; logged out
الرئيسية / جيل جديد من قادة الخليج اختفت معه (الحساسية) وتجاوز معوقات الوحدة

العدد 169

جيل جديد من قادة الخليج اختفت معه (الحساسية) وتجاوز معوقات الوحدة

الخميس، 30 كانون1/ديسمبر 2021

توفرت في قمة دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة في الرياض كل عوامل تحقيق الأجندات الخليجية الكبرى، وباقتناع من الدول الست، وهي قناعة ناضجة الآن، ويمكن الرهان عليها، ورغم ما صدر عن القمة من نتائج استراتيجية، يظل التساؤل قائمًا، لماذا لم تعلن الانتقال إلى الاتحاد الكونفدرالي رغم إمكانية تحقيقها زمنيًا؟ ولماذا اكتفت بتقرير مقتضياته الأساسية– أي الاتحاد -والتشديد على التنفيذ الدقيق والسريع للوحدة الاقتصادية المشتركة عام 2025؟ كانت كل الظروف المادية والمعنوية مهيأة لتسمية المقتضيات باسمها السياسي المنظر لها، وهو الاتحاد؟ فلماذا لم تستنطقه سياسيًا، وتركته ضمن السير الاعتيادي لصناعة مقتضياته؟ ولماذا نزعت منه الحدث السياسي والشعبي الذي سيسجل للقمة الخليجية " 42 "، ولمكان انعقادها بالإنجاز التاريخي؟ 

تستوقفني هذه المسألة كثيرًا، وتسيطر على اهتماماتي بصورة دفعت بي إلى التعمق في النوايا السياسية وبواعثها وأسبابها، ووجدت فيها، ماهية تعكس الفارق الجوهري بين العقود الخليجية الماضية، والعقود الخليجية المعاصرة، وهي تكمن في وجود فكر سياسي حديث، يهمه النتائج وليس المظاهر، ويعمل في مطابخ جماعية عملاتية دون تنظيرات أو إطلاق المسميات، لذلك تمرر الإنجازات ضمن سياقات منطقية وطبيعية في تاريخيتها وأمكنتها.

ونتمنى أن يستوعب هذا الفكر السياسي الأدوات التنفيذية الخليجية التي معظمها من حقبة العقود الماضية، فكيف ستتحرر منها بسرعة التحول الريموتي الفائق السرعة؟ من هنا، ارتأيت أن أعلي من شأنه في ضوء نتائج قمة الرياض التاريخية، حتى يمكننا أن نوجهه والرأي العام نحو بوصلة تحول الفكر السياسي في الخليج وقيادته لنتائج كبرى، تجلت في آخر قمتين خليجيتين" العلا يناير والرياض ديسمبر الماضيين ".

وكان بإمكان قمة الرياض أن تعلن الانتقال إلى الاتحاد الخليجي، كمسمى بمضامينه ومقتضياته التي خرجت بها القمة، وتدغدغ بها العواطف الشعبية في الخليج، لكنها تركته لمطابخ السياقات، وأهم هذه المقتضيات التي خرجت بها القمة:

  • وحدة الأمن الجماعي الخليجي.
  • وحدة المصير الاقتصادي الخليجي.
  • وحدة السياسات الخارجية الخليجية.
  • وحدة الأمن الاجتماعي الخليجي.
  • وحدة السيكولوجية السياسية بين الأنظمة الستة بصورة غير مسبوقة، ومدهشة جدًا.

منظومة متكاملة من البنيات التحتية والفوقية الأساسية التي يقوم عليها الاتحاد، خرجت بها قمة الرياض " 42 " ووضعت لها برنامجًا تنفيذيًا مقترنًا بآجال زمنية قصيرة ومتوسطة الآجال، لكنها ورغم كل ذلك، تحفظت على الإعلان عن حلم الاتحاد الخليجي، واتجهت نحو الكشف عن مقتضياته دون مسماه، على عكس الفكر السياسي القديم الذي كان يعلن أولا، ويموت المعلن عنه فورًا، حتى قبل عودة رؤساء وفود القمم إلى بلدانهم.

هذه طبيعة الفكر السياسي الخليجي الحديث الذي يقف وراء صياغة مرحلة خليجية جديدة وجامعة، قابلة لتحقيق كل الطموحات الخليجية الشاملة، لكن برؤية البرغماتية وليس الديموغوجية، وبمهنية الإنجاز، وليس التنظير، وهذا ما نجده في اعتماده مقاربة السياقات الطبيعية لتحقيق الإنجازات الكبرى، لذلك مررت الإنجازات واستحقاقاتها دون ضجة إعلامية، ودون ردة فعل إقليمية سلبية، مثلاً، لم يفسر اتفاق الدفاع الجماعي عن الدول الست، من الدول المجاورة على أنها مستهدفة منه، لماذا؟ لأن وراءه السياقات الطبيعية المنتجة لها.

