; logged out
الرئيسية / أمام السعودية فرص لتصدير الهيدروجين الأخضر تتيح مزيدًا من التعاون مع أوروبا وآسيا

العدد 171

أمام السعودية فرص لتصدير الهيدروجين الأخضر تتيح مزيدًا من التعاون مع أوروبا وآسيا

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

لا يزال النفط هو السيد في عالم الطاقة وتعد المملكة العربية السعودية أحد المنتجين الرئيسيين، بيد أن تحولات الطاقة المتجددة وسياسات الحياد المناخي تثير التساؤل حول ما إذا كان سيد الطاقة ستتم الإطاحة به في يوم من الأيام. تعتقد شركة أرامكو السعودية في نشرتها الدعائية العامة للعرض الأولي لعام 2019م، أنه بحلول منتصف عام 2030م، قد تؤثر ذروة الطلب العالمي على النفط على آفاق أعمالها. وبناً عليه، فقد يستقر الطلب على النفط ثم ينخفض باستمرار ابتداءً من هذه المرحلة، ولكن ما هي تداعيات ذلك على المملكة العربية السعودية وكيف يمكنها إدارة مثل هذا التحول بنجاح إذا حدث؟

أصبح النفط سلعة استراتيجية عشية اندلاع الحرب العالمية الأولى عندما تحولت البحرية البريطانية من استخدام الفحم إلى النفط كوقود مفضل لها. وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ارتفع استهلاكه ارتفاعًا كبيرًا وبحلول السبعينيات من القرن العشرين أصبح مصدر الطاقة الأكثر استخدامًا في العالم. وظل النفط كذلك منذ ذلك الحين، على الرغم من انخفاض حصته النسبية حيث استحوذ الغاز الطبيعي والطاقة النووية ومصادر الطاقة المتجددة مؤخرًا على حصص من مصفوفة الطاقة العالمية. ولطالما كان النفط أساسيًا لنموذج التنمية السعودي، ومع ذلك، فإن تطورات سوق النفط والتحديات الاقتصادية المحلية وظهور التحولات نحو الطاقة المتجددة، كل هذا المزيج أدى إلى تقويض أهمية النفط على المدى الطويل.

صدمات العرض والطلب على النفط ونموذج التنمية السعودي

كان هناك اتجاه هبوطي مزمن لعائدات الثروات النفطية منذ الطفرة النفطية التي شهدتها المملكة في حقبة السبعينيات وأوائل الثمانينيات، على الرغم من تحركات الأسعار التعويضية. ويتعرض معدل نصيب الفرد من العائدات للضغط نتيجة للنمو السكاني والاستهلاك المحلي المتزايد بشكل حاد. فمنذ عام 2014م، أدى انخفاض أسعار النفط في أعقاب ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة إلى تفاقم هذه المشاكل، وعلى الرغم من تراجعها مؤخرًا. فلم تتمكن تخفيضات الإنتاج بعد اتفاقية "أوبك+" الأولية في 2017م، مع روسيا والمنتجين الآخرين من خارج منظمة أوبك من تجنب التأثير السلبي. وقد أفضى ذلك إلى اندلاع حرب أسعار قصيرة الأجل في مارس 2020م، عندما لم يتمكنا من الاتفاق على استمرار خفض الإنتاج وشرعوا في وضع استراتيجية لزيادة الإنتاج واستعادة حصتهما في السوق ومزاحمة المنتجين ذوي التكلفة العالية في الولايات المتحدة الأمريكية. وإزاء ذلك كان هناك انخفاض هائل في الطلب على النفط نتيجة انتشار جائحة كورونا أو ما تعرف بكوفيد- 19 والضغط الأمريكي، وبناءً عليه، فقد اتفقت الدولتان على تجديد تخفيضات الإنتاج في أوائل شهر أبريل 2020م. ومع ذلك، تحولت أسعار نفط خام غرب تكساس الوسيط في سوق العقود الآجلة لشحنات مايو إلى سلبية لأول مرة في التاريخ في 20 أبريل 2020م، مما يوضح حجم التراجع الهائل في الطلب على النفط بسبب الركود نتيجة انتشار جائحة كورونا أو كوفيد-19. كانت التداعيات المالية على المملكة العربية السعودية كبيرة. ففي مايو 2020م، اضطرت الحكومة السعودية إلى ضريبة القيمة المضافة التي فرضتها مؤخرًا إلى ثلاثة أضعاف لتعويض النقص في عائدات النفط.

