; logged out
الرئيسية / السعودية تبني علاقات وثيقة مع روسيا والصين دون إضعاف علاقتها مع أمريكا

العدد 172

السعودية تبني علاقات وثيقة مع روسيا والصين دون إضعاف علاقتها مع أمريكا

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

من النادر وجود علاقات سياسية تشبه تلك التي تجمع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، إذ بنيت على تراث طويل الأمد من الصداقة والتحالف غير الرسمي. ويُعد النفط جوهر هذا التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية. ويرى القادة من كلا الجانبين أن إمدادات النفط الكبيرة والمتواصلة من المملكة العربية السعودية تُعد أحد أهم عناصر أمن الطاقة العالمي وتطور الاقتصاد العالمي. ولذلك، فقد لعبت المملكة منذ أكثر من نصف قرن، بالتعاون مع حكومة الولايات المتحدة وشركات النفط الأمريكية، دورًا حيويًا في تعزيز الاعتدال والاستقرار في أسعار وسياسات الطاقة.

وقد واجه هذا التحالف الوثيق غير الرسمي بين واشنطن والرياض تحديات كبيرة في السنوات الأخيرة. إن القادة من كلا الجانبين لديهم مفاهيم مختلفة حول التطورات الاستراتيجية على المستويات الوطنية، والإقليمية، والعالمية. وبعبارة أخرى، يختلف موقف كل من الولايات المتحدة والسعودية من انتقال الطاقة والأمن الإقليمي والمنافسة العالمية على السلطة.

انتقال الطاقة: خَلُصَت العديد من الشعوب والحكومات حول العالم في الأعوام القليلة الماضية إلى أن تقليل استهلاك الوقود الأحفوري والتحول إلى مصادر طاقة أنظف مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة النووية، يُعد خطوة رئيسية لحماية البيئة وضمان الحصول على هواء نقي ومياه نقية في العقود المقبلة، بالإضافة إلى تجنب عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. وقد أدي التقلب في أسعار الطاقة في الأعوام القلية الماضية إلى إثارة مخاوف خطيرة بشأن مسار وسرعة التحول من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. وأبسط تفسير للارتفاع الحالي في الأسعار هو أن الطلب على الطاقة حاليًا يتجاوز العرض. فمن ناحية الطلب، أدى الانتعاش الاقتصادي بعد انحسار جائحة كورونا إلى زيادة استهلاك النفط في ظل استئناف السفر. علاوة على ذلك، فقد تم تقييد العرض بسبب عوامل مختلفة، سواء أكانت طبيعية أو من صنع الإنسان؛ فقد أدت الأعاصير إلى إغلاق مصافي النفط في خليج المكسيك، كما أدت العلاقات السياسية المتوترة بين الصين وأستراليا إلى توقف بكين عن استيراد الفحم من كانبيرا، علاوة على فترة الهدوء طويل الأمد فوق بحر الشمال التي أدت إلى تخفيض إنتاج توربينات الرياح المولدة للطاقة الكهربائية بصورة حادة. وقد زرع الغزو الروسي لأوكرانيا مزيدًا من الشكوك في أسواق الطاقة العالمية.

وقد سعت الدول المنتجة للنفط في الخليج إلى تحقيق توازن بين المخاوف البيئية والحاجة إلى توفير إمدادات كافية من النفط والغاز لدعم الانتعاش الاقتصادي العالمي. وتخطط شركة أرامكو السعودية لزيادة طاقتها الإنتاجية من النفط من 12 مليون إلى 13 مليون برميل يوميًا بحلول عام 2027م. وفي الوقت نفسه، تعهد ولي العهد محمد بن سلمان أن تصل السعودية إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060م. وباختصار، فإن الارتفاع الأخير في أسعار الطاقة يبرز مخاطر التخلص التدريجي من إنتاج الوقود الأحفوري بسرعة كبيرة دون توفير إمدادات كافية من الطاقة الخضراء، حيث لا تزال الشكوك تكتنف هذا الشأن، وثمة حاجة إلى التوازن بين المخاوف البيئية واستقرار سوق الطاقة. وفي حين أنه لا يمكن المبالغة في الحاجة إلى معالجة تغير المناخ، فإن العواقب السياسية والاقتصادية للتحول من الوقود الأحفوري الذي يُدار بطريقة سيئة قد تكون وخيمة.

