; logged out
الرئيسية / 60 جماعة إرهابية و10 آلاف مرتزق فاغنر روسي في إفريقيا

العدد 172

60 جماعة إرهابية و10 آلاف مرتزق فاغنر روسي في إفريقيا

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

بنهاية عام 2021م، تكون 20 سنة كاملة قد انقضت من عمر المحاربة العالمية للإرهاب الدولي (2001-2021م)، وخرجت أمريكا من أفغانستان بدون أن تقضي على القاعدة وطالبان، بل إن طالبان قاومت الاحتلال الأمريكي ووصلت إلى سدة الحكم، ثم إن الإرهاب لم يبق محصورًا في أفغانستان بل انتشر في مناطق عديدة من العالم خاصة العالم العربي وإفريقيا.

وتعد أزمة أوكرانيا، إلى جانب ما تشهده إفريقيا من انقلابات عسكرية وانفلات أمني، بما في ذلك تعثر الانتخابات في ليبيا، من أهم المؤشرات لعالم سريع التغيير، حيث يصعب فيه ضبط التحليلات أو رسم الاستراتيجيات واتخاذ القرارات. وقد لا ينجو من تأثيراتها أي بلد على هذه المعمورة، بما لديها من انعكاسات أمنية وسياسية واقتصادية ترهق الدول بشعوبها وحكوماتها.  ما يطرح التساؤل عن مستقبل محاربة الإرهاب في عالم ملئ بالمفاجئات والتغيرات؟

 

أولاً: المستجدات المؤثرة وملامح المشهد

في الأشهر الأخيرة فقط، وقعت أحداث وأزمات لم تكن متوقعة، من أوروبا إلى إفريقيا، ولا يمكن رسم صورة عن المستقبل، قبل ضبط المشهد من حيث المستجدات المؤثرة، واقع الإرهاب، ثم واقع مكافحة الإرهاب.

 

1 -الحرب في أوكرانيا: ارتدادات استراتيجية وأمنية

 

تكتسي الحرب في أوكرانيا أهمية بالغة، من الناحية الاستراتيجية ومن الناحية السياسية والأمنية أيضًا، فحسب عدد من الباحثين فإن العالم تم ترتيبه أو إعادة ترتيبه أربع مرات، المرة الأولى عام 1648م، في معاهدة وستفاليا بعد الحروب الدينية المعروفة باسم "حرب الثلاثين عامًا"، والمرة الثانية عام 1815م، في مؤتمر فيينا بعد الحروب النابليونية، والمرة الثالثة عام 1919م، في مؤتمر باريس بعد الحرب العالمية الأولى، والمرة الرابعة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945م، في مؤتمر سان فرانسيسكو، ويجري التوقع أن يتم ترتيب العالم من جديد للمرة الخامسة عقب نهاية حرب أوكرانيا الحالية.

وفي كل مرة، كان العالم العربي وإفريقيا متأثران بشكل أو بآخر بترتيباته، لذلك تطرح الحرب في أوكرانيا عدة احتمالات بهذا الخصوص، استراتيجيًا وسياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

تعد أوكرانيا واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للقمح ومنطقة عبور الغاز، لذلك ستجد بعض الدول العربية المستهلكة للقمح والمنتجة للغاز نفسها في قلب الإعصار والتجاذبات الدولية خاصة إذا طال أمد الأزمة، وهناك نحو 14 دولة عربية تستورد القمح الروسي والأوكراني وعلى رأسها لبنان ومصر والجزائر حيث يشكل القمح الروسي والأوكراني نسبة 10 بالمئة من وارداتها، وستنعكس الندرة وارتفاع الأسعار عليها بشكل أو بآخر.

وستستفيد بعض الدول العربية المصدرة للنفط والغاز من ارتفاع أسعارهما، فالمملكة العربية السعودية أهم دولة مصدرة للنفط، وقطر والجزائر ومصر والإمارات تسهم بنحو 11.7 بالمئة من الإنتاج العالمي للغاز، لكن ذلك هو الظاهر من جبل الجليد، فحرب أوكرانيا جعلت الدول تصطف إما وراء روسيا وإما وراء أوكرانيا أي وراء الغرب، ولكل موقف ثمن، فالحياد يتم تفسيره بشكل آخر.