ومع تراجع نصيب الفرد من العائدات، بات الإنفاق المالي للدولة السعودية ليس كسابقه بشكل متزايد. بعد أن كان الطلب على الطاقة مرتفعًا بشكل كبير منذ السبعينيات نتيجة للنمو السكاني ودعم الوقود والتصميم المكثف للطاقة في المدن التي تعتمد على السيارات، والتنمية الاقتصادية. فقد يستهلك الشرق الأوسط الآن ما يقرب من 30 % من إنتاجه من النفط وأكثر من 80 % من إنتاجه من الغاز الطبيعي. فلا توجد دولة في المنطقة، بخلاف قطر، تتمتع حاليًا بقدرة كبيرة على تصدير الغاز الطبيعي، على الرغم من الاحتياطيات الكبيرة. فقد تحولت العديد من الدول إلى مستوردين للغاز الطبيعي أو حرق الديزل وزيت الوقود في محطات توليد الكهرباء، من بينها المملكة العربية السعودية. ومن ثم فقد أصبح نمو الطلب المحلي على النفط يهدد القدرة على تصديره. ولحماية هذه القدرة، بدأت المملكة العربية السعودية في خفض الدعم لكبح جماح الاستهلاك ومحاولة تطوير طاقات بديلة (غاز طبيعي إضافي، ونووي، ومصادر متجددة) للحفاظ على النفط للتصدير الذي يعد مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبي لتلبية احتياجات ميزانية العقد الاجتماعي.

ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة وتحولات الطاقة المتجددة

تفاقمت هذه المجموعة غير المواتية بسبب انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014م، والذي استمر حتى وقت قريب. وقد أضافت ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة حوالي ثلاثة ملايين برميل من النفط الصخري يوميًا إلى مصفوفة الإمدادات العالمية.  وقد عوض ذلك عن اضطرابات الإمدادات الجيوسياسية في أماكن أخرى (مثل ليبيا، وإيران، ونيجيريا، والسودان، وسوريا، واليمن). على الجانب الآخر، أدى تباطؤ الطلب في أعقاب الركود الكبير إلى التأثير على الأسعار. فقد أجبرت أسعار النفط التي تقل عن مستويات التعادل في الميزانية منتجي النفط على خفض الإنفاق وإصدار الديون واسترداد الأصول. وأثار ذلك مخاوف من الناحية الجيوسياسية، بمعنى أن يؤدي تقليص الاعتماد الأمريكي على النفط المستورد إلى انسحاب أمريكي جزئي من المنطقة.

وحتى الآن تعتبر ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة فريدة من نوعها. ولكن يبقى لنا أن نرى ما إذا كان يمكن تكرارها في بلدان أخرى مثل أوروبا الشرقية، أو الأرجنتين، أو الصين التي ليس لديها نظام بيئي تجاري مماثل لشركات خدمات النفط ورأس المال الاستثماري والتي تكون بيئتها التنظيمية السياسية أقل استيعابًا والرواسب الجيولوجية لديها أكثر صعوبة.

إن ثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة هي تحول داخل النظام، حيث لا تختلف عما حدث في الثمانينيات من ظهور لإمدادات نفطية جديدة من بحر الشمال وألاسكا وخليج المكسيك. ويمكن أن يحدث تحول نموذجي وتحول مستمر بدرجة أكبر نتيجة للتحولات في مجال الطاقة المتجددة والتشريعات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد تدفع ذروة الطلب العالمي على النفط منتجي النفط إلى اللجوء إلى استراتيجية "الحجم الكبير / السعر المنخفض" خوفًا من أن ينتهي الأمر بمواردهم النفطية الثمينة كأصول عالقة على المدى الطويل. ومن هذا المنظور، وربما كانت حرب أسعار النفط في مارس 2020م، نذيرًا لأشياء قادمة.

