; logged out
الرئيسية / المشكلة ليست في قلة الفرص الاستثمارية بل في تحويلها لمشاريع على أرض الواقع

العدد 171

المشكلة ليست في قلة الفرص الاستثمارية بل في تحويلها لمشاريع على أرض الواقع

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

أثبتت العديد من الدراسات الاقتصادية أن الاستثمارات المحلية والأجنبية المباشرة تلعب دورًا أساسيًا في عملية التنمية الاقتصادية، حيث تعتبر مصدرًا أساسيًا لتوفير رأس المال والتكنولوجيا والمعرفة في عملية الإنتاج، وآلية مناسبة لتكوين شراكات فعالة بين شركات القطاعين العام والخاص، ومحرك هام في نقل المعرفة والتكنولوجيا والمهارات الإدارية والتشغيلية والتسويقية من الاقتصاديات المتقدمة إلى الاقتصاديات النامية. هذه الأسباب دفعت العديد من حكومات دول مجلس التعاون الخليجي إلى سن سياسات وتشريعات تهدف إلي تحسين بيئة الأعمال الجاذبة للاستثمارات. ونظرًا لمحدودية الأثر للدور الحكومي في الترويج للاستثمار من خلال إقامة معارض، تستعرض هذه الورقة الدور الجديد الذي يمكن أن تلعبه غرف التجارة والصناعة والجامعات ومؤسسات البحث العلمي في تقييم السياسات الاقتصادية ومدى تأثيرها في تحسين بيئة الأعمال والتعريف بالفرص الاستثمارية المتاحة في الاقتصاديات الواعدة بمنطقة الخليج العربي.

 

تطوير استراتيجيات ترويج الاستثمار في الدول الخليجية

في إطار سعي دول مجلس التعاون الخليجي إلى إحداث طفرة اقتصادية كبيرة تسعى هذه الدول إلى جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية للمساهمة في عملية التنويع الاقتصادي والتنمية بشكل عام من خلال ضخ رؤوس الأموال في قطاعات غير نفطية مثل التصنيع، والخدمات، والسياحة، والتشييد والإنشاءات، والنقل، واللوجستيات وسلاسل الإمدادات، والزراعة، والثروة السمكية، والتعدين، والطاقة المتجددة، بالإضافة إلى المساهمة في التنمية البشرية من خلال الاستثمار في مجالي التعليم والرعاية الصحية. إن اعتماد دول الخليج على الاستثمارات الحكومية في التنمية لم يعد الخيار الأفضل نتيجة تقلص دور الدولة في إدارة الاقتصاد واقتصاره على تطوير الأطر التشريعية التي تحكم العلاقة بين الفاعلين الاقتصاديين، وكذلك انخفاض الإيرادات النفطية مما أدى إلى تقليص الاستثمارات العامة واقتصارها على مشاريع البنية التحتية والرعاية الاجتماعية. أعطى هذا التحول في دور الدولة إلى إبراز للدور القيادي الجديد الذي يقوم به القطاع الخاص في عملية التنمية، حيث تمتلك شركات القطاع الخاص إمكانيات مالية وتكنولوجية وبشرية كبيرة يمكن توظيفها في الاستثمار في قطاعات وصناعات مختلفة.

تتضح أهمية الاستثمار في التنمية الاقتصادية في سعي العديد من الدول الخليجية لتطوير استراتيجيات وطنية للاستثمار تهدف لتشجيع وزيادة حجم الاستثمارات من خلال دعم تنمية القطاعات الاستراتيجية، الارتقاء بالاستثمار لتعزيز الابتكار، والمساعدة في تطوير المحتوى المحلي من خلال الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية في التصنيع، وزيادة القدرات التصديرية، ورفع مساهمة القطاع الخاص في ميزان المدفوعات والناتج المحلي الإجمالي. فعلى سبيل المثال، تعتبر الاستراتيجية الوطنية للاستثمار السعودية (التي تم تدشينها في 2021م) أحد الممكنات الرئيسية لتحقيق أهداف رؤية 2030، حيث تهدف إلى رفع مساهمة القطاع الخاص إلى 65 % من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 5.7 % من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة نسبة الصادرات غير النفطية من 16 % إلى 50 % من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي في 2030م.  

