; logged out
الرئيسية / دول الخليج مطالبة بتوسع شراكاتها دون الاعتماد فقط على الشركاء الغربيين

العدد 172

دول الخليج مطالبة بتوسع شراكاتها دون الاعتماد فقط على الشركاء الغربيين

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

تكشف الهجمات الغادرة والمتمادية على دولة الإمارات العربية المتحدة إحباط تنظيم الحوثيين الإرهابي بعد الخسائر الفادحة التي مني بها في ساحة المعركة. ففي حين بدا لهؤلاء المنشقين عن الشرعية أنهم يعززون قبضتهم على مناطق إضافية في اليمن وتمت سيطرتهم على ثلاث مناطق في محافظة شبوة الغنية بالنفط وكان هدفهم الرئيس هو استيلاؤهم على محافظة مأرب المجاورة، لقناعتهم بأن سقوط شبوة ومأرب في أيديهم سيعزز سيطرتهم على الدولة اليمنية ويضعف الحكومة الشرعية. هذه التطورات دفعت قيادة المنظمة الإرهابية التي لا تريد أن يعم السلام المنطقة وتحاول بشتى الطرق أن تعبث بمقدرات شعوبها، تستهدف دولة الإمارات كما سبق لها وما زالت تستهدف المملكة العربية السعودية بهجمات صاروخية وطائرات بدون طيار منذ عام 2019م،  تحاول قوى الشر هذه النيل من قواعد الأمن والأمان والاستقرار الذي تنعم به دول مجلس التعاون الخليجي التي أصبحت وجهة ثابتة وصلبة لاستقطاب الكفاءات البشرية المواطنة والوافدة المؤهلة لقيادة مسارات التطور والنمو والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن هذه المحاولات الآثمة لم تنال من ثوابت واستقرار دول المجلس التي وضعت تحقيق الأمن والأمان في مقدمة أولوياتها وسخرت الموارد البشرية والمالية واللوجستية والتقنية الحديثة لتعزيز الأمن والاستقرار لكافة المقيمين فيها.

ليس الحوثي بل طهران

ليس هناك شك في دور إيران التي تسعى من خلال تأثيرها السياسي والإعلامي والدعم المالي والعسكري، خدمة لأجندتها الطائفية والأيديولوجية، خلق منظمات ومليشيات تعمل نيابة عنها لإشعال التوترات وزعزعة ميزان القوى في المنطقة والعبث بالأمن الإقليمي في العديد من الدول العربية. وقد بدأت هذه الأدوات بما أتيح لها من تقنيات وأسلحة وتدريب استخدام المسيرات والصواريخ الباليستية لضرب المنشآت المدنية في السعودية والإمارات...حتى الآن.

 وترافق العدوان الحوثي على الإمارات مع حدثين كبيرين: المفاوضات في فيينا حول السلاح النووي الإيراني بين واشنطن وطهران عبر أطراف ثلاثة ثم المواجهة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية بين واشنطن وموسكو وحلفاء كل من الطرفين، بما يهدد أمن وسلام دول العالم أجمع. وفي الحدثين معًا كانت هناك انعكاسات إيجابية وسلبية على دول مجلس التعاون الخليجي.

في الحدث الأول فقد كانت دول المجلس طرفًا مباشرًا لانعكاسات نتيجة المفاوضات على أمنها وسلامة شعوبها في حاضر الأيام ومستقبلها. العدوان الآثم على الإمارات، ينسب إلى الحوثيين ظاهرًا ولكن من المعروف والمؤكد على مستوى العالم كله أن الحوثي هو أحد أذرع إيران العسكرية المتمددة في العراق وسوريا ولبنان وصولاً إلى ليبيا وسواها وهو لم يكن العدوان الأول الذي تشنه طهران على الإمارات فقد سبقه احتلال الجزر الإماراتية الثلاث في مطلع السبعينات من القرن الماضي، بهجوم عسكري إيراني. كما أن هذا العدوان يأتي في سياق العدوان المتمادي على المرافق المدنية في السعودية.