فكيف يكون موقف الجزائر مثلا وهي التي تربطها علاقات استراتيجية في المجال العسكري مع روسيا، إذا خضعت لضغوطات الغرب وزادت في صادراتها نحو أوروبا، واعتبرت موسكو ذلك سلوكًا عدوانيًا تجاهها؟ وبالمقابل كيف يكون وضع قطر والإمارات في حال عدم زيادة ضخ الغاز استجابة للطلب الأمريكي؟ إن رد فعل واشنطن تجاه حياد الإمارات في مجلس الأمن بخصوص أوكرانيا يفتح الباب لكل التحليلات. وهذا يعني أن الوضع في أوكرانيا سيؤثر حتمًا على الدول العربية، بما في ذلك على الوضع الأمني.

وفي الوقت الذي تنشغل فيه أوروبا وأمريكا وهي أهم الدول المحاربة للإرهاب العالمي، بالحرب في أوكرانيا وتداعياتها على الوضع العالمي، سوف تجد الجماعات الإرهابية مثل الحوثي، وبوكوحرام وداعش والقاعدة وحركة الشباب الفرصة مثالية لزيادة عملياتها وتجنيد عناصر جديدة.

في الوقت الحالي لا أحد يستطيع أن يتوقع مآلات الحرب في أوكرانيا، لكن في حال ما إذا توسعت رقعتها، لا يستبعد أن تجد إيران مثلاً نفسها في صف موسكو، في الوقت الذي تلتزم فيه عدة دول عربية بعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. ما يعني أن هناك احتمال لمزيد من التوترات في المنطقة مما يطلق يد ميليشيات الحوثي في اليمن، وينطبق هذا الاحتمال على دول عربية أخرى حيث توجد جماعات وميليشيات موالية لإيران على غرار العراق وسوريا ولبنان.

في ذات الوقت، فإن انشغال روسيا بحربها على أوكرانيا، قد ينعكس بشكل مباشر على الوضع في سورية، حيث تعتبر روسيا أهم بلد فاعل في دعم نظام بشار الأسد، ما يفسح المجال للجماعات الإرهابية بإعادة تنظيم نفسها والتمركز من جديد.

كما أن فتح باب التطوع للحرب في أوكرانيا، قد يؤدي إلى نقل ميليشيات أو جماعات إرهابية من الشرق الأوسط إلى أوكرانيا على غرار ما حدث لداعش بعد انهيارها في سورية، وقد اتهمت واشنطن صراحة موسكو بنقل مرتزقة سوريا للحرب في أوكرانيا، مما يطرح التساؤلات عن مستقبل العائدين من أوكرانيا بعد نهاية الحرب، فهل نعرف مستقبلاً ظاهرة الأوكران العرب كما عرفنا ظاهرة الأفغان العرب؟

2 - الانقلابات العسكرية في إفريقيا: عدم الاستقرار تغذية للإرهاب

          رغم المستجدات الدولية الراهنة، فإن إفريقيا تظل أهم مسرح للإرهاب مع مطلع 2022م، خاصة في منطقة الساحل وغرب إفريقيا وإفريقيا الوسطى. وسوف تنعكس أيضًا الحرب في أوكرانيا على هذه المنطقة، فالحضور الروسي في عدد من دول إفريقيا عن طريق مجموعة فاغنر، قد يجعل إفريقيا بؤرة توتر عالمية جديدة، حيث بات الصراع واضحًا بين روسيا وفرنسا في مالي وبوركينافاسو على سبيل المثال، وقد تنتقم روسيا من فرنسا في مناطق نفوذها في إفريقيا خاصة منطقة الساحل وغرب إفريقيا لمواقفها المعادية لها في حرب أوكرانيا.

ثم بشكل مفاجئ، عرفت إفريقيا عدة انقلابات عسكرية خلال عام 2021م، مست 5 دول هي مالي، بوركينافاسو، غينيا، السودان وتشاد، وحدثت محاولة في النيجر وأخرى في غينيا بيساو، ما جعل الاتحاد الإفريقي يعلّق عضوية أربع دول خلال 12 شهرًا (مالي، غينيا، السودان وبوركينافاسو)، وهذا أمر غير مسبوق في تاريخه.

لكن الانقلابين الأفارقة، الذين شكلوا مجالس عسكرية للحكم، في مالي وبوركينافاسو اتهموا الحكومات المنقلب عليها بالفشل في محاربة الإرهاب، للتدليل على علاقة مكافحة الإرهاب بالاستقرار السياسي.

وتطرح هذه الانقلابات مخاوف أمنية خطيرة على منطقة الساحل وغرب إفريقيا وحتى المنطقة العربية لوجود ترابط جغرافي وسياسي وفكري، تضاف للتهديدات الإرهابية والصراعات وفساد أنظمة الحكم، وهشاشة الدول، وضعف الجيوش.

