array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 172

السعودية في المرتبة الثانية عالمياً في الدليل العالمي للأمن السيبراني

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

تشهد أعمال الإنسان المهنية ونشاطاته الاجتماعية عبر العالم السيبراني نمواً مُتزايداً نظراً للكفاءة والفاعلية التي يمنحها هذا العالم لهذه الأعمال والنشاطات. وكي يستطيع الإنسان أن يستفيد من تلك الفائدة المرجوة، لا بُد أن يكون هذا العالم آمناً في تنفيذ المُتطلبات، ومحمياً من إعاقة التحديات. غاية هذا المقال هي طرح مسألة حماية الأمن السيبراني على مستوى العالم عموماً، وعلى مستوى المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، إضافة إلى استشراف آفاق المُستقبل حول هذا الموضوع الحيوي.

تقول تقديرات "مجلة الجريمة السيبرانية"، وهي إحدى المجلات الشهيرة في هذا الموضوع، إن تكاليف الأذى الناتج عن تحديات الأمن السيبراني بلغت "3 ترليونات دولار" عام 2015، و"6 ترليونات دولار" عام 2021م، ومن المتوقع لهذه التكاليف أن تزيد إلى "10.5 ترليون دولار" عام 2025، ثُم ربما إلى المزيد بعد ذلك. وتتضمن تكاليف الأذى هذه، طبقاً للمجلة، نواتج تخريب البيانات؛ وسرقة الأموال؛ وخفض إنتاجية المُؤسسات؛ وسرقة الحقوق الفكرية، وكذلك البيانات الشخصية والمالية؛ والغش؛ وارتباك مسيرة الأعمال بعد تعرضها للاختراق؛ وتحريات التعرف على مصادر التحديات؛ وجهود استعادة ما يُمكن من البيانات المُستهدفة، واستعادة عمل الأنظمة المُصابة؛ إضافة إلى الآثار السلبية على سمعة الجهة المُستهدفة؛ وغير ذلك.

 ولإدراك مدى حجم هذه التكاليف، نشير إلى إحصائيات "البنك الدولي"، بشأن الناتج الإجمالي لدول العالم، لعام 2020م. تقول هذه الإحصائيات، إن هذا الناتج بلغ حوالي "85 ترليون دولار" على مستوى العالم بأسره؛ وبلغ في الولايات المُتحدة الأمريكية حوالي "21 ترليون دولار"؛ وفي الصين بلغ حوالي "15 ترليون دولار"؛ وفي المملكة العربية السعودية بلغ حوالي "0.7 ترليون دولار".  وتقول إحصائيات "البنك الدولي" أيضاً، بشأن الإنفاق العسكري العالمي، إن هذا الإنفاق بلغ، عام 2020م، حوالي "1.9 ترليون دولار" على مستوى العالم بأسره.

في إطار ما سبق، هُناك أربع مُلاحظات مُترابطة تستحق الطرح. تقول المُلاحظة الأولى، إن تكاليف الأذى الحاصل على مُستخدمي العالم السيبراني باهظة، وعلى ذلك، وكي يكون استخدام هذا العالم مُجدياً، لا بُد أن تكون فوائده أكبر من تكاليف إقامته، مُضافاً إليها تكاليف الأذى الذي يتعرض له؛ فإن لم يكن الأمر كذلك، فالأولى الاستغناء عن هذا العالم والعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبله. والحقيقة أن للعالم السيبراني فوائد كثيرة ترتبط بتحسين كفاءة الأعمال المهنية والنشاطات الاجتماعية التي تتم عبره، وتطوير فاعليتها، ودعم رشاقة أدائها، إضافة إلى فوائده في الحد من التنقل وتلوث البيئة، وفي تعزيز مستوى رفاهية حياة الإنسان في المُجتمعات المُختلفة حول العالم، ناهيك أيضاً عن الفوائد التي برزت، ابتداء من عام 2020م، في مواجهة فيروس "كورونا" الخبيث.