وفي مواجهة هذه التطورات الخطيرة تصدت الإمارات، قيادة وشعبًا للعدوان السافر والمقنع عسكريًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا: خليجيًا وإقليميًا ودوليًا. على المستوى العسكري فإن الإمارات حازت وعن جدارة لقب "اسبارطة" أي الدولة المنيعة نظرًا لتفوقها النوعي جوًا وبحرًا وبرًا، في المجال العسكري سلاحًا وتدريبًا ما منحها القدرة على تدمير قوافل من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة التي أطلقها العدو الحوثي قبل وصولها إلى أهدافها وذلك عبر تفعيل نظام "باتريوت" ونظام "ثاد" وهي المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا النظام الأخير في عمليات قتالية. كما قامت وفور وقوع العدوان بتحديث منظومتها الصاروخية والدفاعية.

هنا من المفيد الإشارة إلى مدى قدرة دولة خليجية واحدة سواء كانت الإمارات أو المملكة العربية السعودية أن تتصدى لتمنع نهائيًا وصول الطائرات المسيرة إلى أهدافها رغم صعوبة ذلك وتعقد تتبعه، كما أعلن قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي كينث ماكنزي في مايو الماضي " إن الطائرات المسيرة من دون طيار هي أكثر التطورات التكتيكية إثارة للقلق في الشرق الأوسط منذ ظهور العبوات الناسفة" بل إن هذا السلاح يهدد الولايات المتحدة نفسها وفق ما أوردته مجلة "فورين بوليسي" في تحليل نشرته مؤخرًا.

ولمواجهة هذه الثغرة الأمنية فقد دعت دولة الإمارات في 20 فبراير الماضي إلى مؤتمر عقد في العاصمة أبو ظبي شارك فيه متخصصون من قيادات عسكرية غربية وعربية بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أكدت خلاله إلى ضرورة بناء درع يحمي من خطر استخدام هذا السلاح في هجمات إرهابية.

المسالة الثانية إن دولة الإمارات تشارك في التحالف العسكري الذي تقوده المملكة العربية السعودية دعمًا للحكومة الشرعية اليمنية وقد نجح هذا التحالف في تسديد ضربات جوية إلى قواعد انطلاق المسيرات والصواريخ الحوثية وترافق مع استعادة مساحات واسعة كان قد احتلها الانقلابيون في اليمن وهو ما أحبط قوافل من الهجمات قبل انطلاقها، وفي هذا السياق دعت دولة الإمارات إلى تعزيز هذا التحالف الذي أكدت عليه قمة العلا الخليجية التي انعقدت في السعودية في 5 يناير 2021م، وأكدت في مقرراتها على "تعزيز التكامل العسكري بين دول المجلس تحت إشراف مجلس الدفاع المشترك واللجنة العسكرية العليا والقيادة العسكرية الموحدة لدول المجلس لمواجهة التحديات المستجدة انطلاقًا من اتفاقية الدفاع المشترك ومبدأ الأمن الجماعي لدول الخليج".  

