; logged out
الرئيسية / ضرورة سرعة الانتهاء من إعداد الاتفاقية الجديدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية

العدد 171

ضرورة سرعة الانتهاء من إعداد الاتفاقية الجديدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2022

تحميل    ملف الدراسة

اكتسب التكامل الاقتصادي أهمية خاصة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بعد الدمار الذي لحق بمعظم دول العالم، حيث أبدت دول الحلفاء رغبة جماعية لإقامة تعاون اقتصادي يعمل به كأسلوب اقتصادي يعاون هذه الدول على تخفيف حركة التنافس العدواني في السياسات التجارية وتنشيط حركة التجارة الدولية ومواجهة البطالة ومشكلة التنمية في معظم دول العالم، ومن ثم بدأ اهتمام الاقتصاديين بدراسة التكامل الاقتصادي كمنهج اقتصادي منذ ذلك التاريخ.

           وقد فطنت الدول العربية منذ نصف قرن تقريبًا على أهمية التكامل الاقتصادي العربي، ومن ثم عقدت العديد من الاتفاقيات واتخذت العديد من القرارات من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي، بدءاً من ميثاق جامعة الدول العربية سنة 1945م، حتى عام 1997م، بما فيها الوحدة الاقتصادية في إطار مجلس الوحدة الاقتصادية، ولم يأخذ أياً منها طريق التنفيذ حتى تسارعت المتغيرات العالمية وتحولت الجات لمنظمة التجارة العالمية وما صاحب ذلك من الاهتمام بإقامة اتفاقيات تكامل إقليمي فكان القرار بالبدء في إقامة منطقة تجارة حرة عربية مع مطلع عام 1998م، من أجل تشجيع التبادل التجاري بين الدول العربية ودخلت حيز النفاذ اعتبارًا من أكتوبر 2019م، وهذا يعد التاريخ العملي للتكامل الاقتصادي العربي، من جانب آخر فقد تم إقرار اتفاقية لتحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية، ولكن تحرير التبادل التجاري لم يكن هدفًا في حد ذاته بل مدخلاً لتحقيق التنمية الجماعية من خلال تشجيع الاستثمار في الدول والعربية والذي يعد قاطرة النمو الاقتصادي، والمولد للسلع التي يمكن تبادلها في إطار هذا التكامل  كما أنه هو الأداة التي يمكن من خلالها التغلب على العديد من التحديات التي تواجه الدول العربية كالبطالة والفقر.

 

أولاً: منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى

أقر المجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية في 19 فبراير 1997م، البرنامج التنفيذي لاتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في قمة عمان عام 1980م، وبقيت معطلة، وقد تضمن البرنامج التنفيذي تطبيق تخفيض تدريجي على الضرائب الجمركية والرسوم والضرائب ذات الأثر المماثل بهدف إزالتها تماماً خلال فترة 10 سنوات تنتهي في أول عام 2007م، وقد تم اختصار الفترة فيما بعد لتكتمل إزالة كافة القيود الجمركية على السلع العربية مع مطلع عام 2005م، وكذلك إزالة القيود الكمية.

 وقد بلغ عدد أعضاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى حالياً 18 دولة عربية هي: الأردن، الإمارات، البحرين، تونس، السعودية، السودان، سورية، العراق، سلطنة عمان، فلسطين، قطر، الكويت، لبنان، ليبيا، مصر، المغرب، اليمن، والجزائر.

 لأغراض تطبيق البرنامج التنفيذي يشترط أن تكون السلعة عربية، تلك التي تتوفر فيها قواعد المنشأ العامة التي أقرها المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والتي يتضمن اكتساب السلعة صفة المنشأ العربي عندما تحقق القيمة المضافة الوطنية نسبة لا تقل عن 40% من قيمتها بسعر تسليم باب المصنع.