بادرت سلطنة عمان مبكرًا بتطوير "استراتيجية سلطنة عمان لترويج الاستثمار" عام 2009م، من أجل زيادة تدفق رأس المال، وخلق فرص عمل، وزيادة الإيرادات عبر توسيع القاعدة الضريبية، وزيادة الصادرات، وزيادة القدرات التنافسية للشركات العمانية بما يتماشى مع أهداف رؤية عمان 2020. فعلى الرغم من تركيز هذه الاستراتيجية على قطاعات السياحة، وتقنية المعلومات والاتصالات، والطاقة البديلة، والخدمات المالية، والقطاع البحري، وصناعة المركبات، والكيماويات، والمعادن، والبلاستك، واستهداف حوالي 26 دولة، معظمها في أوروبا وامريكا الشمالية وشرق آسيا، إلا أنها في تنجح في جذب رؤوس الأموال المنشودة.  

لذلك تقوم السلطنة حاليًا بإعداد "استراتيجية الاستثمار الموحدة 2040" للمساعدة في تحقيق أهداف الرؤية عمان 2040، وتحسين البيئة الاستثمارية، وتمكين المستثمرين، وتحديد القطاعات الاقتصادية الواعدة للاستثمار، وتوفير الحلول التمويلية، وتعزيز التنافسية، وتسهيل فرص الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويمكن القول إن استراتيجيات الاستثمار العمانية تعتمد على ثلاثة مرتكزات رئيسية هم التنويع الاقتصادي، وتطوير القطاع الخاص، وتطوير الموارد البشرية. تركز الاستراتيجية الجديدة على إزالة العقبات والتحديات التي تعيق تدفق الاستثمارات الأجنبية إلى السلطنة، وتحسين نظام الحوكمة، تقليل عدد الإجراءات التي يمر بها المستثمر منذ تقديم الطلب حتى إقامة المشروع، إقامة وتفعيل نظام الشباك الواحد ليتمكن المستثمر من إنهاء معظم الإجراءات في مكان واحد.

 تعتبر الإمارات العربية المتحدة من أنجح الدول الخليجية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة نظرًا لسهولة إجراءات إنشاء شركة، والحوافز والتسهيلات العديدة التي يتميز بها السوق الإماراتي. فتعد دبي من أكثر الإمارات جاذبية للاستثمار على المستوى العالمي، حيث تخطت استراتيجياتها الاستثمارية القطاعات الاقتصادية التقليدية بعد إطلاق مبادرة "استراتيجية دبي الاستثمارية في التنمية المستدامة" عام 2021م، والتي تعمل كمحفز للريادة الفكرية والاستشراق الاستراتيجي، وكمحرك للشراكة في تطوير وتمويل المشروعات الاستثمارية المستدامة، وكمؤشر لقياس وتقييم الأثر الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للاستثمار. تهدف هذه الاستراتيجية إلى جعل دبي مركزًا عالميًا للتميز في مجال الاستثمار المستدام.

على الصعيد الفيدرالي، تهتم استراتيجية الإمارات للاستثمار بتوحيد وإدارة محفظة الاستثمارات للحفاظ على الثروة وتنميتها بشكل مستدام من خلال توظيف وإعادة تدوير رأس المال بفعالية في استثمارات جديدة لتعزيز العوائد وتنويع الاقتصاد. ركزت الإمارات على الاستخدام الأمثل لرأس المال بحيث تعتمد قرارات الإدارة والخروج من الاستثمار على آليات السوق الحر والمبادئ التجارية. لذا تتميز استراتيجية الاستثمار الإماراتية بقدرتها على توسيع المحفظة الاستثمارية، وحوكمة الإدارة، وتعزيز الطابع المؤسسي الذي يسمح لجهاز الإمارات للاستثمار بتطبيق استراتيجياته الاستثمارية محلياً وإقليمياً ودولياً.