وهنا تظهر السياقات لنتائج قمة الرياض طبيعية، رغم ما تحمله الظرفية السياسية الإقليمية والدولية من حمولات ترمي بثقلها وهواجسها على النتائج، ويستوجب منا هنا تقديم مجموعة استدلالات على ذلك، ونحصرها في المحاور التالية:

  • السياقات الطبيعية للأمن الخليجي الجماعي.

جاءت هذه الحاجة ضمن سياق اتفاقية الدفاع المشترك، وتحديدًا، المادة الثانية منه  التي تعتبر أي اعتداء / هجوم على دولة، هو على الكل، وقد مرر الدفاع المشترك عن الأمن الجماعي، ضمن تفعيل تلك المادة في الاتفاقية التي وقعت بين الدول الست في قمة عام 2000م، وليس نتيجة إكراهات سياسية طارئة، رغم وجودها، ولو تأملنا في وجوب الأمن الجماعي للدول الست في ظرفيته الراهنة والمتصاعدة مستقبلاً ، سنجده أولوية عاجلة وجماعية ـ إذ ليس بمقدور دولة لوحدها أن تؤمن أمنها بمعزل عن شقيقاتها الأخريات، وذلك لطبيعة جغرافيتها السياسية من جهة، ولطبيعة التحديات الجيوستراتيجية الجديدة والقديمة من جهة ثانية.

وكنت قد اعتبرت في مقال منشور بعيد قمة الرياض في جريدة عمان الحكومية بعنوان " قمة الرياض الخليجية " 42 " تفتح الأبواب الخليجية الستة للكونفدرالية " اعتبرت الحتمية الدفاعية الجماعية للدول، رسالة إقليمية ناعمة قبلت على مضض ، مفادها أن الدول الست تقف الآن في خندق واحد لمواجهة تحدياتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا التفعيل له ما يبرره زمنيًا في ضوء التهديدات في حالة فشل المحادثات بشان الملف النووي الإيراني، أو حتى في حالة نجاحها، كما أنها أداة ردع  لتهديدات الجماعات المسلحة، سواء تلك العابرة للحدود الخليجية، أو تلك التي تتخذ من جغرافيات سياسية مجاورة لمنطقة الخليج، فكل زاوية من زوايا جغرافيات الدول الست، ستكون معنية بمحاربتها.

والسياق الطبيعي نفسه، أجده كذلك في حاجة المصالح الاقتصادية الخليجية الجديدة ، وآفاقها المستقبلية، وهى تبرر الاستعجال بالأمن الجماعي الخليجي، فهذه المصالح ستزيد من روابط المصير النفعي الثنائي والجماعي ، فلو أخذنا الصعيد الثنائي، فما تأسسه الثنائيات بين الدول الست، العمانية ــ السعودية نموذجًا، تستوجب الأمن المشترك، ومن ثم الدفاع عنها، أما إذا انتقلنا على الصعيد الجماعي، فإن ما ستحدثه الوحدة الاقتصادية الخليجية الذي حدد عام 2025م، موعدًا نهائيًا لاستكمال مقوماتها، كالسوق الخليجية المشتركة، والاتحاد الخليجي، والمواطنة الخليجية .. تبرر فعلا، تفعيل المادة الثانية من اتفاقية الدفاع المشترك، للدفاع الاجتماعي عن المصالح الجماعية التي سيكون القطار الخليجي وسيلة تعبيرية عن ترابط وتلاقي هذه المصالح.

وتلكم السياقات وحتميات الأمن الخليجي الجماعي بمنظومته الشاملة، سينضج سريعًا القناعة بالجيش الخليجي الموحد، كما هو مقترح منذ قمة الدوحة 2014م، سنراه جيشًا رادعًا، ومزودًا بأسلحة ردع متطورة ومنظومة دفاعية وإدارية حديثة، وبالألاف من أفراده، بمعنى أن الجيش سيكون وليد السياقات الحتمية، وفكرة هذا الجيش عمانية، وترجع إلى فترة احتلال الكويت التي شاركت فيها الجيوش الخليجية مشاركة فعالة، تقتضي الآن الوقوف على تجربتها ضمن السياقات.

والحتميات سالفة الذكر، تنتج في المقابل حتميات أخرى ضمن السياقات ذاتها، ولن تثير الجدل السياسي الإقليمي لغير العرب في المنطقة الخليجية، ومن بين أهم الحتميات الجديدة أو الداعمة للحتميات سالفة الذكر، هي:

  • توحيد السياسة الخارجية الخليجية.

