; logged out
الرئيسية / ضرورة وضع خطة خليجية مشتركة لاستثمارات الطاقة محددة الأهداف والمسؤوليات

العدد 171

ضرورة وضع خطة خليجية مشتركة لاستثمارات الطاقة محددة الأهداف والمسؤوليات

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

أصبح التوجه نحو ""تحول الطاقة" أو "الانتقال الطاقوي" أمرًا لا مفر منه من أجل تنفيذ ما تم التوصل إليه في اتفاق باريس لمواجهة التغير المناخي في ديسمبر 2015م، والذي تبنته دول مجلس التعاون الخليجي الست، وكافة دول العالم تقريبًا، باعتباره أول خطة عمل عالمية للحد من الآثار السلبية المتعددة لتغير المناخ على كافة مناحي الحياة والنظم البيئية وموارد المياه والبنية التحتية والاقتصاد العالمي.

وقد شاع استخدام مصطلح "تحول الطاقة"، من أجل الوصول إلى ما يعرف بـ "الحياد الكربوني" أو " صافي انبعاثات صفر" بحلول عام 2050م، بعدما أصبح العالم في "سباق مع الزمن" لمنع حدوث خلل مناخي لا رجعة فيه وكارثي. حيث شهدت السنوات الأخيرة معاناة كثير من الدول والمجتمعات المحلية في شتى أنحاء العالم من زيادة وطأة التغيرات المناخية (نتيجة موجات الجفاف والفيضانات وتسارع وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها واستمرار ارتفاع مستويات سطح البحر) وسط تحذيرات من جانب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بـتغير المناخ "IPCC"، والمدعومة من الأمم المتحدة، بضرورة خفض الانبعاثات المتسببة في ارتفاع درجة الحرارة حتى تكون هناك فرصة أمام  البشر لتحقيق الهدف من اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي، وهو إبقاء ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية.

وفي هذا السياق، أصبح "تحول الطاقة" و"الحياد الكربوني" من أهم العوامل المؤثرة في التخطيط لأية استثمارات مستقبلية في قطاع الطاقة، وذلك نظراً لطبيعة هذه الاستثمارات التي تتطلب نظرة مستقبلية لتطور الأسواق من حيث: نوع وحجم الأسواق المستهدفة في خطتها التسويقية، ونوعية السياسات المتبعة في العالم لتلبية الطلب المحلي أو الدولي، ومن ثم إنفاق الملايين من الدولارات سنوياً، للاستثمار في قطاعات الطاقة المتعددة، فعلى سبيل المثال، دعت وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة للدول المتقدمة بشأن سياساتها في مجال الطاقة، في 18 مايو 2021م، إلى تحقيق "الحياد الكربوني" في العالم، من خلال تقرير أطلقت عليه اسم "خريطة الطريق نحو صفر انبعاثات في عام 2050م". وقد أكد هذا التقرير على ضرورة تغيير المشهد العالمي للطاقة بشكل شبه كامل، في اتجاه التخلي عن مصادر الطاقة التقليدية، ومنها النفط والغاز الطبيعي، مقابل رفع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، كطاقة الرياح والشمس وغيرها. كما اقترح التقرير أيضًا عدم القيام بأية استثمارات جديدة في مجال النفط والغاز، وعدم بيع أية سيارة تعمل بمحرك حراري جديدة بعد عام 2025م، وإيقاف عمل محطات الكهرباء المزودة بالطاقات الهيدروكربونية ابتداء بعام 2040م، واستبدالها بمحطات تستعمل الطاقات المستدامة. كذلك، شجع التقرير أيضًا على إنتاج الوقود الخالي من الانبعاثات، كالهيدروجين الأخضر، وتدوير الانبعاثات الكربونية، وزيادة الطاقة التخزينية للبطاريات، وغيرها.

