; logged out
الرئيسية / 5 اعتبارات تمنع الصدام واحتواء الصين بخيارات عقلانية

العدد 167

5 اعتبارات تمنع الصدام واحتواء الصين بخيارات عقلانية

الخميس، 28 تشرين1/أكتوير 2021

أعاد الاتفاق الثلاثي الأسترالي-البريطاني-الأمريكي المعروف اختصارًا بالأحرف الأولى لهذه الدول "أوكوس" "UKUS"، والمتعلق بالشراكة الأمنية والدفاعية في مجالات الدفاع السيبراني، الذكاء الاصطناعي وتقاسم المعلومات الاستخباراتية، طرح المقاربات الجيوسياسية الكلاسيكية المتعلقة بالمحور الجغرافي للتاريخ الذي تتصارع حوله القوى الدولية من أجل بسط سيطرتها وهيمنتها العالمية، لكن هذه المرة بتغير مركز الثقل الجغرافي من أوراسيا إلى منطقة الهندي-الهادي، حيث ستحدد التحالفات الدولية الجديدة مستقبل النظام الدولي المرتقب تشكله من حيث طبيعة الفواعل الأكثر قدرة ونفوذًا وتأثيرًا في هذه المنطقة البحرية التي تجمع محيطين متداخلين وتزدحم بقوى دولية غير قانعة بالوضع القائم في مواجهة قوى دولية تريد الحفاظ على تفوقها الاستراتيجي العالمي، وقوى إقليمية ترسم سياستها الخارجية بالمحددات الاستراتيجية للحرب الباردة، القائمة على الأحلاف العسكرية وسباق التسلح وبناء القواعد العسكرية لمواجهة الخصوم التقليديين.

وعليه نتساءل في هذا الصدد، عن طبيعة ودوافع هذا الحلف الثلاثي الأسترالي-البريطاني-الأمريكي وانعكاساته على مستقبل دول منطقة الهندي-الهادي، وماهي تأثيراته المستقبلية إيجابًا وسلبًا على منطقة الخليج والدول العربية؟

تحالف أنجلوساكسوني يغضب أوروبا العجوز قبل الصين.

من الصدف التاريخية أنه في اليوم ذاته الذي تم الإعلان عن ترسيم الاتفاق الثلاثي  من قبل كل من الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والوزير الأول الأسترالي سكوت موريسون، تزامن في اليوم الذي كشف الاتحاد الأوروبي عن استراتيجيته الجديدة تجاه منطقة الهندي-الهادي، رافقته الصدمة الكبيرة التي أصابت الفرنسيين من إلغاء أستراليا لصفقة القرن المتعلقة بشراء اثني عشرة غواصة بحرية بقيمة 56 مليار يورو، التي اعتبرت ضربة قوية للصناعة العسكرية الفرنسية لصالح المركب الصناعي الأمريكي-البريطاني، عبر عنها بألم ومرارة وزير الخارجية الفرنسي، جون إيف لودريان، بأنها ضربة خنجر في الظهر من قبل الحلفاء، مما جعل باريس تستدعي سفيريها من الولايات المتحدة وأستراليا للاحتجاج على ما سمته بالأفعال الخطيرة.

ترتكز الرؤية الأوروبية المتعاطفة مع فرنسا فيما يخص منطقة الهندي-الهادي على حلم المنطقة "الشاملة" التي تجمع مجموعة من الأمم لا تقوم على تحالفات ضد أية دولة في المنطقة، تسمح بتجنب الصدام الصيني-الأمريكي وتعمل على تقارب بين المنظمات الجهوية لا سيما بين دول الآسيان العشرة.

تخضع هذه الرؤية الأوروبية للحسابات الجيو-اقتصادية الخالصة، كما عددتها اللجنة الأوروبية حول استراتيجية الاتحاد الأوروبي من أجل التعاون في منطقة الهندي-الهادي، حيث تستحوذ المنطقتين الأوروبية-والهندي الهادي على 70 بالمائة من التجارة العالمية للسلع والخدمات وأكثر من 60 بالمائة من تدفق الاستثمارات المباشرة الأجنبية، ووصلت قيمة التبادلات التجارية السنوية بينهما سنة 2019 أكثر من 1500 مليار أورو، وهي بذلك تتفوق على كل المناطق الجغرافية في العالم.

