; logged out
الرئيسية / بدأ تشكل مشروع خليجي جديد أولى خطواته التخلص من الاستقطابات الدولية

العدد 172

بدأ تشكل مشروع خليجي جديد أولى خطواته التخلص من الاستقطابات الدولية

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

تستعد دول مجلس التعاون الخليجي 2022م، لوضع إقليمي مُختلف عما واجهته في الأعوام الماضية. فالتحول في الإدارة الامريكية سيأتي بمجموعة جدد من اللاعبين في مراكز صُنع القرار بالإضافة إلى التباين في موقف الخليجيين من الأزمة الروسية ــ الأوكرانية، وعلى دول مجلس التعاون الخليجي التأقلم مع القادم الجديد.

  تظهر خريطة الجينات الخليجية لعام 2021م، أنه كان أكثر ايجابية من اعوام سبقت فقد شهد العديد من الأحداث الدبلوماسية والامنية وإن كانا منفصلان في الشكل إلا انهما كانا متفقان في المضمون الايجابي؛ فقد نجحت الدبلوماسية في رأب الصدع الخليجي، وفي نفس الوقت صدت المتطاولين، حيث تشكل تضامن خليجي يثلج الصدر، كما حالف التوفيق المشهد الأمني وزاد نمو النجاحات رغم التعقيدات في المشهد اليمني في مأرب وشبوة. أولي النجاحات كانت المصالحة الخليجية، أهم حدث جيوسياسي في المنطقة بزوال حالة اللايقين التي كانت تسيطر على مستقبل عدد من الملفات المهمة.

1-البناء على عام 2021 الخليجي بامتياز

في عام 2021م، بدأ تشكل مشروع خليجي كانت أولى خطواته التخلص من الاستقطابات والمحاور الإقليمية، التي أضرّت باستقرار المنطقة أكثرمما نفعتها. كما تحولت جائحة كورونا من وباء عالمي إلى قصة نجاح خليجية، حيث سجلت دول الخليج نفسها كأكثر الدول العربية نجاحا في مواجهة كورونا، فصمدت اقتصاداتها وصمد مستوى المعيشة. وفي حرب إعادة الشرعية في اليمن، ورغم اعلان التحالف بقيادة السعودية عن مبادرة لإنهاء الحرب والالتزام بحل سياسي شامل، إلا ان الحوثة تبعوا النهج الايراني في الاشتراطات، فكانت ردة فعل التحالف والشرعية انكسارات الحوثيين في مأرب والآن في شبوة، ومقتل قادتهم وسفيرطهران هناك، ولازال التحالف يكثف دعمه للشرعية بهجوم واسع النطاق ليؤكد أن عام 2021م، حتى اخر يوم فيه بداية الانكسارات الحوثية. أما الأزمة اللبنانية-الخليجية فقد خرجت من باب العتب لتدخل في باب الحساب، فتم استدعاء السفراء والتشدد بمنح التأشيرات وكان ذلك من أكثر إيجابيات الموقف الخليجي المتضامن. كان عام 2021م، عام النجاحات الخليجية رغم فشل طهران في استغلال الانفتاح السعودي وعقد جولات حوار، كما كان عام الاعتماد على النفس بعد قرار واشنطن سحب باتريوت وكشف حجم التقارب الخليجي /الروسي، والخليجي / الصيني. أما ملف إيران النووي فشهد انكسار الغطرسة الايرانية والعودة للمشاركة في 5+1 مع الغرب. كما كان عام 2021م، عام دول مجلس التعاون وظهور نسخة جديدة من الخليج، وطبقًا لما هو متوقع أن يطرأ على المنطقة من تحديات يمكننا وضع المحاور المستقبلية التالية:

  2-طهران وتعبيد الطرق القديمة

عادت طهران إلى الاتفاق النووي الذي اوشك على النضوج بناء على ماتشتهيه طهران، فالعقوبات قد ترفع ولم يعد إلا بحث الاليات، كما استبعدت ملفات عبثها الإقليمي واستبعد ملف برنامجها الصاروخي، وإن كان للهزيمة من أب فهو دول مجلس التعاون التي لم تقنع الحلفاء الغربيين بخطورة الطموح النووي كما ينبغي أن يكون الاقناع، كما فشلت في العمل الاستخباري كما يفعل الصهاينة.والطريق لطهران في قضية الاتفاق النووي بدأ ممهدا بنجاح إيراني لايمكن انكاره، وستكون من تبعاته المستقبليه تشريع الأبواب لتدفق السلاح  على طهران مع حقها تطوير صناعاتها بالاموال التي رفع عنها الحجز مما يعني تسليح نوعي بكثافة لمن يدور في فلكها من منتسبي محور المقاومة.

 اما الطريق السعودية الايرانية فتحاول طهران رصفها بالطرق الفارسية القديمة، ومن يتابع نهج طهران يدرك انها تمر بحالة ممتدة من السعار الاستراتيجي، بمعنى انها قد اعادت احياء امبراطورية قورش في الخيال الجمعي لصناعي القرار السياسي الإيراني. وستعيد احياء المسالك الدارسة حتى ولو كان حوار ثنائي مع السعودية فكل شي يبدأ من هيمنتها الإقليمية ويعود إليها.  ففي 3 يناير الماضي قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في عمان: إن "أيادي العرب ممدودة" إلى إيران فظهرات أشارات من الوزير عبد اللهيان أن طهران تؤمن بأهمية حوار إقليمي واسع يشمل السعودية ومصر وتركيا لحل مشاكل المنطقة لا حوار يركز على العلاقات الثنائية. واسباب التوسع المطلوب في الحوار ليست فقط كموقف تفاوضي قبيل جولة حوار جديدة بل كعادتها في التفاوض تعد لمحاولة تمييع واطالة للمفاوضات عبرخلط الأوراق كما ان طهران تريد أن تقيم حوار في هموم الدولتين فقط، لفصل الرياض عن عمقها الخليجي والعربي لإضعاف الموقف السعودي. كما أن التوسع في حوار إقليمي يهدف أن تطرح الاعتراف بمناطق نفوذها في دول محور المقاومة وأن يتم إقرار ذلك ثم بالدور الإيراني في الشرق الأوسط. أما الطريق الثالث الذي تعيد رصفه طهران فهو احياء المبادرة الإيرانية  لوقف الحرب في اليمن، في إدعاء جديد بالمظلومية وكأن كأس السم عاد لينتقل من يد الخميني إلى يد الحوثي كما فعل الامام الخميني قبول وقف اطلاق النار مع العراق وقبول  قرار مجلس الأمن الدولي رقم 598 لعام 1988م،  والمبادرة الإيرانية التي نتوقع ان تحييها هي التي تم تقديمها في ابريل2015م، وتتضمن نقاط وقف فوري لإطلاق النار في البلاد، والبدء في خطة للمساعدات الإنسانية، والشروع في حوار يمني يفضي إلى تشكيل حكومة ذات قاعدة موسعة لإنهاء الصراع.وفي حينها أعلن الحوثيون قبوله  ووصفوها بأنها مفتاح الحل في اليمن واعادوا للتذكير بها قبل شهرين بعد هزيمتهم في مأرب وشبوة.