ومن جهة أخرى، يحذر كثير من خبراء الطاقة من أن "الاندفاع" العالمي نحو ضخ مزيد من الاستثمارات في "تحول الطاقة" و"الحياد الكربوني" من خلال زيادة الاستثمارات المخصصة لمشروعات الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية والرياح وغيرها، مع تقليص الاستثمارات الموجهة لقطاعي النفط والغاز الطبيعي، سوف يؤدي، ما لم يتم تحقيق التوازن الدقيق مستقبلاً في تخصيص هذه الاستثمارات، إلى "تقلبات شديدة"، بل وإلى "تداعيات سلبية خطيرة"، لعل من أبرزها الارتفاع الصاروخي في أسعار النفط العالمية، والتي وصلت إلى أكثر من 95 دولارًا للبرميل، وقت كتابة هذه السطور، وهو أعلى مستوى في 7 سنوات نتيجة شح الإمدادات النفطية والغازية وتزايد التوترات السياسية بين روسيا وأوكرانيا.

وفي هذا الصدد، لم يكن غريبًا أو مفاجئًا أن يؤكد أمين الناصر، الرئيس وكبير الإداريين التنفيذيين لشركة «أرامكو السعودية»، في كلمته أمام مؤتمر هيوستن في ديسمبر 2021م، إلى رؤساء وقادة العالم، على ضرورة الاستمرار في الاستثمار في مشروعات الوقود الأحفوري (النفط والغاز) خلال الأعوام المقبلة، وإلا فإن العالم سيواجه تضخماً اقتصادياً متصاعداً، واضطرابات اجتماعية، قد تضطر كثير من هؤلاء القادة إلى التخلي عن بعض أهدافهم لتقليص الانبعاثات الكربونية، من خلال تأخير أو إيقاف مشروعات تصفير الانبعاثات الباهظة الكلفة، خاصة في قطاع الطاقة. ومن جهة أخرى، أكد نايف عبد الله المسيحل، نائب وزير الطاقة السعودي للتخطيط، في نهاية يناير 2022م، خلال منتدى الاستثمار لليابان ومجلس التعاون الخليجي، أن العالم يحتاج إلى نمو الاستثمارات في مشروعات النفط والغاز الطبيعي بمعدل 5 في المائة سنويًا، لتلبية الطلب المتوقع على المدى القصير حتى 2025م، مشيرًا إلى أن هذه الاستثمارات تراجعت خلال العامين الماضيين بنسبة 30 %، وهو ما قد يؤدي إلى أن يشهد سوق النفط العالمي "المزيد من التقلبات".

وبحسب دراسة نشرتها دورية «آرجس» النفطية، فقد انخفضت الاستثمارات في قطاع الإنتاج النفطي خلال عام 2021م، نحو الربع لتسجل 300 مليار دولار، التي هي أقل بكثير من معدل الاستثمارات للسنوات الخمس الماضية البالغ نحو 500 مليار دولار سنوياً. وبحسب «آرجس»، فإن السبب وراء هذه الانخفاضات هو الشكوك حول معدلات الطلب على النفط والغاز المستقبلية وجائحة كوفيد 19.

فرص متعددة

في الوقت الذي تتميز فيه دول مجلس التعاون الخليجي الست بامتلاكها أكبر احتياطيات الوقود الأحفوري (النفط والغاز) تنافسية من الناحية الاقتصادية عالميًا، تتمتع كذلك بإمكانات وفرص هائلة في مجال الطاقة المتجددة، خصوصًا الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى أصول نقدية تساعدها للانتقال نحو الطاقة النظيفة والمتجددة، من خلال ضخ الاستثمارات في مشروعات التقاط وتخزين الكربون، وكذلك مشروعات الطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة. ومما سوف يشجع على ذلك، انخراط دول المجلس مع قضية التغير المناخي بمستويات مختلفة من الاهتمام. ففي أكتوبر 2021م، وفي خطوة تاريخية غير مسبوقة، أعلن ثلاثة من أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية عن أهداف للوصول إلى "الحياد الكربوني"؛ الإمارات عام 2050م، والسعودية والبحرين عام 2060م. كما تعهدت الرياض، مع أبو ظبي، بتخصيص استثمارات بقيمة 340 مليار دولار لمشروعات الطاقة المتجددة وإنتاج الهيدروجين، واحتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه. وبموازاة ذلك، أعلنت السعودية أيضًا عن إنشاء صندوق البنية التحتية الوطني. وهذا الصندوق -المدعوم من صندوق التنمية الوطني في السعودية، والذي تم إنشاؤه في عام 2017م، ولديه هدف استثماري قدره 53 مليار دولار يغطي مختلف القطاعات، بما في ذلك الطاقة والمياه، ومن المرجح أن يدفع بقوة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة.