أيضًا تمتلك الكويت وقطر والبحرين استراتيجيات استثمارية عالية الكفاءة في إدارة محفظاتها الاستثمارية. ونظرًا لصغر حجم الأسواق المحلية تعتمد هذه الاستراتيجيات على تعظيم الفوائد المالية من الاستثمارات في الأسواق الدولية مثل الولايات المتحدة وأوروبا وشرق آسيا، وتركز على الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية مثل القطاع المالي والقطاع العقاري وقطاع الطاقة البديلة وقطاع التصنيع خاصة صناعة السيارات. وتستخدم بعض هذه الدول مثل قطر محفظتها الاستثمارية لتحقيق نفوذ دولي كجزء من سياستها الخارجية الناعمة.

ويمكن القول بأن الصناديق الاستثمارية الخليجية من أقوي 10 صناديق سيادية في العالم بأصول استثمارية تقارب حوالي 3 تريليون دولار، مما يعطيها ميزة تنافسية في النظام المالي الدولي. ومع ذلك لم تنجح الحكومات الخليجية في جعل أسواقها حاضنة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية للمساهمة في تنمية اقتصاداتها الوطنية.

وفي هذا السياق، سأحاول استعراض الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات غير الحكومية مثل الغرف التجارية والجامعات ومراكز البحث العلمي في الترويج للاستثمار في دول الخليج العربي. 

 

دور الجامعات في التعريف بمزايا الاستثمار في منطقة الخليج العربي

تقوم الجامعات ومراكز البحث العلمي بدور رائد في نشر الوعي والتعريف بطبيعة البيئة الاستثمارية والتحديات التي تواجهها من خلال الأبحاث والدراسات التطبيقية في المجالات المرتبطة بالاستثمار مثل الاقتصاد والمالية والتجارة والصناعة والقانون وريادة الأعمال، كما تركز الدراسات العلمية على إظهار المزايا النسبية التي تتمتع بها دول الخليج العربي مثل توافر الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، والمعادن والأحجار، والموارد البحرية مثل الأسماك والكائنات البحرية الأخرى. تركز بعض هذه الدراسات على تعظيم الاستفادة من هذه الموارد الطبيعية كمدخلات في عملية التصنيع بدلاً من تصديرها كمواد خام من أجل زيادة القيمة المضافة الصناعية وزيادة الصادرات غير النفطية. كذلك توضح بعض الدراسات أهمية ربط المشاريع الاستثمارية بمصادر المدخلات في عملية الإنتاج للحد من تكاليف عملية النقل والإنتاج والتصدير.

تقوم بعض الأبحاث بدراسة تأثير الميزة النسبية لتوفر مصادر الطاقة الرخيصة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة في صناعات كثيفة الطاقة مثل صناعة الكيماويات والبتروكيماويات والأسمدة والحديد والصلب والألومنيوم وغيرها من الصناعات التي تعتمد بشكل أساسي على الطاقة في تشغيلها.  ونظرًا لأن دول الخليج العربي مصدر رئيسي للطاقة فإن توافر هذه المصادر بأسعار زهيدة ومدعمة من الدولة يمكن أن يحقق فائض ربح كبير للشركات المنتجة لهذه الأنواع من المنتجات من خلال فروق التكلفة التشغيلية مع مثيلتها في الأسواق العالمية. هذا بالإضافة إلى إبراز مدي تأثير وجود بنية تحتية حديثة على سهولة إقامة المشاريع الاستثمارية في دول الخليج، حيث تتميز هذه الدول بشبكات طرق حديثة، وكفاءة وتنافسية الموانئ والمطارات وشبكات الاتصالات، وكلها عناصر أساسية في اتخاذ قرارات بالاستثمار. ففي مجال الطيران والشحن تتصدر شركات الاتحاد والإمارات والقطرية وطيران الخليج قائمة أفضل شركات طيران في العالم، كما تحتفظ الموانئ الخليجية بمكانة مرموقة في مجال الشحن البحري حيث تصنف موانئ جبل علي وجدة وصلالة وصحار من بين أكثر الموانئ البحرية تنافسية في العالم.   