وتستند المُلاحظة الثانية إلى تقرير صادر عام 2019م، عن إحدى مبادرات "جمعية الإنترنت " التي تأسست عام 1992م، والمعروفة بحرصها على سلامة استخدام العالم السيبراني، والمُتميزة بسعة الانتشار والتأثير على هذا العالم. يقول التقرير إن "95 %" من التحديات التي تواجه هذا العالم، يُمكن تجنبها. وعلى هذا الأساس، يُمكن تخفيض تكاليف أذى هذه التحديات وجعل العالم السيبراني أكثر أماناً وأعلى جدوى. وإذا كان لوسائل تجنب التحديات من تكاليف، فإنها من الصعب أن ترقى إلى تكاليف الأذى الذي يُمكن أن يحصل بدونها. وعلى الجميع البحث، والسعي إلى الإبداع والابتكار في إيجاد الوسائل والأساليب الكفيلة بتجنب ما يُمكن من تحديات، إلى جانب إعداد العدة لمواجهة ما يُؤذي منها، من أجل الحد من هذا الأذى، والتمكن من تجاوزه.

ونأتي إلى المُلاحظة الثالثة التي تنظر إلى أمن العالم السيبراني من طرفين. ترى المُلاحظة من الطرف الأول حقيقة أن لجميع الدول والمُؤسسات، التي تستخدم العالم السيبراني، مصلحة في أن يكون هذا العالم آمناً، خالياً من التحديات، للتمتع بفوائده الكثيرة على أفضل وجه مُمكن، والتعاون، واسع النطاق، على تحقيق ذلك. وترى المُلاحظة في الطرف الثاني أن تناقضات عالمنا الفعلي على أرض الواقع، والتي تُفرز تنافساً وصراعات مُختلفة، تنتقل إلى العالم السيبراني جاعلة منه ميداناً جديداً للصراع. وكما هو الحال في صراعات عالمنا الحقيقي، هُناك معارك واختراقات محدودة تحصل حول العالم من جهة، وهُناك أيضاً احتمالات لحروب واسعة باتت تُسمى "بالحروب السيبرانية " من جهة أخرى، إلى جانب ما بين الحالتين من صراعات مُختلفة. وبناء على ذلك، يُمكن القول إن المخاطر على أمن العالم السيبراني ترتبط بالمخاطر على أمن العالم الفعلي، وتتكامل معها.

ونصل إلى المُلاحظة الرابعة، حيث تنظر هذه المُلاحظة إلى البعد الزمني، والتطور الذي تشهده تقنيات العالم السيبراني مع مرور الزمن، وما ينتج عن هذا التطور من توسع في خدمات العالم السيبراني، ومن زيادة بالتالي في التحديات الواقعة على هذا العالم. ويُضاف إلى ذلك حقيقة السجال بين جهات الصراع، والمُنافسة على تطوير وسائل التحديات وأساليبها من جهة؛ إضافة إلى مواجهة ذلك، والعمل على إيجاد الوسائل والأساليب المُضادة التي تستطيع تجنبها، والحد من تأثيرها من جهة أخرى.

أمام ما سبق، تواجه المملكة العربية السعودية، ككثير من الدول الطموحة التي حققت تميزاً في استخدام العالم السيبراني، مسألة تجنب التحديات الواقعة على أمن هذا العالم، والحد من تأثيرها، ووضع الخطط اللازمة لذلك والعمل على تنفيذها. وغاية هذا المقال هي مُناقشة هذا الأمر، ومُحاولة استشراف توجهات المُستقبل بشأنه. وفي سبيل تحقيق هذه الغاية، يسلك المقال النهج التالي:

  • أولاً: التعرف على المُعطيات الدولية بهذا الشأن، وبالذات ما تقوم المُنظمات الدولية المعنية به [7-9].
  • ثانياً: التعرف على التوجهات المُستقبلية للدولة المُؤسسة للعالم السيبراني، والمُصنفة الأولى عالمياً، في مجال حماية الأمن السيبراني، ألا وهي الولايات المُتحدة الأمريكية [10-12].
  • ثالثاً: التعرف على التوجهات المُستقبلية الخاصة بالمملكة العربية السعودية بشأن الأمن السيبراني [13، 14].
  • رابعاً: محاولة استشراف آفاق مُستقبل حماية الأمن السيبراني في المملكة، من خلال الاعتماد على نظرة شمولية جامعة، تُعطي إطاراً تكاملياً يضم مُختلف التوجهات المطروحة في بنود التعرف السابقة.
  1. مُعطيات دولية