آخر تطورات المنطقة 

 شهدت السنوات الأخيرة تطورات العديد من الإنجازات على مستوى التطبيق الكامل للمنطقة على النحو التالي:

  1. قواعد المنشأ: فقد تم الانتهاء من إعداد قواعد المنشأ التفصيلية ودخولها حيز النفاذ، ومن ثم تم التغلب على أهم العقبات التي كانت تواجه المنطقة والتي استغرقت ما يقرب من ثمانية عشر عامًا، وقد تم ذلك بشكل تدريجي بدأت عام 2007م، ودخل حيز التطبيق الجزء الأكبر منها اعتباراً من الأول من أكتوبر 2018، ثم تم اعتماد باقي قواعد المنشأ التفصيلية ودخلت حيز النفاذ اعتبارًا من يونيو 2020م، كما حدث تطور آخر إيجابي تمثل في إقرار استخدام شهادة المنشأ الإلكترونية ببين الدول الأعضاء في المنطقة، ومن ثم عدم الالتزام بالخلفية الزرقاء للشهادة تسهيلاً للمتعاملين.

 

  1. تفعيل مبدأ الشفافية لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى: فقد تم اعتماد الآلية الخاصة بمتطلبات الشفافية في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 6/9/2018م، حيث وفق الآلية تلتزم الدول الأعضاء بنشر قوانينها ولوائحها وإجراءاتها بشأن أي موضوعات مشمولة في اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية والبرنامج التنفيذي لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى فور صدورها بطريقة تتيح للدول الأعضاء الأخرى والأطراف المعنية الوصول إليها بسهولة، وكذلك الالتزام بالإخطار وتوفير المعلومات.
  2. آلية لالتزام الدول العربية بقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي المرتبطة بإتمام منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى: إن أحد أهم المعوقات التي تواجه التطبيق الكامل لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، هو عدم التزام الدول الأعضاء بقرارات المجلس الاقتصادي والاجتماعي بشأن تنفيذ متطلبات المنطقة، وقد تم اعتمادها من المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ 6/9/2018م، واعتماد هذه الآلية يعد خطوة هامة نحو التطبيق الكامل للمنطقة، وتسهم بشكل كبير في وقف خروقات الدول الأعضاء لأحكام البرنامج التنفيذي للمنطقة واتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية،
  3. آلية المعالجات التجارية: تم إعداد آلية للمعالجات التجارية، لكي تتمكن الدول الأعضاء من اتخاذ الإجراءات المناسبة لمواجهة حالات الإغراق والدعم والإجراءات الوقائية، وهي تطبق لفترة ثلاث سنوات بشكل استرشادي قبل دخولها حيز النفاذ اعتبارًا من 1/1/2025م.
  4. اتفاقية تنظيم النقل بالعبور "الترانزيت" المعدلة بين الدول العربية، فقد وافق المجلس الاقتصادي والاجتماعي، في دورته 109 بتاريخ 10 فبراير 2022م، على اتفاقية تنظيم النقل بالعبور (الترانزيت) المعدلة بين الدول العربية والتي يكون لها آثارًا إيجابية على تسهيل انتقال السلع بين الدول العربية وخاصة أن جزءًا كبيرًا من التجارة العربية البينية تتم عبر الطرق البرية.

 

  1. التعاون الجمركي: نظراً لأهمية التعاون الجمركي في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى والاتحاد الجمركي العربي، تأتي هذه الاتفاقية في إطار الاهتمام العالمي المتزايد بأمن وتسهيل سلسلة تزويد التجارة الدولية، وقد وقعت بالفعل 6 دول عربية ومن المتوقع دخولها حيز النفاذ عام 2022م.
  2. تطوير أداء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى: أفرز مراجعة الإطار التشريعي للمنطقة وجود ضرورة لاستكمال البنية التشريعية للمنطقة وفقاً للمعايير والممارسات الدولية المعمول بها والتي تتضمن عددًا من الموضوعات من بينها:
  • القيود الفنية على التجارة.
  • الصحة، والصحة النباتية.
  • حقوق الملكية الفكرية.
  • اتفاقية تسهيل التجارة.
  • بالإضافة إلى موضوعات أخرى يمكن إدماجها في مراحل لاحقة مثل موضوع المشتريات الحكومية.