3-الازمة اليمنيةحيث النصر العسكري أقرب من الانفراج السياسي  

   رغم تقلص مساحات السيطرة الحوثة على الأرض بعد انتصارات الشرعية والتحالف في مأرب وشبوة، إلا أن الحوثية لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعلى جزء كبير من ساحل البحر الأحمر، وهو ما يسمح للمتمردين بتهديد الملاحة الدولية سيستمر الحوثة في اشعال بورة التوتر وعدم الجنوح للسلم رغم طرح التحالف والشرعية أكثر من عرض للتفاوض والسلام وعبر رغبة أكيدة من قبل التحالف العربي في وضع حد للصراع. ومع اكتساب إنهاء الصراع زخمًا قبل اشهر إلا أنه يبدو تحقيق انفراج سياسي اصعب من تحقيق الشرعية والتحالف لانتصارات عسكرية .خصوصا بعد انكشاف الاستقواء الحوثي بالجانب الإيراني وحور المقاومة، والذي تم تحجيمة مؤقتا لكن فرصة عودة التعاون مع عناصر حزب الله  لا زالت قائمة، كما نتوقع استمرار غياب المسؤولية الدولية  في مواجهة التهديدات الحوثية،فمجلس الأمن لن يظهر خطوات أو إجراءات وتدابير تتجاوز المطالبة بتحقيق شكلي أو انتقاد السلوك الحوثي أو القيام  بتحركات جادة لتنفيذ نص القرارات الملزمة، التي سبق أن صدرت من المؤتمر الوطني أو الخليج أو مجلس الامن ، ولن يقوم  بتبني إجراءات  رادعة لوقف إجرام الميلشيات الحوثية في اعتدائها على المنشآت المدنية السعودية والاماراتية بالصواريخ والمسيرات الغادرة . ومن المؤسف انه في تقديرنا سيبقى الفعل الاممي مقتصرا فقط على التحفظ، والشجب أو التلويح بإعادة النظر في تصنيف مليشيات الحوثي مجددا كمنظمة إرهابية من قبل إدارة بايدن الديموقراطية.  

  4-بناء هيكل أمني جديد جراء الانحسار الأمريكي

في حين تسعى إيران إلى خروج القوات الأمريكية، كي تتمكّن من ممارسة ماتعتبره سلطتها المُحقّة على المنطقة؛ تريد دول الخليج العربية من الولايات المتحدة موازنة القوة الإيرانية. وخلال ذلك خففت واشنطن من بصمتها العسكرية، وفيما تنزع السياسة الأمريكية الجديدة للتخفف من التزاماتها في المنطقة، مولية بصرها نحو الشرق الأقصى، راحت تبرر عبر مراكز ابحاثها دواعي بناء هيكل أمني جديد لايستبعد من هيكليته إيران والعراق، وتل ابيب بحجة ان الهياكل الخليجية القائمة كمجلس التعاون وذراعه العسكري درع الجزيرة لايوفّر منبراً للحوار حول العديد من التحدّيات الأمنية، أو لتخفيف حدّة التوتر، وإدارة الأزمات، ومنع الصراع، وتحسين القدرة على التوقّع. فهو يكمّل استراتيجية إقليمية أمريكية قديمة بدون أكلاف حقيقية على واشنطن، وبما ان التحديات مستمرة فلا بد من احتضان الغريم وهما طهران وبشكل اقل بغداد لخلق نظام أمني ​​أكثر استقراراً، من شأنه تقليل اعتماد الدول الخليجية على الوجود العسكري الأمريكي، وخلق توازن قوى في المنطقة أكثر ملاءمة لمصالح الولايات المتحدة. والاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1  الجديد قد يزيد من احتمال إقامة النظامٍ الأمني في منطقة الخليج. لانه يمكن أن يكون أداة إضافية في استراتيجية أمريكية أوسع تتضمّن حوافز وضغوطاً للمساعدة في التأثير على السلوك الإيراني.