لقد أدت بالفعل ثورة النفط غير التقليدي إلى خفض واردات الولايات المتحدة من النفط الخام. غير أن صدمة الطلب قد تكون أكثر تأثيراً من صدمة العرض: فهي مدفوعة بجهود التخفيف من حدة المناخ والفرص التكنولوجية الجديدة مثل كهربة النقل والهيدروجين الأخضر، ولسوف تستحوذ الطاقات المتجددة على حصة أكبر في مصفوفة الطاقة العالمية، فقد شهدت الطاقات المتجددة انخفاضات كبيرة في التكلفة على مدى العقد الماضي. تقول الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA) في أبو ظبي بأن "الكهرباء المتولدة من مصادر الطاقة المتجددة ستصبح قريبًا أرخص بشكل دائم من الوقود الأحفوري". ولم يعد التحدي الرئيسي للقدرة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة هو التكلفة، بل تقطع إمدادات الطاقة، فمن الصعب دمج مصادر الطاقة المتجددة في شبكات الكهرباء ما لم تكن هناك سعات احتياطية وحلول تخزين وشبكات ذكية متكاملة يمكنها حتى تجاوز حالات عدم التوافق بين العرض والطلب.

ومثل هذه الحلول التقنية موجودة بالفعل. حيث يمكن دمج الطاقة الشمسية المركزة (CSP) مع تخزين الحرارة للطاقة عبر الأملاح المنصهرة، ولكن بسبب الانخفاض السريع في تكلفة الخلايا الكهروضوئية والتقدم في تخزين الكهرباء عبر البطاريات، فقد أصبحت الطاقة الكهروضوئية أكثر قدرة على المنافسة مقارنة بالطاقة الشمسية المركزة. وانخفضت أيضًا تكاليف البطاريات. وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة المزيد من الانخفاضات بنحو الثلثين بحلول عام 2040م.

وفي سيناريو متفائل لتحويل الطاقة، تتوقع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة" آيرينا" أن تزداد حصة مصادر الطاقة المتجددة الحديثة مثل الطاقة الكهرومائية وطاقة الرياح والطاقة الشمسية من إجمالي استهلاك الطاقة النهائي العالمي من 10٪ حالياً إلى 28٪ بحلول عام 2030 م، و 66٪ بحلول عام 2050م، وقد تتنافس مصادر الطاقة المتجددة بشكل متزايد مع الهيدروكربونات" النفط والغاز" في قطاع النقل. حيث ينمو التنقل الإلكتروني بسبب انخفاض الأسعار والطفرات التكنولوجية. وقد يكون الهيدروجين الأخضر تقنية أخرى تؤثر على الطلب على النفط. وتعمل الحكومة الألمانية على تعزيز هذا الهيدروجين المنتج من مصادر طاقة متجددة باعتباره جزءًا من مخطط استراتيجي طويل الأمد للحد من التغيرات المناخية. وعلى عكس التنقل الإلكتروني، لا يُستخدم الهيدروجين الأخضر في السيارات وحسب، ولكن يُستخدم في الشاحنات والسفن والطائرات والصناعات الثقيلة أيضًا بسبب كثافته العالية للطاقة.

خيارات التكيف في المملكة العربية السعودية مع تحولات الطاقة المتجددة

يمكن للمملكة العربية السعودية أن تتكيف مع عالم التحول في مجال الطاقة من خلال التدابير التالية: (أ) توفير أسواق هيدروكربون تكون أقل تأثرًا بالتحول (على سبيل المثال، البتروكيماويات)، (ب) استخدام مصادر الطاقة المتجددة لتلبية الاحتياجات المحلية المتزايدة للطاقة والتي تهدد إمكانيات صادرات النفط و(ج) اكتشاف خيارات تصدير للطاقات المتجددة في شكل كهرباء أو هيدروكربون أخضر مع الاستفادة من أشعة الشمس الكافية والمساحات الفضاء المتوفرة في البلاد.