تطوير منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لتشمل بعض الموضوعات مثل الصحة والصحة النباتية والقيود الفنية على التجارة وتسهيل التجارة والملكية الفكرية"، وعليه انتهت اللجان المعنية من إعداد الملاحق المكملة للبرنامج التنفيذي للمنطقة في تلك الموضوعات

تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية:

لا يخفى على أحد الأهمية النسبية الكبيرة لقطاع الخدمات في اقتصادات الدول العربية كغيرها من الدول النامية. فقطاع الخدمات يساهم بنسبة60% من الناتج المحلي الإجمالي العربي، وتبلغ التجارة العربية البينية في الخدمات 25% من حجم التجارة العربية في مجموعها تتجاوز بشكل كبير بذلك على التجارة البينية العربية للسلع بمقدار ثلاثة أضعاف، إلا أنه تم موافقة المجلس الاقتصادي والاجتماعي بتاريخ16/2/2017م، على اختتام جولة بيروت لمفاوضات تحرير التجارة في الخدمات بين الدول العربية وقد تقدمت اثنى عشر دول عربية بجداول التزاماتها النهائية ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في أكتوبر 2019م،حيث أصبحت قائمة في حق خمس دول عربية هي الإمارات ، الأردن، السعودية ، عمان ، ومصر.

ثانيًا: أداء المنطقة

إن الأهمية النسبية لدول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى تصل إلى 99% من إجمالي الصادرات العربية والبالغة قيمتها حوالي ترليون دولار عام 2019 انخفضت لنحو 750 مليار دولار أمريكي عام 2020م، و93% من إجمالي الواردات العربية والبالغة قيمتها 857 مليار دولار أمريكي عام 2019م، انخفضت لنحو 717 مليار دولار عام 2020م، وتشكل دول منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى سوقًا استهلاكية واسعة يزيد عدد سكانها عن حوالي 409 مليون نسمة (5% من مجموع العالم)، ويفوق متوسط دخل الفرد فيها متوسط دخل الفرد على المستوى العربي البالغ 5860 دولار عام 2020م، من جانب آخر، تشكل الدول العربية الأعضاء قوة اقتصادية يزيد ناتجها المحلى الإجمالي عن 2.4 تريليون دولار أمريكي تمثل أكثر من 99% عام 2020م، وهذا ما يتضح من الجدول التالي: جدول رقم (1)

 

الأهمية النسبية للتجارة العربية البينية إلى الناتج المحلى الإجمالي للدول العربية

خلال الفترة 1998 -2020

    (القيمة بالمليار دولار)

البيان/السنوات

1998

2000

2005

2010

2015

2019

2020

1-قيمة التجارة العربية البينية

26

31.7

84.2

182

220.6

224

192.8

معدل نمو التجارة العربية البينية(%)

-4.2

16.9

33.9

13.0

21.2

1.5

-13.9

2-التجارة الخارجية العربية

303.4

412.8

873.4

1576

1705.5

1873.5

1483.8

معدل نمو التجارة الخارجية العربية

-11

29

31.1

17.4

8.8

9.8

-20.8

3-الناتج المحلي الإجمالي

601

715

1067

2085

2458

2734

2420

2/1

8.6

7.7

9.6

11.5

12.9

12

13

المصدر: جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أعداد مختلفة

 

 المصدر: جامعة الدول العربية وآخرون، التقرير الاقتصادي العربي الموحد، أعداد مختلفة.