5-مستقبل التقارب الخليجي مع روسيا والصين

تبحث روسيا عن استغلال هذا التقهقر الأمريكي لتثبيت أقدامها في المنطقة، فقد تدخلت روسيا بشكل متزايد في الشرق الأوسط وبدت للمراقب الخليجي انها غير مهتمة بأن تلعب دور الضامن الأمني الشامل فيه، واكتفت بالتركيز على خدمة مصالحها الضيقة في سوق الطاقة وعقود بيع الأسلحة، وحماية أصولها الجيوسياسية، لكنها عادت متخذه تقرب اقوى،حيث  سعت موسكو  للعب دور أكبر في أمن الخليج، وطَرَحت  مبادرات كانت سرية في الماضي، إلا أنها قررت الكشف عن آخر صيغة لها في 2019م، بهدف  تأسيس منظمة للأمن والتعاون في الخليج، تتولى الإشراف على أمن المنطقة، وتشترك في عضويتها كافة دول الخليج مع روسيا والصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والهند، بالإضافة إلى أعضاء آخرين من ذوي العلاقات بصفة مشاركين أو مراقبين ،وتلتزم دول المنطقة بالإفصاح وتبادل كافة المعلومات عن طريق هذه المنظمة، بما في ذلك المعلومات العسكرية والأمنية. وفي نهاية 2020م، عرض وزير الخارجية سيرغي لافروف صيغة مختصرة من المقترح أمام مجلس الأمن؛ وقد تعيد موسكو إعادة طرح فكرته مجددا خصوصا بعد التقارب الخليجي مع موسكو عبر قناتين رئيسيتين هما التضامن في خطوات عمل هيكل اوبيك بلص النفطي والقناة الثانية هي استثمار الموقف الخليجي غير المناوئ لها إبان الحرب الروسية الاوكرانية. 

كما ان بين دول الخليج والصين تقارب اقتصادي قد يقود إلى تقارب أمني رغم بعض المعوقات التي على رأسها ماتم في مارس 2021م، بين طهران وبكين عبر اتفاقية «الشراكة الاستراتيجية الشاملة» أو ما نسميه اتفاقية الربع قرن لتعزيز علاقاتهما على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، وسط تسريبات عن ملاحق للاتفاق تمنح الصين إمكانية التحرك في قواعد عسكرية بحرية وجوية إيرانية واقعة على الخليج.

 هذه الاندفاعة  الصينية باتجاه الخليج في وقت يسود شعور متزايد في المنطقة بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تتحرك بطريقة توحي بأن التزام واشنطن تجاه حلفائها التقليديين في المنطقة قد تراجع، اندفاعة يمكن استثمارها خليجيا، ومما يبشر بالخير مارشح عن تعاون سعودي صيني في مجال الصواريخ البالستية، ويدعمه تصريح   وزير الخارجية الصيني وانغ يي، إن الصين اتفقت مع دول مجلس التعاون الخليجي على تعزيز التعاون، مضيفاً أن بلاده تريد الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع دول الخليج العربية وفي الوقت نفسه مع إيران، وأن بكين تتفهم هواجس دول الخليج بشأن أمن المنطقة

6-مستقبل التسلح الخليجي

تبدو منطقية زيادة التسلح الخليجي مستقبلا، كونه في باب بناء الردع وهو الاتجاه السائد، طالما استمرت التوترات في جوارنا الإقليمي والتي قد تجد طريقها إلى الخليج بسهولة. ووفقًا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، فإن الإنفاق العسكري لدول الخليج، خلال السنوات القليلة الماضية، كان هو الأعلى على الدوام من حيث النسبة المئوية المخصصة له من الناتج المحلي الإجمالي.  وفي تقديرنا سيستمر على نفس الوتيرة وبشكل خاص في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة   لتبعات حرب اليمن وستشمل صفقات الدفاع، طائرة هليوكوبتر عسكرية وطائرات مقاتلة مع صواريخ للطائرات وقذائف وذخائر بالإضافة إلى طائرات بدون طيار وصواريخ بالستية للشقيقة الرياض وقد تشمل أيضًا اتفاقات على تقديم قطع غيار ودعم فني وتدريبات عسكرية عالية المستوى. كما أن التوتر في مجال الفضاء السيبراني، سيدفع دول الخليج الى تطوير قدراتها في استراتيجيات الأمن سيبراني عبر الاستثمار بكثافة في شراء التكنولوجيات الخاصة بهذا المجال أو الاستعانة بالخبرات الأجنبية. كما أن من المتوقع أن ينمو الاهتمام بالطائرات المسيرة

