ينطوي عليها من محاذير أم الانتظار لحين انطلاق قطار آخر يسلك طريقًا أقل خطورة و انزلاقًا إلا أن الواقع يؤكد بأننا لم نعد نملك ذلك الاختيار و أن العلاقة الصينية-الخليجية واقع وحقيقة معاشة وذلك للعديد من الأسباب و أهمها:

1-الشراكة الاستراتيجية

في سياق النقاش الخليجي حول دور الصين في الخليج هناك من يغفل طبيعة العلاقة الإطارية التي تجمع ما بين الطرفين والمتمثلة بالشراكة الاستراتيجية والتي تقضي التعاون الوثيق في جميع المجالات، بل تمت المناقشة خلال هذا الصيف حول إطلاق منطقة تجارية حرة، بالإضافة إلى إقامة قمة كبرى في العام القادم ما بين الصين والخليج، إلا أن ذلك الإطار  لا يمنع  من نقد الدور الصيني سلبًا أو إيجابًا،  و بالوقت نفسه لا معنى لنقاش مجد خارج ذلك الإطار. فأكثر ما يقلق الخليجيين هي اتفاقية الربع قرن الصينية مع إيران، وهو قلق مشروع لابد أن يتوجه به الخليجيون مباشرة إلى الصين، فالشراكة توفر أرضية مشتركة هامة و رئيسية تبث من خلالها تلك الهموم و تأكيد الخليجيين على قلقهم من البرنامج الإيراني النووي بالإضافة إلى التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية، فالشراكة مساحة للقوة و ليست مساحة للضعف و الاستحياء .لاسيما أن تلك الشراكة لم تكن وليدة اللحظة بل قامت على جهود تراكمية بذلها كلا الطرفان لهذا لابد أن يأتي الخطاب الإعلامي الصيني والخليجي متسقًا مع تلك الجهود. وبالرغم من قدم العلاقة الصينية-الخليجية والتي بدأت من خلال العلاقات الدبلوماسية الكويتية-الصينية في السبعينيات، إلا أن الصين الآن هي الصين بحلة جديدة استفادت بشكل كبير من خلال الدعم والتحالف السخي الأمريكي حتى تحولت إلى قوة عالمية تناكفه وتتحداه. بدأت العلاقة الصينية-الخليجية في إطار منتدى التعاون الصيني العربي في عام 2004م، حتى تم إطلاق الحوار الاستراتيجي الصيني الخليجي في عام 2010م، ولذلك كانت الدول الخليجية ضمن المتصدرين في حضور القمة التأسيسية لمشروع الحزام والطريق عام 2013م.

2-موقع الصين في العالم

*الصين هي أكبر دولة تجارية في العالم في السلع.

*تعد ثلاث شركات شحن صينية من بين أكبر عشر شركات شحن حاويات في العالم، وهي مسؤولة عن حوالي 10٪ من التجارة العالمية. يتم نقل معظم البضائع الصينية عن طريق السفن.

*لدى الصين 8 موانئ شحن من أكبر عشرة موانئ للحاويات في العالم في الصين وأهمها ميناء شنغهاي.

*تعد الصين ثالث أكبر دولة مالكة للسفن في العالم وأكبر دولة في مجال بناء السفن. كما تنشط الشركات الصينية في بناء وإدارة الموانئ حول العالم. من خلال بناء وإدارة الموانئ وأصول الشحن الدولية على طول طريق الحرير وكذلك بناء اتصال أسرع عبر الطرق البحرية وزيادة التجارة، تخطط بكين لتوسيع نطاق وصول الصين كقوة بحرية.