تؤكد الدراسات الاقتصادية أيضًا على أهمية القوة الشرائية العالية للمواطن الخليجي في جذب الاستثمارات الأجنبية. فقد سجلت قطر أعلى مرتبة من حيث نصيب الفرد في الناتج المحلي والقدرة الشرائية للفرد بقيمة تصل إلى حوالي 100 ألف دولار أمريكي، تليها الإمارات العربية المتحدة بقيمة بلغت 70 ألف دولار أمريكي، ثم الكويت والسعودية والبحرين وعمان والتي تصنف جميعها بدول ذات الدخل المرتفع. تربط الدراسات الاقتصادية بين القوة الشرائية للفرد وبين نوع السلع والمنتجات التي تسوق في الأسواق الخليجية، كما تربط ذلك بنوعية الاستثمارات الأجنبية التي يمكن جذبها إلى هذه الأسواق.

علاوة على ذلك، تسهم بعض الجامعات الخليجية مثل جامعة السلطان قابوس وجامعة الملك سعود وجامعة قطر وجامعة زايد والعديد من مراكز الأبحاث وعلى رأسهم مركز الخليج للأبحاث في إجراء دراسات علمية متعمقة في مدي تأثير التكامل الاقتصادي في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. على سبيل المثال، قام الكاتب بإجراء عدة دراسات عن سياسات التكامل الاقتصادي ودورها في زيادة التجارة البينية، والتنويع الاقتصادي، ودعم دور القطاع الخاص في التنمية، وتحسين البيئة الاستثمارية كعوامل جذب للاستثمارات الأجنبية المباشرة.  كما يقدم مركز الخليج للأبحاث منصة سنوية في جامعة كمبردج البريطانية لمساعدة الباحثين على دراسة وتحليل السياسات والاتجاهات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة وتأثيراتها على بيئة الأعمال والاستثمار في منطقة الخليج العربي، ومدى الاستفادة من الموقع الجغرافي وربط السوق الخليجي بالأسواق الآسيوية والإفريقية والأوروبية.   

ويجدر بالإشارة هنا إلى المجهودات والمساهمات العلمية التي تقدمها جامعة السلطان قابوس من خلال "الكرسي البحثي لغرفة تجارة وصناعة عمان للدراسات الاقتصادية" الذي أسس عام 2019م، كأول وحدة بحثية متخصصة في الدراسات الاقتصادية في سلطنة عمان. ويدير الكرسي البحثي عددًا كبيرًا من المشاريع البحثية والبرامج التدريبية بقيمة مالية حوالي 1.2 مليون دولار، منها ستة مشاريع استراتيجية، بعضها بتمويل سامي، وبعضها بتمويل من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وبعضها بتمويل خارجي. كما يساهم الكرسي البحثي حاليًا في برنامج تنمية المحافظات الذي تتبناه الحكومة العمانية، حيث انتهي من ثلاث دراسات تفصيلية عن تنمية محافظات الظاهرة والبريمي والوسطي وتحديد الفرص الاستثمارية المتاحة في هذه المحافظات. كما انتهى الكرسي البحثي الاقتصادي من دراستين قطاعيتين، إحداهما تهدف إلى تحديد الفرص الاستثمارية والصناعية في قطاع التعدين العماني، والأخرى تهدف إلى تعزيز تنافسية الموانئ العمانية، كيفية مساهمة القطاع الخاص في تطوير هذ القطاع الاستراتيجي والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا القطاع.