وفي هذا الصدد، يشار إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الست لديها رؤية طموحة للاستثمار في مشروعات الطاقة النظيفة. حيث أكدت الحكومة السعودية في "رؤية 2030" على أنها ستعمل جاهدة لتنويع الاقتصاد السعودي وتوسيع قدرته التنافسية، مشيرة إلى أنها تخطط لاستثمار 380 مليار ريال (101 مليار دولار) في مشروعات الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م. وفي أبريل 2021م، أعلنت الرياض أيضًا أنها ستبني محطة طاقة شمسية بقدرة 1500 ميجاوات بحلول نهاية عام 2022م، والتي ستكون أكبر محطة للطاقة الشمسية في البلاد 2022م.

ومن جهة أخرى، كشفت الخطة الاستراتيجية للطاقة حتى عام 2050م، لحكومة الإمارات العربية المتحدة أنه بحلول عام 2050م، ستزيد الحصة الحالية من الطاقة منخفضة الكربون من إجمالي استهلاك الطاقة من 25 % إلى أكثر من 50 %، مما سيخفض البصمة الكربونية في قطاع الطاقة بنسبة 70 %. وفي الوقت نفسه، ستزداد كفاءة استهلاك الطاقة للمؤسسات والأفراد بأكثر من 40 %. وكانت الحكومة الإماراتية قد أعلنت أنها ستزيد استثماراتها في مجال الطاقة المتجددة والتقنيات منخفضة الكربون بحلول عام 2050م، بما لا يقل عن 600 مليار درهم (163 مليار دولار). وقد قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل ببناء وتشغيل محطتين كبيرتين للطاقة الشمسية، وستبدأ محطة ثالثة أكبر للطاقة الشمسية، من بينها، "مجمع مكتوم للطاقة الشمسية" بقدرة 5000 ميجاوات، والتي ستبدأ العمل بحلول عام 2030م. ومن جهة أخرى، ووفقًا لأهداف التنمية المستدامة "رؤية قطر الوطنية 2030”، أعلنت مؤسسة قطر للطاقة الكهرومائية في عام 2021م، أنها ستواصل تعزيز بناء محطات شحن السيارات الكهربائية في جميع أنحاء قطر. وفي أوائل عام 2021م، أطلقت سلطنة عُمان رسميًا مشروع محطة قابوس للطاقة الشمسية بقدرة 25 ميجاوات. واقترحت حكومة البحرين خططًا لإضافة 255 ميجاوات من المنشآت الكهروضوئية بحلول عام 2025م.

كما تتمتع دول مجلس التعاون أيضًا بمستوى عال للغاية من الإشعاع الشمسي، الأمر الذي يوفر لها فرص كبيرة من أجل تنفيذ أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم، مع تحقيق أسعار شراء منخفضة بشكل قياسي. ومن الأمثلة الدالة على ذلك مشروع الطاقة الشمسية في منطقة سدير السعودية، والذي حقق تعرفة منخفضة قياسية للطاقة الشمسية بلغت 0.0104 دولارًا لكل كيلووات/ساعة، محطمًا بذلك الرقم الذي حقّقه مشروع الظفرة للطاقة الشمسية الكهروضوئية في أبو ظبي، والبالغ 0.0135 دولارًا لكل كيلووات/ساعة. ويشار إلى أن السبب الرئيس وراء تلك التعرفات المنخفضة هو استخدام المزادات التنافسية واقترانها بإمكانات المصادر الطبيعية التي تمتلكها الدول الخليجية، بالإضافة إلى الحصول على تمويل منخفض التكلفة.