3 – ليبيا: مخاوف الحلقة المفرغة

في مطلع 2022م، حدثت تغيرات سريعة في ليبيا، حيث فشل الليبيون ومعهم المجتمع الدولي في تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية شهر ديسمبر 2021م، بعد 8 أشهر من التحضيرات الجادة، وبذلك عادت ليبيا إلى المربع الأول، تترنح تحت حكم المؤسسات القائمة، وهي كلها غير شرعية بالمعنى الديمقراطي للكلمة.

وبدل أن يتم بناء مؤسسات شرعية عن طريق الانتخابات، تم تعيين فتحي باشاغا رئيسًا جديدًا للحكومة من طرف مجلس النواب غير الشرعي، فصوّت مجلس الدولة غير الشرعي أيضًا ضد تعيينه، كما رفض عبد الحميد دبيبة غير الشرعي لانتهاء مهمته شهر ديسمبر 2021م، تسليم المهام لفتحي باشاغا غير الشرعي أيضًا.

وهكذا بقيت ليبيا تدور في حلقة مفرغة، وعادت إلى عهد برلمان الشرق وبرلمان الغرب، وحكومة الشرق وحكومة الغرب، وجيش الشرق وجيش الغرب.  وهذا ما يعيد للأذهان ما حدث بعد سقوط نظام القذافي في 2011م، حيث تم تهريب أكثر من 75 مليون قطعة سلاح من مخازن الأسلحة في ليبيا، استفادت منها عدة جماعات إرهابية، ودخلت إلى ليبيا ومنطقة الساحل عشرات الآلاف من المسلحين بعضهم بتواطؤ تركي، وفي ظل التجاذب السياسي أصبحت ليبيا مسرحًا للإرهاب.

وفي ظل انشغال الدول الكبرى بالحرب في أوكرانيا، فإن الوضع في ليبيا قد يترك تأثيرًا أمنيًا داخليًا وخارجيًا وسوف يكون ذلك في صالح الجماعات الإرهابية، إلا إذا تم استغلال انشغال الدول الكبرى والإسراع في تنظيم الانتخابات، لأن ليبيا باعتبارها دولة نفطية ستنعكس عليها الحرب في أوكرانيا مباشرة.

ثانيًا: مستقبل محاربة الإرهاب في عالم متغير

بناء على ما سبق، ما هو مستقبل محاربة الإرهاب في هذا العالم؟ وقبل الإجابة، لابد من التوضيح أولاً واقع الإرهاب ثم واقع محاربة الإرهاب.

1 -المشهد الإرهابي بعد 20 سنة من المحاربة العالمية للإرهاب

لا نحتاج إلى جهد كبير لمعرفة المشهد الإرهابي العالمي المتمركز أساسًا في إفريقيا والمنطقة العربية، فمراكز البحث المختصة والمراصد المختلفة، تؤكد في تقاريرها خطورة الواقع الميداني للإرهاب من هجمات الحوثي في اليمن إلى هجمات داعش وبوكوحرام والقاعدة وحركة الشباب في إفريقيا. (أنظر مثلاً: علي رجب، مستقبل قاتم.. تحولات النشاط الإرهابي في إفريقيا، في بوابة الحركات الإسلامية بتاريخ 30 يناير 2022).

وتنشط في إفريقيا حاليًا، نحو 60 جماعة إرهابية، وكل جماعة ترتكب أعمالاً لا تقل دموية عن أعمال الجماعة الأخرى، ثم إن هذه الجماعات أضحت تسيطر وتستهدف المناطق الغنية بالثروات كالذهب واليورانيوم والغاز.

واستنادًا للمراصد المختصة كمؤسسة ماعت للسلام والتنمية وتقارير إعلامية مختلفة، فإن القارة الإفريقية خسرت عام 2021م، وحده أكثر من 10 آلاف قتيل زيادة عن الجرحى والمختطفين والمهجرين واللاجئين، معظمهم في دول غرب إفريقيا.

وقد نجحت الجماعات الإرهابية في استخدام التكنولوجيا الرقمية في الدعاية والتجنيد، وساعدتها العوامل الجغرافية كالحدود المفتوحة والواسعة والخارجة عن الرقابة على التنقل في الساحل وفي دول الإكواس بغرب إفريقيا ومنها لدول أخرى.