وهذا ما أقرته قمة الرياض " 42 " وهذا في حد ذاته تحولاً جوهريًا يأتي تعزيزًا للبناء التضامني والتكافلي للمنظومة الخليجية، والتنصيص عليها ضمن النتائج الجوهرية لقمة الرياض، ينبغي أن ينظر إليه من منظور مستقبلي، وكل من لم يفعل ذلك، سيغرق في تأويلات وتفسيرات خاطئة، ولن يستوعب المستقبل الذي يتم بناؤه من خلال أخر قمتين خليجيتين " قمة العلا في يناير الماضي ، وقمة الرياض في ديسمبر المنصرم" اللتين هما المحددات الأساسية للحكم على مستقبل المنظومة الخليجية، ومنذ قمة العلا ، رصدت تحولات كبرى في السياسة الخارجية للدول الست، منها يبنى عليها قضية توحيد المواقف السياسية بين الدول الست، لا يمكن هنا حصر كل التحولات،  لكنني أشير للتحولات التالية:

  • تبني أبوظبي سياسة خارجية جديدة قائمة على تصفير الأعداء، وانفتاحها الإيجابي على طهران وأنقرة، وإبداء مرونتها في حل الأزمات الإقليمية في سوريا وليبيا مثلاً.
  • إجراء الرياض حوارًا أمنيًا استراتيجيًا مع طهران، تتهيأ له كل عوامل النجاح من كلا البلدين، وبعض دول الجوار.
  • جيل جديد من القادة في الخليج، ومعهم اختفت الحساسية السياسية التي كانت تعرقل مختلف أنواع الوحدة الخليجية، ومؤشراته تبرز من قمة الرياض كرسائل سياسية ناطقة بالمالات، أبرزها، قبول أن تكون الرياض مقرًا دائمًا للقمم الخليجية، مثل هي مقرًا دائمًا للمنظومة الخليجية، وللقيادة العسكرية المشتركة، وكلنا نعلم مدى مثل هذه الحساسات في السابق.
  • سعي الدول الست لاستقطاب رأس المال الجريء أو المال المخاط، وهو رأس المال المقدم للمنشآت الناشئة والواعدة ذات إمكانيات النمو العالية، وكان هذا النوع من المال أحد أنشطة النشاطات التجارية الاستثمارية التي ازدهرت في دول الخليج، وحققت توسعًا كبيرًا محققة مراتب متقدمة بين دول العالم.
  • اقتناع الدول الست بتكاملية تحقيق الرؤى الخليجية للتنمية البعيدة المدى.

وهذا يدلل على المسار السياسي الخليجي الجديد ورهاناته على السلام، وتجنب الصراعات الإقليمية والدولية.

وتلكم دواعي لتأسيس مرحلة جديدة، مما قد نشهد دورًا خليجيًا نشطًا ومؤثرًا في حل النزاعات الإقليمية والدولية يتزامن مع مرحلة تغليب دول المنظومة الخليجية

  • المواجهة المجتمعية الجماعية لمختلف التحديات المقبلة

 وهنا سياق آخر يفرض وجوب الأمن الجماعي من المنظور الاجتماعي، فما ستواجهه الدول الست من تحديات فكرية وأيديولوجية ومالية وسياسية خلال المرحلة الإقليمية والدولية المقبلة، تستوجب هذه المواجهة، فبعد تحديات تصدير المذهب الشيعي في الخليج، تشهد المنطقة الخليجية الآن نقاشات واسعة عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتطبيقات المختلفة حول قضايا متعددة تمس الأمن الاجتماعي، مثل الدين والسياسة والإلحاد والعلمانية .. الخ والأخطر ما فيها التوظيف النفعي لها.

وما اتخذته الرياض من موقف صريح وواضح من وثيقة الأمم المتحدة الخاصة المتعلقة بطغيان الحرية الفردانية والاعتراف بحقوقها التي لا تقرها الشرائع السماوية، مثالاً على هذه التحديات، ونموذجًا ينبغي أن يكون فيها موقفًا خليجيًا واحدًا، لتفادي صراع الهويات المقبل من جهة، وحتى تواجه إكراهات الخارج جماعيًا، وليس فرديًا، فمثل هذه الإكراهات قوية، ولن تقوى دولة لوحدها على مواجهتها.

 

ولأهمية البعد الاجتماعي الخليجي، وتحدياته المتعددة المقبلة، نقترح قمة خليجية اجتماعية عاجلة، فهناك اجندات أجنبية تستهدف إضعاف القوة الناعمة الخليجية، وتأسيس مصير وجودي مستدام على خمسين سنة مقبلة، ومؤشراته قد أصبحت واضحة، فكرية وديموغرافية ومؤسساتية، ويخطط لها أن تشمل كل الدول الخليجية دون استثناء، قمة تحدد بوضوح أدوات ووسائل تطوير المجتمعات الخليجية في ضوء التحولات الجوهرية لدخول الدولة الخليجية من الرعائي إلى الجبائي / رسوم وضرائب، كما المطلوب منها رسم خارطة بالمخاطر الاجتماعية الخليجية " الداخلية والخارجية " التي قد تمس الوجود الخليجي " كدولة ومجتمع ".