فرغم التحسن النسبي في الأهمية النسبية للتجارة العربية البينية بالنسبة للتجارة الخارجية للدول العربية إلا أنها مازالت دون طموحات الدول العربية، ولكن عند مقارنة أداء المنطقة بالتجمعات الاقتصادية الأخرى بالدول العربية يلاحظ أنه على عكس ما كان متوقعًا، فانخفاض حجم التجارة البينية كان واضحًا في التجمعات شبه الإقليمية بالدول العربية بصورة أكبر منه في إطار المنطقة ،حيث إنه ينخفض ليبلغ دون 6% في دول مجلس التعاون الخليجي والتي تعتبر في مرحلة التكامل المتوسط، باعتبارها أقامت اتحاد جمركي، بل إنه أكثر تواضعًا في دول اتحاد المغرب العربي، حيث أن التجارة البينية بينهم لا تتجاوز 3%، بل أن دول اتفاقية أغادير والتي اعتمدت قواعد المنشأ الأوروبية لتحكم تبادلاتهم التجارية فيما بينهم، لم تفلح في الارتقاء بالتجارة البينية بينهم، أي أن كافة التجمعات بالمنطقة العربية تأتي بعد منطقة التجارة الحرة من حيث مساهمة التجارة البينية في تجارتها الخارجية، وهذا ما يوضحه الجدول والشكل التاليين :-

الأهمية النسبية للتجارة البينية إلى التجارة الخارجية

للتجمعات الاقتصادية العربية 2005 -2020م.

التجارة البينية (مليون دولار أمريكي)

التجمعات العربية

معدل التغير 2020

قيمة الواردات

معدل التغير 2020

قيمة الصادرات

2020

2015

2010

2005

2020

2015

2010

2005

-11.4

93.2

108.5

74.3

38.5

-17.1

90

105.5

75.5

44.8

منطقة التجارة الحرة العربية

-11.5

52.9

57.6

25

15.6

-34.4

45.2

57.6

27.5

20

مجلس التعاون لدول الخليج العربية

-19

2.8

22.9

2.7

1.8

-26.4

2

4

2.9

2.2

اتحاد دول المغرب العربي

-34.8

1.3

2,151

1,937

924

-12

1,893

1,883

2,192

642

دول اتفاقية أغادير

 

المساهمة في إجمالي الواردات (%)

 

المساهمة في إجمالي الصادرات(%)

 

 

11

12.8

11.6

11.0

 

8.9

12.4

8.4

7.0

منطقة التجارة الحرة العربية

 

10.1

9.4

7.0

8.0

 

5.9

5.8

4.2

5.0

مجلس التعاون لدول الخليج العربية

 

2.1

2.3

2.0

2.0

 

1.9

3.5

2.0

2.0

اتحاد دول المغرب العربي

 

1.1

1.4

1.6

1.0

 

2.6

1.7

3.3

1.0

دول اتفاقية أغادير

 

 

نسبة التجارة البينية إلى التجارة الخارجية

للتجمعات الاقتصادية العربية 2005 -2020م.

 المصدر: جامعة الدول العربية وآخرون، مرجع سابق، أعداد مختلفة.

                إن إقامة منطقة التجارة الحرة العربية تحقق فائدة مباشرة أكيدة لكل البلدان العربية المشاركة يتمثل في توحيد الأسواق العربية سيؤدي إلى إقامة مشاريع للتنمية الصناعية والزراعية والقطاعات الأخرى المرشحة لمواجهة تحديات اتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وسوف تعزز المنطقة عوامل الثقة بين المستثمرين المحليين والأجانب ومن ثم تدفق الاستثمار بين الدول الأعضاء وجذب الاستثمارات المباشرة من الخارج، والاستفادة من كبر حجم الأسواق العربية وقيام استثمارات عربية مشتركة، وتستقطب مشاريع لنقل التكنولوجيا مما يساهم في عملية النمو والتنمية العربية التي ستؤدي في النهاية إلى تحقيق السوق العربية المشتركة، كما أن من نتائجها فتح الأسواق العربية على بعضها البعض وبالتالي توسيع حجم السوق وتخليص الأسواق القطرية من تقيدها بالقوة الشرائية المحلية والتي غالبًا لا تسمح بإقامة المشاريع على أساس الحجم الأمثل، مشاريع تتميز باقتصاديات الحجم وبانخفاض مستوى تكلفة الإنتاج مادام الانفتاح سيؤدي إلى زيادة حجم الطلب الفعال وزيادة القدرة الإنتاجية بتشغيل كامل الطاقات وهذا يمكنه أن يساهم في زيادة معدل النمو ورفع مستوى المعيشة، وحدوث مثل هذه التحولات من شأنها أن تشجع على زيادة حجم الاستثمارات وجذبها وعودة الرساميل العربية العاملة في الخارج.