أما في الحدث الثاني أي الأزمة الأوكرانية التي تحولت إلى حرب مفتوحة الآفاق ولم توفر التهديدات النووية، حيث كانت الأبعاد الجيوسياسية التي تشمل النفط والغاز والأمن الغذائي، ومنطقة الشرق الأوسط فاعلة ومتفاعلة في هذه المجالات.  فروسيا تنتج حوالي 10 ملايين برميل من النفط يوميًا، وتزود أوروبا بما يقرب من 40٪ من وارداتها من الغاز الطبيعي الذي يتدفق ثلثها عبر أوكرانيا، وأكثر من ربع النفط الذي تشتريه من الخارج. وبالرغم من أن الصادرات الروسية لم تكن هدفًا للعقوبات الأمريكية والأوروبية، إلا أن الحرب الأوكرانية الروسية أصابت أسواق النفط والغاز العالمية بالاضطراب ورفعت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل الواحد. وحيث أن أزمة الطاقة وتوفيرها لشعوب أوربا تعتبر واحدة من الجبهات الساخنة وهو ما دفع إلى توجيه الأنظار إلى دول مجلس التعاون حيث الطاقة وحقول الغاز التي توقعت واشنطن وحلفاؤها في المنطقة قد تكون البديل عن الغاز الروسي وإمدادات النفط الذي يذهب إلى الأسواق الأوروبية. وهو ما كان محورًا من المحاور الهامة في الحوار الهاتفي بين الرئيس بايدن والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز ومحاولات الرئيس الأمريكي المستمرة للتواصل مع قيادات السعودية والإمارات، بالإضافة إلى الزيارة الأخيرة في 16 مارس لرئيس وزراء بريطانيا الذي أكد على أن السعودية والإمارات شريكان رئيسيان لضمان الأمن الإقليمي واستقرار الطاقة العالمية. إلا أنه من الواضح أن العلاقات الأمريكية الخليجية تواجه الآن "اختبار توتر" كما ذكر يوسف العتيبة، السفير الإماراتي في واشنطن. فالدول الخليجية ترى أن هذه الحرب لا تعنيهم إلا بما يخدم الأمن الإقليمي والسلام العالمي. وهي بذلك ترسل رسالة مشابهة لتلك التي ترسلها الولايات المتحدة باستمرار بشأن اليمن.

إلا أنه مع رفض مجموعة أوبك+ زيادة الإنتاج وتأكيدها على عدم وجود نقص في الأسواق، وأن "التقلبات الحالية في الأسعار هي ردة فعل للتطورات الجيوسياسية"، فإن العديد من المحللين يرون أن دول المجلس تدافع عن مصالحها الوطنية وتسعى للحصول على استقلال استراتيجي كما ذكر الحسن (المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية). وأيضًا ففي حين أن السعودية والإمارات قد تكون لديهما القدرة على زيادة الإنتاج إلا أنهما قد لا تستطيعان تعويض النقص في الصادرات الروسية لأن الطاقة الفائضة لأوبك+ مجتمعة هي 2.5 مليون برميل يوميًا في حين ما تصدره روسيا يصل إلى 4.8 مليون برميل يوميًا. وفي نفس الوقت أن دول المجلس التي عانت من انخفاض أسعار النفط منذ عام 2014م، لن تتخذ إجراءات فورية لكونها مستفيدة من الارتفاع من أجل تخفيف العجز في موازناتها المتوقعة في عام 2022م.

دبلوماسيًا لم تحتاج دولة الإمارات إلى بذل الكثير من الجهد للتضامن معها عالميًا بعد أن اكتسبت تضامنًا دوليًا باعتبارها "أرض التسامح" وتدفقت الإدانة للعدوان الإرهابي من المنابر الرسمية والمنصات الاجتماعية. فعلى الصعيد الدبلوماسي أيضًا وتجاوبًا مع الجهود التي بذلها مجلس التعاون للحفاظ على الأمن والاستقرار على ضفتي منطقة الخليج، تم عقد أربعة لقاءات بين ممثلين من المملكة وممثلين عن الجانب الإيراني، ولكن من دون أن تسفر عن نتائج إيجابية. كما أن الإمارات من ناحيتها وفي محاولة لتخفيف حدة التوتر مع إيران أوفدت مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد إلى طهران حيث عقد محادثات مع مسؤولين رفيعي المستوى، ولم يتحدث أي من الطرفين عما حققته تلك الزيارة. ووصف الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة، الزيارة بأنها "استمرار للجهود الإماراتية لتعزيز العلاقات والتعاون في المنطقة"، وأن " الإمارات تسعى إلى ترسيخ الاستقرار والازدهار الإقليميين من خلال تطوير العلاقات الإيجابية عن طريق الحوار". وإذا ما أخذنا ذلك جنبًا إلى جنب مع المحادثات الجارية بين المملكة العربية السعودية وإيران، كان هناك توقعًا صامتًا بحدوث وفاق بين إيران ومنافسيها الرئيسيين في جميع أنحاء الخليج.