وعليه، فإن الهواجس الأمنية المستقبلية لفرنسا والاتحاد الأوروبي تمركزت بالأساس حول التغير الجيوستراتيجي الجوهري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية- وبريطانيا المنسحبة حديثاً من الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بالانتقال إلى "المحور الجغرافي للتاريخ" الجديد المنافس لأوراسيا، ما جعل الكثير من القادة الأوروبيين يعيدون طرح السؤال الأمني لما بعد نهاية الحرب الباردة بصيغة، ما الفائدة من استمرار الحلف الأطلسي، الذي وصفه الرئيس الفرنسي ماكرون عندما وقفت واشنطن مع تركيا في نزاع شرق المتوسط، بأنه يعيش حالة الموت الإكلينيكي. فقد عبر جوزيف بورال، نائب رئيس اللجنة الأوروبية والممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن هذا القلق الأمني بقوله:" ينتقل مركز ثقل العالم نحو منطقة الهندي-الهادي بمقاييس الجيو-اقتصادية وكذا الجيوسياسية، إلا أن مستقبل أوروبا والمنطقة ستبقى مرتبطة ببعضها البعض".

اللعبة الاستراتيجية الجديدة القديمة في منطقة الهندي-الهادي.

في الواقع، فإن اللعبة الاستراتيجية الجديدة-القديمة في منطقة الهندي-الهادي لا يمكن أن تحسم لصالح أي طرف في المدى المنظور، وذلك لاعتبارات متداخلة فيما بينها، أولها، أن منطقة الهندي-الهادي من الناحية الجيوسياسية، هي منطقة تخضع للإدراك الاستراتيجي المتناقض لمصالح كل القوى المهتمة والمعنية بالمنطقة، قد تعني جغرافيًا كل الدول المشاطئة للمحيطين الهندي والهادي لكن بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحليفيها الكبيرين البريطاني-الأسترالي تستند على مفهوم" الهندي-الهادي الحر والمفتوح" ""Free and Open Indo Pacific"  والهدف منه تطويق الصين باسم حرية الملاحة في بحر الصين والمناطق التي تعتبرها الصين من مجالها السيادي والمتنازع عليها مع الدول الحليفة لواشنطن، وهو نفس المفهوم الاستراتيجي الذي تبنته أستراليا سنة 2013م، في الكتاب الأبيض للدفاع الذي ورد فيه:" أن الاستراتيجية  الأسترالية للدفاع في منطقة الهندي- الهادي حرة ومفتوحة تهدف إلى مواجهة الهيمنة الصينية". ثانيًا، أن المنطقة تشتمل على فواعل دولية ذات ثقل اقتصادي تعد بمثابة محرك النمو الاقتصادي العالمي، من بينها ستة دول ضمن المجموعة العشرين وهي الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية، إندونيسيا وأستراليا. كما تسيطر المنطقة الهندي-الهادي على 40 بالمائة من الثروة العالمية ومن المتوقع حسب تقديرات صندوق النقد الدولي أن تمثل أكثر من 50 بالمائة من الإنتاج المحلي الخام العالمي في آفاق 2040م، وتغطي نسبة 40 بالمائة من الاستهلاك العالمي نظرًا للديناميكية السكانية الحضرية حيث تتمركز 21 مدينة كبرى في المنطقة من بين الثلاثين مدينة الأكبر في العالم. وثالثًا وهو الأهم، أن الصعود الصيني الاقتصادي بمشاريعها الكونية من خلال مبادرة الحزام والطريق وتمددها العسكري في منطقة الهندي-الهادي أضحت القوى المنافسة الطموحة لتبوء الريادة العالمية كأول قوة بجميع المقاييس في سنة 2049م، ومن ضمن استراتيجية بناء القوة الصينية التفوق البحري في بحر الصين الجنوبي والشرقي وضم تايوان إليها.