ومن جهة أخرى، تستطيع دول مجلس التعاون الست أيضًا الاعتماد على مزاياها النسبية الطبيعية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، كجزء مهم من "تحول الطاقة". وبالفعل، أعدت المملكة العربية السعودية مؤخرًا مشروع هيدروجين أخضر بقيمة 5 مليارات دولار، لإنتاج 650 ألف طن سنويًا من الهيدروجين الأخضر، و1.2 مليون طن سنويًا من الأمونيا الخضراء بحلول عام 2025م، مما سيجعله أحد أكبر مشروعات الهيدروجين الأخضر في العالم. ومن ناحيتها، أعلنت مؤسسة أبو ظبي الوطنية للبترول، في دولة الإمارات العربية المتحدة، أنها ستنتج 300 ألف طن من الهيدروجين سنويًا. كما أكملت مؤسسة البترول الوطنية الكويتية مؤخرًا العمل في وحدة تكسير هيدروجيني بقيمة 16 مليار دولار، والتي يمكن أن تنتج ما يقارب من 454 ألف طن من الوقود النظيف سنويًا. ومن جهتها، أنشأت سلطنة عُمان، في أغسطس 2021م، "التحالف الوطني للطاقة الهيدروجينية"، والذي يتألف من 13 منظمة من القطاعين العام والخاص، بما في ذلك الإدارات الحكومية ومشغلي النفط والغاز ووحدات البحث العلمي والموانئ. ويعد المشروع أيضًا جزءًا من هدف تنويع مصادر الطاقة لخطة التحول الاقتصادي "رؤية 2040" لسلطنة عمان.

وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك دول مجلس التعاون الست أيضًا فرصًا كبيرة للاستثمار من أجل زيادة قدراتها الإنتاجية في مجال النفط والغاز الطبيعي. فعلى سبيل المثال، تخطط المملكة العربية السعودية لزيادة قدرتها الإنتاجية اليومية من النفط الخام من 12 مليون برميل حاليًا إلى 13 مليون برميل بحلول عام 2027م.

تحديات صعبة

رغم أن غالبية دول مجلس التعاون الخليجي لديها فرص هائلة وخطط طموحة لزيادة قدراتها الإنتاجية في مجال النفط والغاز الطبيعي وتحفيز التحوّل للطاقة النظيفة والمتجددة، كما أوضحنا في القسم السابق، إلا أنها تواجه العديد من التحديات الداخلية التي قد تعرقل ضخ الاستثمارات الجديدة في قطاع الطاقة. فعلى سبيل المثال، يعني "تحول الطاقة" في اتجاه التركيز على الابتعاد عن الوقود الأحفوري، انخفاض عائدات صادرات النفط والغاز، الأمر الذي قد يكون له تداعيات غير إيجابية على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في بعض هذه الدول. ومن جهة أخرى، تعاني معظم دول مجلس التعاون من تداخل الأولويات والمهام لدى الوزارات، وعدم تحديد الجهة التي لديها السلطة لقيادة تحوّل الطاقة. كما إن بعض هذه الدول، مثل دولة الإمارات العربية المتحدة (إمارة دبي تحديدًا) قد اتجهت مؤخرًا إلى إنشاء محطات فحم جديدة وضخمة، رغم أن لديها سياسة معلنة وواضحة للتحول نحو الطاقة النظيفة.

وبالإضافة إلى ذلك، يؤكد كثير من المراقبين على وجود عدة عوامل رئيسة سوف تؤثر على الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاع الطاقة في دول مجلس التعاون الخليجي الست، لعل من أهمها العوامل الثلاث التالية: أولاً-تطور متحورات "كوفيد-19" ومدى انتشارها، بشكل قد يؤدي إلى خفض الطلب على الطاقة عالميًا نتيجة إعادة تطبيق الإجراءات الاحترازية، وبالتالي إضعاف الرغبة، لدى الحكومات والشركات، في ضخ استثمارات جديدة في قطاع الطاقة العالمي.