مع ذلك، ورغم أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اتخذت قرارًا منفردًا، ورفعت عن الحوثيين ما اتفق عليه الكثير من الدول بأنهم "تنظيم إرهابي" نجحت الإمارات في إعادة هذا التصنيف بقرار من مجلس الأمن الدولي صدر يوم 24 الشهر الماضي تضامنًا معها في مواجهة العدوان.

اقتصاديًا لا شك أن للعدوان الحوثي تداعيات اقتصادية تطال كافة دول المجلس، فهذه الاعتداءات ستؤثر حتمًا على طرق الملاحة في الخليج وتهدد الممرات البحرية والتجارة الدولية. وتشكل خطرًا على خطوط أنابيب الطاقة ومرافق الإنتاج وحركة الطيران المدني. فهي كما ذكرت بلومبرغ تمثل "التهديد المستمر لكل من البنية المدنية والتحتية الخاصة بالطاقة وتعكس تدهورًا في المناخ الأمني في المنطقة".

وحيث أن الإمارات تمتلك الموارد العسكرية والأجهزة الأمنية الكفؤة والقادرة على حماية نفسها، فإن التهديدات الحوثية لن يكون لها تأثير عليها كوجهة آمنة للأنشطة الاقتصادية والاستثمارية. فقد أشار سايمون بيني، المفوض التجاري البريطاني للشرق الأوسط إلى أن "مثل هذه التهديدات لن تؤثر على حماس الشركات البريطانية للاستثمار في دول المجلس، وأن هذه الدول كانت وستظل وجهات هامة للمصدرين والسياح البريطانيين على مدى سنوات عديدة، ولا نتوقع أي تراجع في هذا الاهتمام". وذلك لأن السوق الخليجي هو ثالث أكبر سوق تصدير للمملكة المتحدة على مستوى العالم، خارج الاتحاد الأوروبي: "نحن واثقون للغاية ولدينا كل الأسباب للاعتقاد بأن وضعنا كدولة مصدرة إلى الخليج سيتحسن أكثر في السنوات المقبلة".

ويعتقد العديد من الباحثين والمحللين الاستراتيجيين أنه من غير المرجح أن تصبح الإمارات مكانًا غير آمن للمستثمرين وللسكان من المواطنين والمقيمين. فقد أكد حسين إبيش، الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن على أنه بالرغم من امتلاك الحوثيين الصواريخ الباليستية الإيرانية، إلا أنه "من شبه المؤكد أن قدرتهم على إلحاق ضرر حقيقي بالإمارات محدودة"، وأضاف سيدهارث كوشال، الباحث في المعهد الملكي في لندن: أن الإمارات قادرة على الاستمرار في ضمان أن تكون الأضرار التي لحقت بها محدودة، وأن إصلاح أي ضرر يحدث بسرعة، "فمن المحتمل أن تتحمل درجة من الضغط من الحوثيين دون تحمل تكاليف طويلة الأجل لسمعتها كدولة آمنة".

على صعيد آخر ’ فشلت محاولات الحوثيين النيل من الإمارات فلم تثن هذه المحاولات الخبيثة السياح الأجانب عن التوافد إلى الدولة في معرض إكسبو 2020م، فقد ساهم العدد المتزايد للسياح الدوليين إلى دبي في تعافي صناعة السياحة من جائحة فيروس كورونا. إذ استقبلت دبي وفي يناير الماضي أكثر من 979,700 سائح دولي، بزيادة قدرها 116.6٪ مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وتجاوز عدد الغرف المحجوزة 3 ملايين غرفة، بزيادة قدرها 14.7 % خلال الفترة نفسها. ومن المتوقع أن تؤدي الزيادة في الشهر الأخير لإكسبو وهي نحو 1.5 مليون زيارة أسبوعيًا إلى تجاوز الأرقام عن الهدف الأصلي البالغ 25 مليون زيارة.