بدورها تشكل الصراعات العرقية في بعض دول القارة دافعًا للإرهاب والتطرف، فإثيوبيا ونيجيريا مثلاً تشهدان صراعات دموية مستمرة بسبب تعدد الأعراق، وعادة ما يتم استغلالها من طرف الجماعات الإرهابية.

2 -واقع مكافحة الإرهاب: نتائج وتعثرات

          إن الواقع الأسود للإرهاب في إفريقيا، لا يعني أن مكافحة الإرهاب لم تنجح، لكنها تعثرت، رغم تحقيق بعض النتائج.

أ -عدم وصول الإرهابيين للحكم، تحييد الإسلام السياسي والقضاء على الأمراء

حالت المكافحة الدولية للإرهاب دون سيطرة الجماعات الإرهابية على الدول سواء في العراق أو سورية أو اليمن أو مالي أو ليبيا أو نيجيريا أو غينيا أو موزمبيق أو غيرها، ووضعت الإسلام السياسي في مأزق فكري وشعبي.

لكن من الناحية الأمنية ما زال الإرهاب يضرب بقوة كما أوضحنا، رغم الضربات التي تلقتها الجماعات الإرهابية، وهذا يدل على أن الإرهاب ينبغي مكافحته بطرق غير أمنية أيضًا.

وحسب ذات التقارير، شهد عام 2021م، وحده مقتل عدة قيادات إرهابية، منهم أبوبكر شيكاو أمير بوكوحرام على يد "داعش" شهر يونيو 2021م، وعدنان أبو الوليد الصحراوي أمير داعش في الصحراء الكبرى شهر سبتمبر 2021م، على يد الجيش الفرنسي، وأبو مصعب البرناوي على يد الجيش النيجيري شهر أكتوبر 2021م، بمنطقة الساحل الإفريقي، و"أغ موسى" "القائد العسكري" لـ"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" والمسؤول العسكري لـ“حركة أنصار الدين”، على يد القوات الفرنسية، وغيرهم من الرؤوس الإرهابية.

ويشكل مقتل هذه القيادات ضربة للتنظيمات الإرهابية، لكنها عادة ما تعيد تعيين أمراء وقادة جدد، كما تعيد تشكيل نفسها، ما يعني أن القضاء على الأمراء لديه تأثير محدود، وفي العديد من المرات يتم القضاء على الأمراء نتيجة صراعات داخل الجماعات الإرهابية بسبب الصراع على القيادة، الأمر الذي يفسر عدم تراجع العمليات الإرهابية بعد القضاء على تلك الرؤوس.

 

ب – انسحاب القوات الدولية رغم النفقات الباهظة

          من المتغيرات المفاجئة التي حدثت في مجال المحاربة العالمية للإرهاب، نذكر انسحاب أمريكا من أفغانستان، ثم انسحاب فرنسا وقوة تاكوبا الأوروبية من مالي ومنطقة الساحل، الأمر الذي سيترك تأثيره على واقع محاربة الإرهاب في المنطقة وخارجها رغم الإنفاق الباهظ.

إن أبرز الدول المتدخلة في مكافحة الإرهاب في إفريقيا هي: فرنسا أمريكا الاتحاد الأوروبي، قوة تاكوبا الأوروبية والأمم المتحدة، هذه الدول تركز على الحل الأمني لمحاربة الإرهاب أكثر من التنمية رغم أن قيمة الدعم الأوروبي لإفريقيا بين 2014 و2020م، بلغت، حسب تقارير إعلامية، حوالي 8 مليارات يورو، وقدمت مفوضية الاتحاد الأوروبي نحو 115 مليون يورو للقوة المشتركة G5 التي تضم مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا.

ويقوم نحو 700 جندي من 25 دولة أوروبية بمهمة التدريب العسكري في إفريقيا. أما قوة تاكوبا الأوروبية التي انطلقت رسميا يوم 27 مارس 2020م، من قبل 11 دولة أوروبية فتضم 6 آلاف جندي منهم 3 آلاف جندي فرنسي.

وتخصص الأمم المتحدة 6 بعثات لإفريقيا من أصل 12 بعثة على الصعيد العالمي منها قوة مينوسما في مالي التي تبلغ ميزانيتها نحو 1.2 مليار دولار وقوامها نحو 18 ألف بين العسكريين والمدنيين والشرطة والمتطوعين لكن معظمهم من إفريقيا.