الأمن الإقليمي: على مدى عقود من الزمان، كانت المملكة العربية السعودية بمثابة قوة إقليمية رئيسية لها تأثير كبير على جميع النزاعات والتطورات في الشرق الأوسط. وقد رحبت إدارة بايدن بالقرارات السعودية المتمثلة في إعادة التواصل مع قطر والعراق والدخول في حوار مع إيران وأطراف النزاع اليمني سعيًا للتوصل إلى حل دبلوماسي للصراع هناك.

وتعكس السياسات السعودية تجاه العراق، وسوريا، ولبنان مخاوف المملكة بشأن إيران وعلاقاتها بالجهات الفاعلة من الدول وغير الدول في هذه البلدان. وفي عام 2016م، قطعت المملكة العربية السعودية العلاقات الدبلوماسية مع إيران. وفي عام 2012م، عقدت الدولتان عدة جولات من "المحادثات الاستكشافية" أملاً في احتواء خلافاتهما. وتدعم الرياض وجود اتفاق نووي مع إيران طالما أن ذلك الاتفاق يضمن عدم حصول طهران على الأسلحة النووية. وفي مايو 2018م، رحبت المملكة بقرار الرئيس ترامب المتمثل في سحب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة وأعلنت دعمها لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران ودعمها للجهود المبذولة للحد من الدعم الإيراني للحكومة في سوريا والعديد من الجهات الفاعلة من غير الدول في المنطقة. ولم يعترض المسؤولون السعوديون على استئناف المحادثات الأمريكية مع إيران بشأن برنامجها النووي، ولكنهم ذكروا أنهم يريدون التأكد على الأقل من أن أي موارد مالية يتم إتاحتها لإيران عبر الاتفاق النووي لن تُستخدم لزعزعة استقرار المنطقة. وتسعى الرياض إلى الدخول في مفاوضات تستهدف برنامج الصواريخ الإيرانية ودعم إيران للجماعات المسلحة الإقليمية.

وفي ديسمبر 2015م، أعاد المسؤولون السعوديون فتح المكاتب الدبلوماسية للمملكة في العراق بعد غياب دام 25 عامًا عقب غزو صدام حسين للكويت عام 1990م، وتُعد هذه الخطوة معلمًا بارزًا في التطبيع النسبي للعلاقات السعودية -العراقية الذي حدث عام 2014 م، بعد إجراء تغيير في القيادة العراقية من حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (الذي كان له علاقات وثيقة مع إيران) إلى حكومة حيدر العبادي (الذي وضع العراق في موضع أكثر حيادية بين جيرانه). وقد أشادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالزيارات الرسمية المتبادلة بين كبار السعوديين والعراقيين باعتبارها زيارات مهمة في تعزيز العلاقات السعودية والخليجية مع الحكومة العراقية.

وقد استمرت الاتصالات السعودية العراقية رفيعة المستوى في ظل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وخليفته مصطفى الكاظمي. وقد زار الكاظمي المملكة العربية السعودية في مارس 2021م، لتوقيع سلسلة من الاتفاقيات الثنائية وتلقي تعهدات بالاستثمار من الجانب السعودي. كما استضاف الكاظمي قادة سعوديين وإيرانيين وإقليميين في قمة بغداد المنعقدة في أغسطس 2021م.

وتدعم الحكومة السعودية دعوة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى التوصل إلى تسوية تفاوضية للنزاع في سوريا وفقًا للقرار 2254. وقدمت المملكة مساهمات مالية لبرامج تحقيق الاستقرار التي تنفذها الولايات المتحدة عقب قرار إدارة ترامب في عام 2018 م، بخفض بعض نفقات الولايات المتحدة على جهود تحقيق الاستقرار في بعض المناطق في سوريا التي تم تحرريها من قبضة تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي عام 2021م، استضافت المملكة العربية السعودية مسؤولين من الولايات المتحدة وفرنسا لمناقشة المقاربات المشتركة لمساعدة لبنان في التغلب على أزماتها المالية والسياسية. وعلى نحوِ تقليدي، كانت الرياض حليفًا وثيقًا للأحزاب والقادة السنة اللبنانيين.

