; logged out
الرئيسية / 320 مليار دولار استثمارات الأنظمة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في السعودية وقطر والبحرين والإمارات

العدد 171

320 مليار دولار استثمارات الأنظمة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي في السعودية وقطر والبحرين والإمارات

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

لم تعد قراءة العلاقات الصينية ــ الشرق أوسطية مجرد بروتوكولات بين دول تحترم بعضها البعض، إنما تحولت بفعل التراكمات الإيجابية إلى استراتيجية في الأداء والعلاقات المتوازنة وفق رؤية ثاقبة لمصلحة الشعوب في الشرقين الأوسط والأقصى وتقدمهم وخروجهم من حالة الانتظار إلى حالة الإطلاق والمبادرة.

فانتقال العلاقة الصينية مع دول الخليج العربي بسرعة من حالة البرود إلى الحماوة حتى سلكت مسلكاً حيوياً وذا مصلحة وازنة من شأنها أن تعزز النمو المستدام، وذلك من خلال التطوير الاقتصادي الاستثماري المتنوع.

أما الوثبة المتقدمة بين الصين مع المملكة العربية السعودية، فقد تعززت مع تولي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في المملكة، وإدارة ولي عهده سمو الأمير محمد بن سلمان الذين نقلا العلاقة بين الصين والمملكة من الاهتمام إلى دائرة العمل الاستثماري المتبادل في الخبرات بين البلدين، مما رفع من قيمة الاستثمارات بشكل ملحوظ، وهذا أيضاً ما أفيد عن طلب صندوق الثروة السعودي 450 مليار دولار للاستثمار الأجنبي في الصين، حيث سيمنح الترخيص بتداول الأسهم بالعملة الصينية أيضاً.

وهنا تعرض الرؤيةَ الصينية لمبادرة "الحزام والطريق"، الإمكانات الواعدة التي ستقدمها لمنطقة الشرق الأوسط، وتناقش التحديات التي ستواجهها المبادرة، وكيف يمكن لها أن تتعامل معها، والمتمثلة بالخلافات السياسية بين دول المنطقة والاضطرابات التي تشهدها، ووفق هذه الرؤية أطلق وزير خارجية الصين وانغ يي في السعودية أثناء زيارته للرياض العام الماضي مبادرة الصين لحل النزاعات وتقريب وجهات النظر تضمنت النقاط التالية:

أولاً -الدعوة إلى الاحترام المتبادل واعتماد هذا المبدأ أساسًا للتعاملات بين دول المنطقة ووجوب احترام جميع دول العالم لخيارات هذه الدول وشعوبها.

ثانياً -الالتزام بالإنصاف والعدالة أساساً لحل النزاعات، ومنها القضية الفلسطينية واعتبار حل الدولتين هو القاعدة الأساس لها عن طريق المفاوضات.

ثالثاً -تحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية والسعي لعودة سريعة للاتفاق النووي الإيراني.

رابعاً -العمل سويا على تحقيق الأمن الجماعي عبر السعي لحل النزاعات ووضع إطار أمني مشترك في المنطقة يؤدي إلى الاستقرار.

خامساً -تسريع وتيرة التنمية والتعاون.

فهذه المبادرة تأتي استمراراً لنجاح اقتراح الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013م "حزام واحد، طريق واحد"، المعروف بطريق الحرير الجديد، ما يعطي حافزاً قوياً وملحاً لأن تأخذ العلاقة دوراً محورياً واستثمارياً بشكل واسع وكبير، هذا ما يعزز عمل ورقة المبادرة والتي تقوم أساساً على دينامية خاصة تجعل التعاون في مجال الطاقة وإنشاء البنى التحتية هو الأساس لعولمة أكثر شمولًا وانفتاحًا، وتقوم على التبادل الاقتصادي والتجاري المنظم على طول مسار طريق الحرير الجديد. وتعرِض لأهم الإجراءات التي اتخذتها الصين لإنجاح المبادرة بشكل عام، مثل إنشاء البنك الآسيوي، وبشكل خاص في علاقتها مع دول الشرق الأوسط حيث تأسَّس المنتدى العربي-الصيني، إضافة إلى الاستثمارات الصينية التي ستسهم في الصناعات غير النفطية في الخليج، كما ستسعى المبادرة لتحقيق الاستقرار الذي هو أساس لنجاحها.

انطلاقاً من العمل بسلسلة برامج مشتركة سعودية صينية تهدف إلى تشجيع الاستثمارات الصينية في المملكة وتحمل لهذه البرامج تسهيلات عدة تبدأ بإجراء مؤتمرات مشتركة صينية سعودية استثمارية، وإنشاء شركات تسويقية تعمل على ابتكار المشاريع وتقديم دراسات ذات جدوى مع السعي لإيجاد شركاء من كلا الطرفين، وفي هذا الخصوص لا مناص من تشجيع الشركات في كافة المجالات وبكافة المستويات، حيث أن هناك فرص ضخمة يمكن الاستفادة منها على سبيل المثال لا الحصر، الصناعات البتروكيميائية وصناعة التكنولوجيا ولا سيما الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى الصناعات المتعلقة بإعادة تدوير النفايات وصناعة الأنظمة الخاصة بمعالجة انبعاثات الكربون.