وعلى هامش قمة أوروبا إفريقيا ببروكسل يومي 17-18 فبراير 2022م، أعلن الرئيس الفرنسي رسميًا انسحاب القوات الفرنسية وقوة تاكوبا الأوروبية من محاربة الإرهاب في منطقة الساحل.

هذا الانسحاب، رغم أنه مطلب شعبي ورسمي، وبغض النظر عن أسبابه، ستكون له عدة تأثيرات، فالقوات المحلية ليست لديها القوة الكافية لمحاربة الإرهاب، ما يسمح للجماعات الإرهابية بإعادة ترتيب نفسها، ويعطيها دفعًا معنويًا، وتحظى بفرصة لزيادة التجنيد والانتشار وارتكاب المزيد من المجازر.

وهذا ما يفسر الهجوم الإرهابي الذي استهدف يوم 4 مارس 2022م، معسكرًا للجيش المالي بوسط البلاد مخلفًا مقتل 27 جنديًا وإصابة 33 عسكريًا بجروح و7 مفقودين، والقضاء على 47 إرهابيًا حسب بيان للجيش. ويعتبر هذا الهجوم الأكثر دموية منذ الإعلان الرسمي عن انسحاب القوات الأوروبية. وبعده بأربعة أيام (8 مارس 2022م) خلف انفجار عبوة ناسفة مقتل جنديين مصريين من قوات حفظ السلام الأممية.

 

ج – هل يملأ مرتزقة فاغنر الفراغ في إفريقيا؟

بانسحاب القوات الأوروبية من الأراضي المالية، فإن قوات الأمم المتحدة "مينوسما" تجد نفسها في وضع حرج، نظرًا للفراغ المؤثر الذي تركته. وفي ظل ما يحدث في أوكرانيا، يبقى من الصعب ملء الفراغ في الوقت الحالي، فأمريكا لا ترغب فيه لانشغالها بترتيبات أخرى بعد انسحابها من أفغانستان وتوقيع اتفاقية أوكسوس مع أستراليا وبريطانيا، وروسيا لا تستطيع ذلك في الوقت الراهن لانشغالها بالحرب على أوكرانيا.

لكن مرتزقة فاغنر الروس قد تعمل ما بوسعها لدعم حكومات المنطقة وتعزيز العداء لفرنسا بصفة خاصة والغرب بصفة عامة، وسيزيد احتدام التنافس في المنطقة بين روسيا والغرب كجزء من التغيرات الجيو استراتيجية التي يشهدها العالم حاليًا.

وتحصي مجموعة فاغنر، حسب تقارير إعلامية غربية نحو ألف مقاتل في مالي بموجب اتفاق مع الحكومة، وحسب رئيس القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا الجنرال ستيفن تاونسند، يوجد بضع مئات من مرتزقة فاغنر في مالي. في حين يقدر مجموع عناصر هذه المجموعة في إفريقيا بـنحو 10 آلاف مقاتل موزعين على دول مختلفة، من بينها ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى والسودان وموزمبيق، كما وقعت، حسب تقارير إعلامية، عقودًا مع حكومتي إثيوبيا ونيجيريا.

وينفي المجلس العسكري الحاكم في مالي وجود مرتزقة فاغنر في البلاد، ويقول إن الأمر يتعلق بمدربين روس على غرار المدربين الأوروبيين.

 

ثالثًا-حدود المقاربة الإفريقية الجديدة لمحاربة الإرهاب

          من خلال ما سبق شرحه، نحاول رسم صورة لمستقبل محاربة الإرهاب في المنطقة. بداية، قدمت الجزائر، لكونها منسق الاتحاد الإفريقي حول الوقاية من الإرهاب والتطرف العنيف ومكافحتهما، تقريرها حول محاربة الإرهاب خلال قمة الاتحاد الإفريقي شهر فبراير 2022م، قالت فيه إن "المعركة ضد الإرهاب والتطرف العنيف لا يمكن كسبها في غياب مقاربة متكاملة ترتكز على شقين وهما مكافحة الجماعات المتطرفة وكذا الوقاية وجهود القضاء عل التطرف على وجه أخص”.

وتقوم المقاربة الإفريقية الجديدة على “إعطاء نفس جديد للجهود المشتركة للدول الإفريقية وهيآت الاتحاد الإفريقي وإعادة تفعيل المؤسسات وتعزيز الهيآت التابعة للاتحاد لمكافحة هذه الظاهرة.