 

دور الغرف التجارية في تطوير البنية التشريعية والخدمية وزيادة حوافز الاستثمار

تعتبر الغرف التجارية الصوت الذي يعبر من مشاكل وتحديات القطاع الخاص، وبالتالي فهي همزة الوصل بين المؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص، ولها حرية في التعبير عن رؤيتها لمدي نجاح السياسيات الحكومية في تحسين بيئة الأعمال. ونظرًا لهذا الوضع المتميز للغرف التجارية يجب أيضًا تطوير دورها التقليدي في خدمة القطاع الخاص بحيث تسهم بشكل مباشر في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يمكن تحديد إطار جديد لمهام ودور "اتحاد غرف مجلس التعاون الخليجي" وعلاقته بالغرف التجارية والصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي، بحيث يكون للقطاع الخاص دور رئيسي وفعال في زيادة الاستثمارات البينية الخليجية وتحقيق التكامل الاقتصادي بين دول المجلس.

لم يعد دور الغرف التجارية يقتصر على توثيق المستندات المتعلقة بتسجيل الشركات والخدمات التجارية، بل أصبح دورها الأساسي الجديد يتمثل في دعم الحكومات في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، والمساعدة في تحسين منظومة التجارة الداخلية، والمساهمة في جذب الشركات الصغيرة التي تعمل في القطاع غير الرسمي ودمجها في منظومة الاقتصاد الرسمي، ومساندة الشركات التي تنتج التصدير لزيادة قيمة الصادرات غير النفطية وتحقيق ميزان تجاري إيجابي يسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية.

وفي مجال الاستثمار، تقوم الغرف التجارية بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختلفة من أجل توفير المناخ والبيئة الاستثمارية الجاذبة للمستثمرين، وكذلك التواصل مع مثيلاتها في الدول الأخرى والشركات الأجنبية لضخ استثمارات جديدة في القطاعات الاقتصادية الواعدة والقطاعات ذات الأولوية في الخطط التنموية الوطنية. تساهم الغرف التجارية أيضًا في مناقشة القوانين والتشريعات ورفع تحفظات رجال الأعمال والشركات المحلية والأجنبية إلى صانعي القرار من أجل إعادة النظر في بعض قوانين الشركات والاستثمار والضرائب والجمارك وآليات التمويل بما يخدم مصالح المستثمرين. كما أصبح للغرف دور مهم في صياغة السياسات والتوجهات الاقتصادية بما يؤدي إلى إحداث توافق بين هذه السياسات والمتطلبات الفعلية للقطاع الخاص في ضوء نظام العولمة وانفتاح السوق ومتطلبات الثورة الصناعية الرابعة.

ولكي يستطيع القطاع الخاص الخليجي القيام بدور ريادي في عملية التنمية والاندماج في الاقتصاد العالمي، يجب على الغرف التجارية الخليجية دعم شركات هذا القطاع من خلال تقديم حزم من الحوافز والتسهيلات للمستثمرين.  ومن أهم الحوافز التي تخص المستثمرين الأجانب هي (1) السماح بتأسيس وتملك الشركات بالكامل في كافة المناطق،  (2) عدم اشتراط كفيل محلي لإقامة مشاريع استثمارية أجنبية  في دول الخليج، (3) التوسع في إقامة مناطق اقتصادية حرة، (4) السماح بالاستثمار في معظم القطاعات والأنشطة الاقتصادية، (5) عدم وجود حد أدنى لرأس المال مما يسهل على المستثمرين تأسيس شركاتهم ويمنحهم مرونة أكبر في التخطيط لمشروعاتهم، (6) تسهيل حصول المستثمرين الأجانب وأسرهم على الإقامة، (7) السماح للمستثمرين الأجانب بتحويل كامل الأرباح إلى دولهم الأم، (8) وتسهيل التعاقد مع العمالة الوافدة وخاصة العمالة الماهرة من أجل نقل خبراتهم إلى الكوادر الوطنية في مختلف التخصصات.