لقد تم بالفعل تطبيق التدبير الأول على نطاق واسع؛ حيث تحولت المملكة العربية السعودية إلى مركز إنتاج عالمي للبتروكيماويات. وقد لا تحتاج سيارة تيسلا إلى البنزين، ولكنها تحتوي على مواد بلاستيكية مثل أي سيارة أخرى، كما هو الحال مع أجهزة الكمبيوتر الرئيسية وأجهزة البلاي ستشن وغيرها من العناصر الاستهلاكية التي تظهر نموًا مستمرًا في الطلب، خاصة في الأسواق الناشئة. ونظرًا لأن استهلاك هذه السلع لا يسبب انبعاثات، فهي أقل إثارة للجدل على صعيد مفاوضات تغير المناخ. إلا أن تسببها في كثير من النفايات البلاستيكية واحتياجات إعادة التدوير هي مسألة أخرى، والتي تتطلب زيادة إعادة التدوير والمشاركة الاستباقية للمملكة العربية السعودية مع التقنيات ذات الصلة.

من غير المحتمل أيضًا أن تحل مصادر الطاقة المتجددة محل الهيدروكربونات في الأجهزة القائمة على الحرارة في الصناعات الثقيلة في أي وقت قريب (مثل الإسمنت والألمنيوم والصلب). كما لا تستطيع البطاريات توفير كثافة الطاقة العالية المطلوبة لتزويد السفن والطائرات والشاحنات الثقيلة بالوقود. هنا، قد يعتمد تراجع الطلب على النفط على وجود تقنيات أخرى من مصادر الطاقة المتجددة مثل الهيدروكربون الأخضر الذي تقدمه الحكومة الألمانية والاتحاد الأوروبي بشكل بارز. وعلى الرغم من ذلك، لم يتطور الهيدروكربون الأخضر حتى الآن بالقدر الكافي، حيث أن فرص نجاحه محفوفة بخسائر كبيرة مرتبطة بعملية التحول. ومن ناحية أخرى، هناك توجه نحو وقود الهيدروكربون النظيف في بعض شرائح السوق مثل الشحن الذي يمثل سبعة بالمائة من الطلب العالمي على النفط. فقد دفعت معايير انخفاض الكبريت في الوقود البحري من المنظمة البحرية الدولية (IMO) والتي دخلت حيز التنفيذ في 2020م، إلى إحداث تحول من زيت الوقود شديد التلوث إلى منتجات وقود ديزل أقل ضررًا. وطلب ذلك عمليات تكرير أكثر تطورًا ذات تحول عميق. وقد طورت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر من الصناعات البتروكيماوية، حيث أن الدول المصدرة للنفط التي لا تتوفر لديها هذه الصناعات، مثل الكويت، أو ليبيا، أو العراق هي في وضع لا يؤهلها لتلبية احتياجات هذه الأسواق. وحتى بعد تزايد الطلب على النفط، فلم يفقد مصدري النفط في الشرق الأوسط كل شيء. فقد تحول انتباههم إلى آسيا والأسواق الناشئة الأخرى حيث يتسم الطلب على النفط بمرونة أكبر.