دور الدول الكبرى تجاه هذه الهجمات الإرهابية

من المؤكد أنه على الصعيد العسكري محليًا وخليجيًا استطاعت دول المجلس أن تواجه هذه التحديات الأمنية باقتدار نتيجة تطورها وقدرتها الدفاعية ولكن ماذا عن الحلفاء والأصدقاء في الغرب وفي طليعتهم الولايات المتحدة؟

الإجابة تتوقف في محطتين: الأولى هي ما أطلق عليه "مبدأ كارتر" الذي أرساه الرئيس الأسبق جيمي كارتر في 1980م، وجاء فيه "سوف تعتبر أي محاولة من قبل أي قوة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداءً على المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وسيتم صد مثل هذا الاعتداء بأية وسيلة ضرورية بما في ذلك القوة العسكرية". وقد اطمأنت دول مجلس التعاون اعتمادًا على هذا المبدأ خصوصًا بعد قيام الثورة في إيران، ورفع شعار "تصدير الثورة ".

نتوقف في المحطة الأولى عند 15 أبريل 2019م، يوم قصفت إيران مباشرة وفق تقارير وتحقيقات دولية منشآت شركة أرامكو السعودية، وقد أسقط هذا العدوان السافر "مبدأ كارتر" وبالتالي فقد بقي الباب مفتوحًا أمام قوى الإرهاب للتمادي في قصف المرافق المدنية بما في ذلك المطارات دون خشية من العقاب. ومن هنا تكتسب "قمة العلا" أهمية بارزة في التأكيد على اعتماد القوة الذاتية والجماعية لحماية دول المجلس.

وبالرغم من أنه على مدى العامين الماضيين، سعت دول مجلس التعاون بشكل متزايد، تأمينًا لمصالحها إلى اعتماد الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والزيارات الرسمية بدلاً من الحلول العسكرية من أجل خفض التصعيد والحد من التوترات وتجنب مخاطر الصراع المتصاعد إلا أن هذا النهج لم يحقق نجاحات تذكر وقد ألقت الهجمات بظلالها على جهود المصالحة الإقليمية مع إيران، وأدركت دول المجلس أن العلاقات الجيدة مع طهران لا توفر ضمانًا ضد استهدافها من قبل حلفائها ووكلائها في المنطقة. لذلك لجأت دول المجلس إلى تعزيز التعاون فيما بينها مع إعادة تنشيط التحالف الذي تقوده السعودية. ومع ذلك ما زالت جهود دول المجلس الرامية إلى تهدئة التوترات بإبقاء الحوار مفتوحًا حيث أشار سمو ولي العهد السعودي في مقابلته مع "أتلانتيك" إلى إن إيران هي جارة لنا فلابد من البحث عن سبل للتوافق والتعايش معها. على الجانب الآخر ربما أن هذا التصعيد قد يكون له دور إيجابي في إعادة الولايات المتحدة إلى إدراك أنها لا تستطيع الابتعاد عن المنطقة. وفي نفس الوقت فإن الدعوة الأخيرة التي وجهتها الأمانة العامة لدول المجلس للأطراف اليمنية بما فيهم الحوثيين لاجتماعات تشاورية في الرياض تكشف حرص دول المجلس على إيجاد الحلول الناجعة لمساندة اليمن ورفع المعاناة عن الشعب اليمني وهو ما تؤكد عليه دول المجلس منذ المبادرة الخليجية في عام 2011م.

