; logged out
الرئيسية / استراتيجية خصخصة التعليم لتلبية تطلعات القيادة وتحقيق أفضل النتائج

العدد 170

استراتيجية خصخصة التعليم لتلبية تطلعات القيادة وتحقيق أفضل النتائج

الثلاثاء، 01 شباط/فبراير 2022

تولي حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ حفظه الله ـ جل اهتمامها لقطاع التعليم بهدف تعزيز مسيرة التنمية ودفع عجلة النمو إلى الأمام، وهذا ما يتضح جليًا في مخصصات هذا القطاع الحيوي في ميزانية 2022م، حيث جاء قطاع التعليم في مقدمة القطاعات حيث بلغت مخصصاته 185 مليار ريال وهي تشكل 19.4 في المائة من مخصصات كافة القطاعات في ميزانية المملكة لهذا العام. كما أولت رؤية المملكة العربية السعودية 2030 بقيادة داعمها وراعيها ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز-حفظه الله ـ، التعليم أهمية بالغة، وجعلت من أهم مستهدفاتها زيادة كفاءة القطاع التعليمي والوصول به إلى أفضل مستوى ممكن من الكفاءة والجودة فيما يتم تقديمه من برامج دراسية ومستوى ومعرفة وثقافة.

 

ومن هذا المنطلق اهتمت حكومة المملكة بخصخصة العديد من القطاعات والمرافق لتحسين كفاءتها، وسعت لتحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص، والتي شملت قطاع التعليم بهدف تحسين مخرجات التعليم والارتقاء بها لتتواءم مع متطلبات سوق العمل، وتخفيف عبء النفقات الرأسمالية للحكومة، ومشاركة القطاع الخاص في هذا المرفق الوطني الهام. وفي سبيل ذلك فقد أُطلق برنامج التخصيص في عام 2018م، لتحديد أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص لتعزيز جودة وكفاءة الخدمات العامة، ودعم المساهمة في التنمية الاقتصادية. ويعد قطاع التعليم واحدًا من ثلاث عشرة جهة مستهدفة للخصخصة بالمملكة العربية السعودية، حيث يتولى القطاع الخاص إدارة القطاع العام على أن يتحول دور القطاع العام إلى الإشراف وفي بعض الأحيان يكون لهم دور في رسم السياسات العامة وحوكمتها.

والخصخصة هي شكل من أشكال اللامركزية وهناك نوعان منها أولها الخصخصة الكاملة وهي عبارة عن بيع كلي وتحول إلى ملكيات خاصة بحيث تبيع الدولة ما لها من ملكيات في مشاريع معينة وتحويل ملكيتها للقطاع الخاص، والنوع الآخر هو الخصخصة الجزئية، وعلى سبيل المثال في قطاع التعليم، يعطي للجهة المسؤولة عن التعليم في المملكة وهي وزارة التعليم، الإشراف على العملية التعليمية ولكن بقية التفاصيل تكون في يد المستثمرين، أو الملاك للمنشآت التي تم خصخصتها.

 

مميزات الخصخصة:

 

كما هو معلوم أن أي عمل تصاحبه مميزات وعيوب أو إيجابيات وسلبيات، ومن المهم هنا ذكر بعض مميزات وعيوب خصخصة التعليم قبل الدخول في مناقشة الموضوع، فمن مميزات الخصخصة:

  • تحسين أداء المعلمين فالجميع سيسعى للتطوير من أجل تجديد عقده، أو الحصول على مكافآت بناء على تقييم الأداء فسيكون الدافع كبير للتطوير.
  • المنافسة البناءة بين الشركات الخاصة لاستقطاب الطلاب وتحسين جودة العملية التعليمية، وهذا التنافس يجعل الشركات المعنية بالتعليم تتسابق على توفير أفضل التقنيات لديها مما يساهم في رفع مستوى الطلاب والعملية التعليمية.
  • الدخل العالي من الخصخصة سينعكس على كثير من القطاعات ويؤدي إلى المساهمة في تطويرها.
  • الخصخصة بحد ذاتها ستحفز دخول شركات جديدة لقطاع التعليم في حالة كانت الضوابط والشروط والأحكام محددة سلفًا.
  • سيقل إشراف الحكومة على العمل وسيوجد مساحة أعلى لحرية الاستقطاب وخلافه.
  • سيتوزع الخطر الاقتصادي المترتب على العملية التعليمية بين القطاع الخاص والعام.