أما خيار التكيف الثاني فقد يعتبر حاجة ملحة للمملكة العربية السعودية. فقد ارتفع استهلاك الطاقة في المملكة ارتفاعًا كبيرًا نتيجة النمو الاقتصادي والصناعات الثقيلة والمدن مترامية الأطراف التي تعتمد على السيارات. وإذا لم يخضع الأمر للمراقبة فقد يهدد إمكانيات تصدير النفط على المدى الطويل. وللحد من حرق زيت الوقود في محطات توليد الكهرباء، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تطوير مصادر الغاز الطبيعي المحلية بدرجة أكبر والتحول إلى طاقات بديلة. وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران من أولى الدول في المنطقة ممن أعملت مفاعلات نووية في الأغراض المدنية. وتمكنت المملكة العربية السعودية من أن تحذو حذو الدولتين وأعلنت وضع مخططات مماثلة. وحددت أبو ظبي مصادر الطاقة المتجددة باعتبارها قطاعًا استراتيجيًا واستضافت الوكالة الدولية للطاقة المتجددة منذ عام 2009م. وأعلنت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة عن مخططات توسعية طموحة بشأن الطاقات المتجددة. ومع ذلك، فيجب عليهما توخي الحذر لأن هذه المبادرات تغيرت في الماضي أو استمرت دون مستوى التوقعات. ومع ذلك، قد تتطور المنطقة من المنطقة الأبطأ عالميًا إلى منطقة رائدة، نظرًا للتكاليف المنخفضة بشكل كبير لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية في المنطقة.  فهي تقع ضمن الأقل في العالم. وقد دخل الآن توليد الكهرباء التي تستمد طاقتها من الهيدروكربون من مصادر متجددة في مضمار المنافسة على صعيد التكلفة. مما يجعل مسألة التقطع وحلول التخزين وإدارة الشبكة هي التحديات الرئيسية أمام توسعتها بشكل أسرع. ومثل أي مكان آخر، سوف تشمل مصفوفة الطاقة في المملكة العربية السعودية المزيد من مصادر الطاقة المتجددة. ومن ثم فقد يأخذ الاهتمام بالتعاون التجاري والفني في الازدياد.

 خيار التكيف الثالث هو خيار جذاب، لكنه صعب.  فقد أشار وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي في عام 2015م، إلى أنه في يوم ما ستتمكن المملكة العربية السعودية من تصدير الكهرباء من مصادر طاقة متجددة بدلًا من النفط. ومع ذلك، فإن هذا السيناريو غير محتمل قريبًا. فمقارنةً بالنفط، فإن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح موزعة بشكل متساوٍ في جميع أنحاء العالم. فهي لا تمثل نفس القيمة من حيث الندرة، وبالتالي لن تمنح أنظمة تصدير النفط نفس القدر من العائدات. كما أن نقل الكهرباء عبر آلاف الكيلومترات يصبح غير اقتصادي مع زيادة المسافة بسبب خسائر النقل. ومع ذلك فستكون هناك فرص في تجارة الكهرباء الإقليمية وتكامل الشبكات. كما قفزت المملكة العربية السعودية أيضًا على عربة الهيدروكربون الأخضر وأعلنت استثمار مبلغ 5 بلايين دولار أمريكي في مدينة نيوم المستقبلية والتي تم بناؤها حاليًا في شمال المملكة.  فلن يكون النفط والغاز هما الخياران الوحيدان لتصدير الطاقة في المنطقة مستقبلًا.

تغيير أنظمة الطاقة وليس مصادر الطاقة فقط

مع توجه مصفوفة الطاقة العالمية نحو مصادر الطاقة المتجددة، أصبحت التكنولوجيا أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية من الموقع. فقد تتغير أنظمة الطاقة برمتها: بنيتها التحتية وتنظيماتها وأسواقها وليس مصادر توليدها فقط.  ستنخفض الأهمية النسبية للسلع وستتحول جزئيًا إلى مواد خام أخرى مثل الليثيوم والكوبالت والمعادن الأرضية النادرة. وتوجد هذه المواد في مناطق أخرى (مثل أمريكا الجنوبية والصين والكونغو) ويمكن إعادة تدويرها بعد الاستخدام، مما قد يحد من الحاجة إلى زيادة الإنتاج المستمر بمجرد تراكم مخزون عالمي معين. ستنجذب المصالح الجيوسياسية وربما الصراع نحو هذه المناطق وبعيدًا عن الشرق الأوسط خلال عملية تحولات الطاقة المتجددة.