هُناك مُنظمتان دوليتان، تابعتان للأمم المُتحدة، معنيتان بشؤون حوكمة الأمن السيبراني هُما: "الاتحاد الدولي للاتصالات"؛ و"المُنظمة الدولية للمعايير". وتتمثل مُعطيات هاتين المُنظمتين بتقديم توصيات لدول العالم بشأن ما يجب فعله من أجل حماية الأمن السيبراني. ولعل أهم ما يُقدمه الاتحاد الدولي للاتصالات من توصيات في هذا المجال، وثيقتين اثنتين. تصدر الأولى دورياً لتُعطي تقييماً لحالة هذا الأمن في دول العالم المُختلفة؛ وكان آخر إصدار لهذه الوثيقة قد تم عام 2020م؛ وعنوان الوثيقة هو "الدليل العالمي للأمن السيبراني ". أما الثانية، فصدرت عام 2018م، وتحمل عنواناً يقول "المُرشد لتطوير استراتيجية وطنية للأمن السيبراني".

تختلف وثائق المنظمة الدولية للمعايير عن تلك التي يُقدمها الاتحاد الدولي للاتصالات في أنها تُركز على شؤون الأمن السيبراني على مستوى المُؤسسات. وللمُنظمة سلسلة من الوثائق التي تُحدد الضوابط المطلوبة لإدارة هذا الأمن في المُؤسسات المُختلفة، ويُرمز لهذه الوثائق "بالرمز ISO 27000"، حيث تصدر عن لجنة مُتخصصة في المُنظمة تُعرف "باللجنة 27". ولأن موضوعنا هُنا يهتم بمستوى الدول، سنُركز فيما يلي على وثيقتي الاتحاد الدولي للاتصالات، وما تُقدمانه من توصيات رئيسة. وتجدر الإشارة هُنا إلى أن المُتطلبات على مستوى الدول تهتم عادة بتوجيه المُؤسسات نحو الالتزام بمعايير الأمن السيبراني الدولية.

تتضمن وثيقة "الدليل العالمي للأمن السيبراني " التي يُصدرها الاتحاد الدولي للاتصالات، تقييماً لمستوى حماية الأمن السيبراني في دول العالم المُختلفة. ويُقاس هذا المستوى، لكُل دولة، من أجل خمسة أعمدة، تحمل معاً مسؤولية حماية هذا الأمن، عبر اهتمامها بالجوانب: القانونية؛ والتقنية؛ والتنظيمية؛ وتأهيل الإمكانات البشرية؛ إضافة إلى التعاون المحلي والدولي.

أما وثيقة "المُرشد لتطوير استراتيجية وطنية للأمن السيبراني"، فتشمل ثلاثة أبعاد رئيسة، يُوصى بأخذها في الاعتبار من قبل كُل دولة تسعى إلى وضع استراتيجية وطنية خاصة بها للأمن السيبراني. وتشمل هذه الأبعاد "بعداً زمنياً" يُحدد مراحل بناء الاستراتيجية، والحاجة إلى تحديثها دورياً؛ و "بعداً للمبادئ" التي يجب الاستناد إليها في وضع الاستراتيجية؛ ثُم "بعداً للمُمارسات المطلوبة على أرض الواقع" يتضمن سبعة قضايا يُطلب الالتزام بالتوجه نحو الاهتمام بها. وتشمل هذه القضايا التالي:

  • "الحوكمة الرشيدة" للأمن السيبراني، وتتضمن تأمين الدعم الكافي، وتحقيق التعاون الوطني، وتحديد خطوات مُحددة للأعمال المطلوبة.
  • "إدارة المخاطر" على الأمن السيبراني، وتتضمن منهجية وسياسات لتنفيذها، تتضمن مراعاة خصوصية القطاعات المُختلفة.
  • "الاستعداد والمُواجهة"، أي بناء القدرة على الاستجابة للحوادث، ووضع خطط طوارئ، وتعزيز الشراكة في المعلومات الأمنية، وإجراء اختبارات بشأنها.
  • "حماية البنى الحرجة وخدماتها الأساسية"، مثل بنى الطاقة والمياه والنقل وغيرها، التي تشمل بنى معلوماتية خاصة بها تُعزز عملها وتدعم أداءها.
  • "التوعية وإعداد الإمكانات البشرية"، وتشمل رفع مستوى الوعي بشأن الأمن السيبراني لدى الجميع، وإعداد المهارات اللازمة، والاهتمام بالبحث والابتكار.
  • "التشريعات والأنظمة"، وتتضمن شؤون الجرائم السيبرانية، وحقوق الحماية، والالتزام بالمُتطلبات، والتعامل مع أصحاب العلاقة، وغير ذلك.
  • "التعاون الدولي"، مثل اعتبار الأمن السيبراني أولوية عالمية، والمُشاركة في الحوار العالمي والعمل المُشترك بشأنه.
  • توجهات دولة مُتقدمة

يهتم هذا البند بثلاث استراتيجيات رئيسة طرحت توجهات الولايات المُتحدة الأمريكية بشأن الأمن السيبراني. وعلى الرغم من أن مصادر الاستراتيجيات تختلف في جهات صدورها، وفي أوقات هذا الصدور، إلا أن ما فيها من توجهات يستحق التوقف والأخذ في الاعتبار. تشمل هذه الوثائق: وثيقة صادرة عن البيت الأبيض عام 2009م، بعنوان "المُبادرة الوطنية الشاملة للأمن السيبراني"؛ وأخرى صادرة عن البيت الأبيض أيضاً عام 2018م، وعنوانها "الاستراتيجية الوطنية السيبرانية"؛ والثالثة صادرة عن وزارة الدفاع الأمريكية عام 2018م، أيضاً وعنوانها "الاستراتيجية السيبرانية لوزارة الدفاع".

تطرح "المُبادرة الوطنية الشاملة للأمن السيبراني" إحدى عشرة مبادرة، ترتبط "بثلاثة أهداف رئيسة" يُطلب العمل على تحقيقها؛ وتشمل هذه الأهداف ما يلي:

  • بناء خط دفاع عام في مواجهة تحديات الأمن السيبراني المُباشرة، عبر توعية الجميع، على جميع المستويات، وفي مُختلف القطاعات، بشأن هذه التحديات وكيفية مواجهتها.
  • تأمين خطوط دفاع قادرة على مواجهة كافة التحديات، عبر تعزيز إمكانات مُكافحة التجسس، وتفعيل معايير أمن بنى تقنيات المعلومات الرئيسة.
  • زيادة مناعة بيئة الأمن السيبراني المُستقبلية، عبر الاهتمام بالتعليم والبحث العلمي في مجالات هذا الأمن، ووضع الخطط والاستراتيجيات بشأن حمايته.

وتستند "الاستراتيجية الوطنية السيبرانية "إلى "أربعة أعمدة " رئيسة موضحة في التالي:

  • يتعلق العمود الأول بالتوجه نحو إدارة المخاطر على الأمن السيبراني، والعمل على حماية أمن المعلومات والشبكات وأنظمتها على مستوى الدولة، مع التركيز على حماية البنية الحرجة، عبر زيادة قدرتها على مواجهة التحديات.
  • ويهتم العمود الثاني بالمُحافظة على تأثير الدولة على المنظومة التقنية للعالم السيبراني وتطورها، وجعلها مُحركاً فاعلاً للنمو الاقتصادي، والابتكار والكفاءة، مع الاهتمام بإعداد الكفاءات البشرية اللازمة.
  • ويقضي العمود الثالث بمواجهة كُل ما يُهدد الاستقرار والمصالح الوطنية عبر تحديد مصادر التهديد وردعها ومنعها من هذا السلوك، مع المُحافظة على تفوق التأثير الأمريكي على مدى العالم السيبراني.
  • ويُركز العمود الرابع على المُحافظة على انفتاح الإنترنت على العالم، والاهتمام بسعتها ونشاطاتها، وتوافقية عملها، وأمنها، وموثوقيتها، وإقامة شراكة عالمية لحوكمة العالم السيبراني، مع الحرص على دعم المصالح الوطنية الأمريكية.