أما الاعتبار الخامس الذي يستشرف قيام صدام مسلح في منطقة الهندي-الهادي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فإنه لا يأخذ بعين الاعتبار طبيعة العلاقات الدولية المبنية على تشابك المصالح بين الخصوم ذاتهم، مما يقلل من احتمالات الصدامات المباشرة الكبرى، وتقديراتنا في ذلك أن العلاقات الأمريكية-الصينية من جهة والعلاقات الصينية –الأسترالية من جهة أخرى في بعدها التعاوني تؤشر على ترابط المصالح المتبادلة يصعب تجاهلها، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في أول اتصال رسمي مع نظيره الصيني شين جين بينغ بعد سبعة أشهر من تولي إدارة البيت الأبيض، بقوله:" إن التنافس بين البلدين لا يمكن أن يتحول إلى نزاع، وأن الديناميكية التنافسية لا تجعلنا في المستقبل نتجه نحو نزاع غير متوقع"، وتم تأكيد هذه التصريحات من قبل الإعلام الصيني الرسمي الذي أشار إلى الحوار الاستراتيجي الصريح والعميق بين الرئيسين والذي يعمق من المصالح المشتركة بين البلدين. وحتى التصعيد في الحرب التجارية التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب على الصين انتهت بهدنة تبين مدى ارتباط الاقتصادين الأمريكي-الصيني فيما بينهما، فمن بين نقاط الاتفاق لمعالجة الاختلال في الميزان التجاري الذي يميل لصالح بكين، أن تلتزم الصين برفع وارداتها من السلع والخدمات الأمريكية بقيمة 200 مليار دولار. ويعد مؤشر الإقراض الصيني للخزانة الأمريكية من بين أقوى المؤشرات التي تبين الارتباط المعقد بين بيكين وواشنطن، مع نهاية 2020م، بلغت الديون الصينية المستحقة على الحكومة الأمريكية1.07 ترليون دولار، وهي حصيلة الفائض المالي الصيني المتحصل عليه من بيع السلع والخدمات الصينية في الأسواق الأمريكية الذي تحوله إلى شراء سندات الخزانة الأمريكية، وبذلك نكون أمام عملية الاعتماد المتبادل حيث تساهم الصين في الاستقرار المالي الأمريكي بدفع عمليات الاستثمارات من خلال استفادة المستثمرين من القروض بفوائد منخفضة ويمكن الإدارة الأمريكية من الإنفاق الحكومي، وبالمقابل فإن الصين بحاجة إلى استمرارية تدفق سلعها وخدماتها إلى السوق الأمريكية.

وانطلاقًا من هذه الاعتبارات الخمس المقدمة، يمكن أن نحدد قواعد اللعبة الاستراتيجية الأمريكية-البريطانية-الاسترالية في منطقة الهندي- الهادي على أنها ستخضع لمنطق احتواء الصين بخيارات عقلانية وواقعية، والتي تعني السعي الدائم لفرض ميزان القوة في المنطقة البحرية من أجل الحفاظ  على المصالح الأمريكية والدفاع عن حلفائها في مواجهة التمدد الصيني، وفق قاعدة أساسية تقوم على توازن المصالح التي يحددها توازن الرعب النووي، أي تحجيم السلوك الصيني الذي يقوم على سياسة توسعية صارمة في بحر الصين الجنوبي والشرقي مع فرض الأمر الواقع في محيطها الجيوستراتيجي التي تريد أن تخضع كل المنافسين والخصوم لسيادتها الوطنية.