وفي أواخر مارس 2021م، اقترح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان مبادرة سلام جديدة تهدف إلى إنهاء الصراع في اليمن بدعم من الولايات المتحدة، وبناءً على هذا الاقتراح، وافقت الرياض على الالتزام بوقف إطلاق النار الذي يخضع لإشراف الأمم المتحدة، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات المباشرة؛ والسماح بدخول عدد من سفن الوقود إلى ميناء الحديدة واستئناف المفاوضات السياسية بشأن التوصل إلى تسوية دائمة للصراع. وقد رفض الحوثيون على الفور الاقتراح السعودي مؤكدين أن "لا شيء جديد" فيه وكرروا مطالبهم برفع الحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة. واستمروا في مطالبة التحالف بالموافقة على رفع القيود المفروضة على الحركة في المطارات والموانئ في شمال اليمن قبل الوصول إلى أي اتفاق لوقف إطلاق النار. وتصر إدارة بايدن على ألا يكون هناك شروط مسبقة للحوار حول السلام. حيث إن مثل هذه الشروط المسبقة لا تؤدي إلا إلى إطالة أمد الحرب والمعاناة وعرقلة اتفاقية السلام الدائم التي ستجلب الإغاثة الحقيقية لليمنيين.

وقد انتقدت الإدارات الأمريكية المتعاقبة بعض أعمال التحالف وأعمال الحوثيين بدرجات متفاوتة، وأكدت أن الحلول العسكرية الصارمة للصراع اليمني هي حلول غير مُمكنة، واتخذ المسؤولون السعوديون والتحالف بعض الخطوات لتحسين وصول المساعدات الإنسانية وتنفيذ استهداف عسكري أكثر فاعلية وتستمر الجهات الفاعلة في المجال الإنساني في المطالبة بمساعدات إضافية وتقليل القيود على عملياتها من قبل جميع الأطراف، مشيرة إلى احتياجها إلى المدنيين اليمنيين.

على مدى عقود من الزمان، كانت التصريحات السعودية الرسمية عادة ما تنتقد السياسات الإسرائيلية. ولطالما كان القادة السعوديون على مر التاريخ من اقوى المدافعين عن القضية الفلسطينية في سياق الصراعات العربية الإسرائيلية. حيث أن المملكة العربية السعودية تؤيد الاعتراف الدولي بدولة فلسطين وعضويتها الكاملة في الأمم المتحدة. ولا يزال الملك سلمان ملتزمًا ببنود مبادرة السلام التي أطلقها (الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز) برعاية جامعة الدول العربية عام 2002م، وتدعو هذه المبادرة إلى تطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل إذا انسحبت إسرائيل بالكامل من الأراضي التي احتلتها عام 1967م، وإذا وافقت على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وتنص هذه المبادرة على التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. ولم تتوصل السلطات السعودية إلى اتفاق حول الاعتراف الرسمي بإسرائيل كجزء من مبادرة اتفاقيات أبراهام لإدارة ترامب. وبدلاً من ذلك، يواصل المسؤولون السعوديون رهن التطبيع السعودي مع إسرائيل بتنفيذ البنود الواردة في مبادرة السلام العربية المطروحة عام 2002م.

القوى العالمية: لطالما كانت منطقة الخليج جوهر المنافسة بين القوى العالمية نظرًا لموقعها الاستراتيجي بين الشرق والغرب وثروتها الهائلة. وتسعى الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والصين إلى تعزيز مصالحهم وقيمهم بينما تحاول الدول الإقليمية الاستفادة من هذا التنافس واللعب على قوة عالمية واحدة ضد الآخرين. وفي معظم الصراعات الإقليمية، تبنت كل من واشنطن وبروكسل مواقف مماثلة بينما اتخذت موسكو وبكين نهجًا مختلفًا.