حددت "الاستراتيجية السيبرانية لوزارة الدفاع الأمريكية" خمسة توجهات لمُتطلباتها، شملت التالي:

  • يتضمن التوجه الأول "بناء قوة سيبرانية أكثر فاعلية"، أي أنه يستهدف تحسين الإمكانات السيبرانية، وتعزيز الابتكار في مجال رشاقة الحماية وسرعة الاستجابة لمواجهة المخاطر.
  • ويهتم التوجه الثاني "بالمُنافسة والردع"، أي التنافس مع الأعداء، وبناء القدرة على ردعهم في حال حدوث أي هجوم من جانبهم.
  • ويُركز التوجه الثالث على "التحالفات والشراكات" مع الجهات المحلية، ومع الدول والمُنظمات الدولية، من أجل تعزيز القوة السيبرانية في مواجهة التحديات، ومن أجل تفعيل السلوك المسؤول للدول في العالم السيبراني.
  • ويقضي التوجه الرابع "بتعزيز الوعي السيبراني" وثقافة الحماية بين العاملين في مجال الدفاع؛ والارتقاء بمستويات مسؤولياتهم تجاه الأمن السيبراني؛ والحرص على أن يكون هُناك دور للجميع في هذا المجال.
  • ويحمل التوجه الخامس شعار "تنمية المواهب" في مجال الأمن السيبراني؛ ويشمل ذلك المُحافظة على الثروة البشرية المتوفرة؛ ودعم المواهب الوطنية بالتأهيل والخبرة؛ وتفعيل دورهم ومسؤولياتهم.
  • استراتيجية المملكة العربية السعودية

أنشأت المملكة العربية السعودية، عام 2017م، هيئة أناطت بها شؤون الأمن السيبراني، وأسمتها "الهيئة الوطنية للأمن السيبراني NCA". وقد حققت هذه الهيئة مُنجزات مشهودة تمثلت في حصول المملكة على "المرتبة 13" دولياً في الدليل العالمي للأمن السيبراني المذكور أعلاه، لعام 2018م؛ ثُم حصولها على "المرتبة الثانية" في ذات الدليل، لعام 2020م؛ وكانت الدولة الأولى هي الولايات المُتحدة الأمريكية. وقد أصدرت الهيئة "الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني" للمملكة في شهر ديسمبر عام 2020م.

وسوف نُلقي بعض الضوء، في هذ البند، على هذه الاستراتيجية. لكننا سنطرح  قبل ذلك، الوحدات الرئيسية الأربع التابعة للهيئة، توضيحاً لعملها؛ وتشمل هذه الوحدات [13]: "مركز الأمن السيبراني"، وهو الحارس الأمين في مُراقبة التهديدات والاستجابة لها على مدار الساعة؛ و"المركز الوطني الإرشادي للأمن السيبراني" الذي يهتم برفع مستوى الوعي بالأمن السيبراني بهدف تجنب المخاطر والحد من آثارها؛ و"الأكاديمية الوطنية للأمن السيبراني"، وتتمثل مسؤوليتها في العمل على بناء وتأهيل الكوادر الوطنية في مجالات الأمن السيبراني؛ و"مجموعة لجان وفرق عمل القطاعات الهامة"، وتتولى مسؤولية الاستجابة للتهديدات السيبرانية التي قد تواجهها هذه القطاعات.