 

على الجانب الآخر، للخصخصة بعض السلبيات، منها على سبيل المثال لا الحصر:

  • الاحتكار: حيث إذا استطاعت شركة، أو شركات كبرى الاحتكار سيؤدي إلى ارتفاع أسعار التعليم.
  • الخصخصة ستضر القطاع الحكومي وتقلل ما كان يأتيه من ربح حيث سيذهب إلى القطاع الخاص.
  • ربما يطغى هدف الربح المالي على جودة التعليم فيصبح الربح هو الدافع الأول مما يوثر بالسلب على العملية التعليمية.
  • صعوبة التحاق أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة بالمدارس الأهلية مما يؤدي إلى وجود فجوة بين مخرج التعليم الخاص والعام لعدم المساواة وتكافؤ الفرص.

 

ولتوضيح مفهوم الخصخصة، سنلقي في هذا السياق نظرة فاحصة حول كيفية ظهور سياسات اللامركزية في دول مثل شيلي، والسلفادور، والصين، ومعرفة الآثار المتفاوتة لتلك السياسات على مؤسسات التعليم العالي في هذه الدول الثلاث، حيث يظهر التشابه في الظروف التعليمية بين المملكة وبين الدول سالفة الذكر.

 

  • ففي حالة تشيلي، أدت زيادة التوجهات نحو خصخصة جامعاتها إلى ارتفاع تكلفة الالتحاق بها، لأن الجامعات الخاصة تهدف عمومًا إلى الربح أكثر من الجامعات العامة. فوفقًا لـ"جامب" (2011)، أدى انخفاض التمويل الحكومي للجامعات إلى رفع مؤسسات التعليم العالي في تشيلي رسومها الدراسية تدريجيًا، وأصبح تسديد القروض الدراسية الآن جزءًا بارزًا في الثقافة التشيلية (جامب، 2011) التي يعاني أهلها من قدر كبير من الديون. وتشير دراسة في حالة لتشيلي أنه لا ينبغي أن يُنظر إلى الخصخصة على أنها البديل الوحيد، بل ينبغي النظر في الحاجة إلى شكلٍ ما من السيطرة الحكومية حتى يحافظ النظام على التوازن. ومن أحد الآثار المباشرة لعملية إلغاء مركزية التعليم العالي في تشيلي هو انتشار المظاهرات الطلابية في جميع أنحاء البلاد (جونزالس، 2013).

 

  • في السلفادور وفيما يتعلق باللامركزية في مدارسها، قورنت الأنشطة الإدارية وسلوكيات المعلمين في المدارس اللامركزية مع تلك الموجودة في المدارس التقليدية. وقد تبين أن العديد من العمليات الإدارية في المدارس لم تُظهِر تحولاً جذريًا على المستوى المحلي مقارنةً بالمؤسسات التقليدية، على عكس أنشطة مختارة مثل التعيين والفصل من العمل. وقد تضمنت عملية إلغاء مركزية التعليم في السلفادور إسناد إدارة المدارس وتنظيمها إلى جمعيات تعليمية مجتمعية. وكان التركيز الرئيسي لهذه المبادرة زيادة الفرص التعليمية للمجتمعات الريفية. فوفقًا لـ"ديزموند" (٢٠٠٩)، هناك العديد من الفوائد المختلفة المرتبطة بهذا النهج، فهو يزيد من شفافية إدارة الأموال على المستوى المجتمعي، ويعزز علاقات الدعم بين أولياء الأمور والمدرسين، ويزيد من إقبال المجتمع على تحسين النتائج التعليمية. ويشير التقييم لآثار التحول إلى اللامركزية في المؤسسات التعليمية في السلفادور إلى أن أولياء الأمور أصبحوا أكثر إقبالاً على المشاركة في الشؤون المدرسية مقارنةً بما كان قبل التوجه نحو إلغاء المركزية. وعلى النقيض من دراسة الحالة في تشيلي، تشير تجربة السلفادور إلى وجود جوانب إيجابية للخصخصة تحقق فوائد ملموسة في توفير التعليم العالي. كما أدى انتشار حركة الخصخصة في المملكة العربية السعودية إلى زيادة أساليب الإدارة ودوافع الموظفين. فضلاً عن ذلك، أتاحت أساليب ونُهُج الإدارة اللامركزية الفرصة لظهور الحجج والأمثلة التي تتضمنها نقاشات الداعمين للتعليم العالي في السعودية.