أما في المجال الزراعي فمن الممكن التركيز على إنشاء شركات في مجال الزراعة الذكية ومكافحة التصحر ما ينسجم مع مبادرة المملكة الخضراء. وفي مجال البنية التحتية المجالات كبيرة وواسعة جداً، تبدأ بالاستثمار في مشاريع البناء العقاري وإنشاء الطرق السريعة وفق أليات شراكة وسكك الحديد والمترو والمطارات والموانئ والأنفاق والقنوات المائية وجرها وسط المملكة التي من شأنها تطوير الشحن البحري والنقل والمناخ.

لذلك فإن المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان، ودول أخرى، تبحث مع الصين سبل تطوير التعاون في مجال تأسيس أقطاب صناعية، فكانت الانطلاقة أن الصين ناقشت الآفاق التي تحملها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 ورؤية الأردن 2025 وعلاقتهما بمشروع "الحزام والطريق".

 وفي هذا المضمار أصبحت الصين أمام مسؤولية تذليل العقبات الناجمة من التحديات والاضطرابات والصراعات التي تهدد استقرار العديد من الدول القائمة على خطوط مشروع "الطريق والحزام". خاصة أن الصين لا تقيم الأحلاف ولا تستثمر في الحروب والنزاعات. بل تعتمد في سياساتها بناء الشركات مع الجميع على قاعدة الشراكة وعدم الانحياز لأي طرف.

فمن شأن تطور هذه العلاقة أن تكبح جموح المستثمرين في الاضطرابات والتي جعلت المنطقة فوق صفيح ساخن، من خلال التباين والتوتر بين إيران والسعودية من جهة وبين إيران وتركيا من جهة أخرى، عدا عن الصراع العربي الإسرائيلي، هذا ما ساهم في إبقاء البنية الاقتصادية لدول المنطقة هشة، باستثناء دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وإسرائيل.

من هنا ينحو المواطن العربي وتحديداً الخليجي باتجاه القارة الصفراء لما فيها من نمو اقتصادي غير مسبوق، لأن يتغلب على حالة عدم الاستقرار ويواكب النمو السكاني والتطور المجتمعي، وكثيراً ما سبب ذلك بتعديل استراتيجياتها الإنمائية، وقد بينت الأرقام أن النمو الاقتصادي في بعض البلدان يسير في اتجاه تصاعدي، ونتيجة لهذه التطورات أبدى وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي معالي الأستاذ بندر بن إبراهيم الخريف إعجابه بالجهود الدؤوبة من الصين لتحقيق أهداف مبادرة الحزام والطريق، والتي توافق الرياض في رؤية المملكة 2030 وضرورة إحياء مسارات التجارة القديمة التي تقوم على خطط الخصائص والأفكار المشتركة.

ووفق هذا المنطلق بدأت تتسارع علاقة التبادل التجاري بين الصين والدول الخليجية، فقد استوردت الصين في العام 2015م، ثلث احتياجاتها النفطية ونفس النسبة من الغاز المسال من دول الخليج.

التطور التصاعدي للاقتصاد الاستثماري

 يتوقع أن تصل قيمة مبادرة الحزام والطريق إلى 1.3 تريليون دولار بحلول عام 2027م، ومن الطبيعي أن يساعد في تغيير المنطقة من خلال إثراء التنمية الاقتصادية والاستثمار الداخلي وخطط التنويع، بما في ذلك الطاقة المتجددة. ونظراً للضغوط الزمنية على العديد من دول الخليج العربية لتحقيق أهداف الإصلاح الاقتصادي أو “الرؤية” بحلول عام 2030م.

وشجعت متانة العلاقة على زيادة مبادرات التعاون الاقتصادي من 240 مليار دولار في 2013م، لتصل إلى 600 مليار دولار في 2023م، على خلفية توثيق أواصر التواصل مع دول مجلس التعاون الخليجي من خلال الآليات والحوارات الاستراتيجية بين الصين ودول مجلس التعاون التي انطلقت في عام 2010م، حيث ارتفع معدل النشاط التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون من أقل من 10 مليارات دولار في عام 2000م، ليصل إلى ما يقارب 115 مليار دولار في عام 2016م، ووصلت الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما بين عامي 2005 و2020م، إلى ما قيمته 196.93 مليار دولار، مع السعودية (39.9 مليار دولار) والإمارات (34.7 مليار دولار) وهما الوجهتان ذات الأهمية الخاصة.

كما أن الاستثمار في البنية التحتية والتجارة الإلكترونية والسياحة، يمكن أن تعزز استراتيجيات التنويع الاقتصادي لدول الخليج والعلاقات بين الشعوب، إلا أن هناك تفاوتاً في الاستثمارات الصينية والبناء عبر دول الخليج، وأكثر من ذلك عبر دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

كلما توسعت مبادرة الحزام والطريق كلما تصاعدت العلاقات الاستثمارية بين الصين ودول الخليج، وهنا لا بد من توسيع دائرة التبادل الثقافي وإقامة الندوات واللقاءات وورش العمل الحوارية والمعارض لدى الطرفين، من أجل إعادة تنظيم استراتيجيات الحوكمة في ظروف عالمية، وإقليمية وداخلية جديدة من شأنها تعزيز الديمقراطية.