، فلابد أن هناك أسباب أدت للحد من تجارب التكامل العربي المتعددة أهمها، الرغبة في الاستئثار بالثروات المحلية، الربط بين التكامل الاقتصادي والعلاقات السياسية، عدم وجود جهاز عربي للتكامل الاقتصادي يتولى التنسيق والإشراف على مشروعات التكامل في الدول العربية، افتقار المنطقة العربية لشبكة واسعة من وسائل النقل والمواصلات تمتد عبر الوطن العربي، ولعل أهم تلك العقبات يتمثل في انخفاض حجم الاستثمارات بالدول العربية

ثالثًا: دور الاستثمار في تحقيق التكامل الاقتصادي العربي

يلعب الاستثمار دورًا محوريًا في نجاح أي تجربة للتكامل الاقتصادي باعتباره المولد للمنتجات التي يمكن تبادلها في إطار التكامل، ورغم أن الدول العربية تبني المدخل التجاري في التكامل إلا أن هذا المدخل يتطلب العمل على تعزيز المضمون الاستثماري له من خلال  زيادة الاستثمارات في المنطقة العربية، مستفيدة من الميزات التي تتيحها المنطقة للسلع ذات المنشأ العربي، وكذلك من الخريطة الاستثمارية التي تتبلور ملامحها من خلال سير واتجاه المبادلات التجارية العربية مما يساهم في تخصيص أفضل للموارد العربية، من ناحية أخرى فإن التكامل يحفز وينشط الإنفاق الاستثماري داخل الدول الأعضاء فيه، ولكن في واقع الأمر فإن المتابع لتطور نصيب الدول العربية من الاستثمار الأجنبي المباشر، أو حتى حجم الاستثمارات العربية البينية ،يجد أنها منخفضة بشكل كبير ، ولا تتناسب مع ما تمتلكه الدول العربية من استحواذها على نحو 55% من احتاطي النفط في العالم ، ونحو 27% من احتياطي الغاز ، وقوى عاملة شابة تقترب من 136 مليون نسمة، وأرض صالحة للزراعة تبلغ نحو 197 مليون هيكتار، وسوق واسع يبلغ نحو 431 مليون نسمة بمتوسط دخل فرد يبلغ نحو 6000 دولار ، ولكنها لا تستقطب سوى نحو 3%، في احسن حالاتها، من الاستثمار الأجنبي المباشر بالعالم. وهذا ما يوضحه الشكل التالي:

 UNCTAD - World Investment Report 2021المصدر:

 

حيث يلاحظ انخفاض نصيب الدول العربية من استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر، فرغم بلوغه أعلى مستوى له عام 2020م، بنحو 40.4 مليار دولار إلا أنه لا يمثل سوى نحو 2.64% من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في ذات العام، بل إن في بعض السنوات تغلبت التدفقات الخارجة على التدفقات الداخلة، مما يعني أن صافي التدفق كان رقمًا سالبًا، وهذا ما يتضح من الشكل التالي:

المصدر: المرجع السابق

 

 

يوضح الشكل السابق أن  صافى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر سالبة خلال الفترة من 2015 الى 2018م، وذلك نظرًا لكون التدفقات الخارجة كانت أكبر من التدفقات الداخلة، في حين شهد عامي 2019، 2020م، تفوق التدفقات الاستثمارية الداخلة على الخارجة، ولكن الملفت للنظر أن معظم تلك الاستثمارات كانت في القطاع النفطي أو في قطاعات الخدمات، في حين لم يحظ قطاع الصناعات التحويلية والقطاع الزراعي بنفس الأهمية، واللذان يعدان القطاعات المولدة للسلع التي يمكن أن تستفيد من المزايا الممنوحة في إطار منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، وهذا ما يؤكده الشكل التالي:

المصدر: المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية 2021م.