إن الثقل الأعظم سيقع على عاتق الولايات المتحدة الأمريكية التي غيرت بوصلتها الاستراتيجية نحو منطقة الهندي-الهادي، باعتبار المنطقة تشكل الديناميكية التجارية والعسكرية التي تمنحها قيادة العالم من خلال مبدئها الجيوسياسي الذي يرتكز على القوة البحرية، فمن إجمالي سبعة اتفاقيات للدفاع المشترك التي وقعتها واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية خمسة منها مع دول منطقة الهادي، اليابان 1951م، الفلبين 1952م، كوريا الجنوبية 1954م، أستراليا –نيوزيلاندا 1952م، وميثاق مانيلا سنة 1954م، تم حله سنة1977م، ومع إدارة بايدن فإن الحلف الثلاثي الجديد سيدعم الآليات العسكرية والاستراتيجية القائمة، كما هو الحال مع مبادرة الحوار الرباعي للأمن الذي يضم كلاً من الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، اليابان والهند الذي تم إنشاؤه سنة 2007م، على هامش المنتدى الإقليمي لتكتل الآسيان والهدف منه البحث عن توازن القوى مع الصين، لا سيما بعد صعود التوترات والصدامات البحرية بين الصين والدول المتنازعة معها حول بعض الجزر وقضية تسطير الحدود البحرية، مع التوافق على مبدأ مشترك وهو إبقاء منطقة الهندي-الهادي حرة ومفتوحة على الملاحة الدولية. ومن المبادرات الأولى التي قامت بها إدارة بايدن العمل على توسيع "الحوار الرباعي الأمني" وإشراك اليابان وكوريا الجنوبية الحليفين التقليديين فيما يسمى بالرباعي الموسع، وهو موضوع أول زيارة للخارج إلى سيول وطوكيو قام بها كل من كاتب الدولة للخارجية والدفاع الأمريكيين، أنتوني بلينكن وليود أوستن، في 5 مارس 2021م، مع طرح فكرة التوسيع أكثر لتضم كل دول الآسيان لهذا الحوار الأمني الذي انطلق بأربعة دول.

وعليه، فإن اتفاق الشراكة "أوكوس" لا يخرج عن استمرارية هذه الاستراتيجية الأمريكية التي تطمح إلى تعزيز المكانة الأمريكية واحتواء الصين من خلال كبح تفوقها العسكري البحري المتصاعد، ولم يكن خفيًا على الصين أو الرأي العام العالمي تحقيق هذه الأهداف الأمريكية، خصوصًا إذا أعدنا الاستماع إلى الإنذار الذي وجهه الأدميرال فليب دافيدسون، قائد القيادة الأمريكية للهندي والهادي، إلى لجنة القوات المسلحة الأمريكية في مجلس الشيوخ، عندما حذر من خطر التفوق العسكري الصيني على الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها بقوله:" في آفاق 2025م،ستتجاوز القدرات البحرية الصينية نظيرتها الأمريكية في المنطقة بثلاث حاملات طائرات وستة سفن هجومية برمائية مقابل حاملة طائرات واحدة وسفينتين برمائية هجومية"، وطبقا لهذا التفوق العسكري البحري الصيني فإن التهديد المستقبلي الذي أشار إليه الأدميرال الأمريكي، أن الصين ستلجأ إلى التغيير الأحادي لميزان القوة الإقليمي مع إعادة ترتيب الأمر الواقع في المحيطين الهندي والهادي لا سيما في تايوان، وهذا ما جعل فليب دفيدسون يقترح إقامة شبكة من الصواريخ ذات الضربات الدقيقة على طول سلسلة الجزر التي تربط اليابان، تايوان، والفلبين.