تشمل الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني ستة محاور مُتكاملة، كما هو موضح فيما يلي:

  • محور "التكامل"، ويهدف إلى تأمين حوكمة متكاملة للأمن السيبراني، تشمل الاستراتيجية والميزانية المطلوبة، إلى جانب الأنظمة والسياسات.
  • محور "التنظيم"، ويتطلع إلى إيجاد إدارة فعالة للأمن السيبراني، تتضمن إدارة المخاطر، ووضع المعايير والضوابط اللازمة لها.
  • محور "التوكيد"، ويهتم بالوعي السيبراني وحماية بنى وأصول العالم السيبراني الرئيسة، وما يرتبط بها.
  • محور "الدفاع"، ويحرص على التعرف على التهديدات، وإدارة الثغرات، والمُرقبة، والاستجابة للحوادث، واستمرارية العمل.
  • محور "التعاون"، ويُركز على الشراكات، ومُشاركة المعلومات.
  • محور "البناء"، ويهتم بالبنية الأساسية للعالم السيبراني، وبناء القدرات البشرية اللازمة، إضافة للبحث والتطوير والصناعة.

وعلى أساس هذه المحاور وما يرتبط بها، تُقدم الهيئة توصيات لحماية الأمن السيبراني، يُطلب من الجهات المُختلفة في المملكة الالتزام بها.

  • آفاق المُستقبل

يسعى هذا البند إلى طرح آفاق المُستقبل بشأن توجهات المملكة في مجال الأمن السيبراني. وفي هذا السبيل، ينظر البند إلى ما سبق نظرة تكاملية تجمع كافة التوجهات المطروحة، ضمن إطار يضم أربعة أبعاد رئيسة تشمل شؤون: "الإنسان؛ والتقنية؛ والمُؤسسات؛ والبيئة المُحيطة". وقد بلغ عدد التوجهات الرئيسة، الناتجة عن هذه النظرة التكاملية، "20 توجهاً" ويُعطي الجدول (1) حصيلة هذه النظرة مُبيناً الأبعاد الأربعة والتوجهات المُرتبطة بكُل منها.

الجدول (1): الإطار التكاملي للأمن السيبراني: أبعاد توجهات الحماية ومضامينها

الأبعاد

المضامين

الإنسان

  1. التوعية وثقافة حماية الأمن السيبراني.
  2. التعليم، والتدريب، والبحث العلمي، والابتكار.
  3. تنمية المواهب والمُحافظة عليها.
  4. حماية الأطفال.

التقنية

  1. البنية التقنية العامة.
  2. البنية التقنية الحرجة. 
  3. البنية التقنية للقطاعات المُختلفة.
  4. التطوير التقني والصناعة.
  5. التفوق التقني وأهميته للتنمية وحماية الأمن السيبراني.
  6. التقنية السيبرانية الفاعلة والرادعة.

المُؤسسات

  1. مُؤسسات الحوكمة الرشيدة على مستوى الدولة.
  2. التزام المُؤسسات بالمعايير والضوابط.
  3. المراقبة، وتحديد مصادر التهديد.
  4. التعرف على الثغرات، وإدارة المخاطر. 
  5. بناء قوة سيبرانية، والاستعداد للمُنافسة والردع.
  6. وضع خطط طوارئ، ومواجهة الحوادث.

البيئة المُحيطة

  1. القوانين والأنظمة.
  2. التعاون وإقامة شراكات محلية.
  3. الانفتاح على العالم وإقامة تحالفات دولية.
  4. تعزيز السلوك المسؤول للأفراد والمُؤسسات والدول.

وبناء على النظرة المطروحة في الجدول (1)، هذه بعض المُلاحظات بشأن آفاق المُستقبل المأمول الذي نتطلع إليه.

المُلاحظة الأولى: الهيئة السعودية والتوجهات العالمية.

إذا نظرنا إلى جهود الهيئة السعودية للأمن السيبراني وتوجهاتها الاستراتيجية من جهة، وإلى توجهات الإطار التكاملي المطروحة في الجدول (1) من جهة أخرى، فلعلنا نجد التالي:

  • تشمل جهود الهيئة وتوجهاتها كثيراً من توجهات الإطار التكاملي المُبين في الجدول (1)، حيث تتقاطع مع مُعظم التوجهات الدولية التي يتضمنها. وقد حققت الهيئة نتائج إيجابية مشهودة للمملكة، تمثلت في تحقيق تطور سريع في تصنيف المملكة الدولي في حماية الأمن السيبراني، إلى أن حصلت على المركز الثاني عالمياً عام 2020م.
  • تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال اعتمد على ما هو مُتاح ومُعلن من معلومات. وقد يكون هُناك جهود وتوجهات أخرى قائمة على أرض الواقع، لكنها غير مُتوفرة، وغير مطروحة على المستوى العام، سواء للهيئة ذاتها، أو لجهات سعودية أخرى، ربما نظراً لحساسية الموضوع وطبيعته الأمنية.