ثانياً، نهج استثمارات شركات النفط في المدى المنظور. وهذا الأمر له جوانب مختلفة ومتعددة. حيث تواجه شركات النفط العالمية الكبرى تحديين كبيرين في مجال "تحول الطاقة": أولهما ضغوط تقليدية من مساهميها لزيادة الأرباح، وثانيهما ضغوط حديثة العهد تمثلت بتصويت مجموعات متزايدة من المساهمين في الجمعيات العمومية السنوية للشركات النفطية، لتقليص الانبعاثات الكربونية في مشروعاتها، تلبية للقوانين الجديدة التي تنص على ذلك، أو تلبية لضغوط الحركات النشطة بيئيًا. وفي ضوء ذلك، ذكرت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير حول استثمارات الطاقة في العالم الصادر في مايو 2021م، أن استثمارات كبرى شركات النفط والغاز، خاصة في أوروبا (مثل بريتش بتروليوم وشل وتوتال)، قد "ارتفعت" بشكل ملحوظ في مشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة، بهدف زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، أو العمل على التقاط الكربون. كما أشارت الوكالة الدولية للطاقة أيضًا إلى أنه من المتوقع أن تظل الاستثمارات في «التنقيب والإنتاج» عن النفط والغاز عند مستوى أقل بكثير مما كانت عليه قبل الأزمة، رغم أنها حققت نموًا بنحو 10 % عام 2021م، مقارنة بالعام السابق. وقد حققت الشركات الوطنية هذا النمو، في حين لا يزال إنفاق «الشركات الكبرى» الخاصة ثابتاً. وكانت شركة بريتش بتروليوم قد أعلنت، في أغسطس 2020م، عن أنها ستخفض إنتاجها من النفط والغاز بنسبة 40 % بحلول عام 2030م، وستزيد استثماراتها منخفضة الكربون بمقدار 10 أضعاف خلال نفس الفترة، مشيرة إلى أنها ستزيد من استثمارها السنوي المنخفض الكربون من 500 مليون دولار في 2019م، إلى 5 مليارات بحلول عام 2030م، كجزء من هدفها لإنتاج 40 % من مبيعاتها من مصادر الطاقة المتجددة والكهرباء بحلول عام 2050م، وقالت شركة توتال الفرنسية أيضاً، إنها تهدف إلى الحصول على 100 جيجاوات من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م. وفي عام 2020م، مؤكدة على أنها تخطط لاستثمار ما يصل إلى 3 مليارات دولار سنوياً كجزء من هدفها المتمثل في أن تكون من بين أكبر خمس شركات في العالم في مجال الطاقة المتجددة.

ثالثًا، ارتفاع زخم مصادر الطاقة المتجددة من جانب معظم دول العالم، بعدما تبنت الإدارة الأمريكية الجديدة للرئيس جو بايدن توجهًا مغايرًا لما كانت عليه الإدارة الأمريكية السابقة للرئيس دونالد ترامب، بشأن إنقاذ كوكب الأرض من الآثار الكارثية المدمرة للتغير المناخي العالمي. فعلى خلاف ترامب، الذي رفع شعار أن التغير المناخي "مؤامرة" تهدف إلى الإضرار بالاقتصاد الأمريكي، أعادت إدارة بايدن واشنطن رسمياً إلى اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي (وهي الاتفاقية التي انسحب منها ترامب)، بمجرد توليها المسؤولية في يناير 2021م، ثم استضاف الرئيس بايدن قمة المناخ في 22 أبريل الماضي، حيث قدم التزاما واضحًا بتخفيض الانبعاثات الكربونية الأمريكية (15 % من إجمالي الانبعاثات العالمية) إلى النصف بحلول سنة 2030م؛ مع الوصول إلى "الحياد الكربوني" سنة 2050م، ومن جهة أخرى، اكتسبت مسيرة "تحول الطاقة" أيضًا دفعة جديدة بعد إعلان الصين (ثاني أكبر منتج للانبعاثات الكربونية في العالم بعد الولايات المتحدة) عن نواياها لتخفيض انبعاثاتها الكربونية عام 2025م، بنحو 60 %، على أن تصل إلى "الحياد الكربوني" عام 2060م، كما أعلنت الهند أيضًا خفض انبعاثاتها بما بين 30 و35 % بنهاية هذا العقد. وأعلنت اليابان وكوريا الجنوبية عن عزمهما الوصول إلى "الحياد الكربوني" في منتصف القرن الحالي. كما اتخذ المجلس الأوروبي أيضًا قراراً في 28 يونيو 2021م، يلزم فيه الدول الأعضاء الـ 27 خفض انبعاثات الاحتباس الحراري 55 % بحلول عام 2030م، مقارنة بمعدل الانبعاثات لعام 1990م، وأن يتحولوا إلى دول "محايدة كربونيًا" بحلول عام 2050م.