  • القيادة الجماعية للشراكات مع الدول الكبرى.

وهذا أيضًا، انجاز من الإنجازات التكميلية الأساسية لمقتضيات الاتحاد الخليجي، كما أنه يعزز وحدة السياسة الخارجية الخليجية، ويوسع من هوامش استقلالها، وفيه أرصد تحولاً استراتيجيًا في القرار الخليجي، وهو يودع الفردية التي تستغلها الدول الكبرى في تحقيق مصالحها الاقتصادية في كل دولة خليجية بمعزل عن المصلحة الخليجية المشتركة أو الجماعية، وكان لابد من اتخاذ هذا القرار في قمة الرياض، تناغمًا مع ما تؤسسه من مقتضيات للوحدة الاقتصادية أولاً ، والاتحاد الخليجي ثانيًا، فمنطق المصلحة الجماعية للوحدة الخليجية بمقوماتها كالسوق والاتحاد الجمركي .. الخ تستوجب أن تكون الدول الست كقوة تفاوضية في تأسيس الشراكات مع الدول الكبرى.

وهذا سيعزز منافعها الاقتصادية، ويجعل تأثيرها السياسي ناجعًا ومتعديًا على الصعيدين الإقليمي والعالمي بالوسائل الناعمة، وهذا نموذج من البرغماتية، وتغليب المنطق الجماعي على الاستفرادي عبر التفكير فيما يعزز روابط المجموعة الخليجية أولاً، والانطلاق للعالم الخارجي من قوة الجماعة، مما سيكون صوتها مسموعًا كجماعة، على عكس الاستفراد بها.

  • انبثاق قوة سيكولوجية استثنائية للأنظمة الستة.

تقف هذه القوة وراء كل ما تحدثنا عنه سابقًا، ويمكن تسميتها بالسر اللوغارتمي في عالم الرياضيات، وهذا السر يمكن إسقاطه الآن في عالم السياسة الخليجية المعاصرة، ومعه اختفت الحساسيات الجغرافية والنفسية التي تعد سببًا جوهريًا في عرقلة وتأخر مسيرة المنظومة الخليجية، ربما لوجود قيادات جديدة في عواصم خليجية رئيسية، وتجاوز الإفراط في حساسية المشهد السياسي والدبلوماسي في هذه العواصم، وربما يكون قد ترافق مع كل ذلك البعد الدولي.

 

وقد انكشفت لنا هذه القوة السيكولوجية بوضوح منذ قمة العلا الخليجية في يناير الماضي، وتأكدت في قمة الرياض الخليجية في ديسمبر الماضي، فطبيعة نتائج القمتين لا يمكن تحقيقهما لولا إسقاط هذه الحساسية السياسية، وجعل الرياض مقرًا دائمًا للقمم الخليجية نموذجا ندلل به على اكتشافنا لهذه القوة، وتأثيراتها في اختراق النجاحات للمسيرة الجماعية الخليجية، فقد كانت قضية المقرات تشكل كبرى العقبات التي تتحطم فوقها كل مساعي الوحدة أو الاتحاد الخليجي.

ونخرج من قراءتنا لقمة الرياض " 42 " أن الدول الخليجية الست في عهد جديد، يفتح أبواب الدول الست نحو الاتحاد الخليجي الكونفدرالي، يقوده فكر برغماتي متفق فكريًا وسياسيًا، وبصورة أعمق من عاصمتين مركزيتين في المسيرة الخليجية هما مسقط والرياض، فكر يؤسس الاتحاد من خلال آليات لتحقيق مقتضياته العملاتية والأساسية بعيدًا عن مسمياته وتنظيراته السياسية، في وقت ينشغل فيه مع محيطه الجيوسياسي بصناعة تفاهمات تاريخية تدعم مآلات عهده الجديد، لذلك، ينبغي التفاؤل بنضوج هذا الفكر السياسي، والثقة بنجاحه في تحقيق حلم الاتحاد الخليجي ، لكننا نجدد تحذيرنا من التحديات الكبرى للمكون الديموغرافي الخليجي من جهة، ومن الأجندات الأجنبية التي تؤسس الآن بنيات تحتية دائمة بمعزل عن أية إرادة خليجية فردية أو ثنائية أو جماعية، من هنا، اقترحنا لهذا الملف قمة خاصة، تكون نتائجها غير معلنة.

 

مقالات لنفس الكاتب