3-الصين كمستورد للطاقة

تعلم دول الخليج والتي أصبحت عصب البترول عالميًا، بأن ارتباطها بالنفط ومشتقاته هو ارتباط مصيري، فأينما حلت احتياجات النفط حلت المصلحة الخليجية، ومنذ عام 2010م، تجاوزت الصين الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح أكبر مستهلك ومستورد للنفط عالميًا، كما أن قطاع الطاقة هو أكبر القطاعات نموًا وتوسعًا في الصين. في الوقت الذي تحولت فيه الولايات المتحدة كذلك إلى منافس في سوق الطاقة بفعل النفط الصخري. وبحلول عام 2030 م، ستصل احتياجات الصين من النفط ما يقارب عشرة ملايين برميل يوميًا بزيادة سنوية 3% أي ما يفوق 8% من إجمالي الطلب العالمي، وتستورد الصين 40% من احتياجاتها من النفط من الخليج، وتتصدر السعودية قائمة المصدرين الخليجيين بحجم 1.69 مليون برميل يوميًا بما يعادل 16% من واردات الصين من النفط. بل في عام 2007 م، وقعت أرامكو و إكسون و سينوبيك الصينية مشروع تطوير مصفاة فوجيان في جنوب شرق الصين لمعالجة خام أرامكو الثقيل بكلفة بلغت 3.5 مليار دولار. و في قطاع الغاز، تصدرت الصين في عام 2021 م، كأكبر مشتر للغاز الطبيعي المسال في العالم متجاوزة اليابان حيث بلغ حجم الغاز المشترى ما قيمته  76.3 مليون طن من الغاز المسال. و بحلول عام 2030م، ستبلغ نسبة استيراد الصين من الغاز المسال نحو 30% و هذا ما يفسر بناء الصين لخطوط الأنابيب في آسيا الوسطى و إقامة مرافئ لناقلات الغاز المسال. و تبرز قطر كمورد رئيسي للغاز المسال للصين، حيث زودت الصين منذ عام 2009م،  و حتى الآن مقدار 62 مليون طن من الغاز الطبيعي، و هي نسبة قابلة للزيادة الكبيرة لاسيما بعد توقيع قطر للبترول اتفاقية طويلة الأجل مع سينوبيك ، تزود بموجبها قطر مليوني طن سنويًا من الغاز المسال. و بحلول عام 2040م، من المتوقع أن يذهب ربع تصدير دول الخليج من الغاز الطبيعي إلى الصين. و من الجدير بالذكر أن الشركات الصينية الكبرى خارج الصين و المتمثلة في سينوبك و كنوك و بتروشاينا تعمل بشكل دؤوب في الشرق الأوسط و غيرها من المناطق لاسيما روسيا و آسيا الوسطى و إفريقيا من أجل التنقيب عن البترول و ذلك من أجل تقليل اعتماد الصين على الاستيراد. حيث تعنى كنوك بالغاز المسال لاسيما في استراليا، بينما تعمل بتروشاينا على التنقيب على النفط في إفريقيا و السودان، و كذلك الحال مع سينوبك فهي تركز في العمل في الخليج و إيران و اليمن.

4-الصين كمتحكم في الطاقة "ثورة الطاقة"

بفعل الضغوط التي تشهدها الصين في ملف التغير المناخي حيث تتهم بأنها المتسبب الأول بتلك المشكلة بفعل توسعها الصناعي، فهي تعرف "بمصنع العالم" كما أنها تعتمد على ما يفوق 70%  على الفحم لسد احتياجاتها من الطاقة، ذلك يدفع الصين  لزيادة اعتمادها على النفط و الغاز والكهرباء و الطاقة المتجددة.  لذلك أطلق الرئيس الصيني شي جين بينغ مفهوم "ثورة الطاقة" والذي يهدف إلى وضع الصين في موقع رئيسي و متحكم في أسواق الطاقة العالمية، و تعهد الرئيس بالتخلي عن الفحم الحجري، و أن الصين بحلول عام 2060م، ستكون دولة محايدة للكربون عن طريق الاستثمار بالطاقة المتجددة. و مفهوم الحياد الكربوني ذكر في اتفاقية باريس التي وقعتها 195 دولة، و تعني تحقيق التوازن بين انبعاث الكربون و امتصاص الكربون من الغلاف الجوي في مصارف الكربون. و قد دفع ذلك الاتحاد الأوروبي للتعهد بالوصول بأوروبا إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050م، و يعني تجنب إنتاج أي انبعاثات كربونية أو القيام بتخزينها. أما دول الخليج، فهي تدرك بضرورة اللحاق بالركب، و أن لا يقف مصيرها على حد الإنتاج لمصادر الطاقة، بل لابد أن تقوي شراكاتها لاسيما التقنية مع كافة الدول التي ترغب بأن تتصدر أسواق الطاقة و على رأسها الصين، حتى لا تفقد دول الخليج مكانتها في هذا السوق الهام و الحيوي، و بذلك تضمن دول الخليج مكانتها في هذه الأسواق حتى في مرحلة ما بعد الطاقة التقليدية. وقد يكون ذلك السبب الرئيسي لإطلاق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشروع الرياض الصناعية صديقة البيئة. فمن المتوقع أن تصل حصة الصين 40% من إجمالي التوسع في مجال الطاقة المتجددة، كما يحسب لها الريادة في مجال إنتاج الوقود الحيوي والطاقة النووية. كما إنها تسعى لإنتاج نصف الطاقة الضوئية الموزعة عالميًا، و بحلول عام 2030م، سوف يرتفع الطلب الصيني من نمو قطاع الكهرباء في العالم إلى ما يقارب 40% و هو ارتفاع يرجع سببه الرئيسي السعي لخفض الانبعاثات و زيادة استخدام السيارات والتدفئة الكهربائية. وذلك ما يفسر سبب احتواء الصين على أكبر محطات كهرومائية في العالم و هما محطة سد الممرات الثلاث، و محطة بايهيتان الواقعة في جنوب غرب الصين.