من المهم أيضًا أن تبحث الغرف التجارية في كيفية بناء وتطوير قاعدة صناعية وتكنولوجية متطورة في منطقة الخليج من خلال تقديم الدعم والحوافز للشركات الصناعية والتكنولوجية مثل حلول تمويل تنافسية للقطاعات الصناعية ذات التكنولوجيا عالية التقنية عبر شراكة مع البنوك الوطنية والتجارية، والإعفاءات الجمركية على مدخلات الإنتاج للقطاع الصناعي مثل الآلات والمواد الأولية، بالإضافة إلى تشجيع المنتجات المحلية ودعمها من خلال برامج ترويجية مثل "صنع في عمان"، "صنع في السعودية"، "صنع في الإمارات"، "صنع في قطر"، "صنع في البحرين" و"صنع في الكويت".

وأخيرًا يجب على الغرف التجارية الخليجية دعم قطاع البحث العلمي والتطوير والابتكار من خلال توفير الدعم المالي والتقني للجامعات ومراكز البحوث من أجل القيام بدراسات تطبيقية تساهم في وضع حلول للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتحقيق أهداف التنمية الاقتصادية المستدامة. ويجب التنويه هنا إلى النموذج العماني المتميز في دعم مؤسسات البحث العلمي، حيث ساهمت غرفة تجارة وصناعة عمان في إنشاء "كرسي بحثي غرفة تجارة وصناعة عمان للدراسات الاقتصادية بجامعة السلطان قابوس ليكون مركزًا بحثيًا متخصصًا في الدراسات الاقتصادية. ونأمل أن يتكرر هذا النموذج في كل الدول الخليجية لتشجيع البحث العلمي ومساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والارتقاء بالمجتمع الخليجي. 

 

الاستثمار كمحرك رئيسي لتحقيق التكامل الاقتصادي الخليجي

من الأخطاء التي وقع فيها مجلس التعاون الخليجي التركيز على فكرة التكامل الاقتصادي المبني على منطقة التجارة الحرة لدعم التجارة البينية دون النظر إلى الدور الكبير الذي يلعبه الاستثمار في تنمية الاقتصاديات الإقليمية. في الحقيقة لم تنجح سياسيات التكامل الإقليمي في زيادة التجارة البينية بين الدول الأعضاء حيث لم تتعد 16 %، وهي أعلي نسبة تحققت عام 2016م، مقارنة بنسبة التجارة البينية بين دول الاتحاد الأوروبي التي تفوق 76 %.  لذا يجب على صانعي السياسيات الاقتصادية في مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء التركيز على الاستثمارات البينية كمحرك جديد للتكامل الاقتصادي الخليجي.

من أهم الأسباب التي تدعو إلى اتخاذ الاستثمار كمحرك رئيسي للتنمية هي توافر الفرص الاستثمارية المتاحة للاستغلال والممكنة في كل دول مجلس التعاون. فقد أثبتت الدراسات التطبيقية التي قام بها الكاتب توافر أعداد هائلة من الفرص الاستثمارية في كل القطاعات الاقتصادية تقريبًا، خاصة التصنيع، والنقل واللوجستيات، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والطاقة المتجددة، والسياحة الطبية والعلاجية وسياحة المؤتمرات، والاستضافة والترفيه، والتكنولوجيا الزراعية، والزراعة والثروة السمكية، والتعدين، والتكنولوجيا المالية، والخدمات المالية والتأمين، والتعليم، والرعاية الصحية، والتجزئة والتجارة الإلكترونية. إن المشكلة ليست في قلة الفرص الاستثمارية، بل في كيفية تحديد الفرص وتسويقها من خلال كوادر بشرية ذو معرفة وخبرة اقتصادية ومالية وتسويقية، وكيفية تحويل هذه الفرص إلى مشاريع استثمارية على أرض الواقع.

بالإضافة إلى تسويق الفرص الاستثمارية في الأسواق الدولية، يجب أيضًا على الجامعات والغرف التجارية والوزارات المعنية وشركات الترويج للاستثمار خلق ونشر الوعي بأهمية الاستثمار في التنمية، وتعريف أبناء دول مجلس التعاون بالفرص الموجودة في دولهم وكيفية استغلالها حتى يتم التكامل الاقتصادي واستفادة أبناء المجلس بالمزايا الموجودة في بلادهم والتي أكدت عليها القمم الخليجية.

مقالات لنفس الكاتب