تهدف الولايات المتحدة الأمريكية في الشراكة الأمنية والدفاعية الجديدة "أوكوس" إلى تحقيق هدف استراتيجي أساسي بعد تحييد واحتواء الصين، ويتمثل في فك الارتباط الاستراتيجي الصيني-الأسترالي الذي أخذ أبعادًا متجذرة في الاتجاه الذي قد يغير من طبيعة التحالف التقليدي الأمريكي-الأسترالي، و في الوقت ذاته تعزيز مجموعة القرارات التي اتخذتها الحكومة الفدرالية الأسترالية في مواجهة مبادرة الحزام والطريق والهيمنة التكنولوجية الصينية على العالم، حيث ألغت الحكومة الأسترالية في 21 أبريل2021م، اتفاقيتين تم التوقيع عليهما من قبل ولاية فكتوريا في إطار مشاريع الطرق الجديدة للحرير، كما سبق وأن اتخذت قرارًا في أوت 2018م، برفض تجهيزات الاتصالات للجيل الخامس لشركة هواوي بحجة المساس بالأمن والسيادة الوطنية، كما صعدت أستراليا من نزاعها مع الصين عندما طالبت بتحقيق دولي في أبريل 2020م، حول أصل جائحة كوفيد-19. وتسعى بعض الدوائر المعارضة للصين داخل أستراليا بمراجعة عقد الإيجار لميناء في شمال البلاد الذي منح لشركة صينية لاستغلاله لمدة 99 سنة. وبالتالي، فإن الشراكة الثلاثية "أوكوس" تمثل التحالف الاستراتيجي لوقف التمدد الجيو-اقتصادي للصين، هذه الأخيرة التي أدركت اللعبة بعد إخفاقها في تشكيل لوبي صيني قوي داخل أستراليا، واتخذت مجموعة من الخيارات لمواجهة هذا التحدي الأسترالي، من بينها إجراءات انتقامية من خلال فرض العقوبات الاقتصادية على المنتجات الأسترالية مع تعليق كل النشاطات في إطار الحوار الاقتصادي الاستراتيجي بين الصين وأستراليا، ومن بين القيود التي فرضت على منتجات المزارعين الأستراليين، واردات الشعير، السكر، ولحوم البقر والمأكولات البحرية، كما مست إنتاج النبيذ الأسترالي الذي تستورد الصين 40 بالمائة من الإنتاج وذلك بفرض الضرائب على استيراده مما يجعله أقل تنافسية في السوق الصينية.

في المحصلة النهائية، فإن أستراليا ستحقق بعض المكاسب الاستراتيجية من شراكة "أوكوس"، أولها أنه ستكون ضمن النادي الأممي الذي يملك غواصات بحرية ذات الدفع النووي، والذي يشمل، واشنطن، موسكو، لندن، نيودلهي، بيكين وباريس. كما سمحت هذه الشراكة الأمنية والدفاعية بتجاوز الاتفاقيات الأمنية التي كانت تفرض على الجزيرة القارة عدم الاستخدام النووي بالرغم من أنها من الموقعين على اتفاقية حظر الانتشار النووي، مما ينذر بسباق التسلح النووي في منطقة الهادي-الهندي. كما ستستفيد ثانيًا، بالشراكة في مجالات الحروب الإلكترونية المعاصرة كما تنص عليه اتفاقية "أوكوس" لا سيما في ميادين الدفاع السيبراني والذكاء الاصطناعي، خصوصًا وأن الحكومة الاسترالية كثيرًا ما تتهم الصين بإدارة الحرب الإلكترونية عليها من خلال الهجومات السيبرانية المكثفة على مؤسساتها الحكومية ومحاولات قرصنة البيانات الحيوية لمنشآتها الاستراتيجية كما حصل في جوان 2020م، أو كما حدث في يوليو 2021 م، عندما انضمت أستراليا إلى الدول الغربية بتوجيه الاتهام للصين بأنها وراء الهجوم على خوادم شركة مايكروسفت الخاصة بخدمة البريد الإلكتروني مما أثر على أكثر من 30 ألف مؤسسة في العالم. أما المكسب الثالث الذي تسعى من أجله أستراليا من خلال الشراكة في إطار "أوكوس" يتمثل في كسب الردع الجماعي الشامل في مواجهة التمدد العسكري الصيني في بحر الصين الجنوبي أين تقيم بيكين قواعد عسكرية في المناطق المتنازع عليها، وهي المجال الحيوي البحري الذي يشكل أكثر الممرات المائية حيوية للتجارة العالمية.

إذا كانت اللعبة الاستراتيجية الدولية في منطقة الهندي-الهادي بهذا التعقيد في أهدافها وفواعلها، فكيف يمكن فهم تأثيراتها على المنطقة العربية ودول الخليج بالأساس؟

منطقة الخليج العربي..أوراق جيوسياسية وبدائل ممكنة.