توصيات للمستقبل

من أجل الاستفادة من الفرص المتاحة في قطاع الطاقة الخليجي والتغلب على التحديات المذكورة سالفًا، ومن أجل المساهمة في تحقيق دول مجلس التعاون الخليجي الست "تحول مرن وعادل للطاقة" في الوقت المناسب، وذي نتائج مستدامة، فلا بد من إحداث تحوّل وتغيّر جذري على مستوى النظم الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك إعادة تصور شكل نمط الحياة والعمل، الأمر الذي يتطلّب تعاوناً قوياً بين "صناع السياسات وقادة الأعمال ومستهلكي الطاقة والمبتكرين". فالرحلة إلى تحقيق "تحول الطاقة المتوازن" بطيئة وشاقة في المدى القصير، إلا أنها لا تنفكّ تكتسب مزيداً من الزخم وتوفر للدول والشركات الكثير من الفرص للنمو والازدهار على المدى الطويل. وفي هذا السياق، توجد عدة توصيات من أجل تشجيع جذب الاستثمارات في قطاع الطاقة الخليجي في المستقبل المنظور، منها ما يلي:

  1. وضع خطة عمل واضحة، ومتفق عليها من جانب كافة الأطراف المعنية، لاستثمارات الطاقة المستقبلية في دول مجلس التعاون الخليجي، يتم فيها تحديد الأهداف والاستراتيجيات والسياسات والأنظمة، وتحدد المهمات والمسؤوليات بشكل واضح.
  2. تعزيز المزيد من الشفافية في المنظمات الحكومية المعنية بلعب أدوار قيادية في مجال "تحول الطاقة"، مثل صناديق الاستثمارات العامة.
  3. توفير الدعم من قيادات دول مجلس التعاون لشركات النفط الوطنية العامة والخاصة الراغبة في القيام بمشروعات "تحول الطاقة". خاصة في مشروعات التقاط وتخزين الكربون، وتحويل النفط الخام إلى مواد كيميائية، والاقتصاد الدائري للكربون.
  4. تشجيع شركات النفط الوطنية، مثل أرامكو السعودية وأدنوك الإماراتية وغيرها من شركات الطاقة الخليجية العملاقة، للوصول إلى "صافي صفر انبعاثات كربونية" ضمن موعد محدد.
  5. تقوية القطاع الخاص، ومساعدته في الحصول على شراكات مع الشركات الأجنبية ذات التكنولوجيات المتميزة، مع إعطاء الأولوية لنقل المعرفة والمهارات.
  6. الاستثمار في التعليم، ومساعدة الجامعات ومراكز البحث والفكر على تطوير تقنيات الطاقة المتجددة، وتسويق التقنيات المطورة محليًا، مع جعل استخراج الكربون وتخزينه أولوية متقدمة تجارياً.
  7. التأكيد على استخدام المحتوى المحلي في جميع مشروعات الطاقة المتجددة والاقتصاد الدائري للكربون، مثلما فعلت أرامكو السعودية مع برنامج القيمة المضافة الإجمالية في المملكة.
  8. تعزيز التعاون الدولي مع الدول الصديقة.
مقالات لنفس الكاتب