وحسب العديد من الخبراء، فإن المواجهة الإفريقية للإرهاب تعترضها عدة عراقيل، رغم أهمية أفرقة محاربة الإرهاب، من بينها:

1-ضعف الجيوش الإفريقية وخاصة سلاح الجو

إن جيوش المنطقة ضعيفة خاصة من حيث الاستخبارات ومن حيث سلاح الجو الذي يعتبر أحد الأدوات الفعالة في محاربة الإرهاب.

وقد كتب الباحث في مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية المختص بالشؤون الإفريقية، أ. أحمد عادل، مقالاً بعنوان ميزان القوة الجوية بإفريقيا وأثره على مكافحة الإرهاب، بتاريخ 19/01/2022م، أوضح فيه أن معظم الدول التي لم تنتصر على الإرهاب، لا تملك جيشًا قويًا، وبعضها لا تمتلك أصلا سلاح الجو، وإن وجد فهو ضعيف جدًا.

وحسب تقرير "ميليتاري بالانس لعام 2020م" فإن عدة دول إفريقية تمتلك جيوشًا قوية مثل جنوب إفريقيا، مصر، الجزائر، وإثيوبيا، لكن هناك دولتان فقط من أصل 54 دولة، تمتلك سلاح جو قوي هما مصر والجزائر، وهذا يؤثر حتى على المحاربة المشتركة للإرهاب في إطار الاتحاد الإفريقي بالنظر للخلافات الكثيرة بين بعض الدول الإفريقية.

كما أن هناك 4 دول فقط تمتلك طائرات بدون طيار صينية التصنيع هي مصر والجزائر والسودان ونيجيريا، ومؤخرًا هناك حديث عن شراء المغرب طائرات بدون طيار من تركيا وإسرائيل.

وبالتالي أصبح من الصعب القضاء على الإرهاب في القارة الإفريقية في المنظور القريب والمتوسط بالتركيز على المحاربة الأمنية المحضة.

2 - تشابك المشاكل السياسية الداخلية والتدخل الخارجي

إلى جانب ما سبق توضيحه، تواجه الدول الإفريقية مزيجًا من المشاكل المفرخة للتطرف العنيف والإرهاب، كما يلعب الخلاف بين الدول دورًا سلبيًا على تنسق جهود الدول الإفريقية، مثل الخلاف بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى بخصوص سد النهضة، والخلافات بين مالي وبوركينافاسو من جهة ومجموعة الأكواس بخصوص العودة للنظام الدستوري من جهة أخرى، فضلاً عن الصراعات الإفريقية الداخلية، مثل حرب تيغراي في إثيوبيا والأزمة الصومالية.

هذه النزاعات المحلية يتم استغلالها من قبل جماعات التطرف العنيف. فكثيرًا ما تقوم بعض الجماعات الإرهابية بالتعويض عن غياب الدولة في المناطق التي تسيطر عليها وتقدم الخدمات المختلفة للسكان المحليين.

خاتمة

تشير أغلب التوقعات إلى أن القارة الإفريقية ستظل المعقل الأول للجماعات الإرهابية في العالم، وهناك عدة دول مرشحة لحدوث انقلابات فيها، وليس مستبعدًا أن يكون للدول الكبرى دور فيها للحفاظ على نفوذها في المنطقة.

وفي ظل الحرب في أوكرانيا والانسحاب الدولي من محاربة الإرهاب، وضعف جيوش المنطقة وهشاشة الدول، يبقى من الصعب الحديث عن مستقبل المحاربة الدولية للإرهاب في إفريقيا والشرق الأوسط، ما يعني، أن المستفيد الأول سيكون الجماعات الإرهابية في الوقت الراهن.

كما أنه من المبكر الحديث عن قدرة جيوش المنطقة بدعم من مرتزقة فاغنر على تحقيق الاستقرار في مالي أو غيرها، لغياب مؤشرات قياس ذلك حاليًا.

ومن المرجح أن تصبح بعض الدول الإفريقية، أداة جديدة من أدوات التوترات الاستراتيجية المتنامية والتي تبلغ ذروتها اليوم في الصراع بأوكرانيا.

وفي المحصلة، ينبغي الرهان على القدرات الذاتية لمحاربة الإرهاب، وعلى رأسها تقوية الجبهة الداخلية بانتهاج سياسات ملائمة، وتنويع آليات المكافحة، ولما لا إنشاء تحالف جنوب-جنوب لدعم الدول اقتصاديًا وعسكريًا خاصة سلاح الجو لمحاربة الإرهاب العابر للحدود.

مقالات لنفس الكاتب