 

فإذا كان هذا هو حال الاستثمار الأجنبي المباشر، فهل الاستثمارات العربية البينية كانت معوضة لتدني الاستثمارات الأجنبية المباشرة أم ماذا؟

 

الاستثمارات العربية البينية

يعد الاستثمار من أهم محركات النمو الاقتصادي وخلقاً لفرص العمل، وهو يعتمد بصورة أساسية على عدد من المحددات الاقتصادية وعوامل أخرى أهمها الأطر القانونية السليمة والمستقرة التي تنظم الاستثمار على المستوى الإقليمي، حيث إن تلك الأطر تلعب دورًا مهمًا في تعزيز تدفق الاستثمار البيني وزيادته، كما تسهم في إيجاد بيئة مشجعة للاستثمار، لذا فقد أعدت الدول العربية اتفاقية لتشجيع الاستثمارات العربية البينية منذ عام 1980م، وهي "الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية"، كما تم تطوير تلك الاتفاقية لتتوافق مع التطورات الدولية والإقليمية، وتم إقرار الاتفاقية المعدلة في قمة الرياض عام 2013م.  وتهدف الاتفاقية المعدلة إلى زيادة الاستثمارات البينية للدول العربية، تعزيز التعاون بين الدول العربية بوضع معايير مشتركة وتبادل المعلومات حول القواعد والفرص التجارية، تقوية التكامل الاقتصادي الإقليمي بإتمام اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى ( (PAFTA وتعزيز الوصول إلى الأسواق الإقليمية، وتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى معيشة المواطنين العرب.

وتوفر الاتفاقية المعدلة الحماية لاستثمار رأس المال العربي، باستخدام أو تحويل رأس المال العربي في المجال الاقتصادي أو الاجتماعي في دولة عربية أخرى بهدف الحصول على عائد من رأس المال العربي الذي تستثمره في الدولة العربية الأخرى، ولكن هل ساهمت تلك المزايا الممنوحة في إطار الاتفاقية في تعويض الاستثمارات العربية البينية لمحدودية الاستثمار الأجنبي المباشر، في الواقع إن تلك الاستثمارات لم ترتق لمستوى طموحات الدول العربية حيث انها لم تتجاوز 63 مليار دولار في أحسن حالاتها، وهذا ما يتضح من الشكل التالي:

المصدر: المرجع السابق

يلاحظ الانخفاض الكبير في حجم الاستثمارات العربية البينية، باستثناء عامي 2006م، 2008م، قلم تتجاوز 26 مليار دولار، كما إنها تتسم بعدم الاستدامة ،حيث تتحكم عوامل غير بيئة الأعمال في حجمها مما يجعلها تنخفض عامًا وترتفع آخر ، أهما تطورات أسعار النفط ، ومدى الاستقرار في الاقتصاد العالمي، ومع انخفاض حجم الاستثمارات العربية البينية فلم تحظ القطاعات السلعية بالحجم الذي من شأنه أن ينعكس عليها بشكل إيجابي ومن ثم على التجارة العربية البينية والتي تعد مؤشرًا على نجاح أو إخفاق التكامل الاقتصادي العربي، حيث استحوذت القطاعات الخدمية على الجزء الأكبر منها وهذا ما يتضح من الشكل التالي:

 

المرجع: المصدر السابق

يتضح من الشكل السابق أن الجزء الأكبر من الاستثمارات العربية البينية وجهت للقطاعات الخدمية، وهي تلك القطاعات التي لا يظهر ناتجها بشكل مباشر في التجارة العربية البينية، أي أنها لم تساهم بشكل مباشر في تعميق التكامل الاقتصادي العربي،

أما إذا انتقلنا على المستوى الوطني فيلاحظ أنه باستثناء دول الخليج العربية تنخفض نسبة الاستثمار للناتج في الدول العربية، ليس هذا فحسب بل إن معظم الدول العربية لديها فجوة موارد واضحة في تمويل الاستثمار؛ فبعض الدول تعاني من ادخاراتها كونها سالبة، وهذا ما يوضحه الشكل التالي:

جامعة الدول العربية وآخرون، مرجع سابق.