   7-مستقبل  توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية

التقارب الذي حدث بين عددٍ من دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل واتفاقات السلام "الإبراهيمية" تشكلت نتيجة  تبنى القيادات الشابة نهجًا براغماتيًا وفق مصالحها الوطنية. و سياسة "صفر مشاكل" دون تغيير ثوابت السياسة الخارجية لكن من غير المُتوقع أن يشهد العام الجديد، 2022م، موقفًا خليجياً موحدًا من اتفاقات السلام مع إسرائيل؛ كما لا يُتوقع انضمام مزيد من دول الخليج إلى "الاتفاق الإبراهيمي"، حتى وإن مارست واشنطن ضغوطاً على حلفائها في المنطقة، ما لم يكن هناك تحركٌ ملموس في مفاوضات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.اما محاولة تل ابيب ممارسة دور المساند لدول الخليج ضد ايران فلم يتم تسويقه بطيقة صحيحة وفي تقديرنا يجب على الصهاينة تقديم اوراق اعتماد افضل من ترديد كلمة ايران عدونا المشترك، فوجود ضابط موساد واحد في البحرين لايدعو لللابتهاج كما ان تحفظ تل ابيب في دعم الامارات في مواجهة الغارات الحوثية على ابوظبي سواء بمقلاع داوود أو القبة الحديدية برمتها غير مبرر للاسباب التي سيقت وهي الخوف من سقوطه في ايدي معادية للدولة العبرية.

8-مستقبل التعاون الخليجي في التعامل مع الأزمات 

حتى الآن لم يتضح إن كان خطأ أم حكمة، اختلاف المواقف الخليجية في اوكرانيا والتي سنأخذها كمثال على التعاون الخليجي في التعامل مع الأزمات؟

 فبينما سارع العالم لإدانة غزو روسيا لاوكرانيا، التزمت دول مجلس التعاون  الصمت إلى حد كبير. وهذا طبيعي حتى زوال ضباب الحرب الذي يصاحب الأيام الأولى، ثم أعلنت المواقف الخليجية منفردة وكانت متباينة بين ادانة وإحجام عن إدانة روسيا وصمت، حتى الأمانة العامة للمجلس كان لها خطاب محايد وأعلن دعم الجهود الدولية لتخفيف حدة التوتر في أوكرانيا ويدعو لحل الأزمة من خلال الحوار والدبلوماسية دون شجب لعمل موسكو.

 وقد يكون من أسباب التباين إدراك دول الخليج الى أنها بحاجة إلى تنويع تحالفاتها للتعويض عما يُنظر إليه إلى أنّه تراجع للولايات المتحدة في المنطقة فقد أدركت بعض دول الخليج أن أمنها في أيدي الولايات المتحدة لكنّها بدأت في تنويع العلاقات مع منافسي وخصوم الأمريكيين في مجالات أخرى. هذا بشكل عام اما التفاصيل فتقود إلى أن لكل دولة خليجية مبرراتها المنطقية في موقفها؛ فموقف دولة الامارات وإحجامها عن إدانة روسيا أمر يمكن تفهّمه بالنظر إلى ما هو على المحك: فهناك تكاملا في الاستراتيجيات بين موسكو وأبو ظبي وهما في خندق واحد في سوريا وليبيا ضد انقره كما ان هناك شراكات اقتصادية كبيرة بين البلدين. اما موقف الكويت فحركته الشرعية فالكويت تعلن رفضها القاطع للهجوم العسكري الروسي ضد أوكرانيا وتُشدّد على ضرورة احترام استقلال وسيادة أوكرانيا لأن الكويت وفيه لقناعاتها، ولأن هتك الشرعية الدولية يفتح صندوق الذكريات الأليمة للكويت، إبان الغزو العراقي الغاشم.بل ان الكويت دعت إلى بلورة موقف عربي موحد إزاء الأزمة.