المُلاحظة الثانية: المسؤولية المُستقبلية.

إذا كانت الهيئة السعودية للأمن السيبراني هي الهيئة المركزية المسؤولة عن حماية الأمن السيبراني في المملكة، فهذا لا يعني أن مسؤولية هذا الأمن تعود عليها وحدها، بل إنها تعود أيضاً على جهات أخرى. وقد أبرزت الهيئة ذلك في توجهاتها من خلال محور "التعاون" الذي يهتم بالشراكات وشراكة المعلومات. وفيما يلي أمثلة حول الجهات التي يُمكن أن تُسهم مع الهيئة في المسؤولية عن التوجهات المُستقبلية، والاستجابة بشكل أوسع نطاقاً مع ما ورد في الإطار التكاملي للجدول (1).

  • في إطار "ثقافة الحماية والتوعية" بشأن الأمن السيبراني، تستطيع وسائل الإعلام والثقافة الإسهام في ذلك عبر ما تتمتع به من إمكانات التواصل مع الناس، بما في ذلك استخدام ما يُتيحه الفضاء السيبراني من وسائل في هذا المجال.

وفي مجال "التعليم والتدريب والبحث العلمي والإبداع والابتكار" في شؤون العالم السيبراني وأمنه، يُمكن للمُؤسسات التعليمية والجامعات والمراكز البحثية الإسهام في ذلك. وهُناك مثالان هامان في هذا المجال هُما: برنامج ماجستير العلوم في الأمن السيبراني، وبرنامج البكالوريوس في الحوسبة التطبيقية (مسار الأمن السيبراني)، في جامعة الملك سعود؛ وربما كان هُناك المزيد من مثل هذه البرامج في الجامعات الأخرى أيضاً.

  • وفي موضوع "التطوير التقني والصناعة"، يبرز دور المُؤسسات المُتخصصة القائمة، إضافة إلى العمل على إنشاء مُؤسسات جديدة معنية بالأمر، ربما خلال تحفيز رأس المال الجريء على الاستثمار فيها.
  • ويُضاف إلى ما سبق، دور "المُؤسسات المُستخدمة لمعطيات العالم السيبراني"، والتزامها بالمعايير الأمنية المطلوبة، واستعدادها للشراكة وتبادل الخبرات مع هيئة الأمن السيبراني والمُؤسسات الأخرى.
  • وفي مجال التوجه نحو "بناء قوة سيبرانية رادعة"، يأتي دور الأمن الوطني، الذي ربما يقوم بذلك بالفعل.
  • ولعل هُناك المزيد حول "توجهات أخرى" تصب في حماية الأمن السيبراني على كُل من مستوى المُؤسسات والأفراد.

المُلاحظة الثالثة: الاستجابة المُستمرة للتحديات.

لا شك أننا في عصر يزداد فيه الاعتماد على العالم السيبراني، لتزداد بذلك التحديات من جهة، وتزداد في المقابل وسائل الحماية منها. وفي ذلك بالطبع عبء مُتزايد على هيئة الأمن السيبراني والجهات المسؤولة الأخرى، لا بُد من أخذه في الاعتبار، ليس عبر التعامل برد الفعل فقط، بل بعقلية استباقية أيضاً.

والأمل في الختام أن يكون هذا المقال قد قدم بعض الفائدة في إلقاء الضوء على الأمن السيبراني على مستوى العالم عموماً، وعلى مستوى المملكة بشكل خاص، وناقش آفاق المُستقبل حول هذا الموضوع الحيوي.

مقالات لنفس الكاتب