الخاتمة والحلول المطلوبة

تخطو دول مجلس التعاون حاليًا على طريق التعافي والانتعاش بعد الأزمة الاقتصادية، التي سببتها جائحة كورونا وانخفاض أسعار النفط، وهي تنفذ إصلاحات مالية وهيكلية واعدة وأجندة جديدة في مجال الطاقة والتغير المناخي، لذلك فإن الاستقرار الأمني يتضمن بعدًا هامًا في مسار نموها وازدهارها ومن ثم استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها. إلا أن برنامج إيران للصواريخ الباليستية ودعمها التقني للمليشيات التابعة لها في المنطقة ما زال يشكل تهديدًا أمنيًا تسعى دول المجلس للتصدي له. لذلك من أجل تخفيف حدة التوترات السياسية والأمنية وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي ينبغي العمل على تعزيز الروابط الاقتصادية القائمة وتطوير شراكات تجارية واستثمارية جديدة وإيجاد إطار تنظيمي أفضل ووضع السياسات التي تسهل التكامل وتهدف إلى تعزيز وزيادة التعاون الأمني والسياسي والاقتصادي بين دول المجلس ومحيطها الإقليمي.

من هذا المنطلق نورد بعض التوصيات التي يجدر التأكيد عليها:

  • تواجه دول مجلس التعاون التحديات والمخاطر الأمنية نفسها وتتوفر لها الفرص ذاتها لذلك فإن تكامل استراتيجياتها الأمنية والاقتصادية وتعاونها سيساهم في الحد من المخاطر التي تواجهها وسيعزز نجاح خططها الاستراتيجية.

* لسد الثغرات في القدرات الأمنية من المهم أن تسعى دول مجلس التعاون مجتمعة إلى خلق نظام دفاعي أكثر تماسكًا بتقوية مركز القيادة العسكرية الموحدة لمجلس التعاون الخليجي، وعليها أن تتبنى موقفًا متوازنًا في علاقاتها الخارجية وتسعى إلى اعتماد ترتيبات أمنية أخرى تزيد من قدراتها على الردع وتوسع خياراتها الاستراتيجية بخلق شراكات متنوعة والتعامل مع قوى عظمى أخرى دون الاعتماد فقط على الشركاء الغربيين.

  • تتبع دول المجلس حاليًا استراتيجيات مختلفة في علاقتها مع إيران مما يخلق نوعًا من التباين في سياساتها لذلك وللحد من عدم التماثل يفضل أن تتوحد السياسات والرؤى والآليات وتكون هناك مقاربة موحدة في العلاقات الخارجية بشتى أنواعها لضمان خلق نظام أمني إقليمي مبني على أساس التعاون والتوافق الاستراتيجي.
  • الاستقرار هو هدف أي نظام أمني إقليمي، ومن أجل تحقيق توازن القوى والحفاظ على الوضع الراهن، ومنع أي تغييرات جذرية، ومواجهة للسياسات التي تتبعها إيران ووكلاؤها في الدول العربية على الدول الكبرى أن تستخدم نفوذها وقوتها السياسية والدبلوماسية والاقتصادية للضغط على طهران للقبول بحل سياسي وخلق نوع من التفاهم المتبادل من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة.
  • ولمساعدة دول الخليج العربية على معالجة هذه المعضلة الاستراتيجية، ينبغي على الشركاء الاستراتيجيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة أن تسعى إلى معالجة الأمن الإقليمي على نطاق أوسع بدلاً من التركيز فقط على الملف النووي الإيراني والسعي لبناء تحالف متعدد الأطراف للعمل ضد دعم طهران للميليشيات. كما أنه ينبغي الدفع باتجاه أن تتحمل الأمم المتحدة ومؤسساتها الأممية مسؤولياتها باتخاذ موقف حاسم وموحد لردع الاعتداءات الحوثية على السعودية والإمارات، ومواجهة ما ترتكبه ضد المدنيين والأمن والاستقرار الإقليمي.
مقالات لنفس الكاتب