وكان نهج موسكو الحازم تجاه الشرق الأوسط منذ أوائل القرن الواحد والعشرين مدفوعًا إلى حد كبير بمخاوف استراتيجية واقتصادية. وفي عام 2005م، وصف الرئيس بوتين انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه أكبر كارثة جيوسياسية حدثت في القرن العشرين. ولم يخف بوتين يومًا طموحه لإعادة روسيا إلى مكانتها كقوة عالمية. وقد ولت الأيام التي كانت فيها موسكو قادرة على إغراء الحلفاء من خلال الأيديولوجية. وبدلاً من الجذب والإقناع، استخدمت روسيا الدبلوماسية الحازمة، والإغراءات الاقتصادية، والقوة العسكرية وغيرها من التدابير القسرية. وقد وطدت الدولة مركزها كلاعب رئيسي في سوريا وليبيا وفي المفاوضات مع إيران. علاوة على ذلك، تُعد كل من روسيا والعديد من دول الشرق الأوسط منتجين ومصدرين رئيسيين للنفط والغاز. وقد توصل الجانبان منذ وقت طويل إلى أن التعاون يخدم مصالحهما المشتركة وليس المواجهة. وبالرغم من أن روسيا ليست عضوًا في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، لكنها قامت منذ عدة سنوات بتنسيق سياستها الإنتاجية مع منظمة "أوبك" التي تتخذ من فيينا مقراً لها. وقد شكلت العلاقات الوثيقة والمتنامية بين موسكو والرياض موقف الأخيرة من القتال في أوكرانيا. ويعتقد بعض المسؤولين السعوديين أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة قد انفصلت عن الشرق الأوسط. وقد عبّروا عن استيائهم تجاه سياسات الولايات المتحدة منذ أن كان يُنظر إلى الرئيس السابق باراك أوباما على أنه قد تجاهل مصالح الشركاء العرب على المدى الطويل خلال الربيع العربي عام 2011م، وعندما وقع على الاتفاق النووي مع إيران عام 2015م، وبالتالي، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 100 دولار للبرميل، فقد قاومت الرياض الضغط الأمريكي لضخ المزيد من النفط، وبدلاً من ذلك أكدت التزامها بالاتفاقية التي وقعتها مع أوبك. وباختصار، لقد استثمرت المملكة العربية السعودية بقوة في بناء العلاقات مع روسيا وتعتبر أوبك علاقة استراتيجية ذو أهمية كبيرة لشريان الحياة لاقتصاد المملكة – أي النفط.

وهناك تشابه بين نهج الصين تجاه الخليج والشرق الأوسط ونهج روسيا. حيث أن بكين لا تسعى إلى تعزيز الشيوعية. وظهر توسع كبير في حجم التجارة والاستثمار بين بكين والعديد من دول الشرق الأوسط منذ أن أطلق القادة الصينيون مبادرة الحزام والطريق في عام 2013م، كما تحافظ الصين، مثل روسيا، على علاقات حميمة مع العديد من الخصوم الإقليميين مثل إيران، وإسرائيل، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. ولكن على عكس موسكو، فإن بكين تعتمد بشكل كبير على إمدادات النفط والغاز من الخليج. وبالرغم من هذا الاعتماد، لم تلعب الصين حتى الآن دورًا رئيسيًا في الأمن البحري للمنطقة.

 

العلاقات الأمريكية السعودية: آفاق المستقبل: تتمتع المملكة العربية السعودية منذ عقود بعلاقات وثيقة مع الولايات المتحدة في مجال الدفاع والأمن تستند على برامج تدريب عسكرية طويلة الأمد وتُستكمل بمبيعات أسلحة عالية القيمة، وتعاون أمني حيوي في البنية التحتية، ومبادرات مكافحة الإرهاب. وبينما اتخذ المسؤولون السعوديون والأمريكيون خطوات للحفاظ على العلاقات الأمنية وتعميقها، فإن الاختلافات في الوسائل والأساليب المُفضلة قد تستمر في تعقيد التنسيق الثنائي بشأن قضايا الأمن الإقليمي، بما في ذلك إيران واليمن. ومع مرور الوقت، حاول المسؤولون السعوديون والأمريكيون بشكل دوري صياغة "رؤية استراتيجية" مشتركة لا تقتصر على الشراكة في الدفاع ومكافحة الإرهاب. وفي عام 2004م، تحدت اللجنة الوطنية المشكلة من الحزبين والمعنية بالهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة (لجنة 11 سبتمبر) كل من الحكومتين الأمريكية والسعودية لمواجهة مشاكل العلاقات الثنائية بشكل علني وحثتهما على بناء علاقة يكون في وسع القادة السياسيون من كلا الجانبين الدفاع عنها بشكل علني. وقد ساهمت الشراكة الأعمق في مكافحة الإرهاب ومجموعة من الجهود السعودية لمكافحة التطرف في توثيق العلاقات في السنوات التي تلت. وتستمر البرامج الأمريكية في تعزيز المشاركة المتزايدة من قبل الكيانات التجارية والثقافية الأمريكية مع نظرائها في السعودية، بما يشمل المرأة السعودية.