الموقف السعودي عكس موقفًا مُؤيِّدًا للجانب الروسي، ومدخل الروس على السعودية هو النفط وتحديدا اوبيك بلص، والرياض ترى قيمة كبيرة في إبقاء روسيا شريكا .لكن للرياض هامش مريح لحرية المناورة اذا لزم الامر عقاب روسيا على المستوى الاممي، ويمكن للسعوديين ان يؤكدون أن أوبك بلاس منظّمة سوق نفط  فقط،لكن الأرجح  أن الرياض ستدافع  عن تقاربهم النفطي مع موسكو.وكان موقف قطري  إدانة التدخّل العسكري الروسي، لكن من جانب اخر خيبت الدوحة آمال الغرب في أن تقوم الدوحة، أحد أكبر مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم، بإعادة توجيه الصادرات المخصصة للأسواق الآسيوية إلى أوروبا. اما عُمان فقد كانت أول موقف خليجي حول الأزمة ومثلها البحرين التي ناشدت المجتمع الدولي لمضاعفة الجهود الدبلوماسية لتجاوز الأزمة الأوكرانية.

وفي تقديرنا ان من إيجابيات التباين الخليجي حيال أزمة اوكرانياو التزام الصمت انه على الارجح أفضل ما يمكن القيام به في الوقت الراهن، فنحن في قلب التوترات الحاصلة بين روسيا والغرب في السنوات الأخيرة، والتباين في أزمة أوكرانيا فيه تجاوز لمعضلة تحقيق التوازن بين واشنطن وموسكو فدول خليجية هنا ودول خليجية هناك. كما ان عدم الاصطفاف مع الناتو فكاك من قدرنا ان تكون القواعد الأميركية منطلق هجوم فنكون أهدافاً مشروعة للرد العسكري الروسي. لكن من سلبيات التباين ان في التباين خطورة خلق الاصطفافات مما يطيل الازمة فتقود تطورات الأوضاع في أوكرانيا لتداعيات سلبية على الأمن والاستقرار العالمي برمته. والاختلاف في حد ذاته كشف العجز عن بلورة موقف موحد إزاء الأزمة الأوكرانية، وعليه فالحِياد أو من استطاع إليه سبيلًا هو الخِيار الأكثر حكمة لكن التباين قد يكون مخرج متوازن مناسب.

9-الخليجي 2022 بيت هادئ في حي سيئ الجيرة

سيستمر البيت الخليجي في حالة ترقب كما كان دوما بيت هادئ في حي سيئ الجيرة، فنجاح المفاوضات في فيينا ينذر بتصعيدٍ الغطرس الإيرانية في الخليج، وفي العراق لا زالت بذور الصراع من نتائج الانتخبات النيابية التي حيدت القوى الولائية قائمة، بالإضافة الى تبعات الفراغ الذي سيتشكل جراء الانسحاب الأمريكي التام من العراق، فالقانون في العراق لازال أضعف من ان يحيد انقسامات العراقيين.  ولا زالت سوريا خزان البؤس البشري بين العرب، وقد تتحول في 2022م، من ازمة هياكل عسكرية متقاتلة إلى أزمة لاجئين جياع يموت أطفالهم من البرد، ويخاف جيرانهم من تسونامي ديموغرافي يخل بالتوازنات في الدول المجاورة، كما لا زال لبنان خزان عدم الكفاءة السياسية، الفساد، والطائفية، والكبتاجون والمحاصصة وضيق الأفق السياسي الذي حول لبنان في مطلع 2022م، من سويسرا الشرق إلى جهنم كما قال الرئيس عون. ويمتد قوس الازمات إلى السودان وأزمة الحكم فيها والصومال والمجاعة والاقتتال الداخلي بين مكونات ذلك البلد. ثم يمتد شر الجيرة الشمالية للخليج إلى الجيرة الجنوبية وفي عام 2022م، ورغم انكسارهم في مأرب وشبوة إلا أن شر الحرب ضد الحوثة لا يزال مدمر، فالحرب في اليمن متعددة الأطراف ويحتاج الامر إلى أكثر من رادع.

مقالات لنفس الكاتب