5-الصين الشريك التجاري الأول: تعتبر الصين الشريك الاقتصادي الأول حيث بلغ حجم التبادل التجاري لعام 2020 م، ما يقارب 162 مليار دولار منخفضًا لظروف الجائحة عن السنة الماضية بنسبة 10% حيث بلغ 180مليار دولار لعام 2019م، بينما كان في عام 1990م، لا يتجاوز 1% من حجم التجارة الخليجية بمقدار مليار ونصف الدولار. و تشهد الاستثمارات الصينية نموًا كبيرًا في الخليج حيث بلغت ما يقارب 83 مليار دولار، و في دبي بلغ عدد الشركات الصينية المسجلة أكثر من أربعة آلاف شركة تعمل في قطاعات المقالات و تجارة الجملة و التجزئة. و تعتبر الإمارات أكبر شريك تجاري مع الصين حيث تستحوذ الإمارات على نسبة 23%  من حجم التجارة العربية مع الصين، و 60% من التجارة الصينية يعاد تصديرها عبر الموانئ  الإماراتية،  وذلك ما يفسر سعي الصين لاستثمار 300 مليون دولار مع الإمارات لتطوير عملية التصنيع في ميناء خليفة، و برز ذلك التعاون أيضًا في دبلوماسية اللقاح حيث أصبحت الإمارات مركزًا للقاح الصيني سينوفارم، كما وقعت أربعة عقود رئيسية في مجال التكنولوجيا و الفضاء والصناعة، و الطاقة و الاستثمار، أما الكويت فهي دولة قدمت قروضًا للصين منذ عام 1982لما يقارب أربعين مشروعًا بقيمة المليار دولار تقريبًا ،  فكانت أول دولة تستثمر في الصندوق السيادي الصيني، و يبلغ حجم التبادل التجاري حاليًا ما يقارب 18 مليار دولار، كما تتم تلك المشاريع بالمثل في الدول الخليجية الأخرى و منها تطوير الصين لميناء الدقم في عمان، و ميناء حمد في قطر. أما البحرين فقد قدمت مؤسسة نقد البحرين ترخيصًا لإنشاء البنك الصيني كأول بنك في منطقة الشرق الأوسط. كما يشهد التعاون في مجال شراء السلاح الصيني نموًا كبيرًا في الخليج.

ثانيًا: محاذير الشراكة الاستراتيجية مع الصين

تنامي التنافس الصيني / الأمريكي

بالرغم من ترابط الاقتصادين الأمريكي و الصيني، بالإضافة إلى مشاركة الصين الرئيسية في سلاسل التوريد العالمية، إلا أن حدة التنافس الأمريكي-الصيني لا يزال يتصاعد و توج من خلال القمة الصينية-الأمريكية في ألاسكا والتي جمعت الرئيسين الصيني و الأمريكي حيث تبادل كلا الطرفان اتهامات تتعلق بمصدر الفايروس و حقوق الملكية و التنافس التكنولوجي . وتتمثل العقبة الأولى في تنامي العلاقة الخليجية مع الصين في العلاقة الخليجية مع الحليف الأمريكي حيث تستضيف المنطقة الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية والمقر الأمامي للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، بالإضافة إلى عدد من القواعد الأمريكية الهامة. و تربط الولايات المتحدة الأمريكية والتي هي في الأساس من طالب بالتواجد الصيني والروسي في المنطقة، الأمن بالتكنولوجيا الصينية، حيث تعبر عن قلقها من مشاركة الشركات الصينية في تطوير قدرات الجيل الخامس في المنطقة حيث تتواجد قواعدها العسكرية مما يصعب على القوات الأمريكية و الخليجية التواصل. وبالتالي أصبح الخليج يقع في صلب الخلاف الأمريكي-الصيني والذي نشأ أساسًا حول مشروع الصين المسمى "صنع في الصين 2025" و هو مشروع يقوم أساسًا على المنافسة مع الغرب في مجال الصناعات الذكية و النظيفة وهي صناعات محتكرة من قبل الغرب و يشمل عشر قطاعات هي: تكنولوجيا المعلومات المتقدمة الجديدة، الآلات المأتمتة و الآليون، معدات الفضاء و الطيران، المعدات البحرية والشحن البحري المتطور، القطارات الحديثة، السيارات الكهربائية، معدات الطاقة و الزراعة و المواد الجديدة، و الأدوية الحيوية و منتجات الطب المتطورة. و تنصب الاتهامات الغربية على الصين بأنها تحاول الوصول لأهدافها عبر الحروب السيبرانية و شراء أو المساهمة في الشركات الغربية العاملة في تلك المجالات، و سعي الصين للاستحواذ على ما يقرب الصناعة الكاملة بدلاً من تجزئتها كما هو المعمول به الآن و ذلك بحلول عام 2025 م، هو ما ذكر في مشروع "الكتاب الأخضر". و هي معضلة تواجهها كذلك الولايات المتحدة الأمريكية في حالة إسرائيل، حيث تسعى الشركات الصينية لإدارة الموانئ الإسرائيلية لاسيما ميناء حيفا و التي تتردد عليها سفن الأسطول السادس الأمريكي. و في مطلع هذا العام تصاعد ذلك الخلاف إلى سمة المحاور، حيث انضمت إلى المحور الأمريكي كل من استراليا و اليابان و كوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي و كندا ضد الصين و تجلى كذلك من خلال قمة G7 ، في الوقت نفسه تسعى الصين إلى تعزيز محورها بالتحالف مع إيران و باكستان، و قد يفسر ذلك قبول عضوية إيران في منظمة شنغهاي.