 

  • في تجربة الصين، تعتبر اللامركزية التعليمية "خاضعة للسيطرة"، بينما تستمر السيطرة الإدارية للدولة من أجل تسهيل نظام التعليم في البلاد، أي أن سيطرة القيادة العليا في اتخاذ القرار (نهج من القمة إلى القاعدة) ما زال مستخدمًا في توفير الخدمات التعليمية. فالدولة تستخدم سياسة إلغاء المركزية لإعادة مركزية سلطتها من خلال السيطرة غير المباشرة، أو من خلال الجمع بين سيطرة الحكومة والمدخلات المحدودة من المجتمعات المحلية والسوق ككل (تشن، 2004). وبحسب "نجوك" (2007)، أدت عملية إلغاء المركزية في التعليم العالي الصيني إلى التعامل مع التعليم على أنه منتج قابل للتسويق. وقد وضع ذلك تركيزًا على تحويل الجامعات إلى مؤسسات ذات كفاءة تجذب الطلاب بدلاً من تعزيز المساواة التي كانت أحد الأهداف الأولية لإلغاء مركزية التعليم العالي داخل البلاد. وذهب البعض إلى أن إلغاء المركزية في التعليم بالصين كان في صالح المناطق الحضرية الثرية ولكن ليس في صالح هؤلاء الذين يعيشون في أجزاء ريفية أكثر فقرًا في البلاد. ويشير ذلك إلى أن تحقيق اللامركزية في التعليم يفيد فقط الدول التي لا يوجد فيها تفاوت كبير من حيث الثروة بين المناطق المختلفة.

ويمثل فاعلية تطبيق الخصخصة في قطاع التعليم، وكيفية تطبيق أفضل الممارسات في العلاقة الشاملة بين القطاع الخاص والجهات المسؤولة عن التعليم في المملكة، ووضع استراتيجية شاملة حول نوع ومستوى المخاطر، من أهم الجوانب الرئيسية التي ينبغي الأخذ بها، حتى تساهم خصخصة هذا القطاع الهام في تلبية تطلعات قيادتنا الرشيدة، فيما يخص تحقيق المعايير التعليمية الحديثة، ويكون للخريجين من أبنائنا وبناتنا القدرة على المنافسة والنجاح في سوق العمل.

 وفي الختام، يظل أن الخصخصة لها ما لها وعليها ما عليها، لكن من أجل تطبيقها بشكل أفضل من الضروري وجود آليات دقيقة للتنفيذ، بغية وجود تعليم متميز في دول مجلس التعاون الخليجي، وأن تكون فرصة التعليم الجيد متاحة للجميع، وأن تكون حقًا من حقوق المجتمع، وألا يكون جوهر الخصخصة والهدف منه هو الربح المالي والعائد التجاري، لذلك من الضروري أن يكون للتعليم مسؤولية اجتماعية بين الدولة والقطاع الخاص، تتولى فيه الدولة رسم السياسات ومتابعة تنفيذها، وأن يقوم القطاع الخاص بالتملك والإدارة في إطار مؤسسي وفقًا لضوابط واضحة من أجل عملية تعليمية ناجحة تقدم مخرجات مؤهلة ومدربة ويحتاجها سوق العمل.

مقالات لنفس الكاتب