فنجاح النظام الإلكتروني وتقنية الذكاء الاصطناعي، والتي تشير التقديرات إلى أنها قد تصل في دول السعودية وقطر والبحرين والإمارات إلى 320 مليار دولار بحلول عام 2030م، بما يساهم ذلك في مكافحة الإرهاب ومتطلبات السلامة الحضرية.

لا بد في هذا الحقل من التركيز على تحويل القوة الاقتصادية إلى عامل أساسي يساهم في الاستقرار الأمني والسياسي، وترسيخ الإبداع والقدرة على تشكيل المؤسسات الدولية الرئيسية. من الناحية الاقتصادية، فإن انطلاق شبكة المحمول من الجيل الخامس (G5)، وهي جزء من طريق "الحرير الرقمي". فالصين حريصة كل الحرص لمعايير السلامة النووية وعدم انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط وخارجه.

رؤية نهضوية

 ترسخ لدى الغرب على مر التاريخ أن الاحتلال والاستعمار يفرض سياسة تقوم على "الهيمنة" ومعايير الاستقواء، أما حالياً مع تصاعد النهضة الجماعية للدول النامية وفي مقدمتها الصين ودول الشرق الأوسط، بدأ يفرض متغيرات كبيرة في العالم ستعيد للشعوب حقوقها عبر ترسيخ مفاهيم جديدة قائمة على التعددية والتعاون بهدف بناء مستقبل مشترك أفضل للبشرية جمعاء.

وانطلاقاً من استراتيجية الصين الثابتة والمبنية على مبدأ التنمية والتشارك والتعاون السلمي وفق سياسة الربح المشترك وقاعدته فإنه لا يمكن ضمان استمرار تنمية أمة ما لم يتم ضمان تنمية الأمم الأخرى، لذا نرى أنه من الضروري السعي لإحلال السلام والاستقرار لإيجاد الأرضية المتعطشة للتنمية من أجل بناء مجتمع أفضل، وتجلت في مبادرة "الحزام والطريق" إضافة إلى إطلاق منظمات للتعاون منها شنغهاي ومجموعة البريكس وغيرها.

أهمية هذه المبادرة أنها تلزم جميع الأطراف التعاون المشترك بهدف الربح المشترك، وتبشر بعالم تعددي يحفظ لكل شعب حقه ودوره وفق مفهوم بعيد عن الأحلاف والتكتلات العسكرية، لكونها تعمل بعقلية الحرب الباردة وبناء شبكة واسعة من الشراكات الاستراتيجية اعتماداً منها على قوتّها الاقتصادية المتنامية مما يخلق بيئة تعاونية متعدّدة الأقطاب مواتية لها ومعادية لنزعة الهيمنة.

الخاتمة

و مما سبق تأتي مبــادرة الحــزام والطريــق نافذة لــدول مجلــس التعــاون الخليجــي، ليس لأنها فرصة جديــدةً لركــوب موجــة العولمــة إنما للاســتفادة مــن الموجــة الأولــى للعولمــة وذلك نتيجــة لوضعهــا كــدول رئيســية مصــدرة للطاقــة، وباعتبار أن الطاقــة لا تــزال عنصــراً هامــاً فــي الســباق الاقتصــادي، فــإن المبــادرة يمكــن أن تشــجع الاندمــاج الإقليمــي فــي مجــال الطاقــة بوســائل منهــا نقــل الكهربــاء وأنابيــب الغــاز والمشــاريع الاســتراتيجية لتخزيــن الطاقــة ومنهــا خدمــات التخزيــن.

ومستقبلاً يمكــن لدول مجلس التعاون الاستفادة مــن الفــرص الناتجــة عــن مبــادرة الحــزام والطريــق فــي تنويــع هياكلهــا الاقتصاديــة. فالجهــود الراميــة لتقليــل الاعتمــاد الاقتصــادي علــى صــادرات الطاقــة ومواصلــة الترويــج لمكانتهــا المتناميــة كمركــز مالــي ولوجيســتي وكمركــز للنقــل يمكــن أن تشــهد نقلــة كبيــرةً عنــد المشــاركة فــي مشــاريع المبــادرة.

ويتيح لدول مجلــس التعــاون الخليجــي دخــولها فــي اســتثمارات مشــتركة مــع الصيــن فــي مشــاريع البنيــة التحتيــة فــي الــدول الأخــرى المشــاركة فــي المبــادرة. وقــد يــؤدي ذلــك إلــى تعزيــز الترتيبــات متعــددة الأطــراف ما يعــزز مــن الحضور الدولــي لــدول مجلــس التعــاون الخليجــي بمــا يتجــاوز المنطقــة.

مقالات لنفس الكاتب