الصين ما بين إيران و الخليج

التخوف الأكبر الذي تبديه دول الخليج هو من اتفاقية الربع القرن ما بين الصين وإيران، بل إن ذلك التخوف من المفترض أن يتزايد لاسيما بعد أن يتم إعلان دخول إيران لمنظمة شنغهاي للأمن والدفاع في مطلع هذا الشهر، إلا أن تلك الخطوات لم تكن وليدة اللحظة كما أنها لم تأت بصورة منفردة كما انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق النووي الإيراني و الذي انتهى بالفشل، فالصين تراقب و تحاول الاستفادة من تجارب الآخرين، إلا أننا لا زلنا في وقت مبكر لآن نحكم على نجاح ذلك الدور الصيني الأمني الجديد في المنطقة. ففي عام 2015م،  رأت الصين في دعوة أمريكا لروسيا للدخول في سوريا، بأنها دعوة أيضًا لدخولها في منطقة الخليج، لذلك حرصت  على عرض شراكتها على كل من إيران و المملكة العربية السعودية، حيث انطلقت تلك الشراكة الاستراتيجية الكاملة ما بين الصين و السعودية في عام 2016م، و التحقت بها فيما بعد الإمارات في عام 2018م، بينما جاءت إيران بعد ذلك في عام 2019م، فالأسبقية في حقيقة تلك الشراكة هي للخليج متقدمة على إيران، و تلك الحقيقة يجب أن تحاول دول الخليج الاستفادة منها لاسيما في التعبير عن تخوفها من محاولة إقامة قواعد عسكرية صينية على السواحل الإيرانية، بالإضافة إلى الاستخدامات النووية الغير سلمية، و السلوك الإيراني في التدخل في الشؤون الداخلية، و هي سياسة ترفضها الصين لاسيما بفعل ملفها المقلق مع الأقليات المسلمة الإيغور في إقليم سنجان. كما يحق لدول الخليج التعبير عن قلقها مما ورد من نسخ مسربة لتلك الاتفاقية حول إمكانية نشر الصين لقوات مسلحة قوامها خمسين ألف على السواحل الإيرانية مما يخل بالسياسة الصينية التي تسعى إلى الحياد و التوازن. و بعد تفجر اللغم الأفغاني بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان حيث تشترك مع الصين بحدود تصل إلى 80 ألف كم، مما سيجعلها على أولى أولوياتها الأمنية، و هي أولوية تشترك معها كذلك دول الخليج التي كانت و لاتزال هدفًا للإرهاب و التطرف. كل ذلك يؤكد على أهمية تعزيز البيت الخليجي، والتعاون الدولي في المرحلة القادمة الحبلى بالمفاجآت.

الخلاصة، مضي الخليج والصين في خطوات واسعة في التعاون و الشراكة الاقتصادية، إلا أن في ظل غموض الموقف الأمني الصيني و تفضيله لصيغة إدارة الصراع بدلاً من حل الصراع، من الصعب أن يكون بديلاً أمنيًا عن الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أننا في ظل أجواء حرب باردة تزداد سخونة لا يمكن لدول الخليج إلا التنسيق و تعزيز العمل الجماعي فيما بينها والانفتاح على الشراكات الإقليمية و الدولية كما عملت في حقبة الثنائية القطبية للاستفادة من تنافس تلك القوى في تحقيق أهدافها بالاستقرار و التنمية.

مقالات لنفس الكاتب