كما تنذر تحولات الطاقة بتغييرات محلية. فالعقد الاجتماعي في الدول الريعية بالمنطقة هو " لا ضرائب "، حيث يكون توفير الخدمات ووظائف القطاع العام ومدفوعات الرعاية الاجتماعية لها تأثيرها المهم.

إن الطلب على النفط لن يختفي بين عشية وضحاها، ودول الخليج مثل المملكة العربية السعودية هي أقل الدول المنتجة من حيث التكلفة وكذلك من حيث دورة الحياة الانبعاثية للنفط " life cycle emissions"، ولسوف تستمر في الصمود  في عالم ذروة الطلب المتزايد على النفط.  بل وفي خضم ذلك قد يؤدي الافتقار إلى الاستثمارات العالمية لتجديد الاحتياطيات إلى طفرة مؤقتة في أسعار النفط، مثل الوليمة التي تسبق المجاعة. لكن يبقى التحدي الأساسي قائم. فهو يوضح المبادرات المختلفة للتنويع الاقتصادي التي يقوم بها مصدرو النفط، حيث رؤية المملكة العربية السعودية 2030 كمثال على ذلك.

عززت السمات اللامركزية لمصادر الطاقة المتجددة من الآمال في إمكانية دعم تحولات الطاقة للمشاركة السياسية، وتمكين الملكية المحلية لموارد الطاقة من قبل المجتمعات و "المستهلكين". وقد تكون آمال "تعددية الطاقة" مبالغ فيها في حالة المملكة العربية السعودية، لأن تطبيقات الخدمات المركزية واسعة النطاق والخاصة بالطاقة المتجددة تسيطر على المخطط.  ومع ذلك، تظل الحجة الأساسية صالحة وقد تؤدي إلى تغييرات طفيفة: فسيحصل العمل ورأس المال على معظم المكافآت على طول سلاسل القيمة المتجددة، وليس مالكي مورد معين. قد تظهر جهات فاعلة اقتصادية جديدة (مثل الشركات الصغيرة والمتوسطة بدلاً من شركات الخدمات المركزية) ممن قد يعبرون عن المصالح السياسية بمرور الوقت. وبما أن الدول الريعية السابقة بحاجة إلى اللجوء إلى الضرائب لتعويض تراجع عائدات النفط، فإنها ستكون غير قادرة على الحفاظ على نصيبها من العقد الاجتماعي القديم، وسيصبح الافتقار إلى المشاركة السياسية أقل قبولاً من ذي قبل. وبهذا يمكن للتحولات في مجال الطاقة المتجددة أن تولد تغييرًا اجتماعيًا وسياسيًا أيضًا.

الخلاصة

يشكل التحول إلى الطاقة المتجددة تحديات كبيرة لنموذج التنمية. ويمكن القول إن تأثيرها سيكون أكثر عمقًا وأطول أمداً من ثورة النفط غير التقليدية في الولايات المتحدة التي عانت المملكة بسببها خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، تمنح مصادر الطاقة المتجددة أيضًا فرصًا كبيرة للمملكة العربية السعودية. بفضل إشعاعها الشمسي العالي ومساحاتها المفتوحة الشاسعة يمكن لها ان تصبح منتجًا رئيسيًا، الأمر الذي يحد من المخاوف بشأن الاستهلاك المحلي المتزايد للطاقة. وعليه، يمكن أن توفر مصادر الطاقة المتجددة عناصر مكملة لقطاع الهيدروكربون، مما يحمي قدرات التصدير في قطاعات مثل البتروكيماويات حيث سيظل الطلب قوياً بسبب قابلية الاستبدال المحدودة. وقد تضع مصادر الطاقة المتجددة المملكة العربية السعودية في وضع يمكنها من تطوير قطاعات تصدير جديدة في مجال الهيدروجين الأخضر، مما يفتح فرصًا للتعاون مع دول في أوروبا وآسيا.

مقالات لنفس الكاتب