تمتلك دول الخليج ميزتين جيوسياسيتين تعطيها قوة الارتباط بمنطقة الهندي-الهادي، تؤثر فيه وتتأثر بما يجري بداخله ومن حوله، تتمثل هاتين الميزتين في المجال الحيوي والموارد ذات البعد العالمي، فالعنصر الأول يختزل في مضيق هرمز الذي يشكل حلقة الربط المائي بين مياه الخليج العربي من جهة ومياه خليج عمان وبحر العرب والمحيط الهندي، حيث يعد المنفذ الحيوي الوحيد للدول الخليجية الطاقوية العراق، الكويت، البحرين وقطر. أما الميزة الثانية، التي تعزز من درجة الارتباط بين دول الخليج ومنطقة الهندي-الهادي فتشمل تبعية بعض الدول الآسيوية الفاعلة إلى النفط الخليجي. حيث يمر 15 مليون برميل من النفط يوميًا عبر مضيق هرمز، ما يمثل خمس استهلاك النفط العالمي، كما تصدر عبره ما يقارب 80 بالمائة من النفط السعودي، الكويتي، الإماراتي والعراقي لدول أساسية في منطقة الهندي-الهادي، لاسيما الصين، الهند، اليابان، كوريا الجنوبية وسنغافورة.

وإذا كانت هاتين الميزتين تعد من بين المكاسب الاستراتيجية التي تمنح دول الخليج قوة ونفوذًا، فإن التحالفات القائمة بين واشنطن وحلفائها في منطقة الهندي-الهادي تطرح أمامها مجموعة من التحديات الاستراتيجية التي عرفتها في فترة الحرب الباردة ولكن بتغيرات جوهرية عن طبيعة الصراع الأمريكي-السوفياتي، ويمكن تلخيصها في المحاور الجيوسياسية الأساسية، أولها، أن ما يجري في المنطقة ما بعد اتفاق "أوكوس" هو تكريس للعبة استراتيجية كبرى بين قوتين تتصارعان حول الريادة العالمية، من الصعب الاصطفاف الكلي خلف أحدهما، لأن كليهما يرتبطان بالحبل السري الذي يغذي اقتصادهما الداخلي، كما سبق وأن تم توضيحه فيما يتعلق بالتبادل التجاري الأمريكي-الصيني أو الدين الصيني على الخزينة الأمريكية. ثانياً، طبيعة اللعبة الاستراتيجية تضبطها نفس القواعد التقليدية للحرب الباردة، مثل الردع النووي، توازن القوة، الاحتواء، مما يوحي بإطالة مرحلة إدارة النزاع الجيوسياسي في المنطقة، لكن بدون أن ينظر كل طرف للآخر بأنه في لعبة صفرية، أي لا مجال للمفاوضات، المساومات والتنازلات فيما يخص القضايا النزاعية، وهو ما تم توضيحه في الحرب التجارية الأمريكية-الصينية والهدنة بعد تقديم التنازلات من كلا الطرفين.

وعليه، فالخيارات العقلانية في إطار توازن الرعب أن يتم إبعاد خيار شمشون "علي وعلى أعدائي"، مما يوحي هنا أننا أمام المقولات الكلاسيكية للدراسات الاستراتيجية، إذا أردت السلم فاستعد للحرب، أي أن سباق التسلح والتحالفات العسكرية وبناء القواعد العسكرية هي لتثبيت نفوذ كل الأطراف والإبقاء على الأمر الواقع، بالرغم من أن الصين تبدو في هذه اللعبة الاستراتيجية بأنها غير قانعة بهذا الأمر الواقع، ويقابلها إدراك أمريكي بضرورة كبح المشاريع الإمبراطورية الصينية الكبرى المعلن عنها من خلال مبادرة الحزام والطريق، صنع في الصين 2025م، التفوق العالمي في سنة 2049م، وهي نقطة الخلاف الجوهرية بين بيكين وواشنطن، فكلما انخرطت الدول العربية والخليجية في المشاريع الصينية الكبرى على حساب الارتباط الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأمريكية كلما شكلت تهديدات مستقبلية لوجودها، والحكمة العقلانية هنا، كيف ندير توازن المصالح بين الفواعل الكبرى بما يخدم المصلحة الوطنية دون الانخراط الكلي في التحالفات كما كان الحال في فترة الحرب الباردة، لأننا في عصر الترابط الدولي لا يمكن توجيه السفينة في اتجاه أحادي أو وضع البيض كله في سلة واحدة.

مقالات لنفس الكاتب