 ثالثًا: معوقات الاستثمار بالدول العربية

بصفة عامة يمكن القول إن هناك تحديات أدت إلى انخفاض نصيب الاستثمار للناتج، بالدول العربية وكذلك تدني نصيبها من الاستثمار الأجنبي المباشر، وانخفاض حجم الاستثمارات العربية البينية ولعل أول تلك التحديات هو تدني مؤشر بيئة الأعمال لمعظم الدول العربية كما يتضح من الشكل التالي:

مؤشر بيئة الأعمال بالدول العربية 2020

كما يأتي في قائمة التحديات، ضعف البنية التحتية في العديد من الدول العربية، كالطرق والنقل والاتصالات ....الخ، كما يبرز التحدي الذي يتعلق بالتشريعات بالدول العربية، والتي تعد غير محفزة للاستثمار ومن ثم تحول دون حصول الدول العربية على نصيب عادل من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويدخل في هذا الإطار عدم التزام بعض الدول العربية بالاتفاقيات الإقليمية والدولية التي تحمي الاستثمار الأجنبي، بالإضافة إلى التشريعات الضريبة والتي تعد منفرة للمستثمر الوطني أو الأجنبي، كما لا يمكن إغفال ضيق بعض الأسواق العربية، باعتبار أن عدد السكان يعبر عن السوق الممكن الإنتاج له ولا يمكن القول بأن ارتفاع متوسط دخل الفرد يعوض ذلك، أما إذا تحدثنا عن مدى توافر الإحصاءات والتي تسمح للمستثمر أن يكون لديه صورة كاملة عن الاقتصاد الذي يعمل فيه، فالأمر ليس كما نتمناه، وأخيرًا فغياب الاستقرار السياسي والأمني في عدد من الدول العربية، يوثر على بيئة الأعمال في المنطقة بأثرها ، هذا بالإضافة إلى تراجع ترتيب معظم الدول العربية في مؤشر الابتكار العالمي الصادر عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية، مؤشر الحوكمة الصادر عن البنك الدولي، ومؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي،  ومؤشر مدركات الفساد، وكلها مؤشرات يهتم بها المستثمر الأجنبي قبل إقدامه  إلى الاستثمار في أي دولة.

التوصيات

مما سبق يلاحظ أن بيئة الأعمال بالدول العربية تواجه عددًا من التحديات التي أثرت على حجم الاستثمار بالدول العربية بمختلف مصادره، مما قوض المحتوى الاستثماري للتكامل الاقتصادي العربي والمتمثل في منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مما يستلزم:

  • سرعة الانتهاء من إعداد الاتفاقية الجديدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية، حيث ذادت الحاجة إليها خاصة في ظل انعكاسات جائحة كورونا.
  • الإسراع في إقرار الملاحق المكملة للبرنامج التنفيذي للمنطقة، لدورها في الحد من القيود غير التعريفية على التجارة
  • تخفيض تكاليف تأسيس المشروعات واستخراج تراخيص البناء وتوصيل الكهرباء، والتي يبلغ متوسطاتها العربية 37.1%، 321.4%، 1785% من متوسطات دخل الفرد في الدول العربية على التوالي مقارنة مع 4.7%،45.7%،93% فقط في دول OECD
  • خفض الحد الأدنى من رأس المال اللازم لتأسيس المشروع والبالغ 99.7% من متوسط دخل الفرد مقارنة بــ 14% فقط في دول الــ OECD.
  • الارتقاء بمستوى البنية الأساسية بكافة أشكالها باعتبارها عامل محدد لبيئة الأعمال.
  • تطوير التشريعات والقوانين الحاكمة لبيئة الأعمال بحيث تراعي المنافسة الكبيرة في مختلف دول العالم لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.

مقالات لنفس الكاتب