وفي أغسطس 2021م، وقعت السعودية وروسيا اتفاقية تعاون دفاعي تهدف إلى تطوير التعاون العسكري المشترك بين البلدين. ونظرًا لأن المملكة تحاول أن تستعيد مكانتها كمركز للاستثمار العالمي وتسعى إلى زيادة الاكتفاء الذاتي العسكري والاستحواذ المتنوع، فقد لا تتمتع الشركات الأمريكية بالدور المُميز الذي كانت تشغله في السابق وسط سوق سعودية مفتوحة بشكل متزايد. ويسعى قادة الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة وتعريف مصالح الولايات المتحدة فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية وتحديد ما إذا كانت مقاربات السياسة الأمريكية تتيح للولايات المتحدة تأثيراً كافياً ونفوذًا على القضايا المتعلقة بالمملكة. وترى المملكة العربية السعودية أن علاقات الولايات المتحدة مع المملكة علاقات وثيقة بشكل فريد وحساسة على الصعيد المحلي. ولا توجد دولة أخرى تتمتع بعلاقات تعاون مماثلة مع المؤسسات الأمنية السعودية، كما أن عقودًا من الاتصالات الأمنية، والدبلوماسية، والتجارية الوثيقة توفر للولايات المتحدة شبكة واسعة من المتحاورين والخبرات العميقة. ومع ذلك، فليس من المؤكد أن الولايات المتحدة يمكنها بسهولة استخدام شراكاتها مع المملكة وعلاقاتها مع السعوديين من الأفراد للتنبؤ بتطورات السياسة السعودية أو تشكيلها. وقد أسهم ما صدر عن الكونجرس سابقاً من التدقيق في مبيعات الأسلحة أو رفضها بالمرة في تحقيق أهدافًا منفصلة (على سبيل المثال، تقييد مواقع الانتشار أو حساسية أنظمة الدفاع الأمريكية المنقولة وتأخير عمليات نقل الذخائر الموجهة بدقة)، غير أنه لا توجد أدلة تذكر على أن الضغط الأمريكي أدى إلى تغيير في جوهر نهج السياسة السعودية، سواء الداخلية أو الخارجية.

ويستشهد المؤيدون لاستمرار الشراكة الأمريكية ــ السعودية بإمكانيات المملكة وتأثيرها وإصلاحاتها الاجتماعية والمالية الأخيرة للتفاوض من أجل التوصل إلى نهج رئيسي وليس نهج يتسم بطابع المواجهة. وسيستمر الكونجرس الأمريكي في تشكيل العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والسعودية من خلال إشرافه على التعاون الأمني ومشاركته في قضايا السياسة الاقتصادية والدبلوماسية الإقليمية. وقد يسعى المشرعون والمسؤولون أيضًا إلى استكشاف نهج سياسة بديلة أو فهم أفضل للسياسات الداخلية والخارجية السعودية، وإمكانية حدوث تغييرات في العلاقات السعودية مع خصوم الولايات المتحدة مثل روسيا والصين، وآراء القادة السعوديين والمواطنين حول مستقبل بلادهم وعلاقاته مع الولايات المتحدة.

وفي الختام، وبالرغم من تصور البعض بأن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط، فإن واشنطن لديها مصالح وطنية رئيسية في المنطقة. وتشمل هذه المصالح إمدادات النفط الآمنة والثابتة، ومكافحة الإرهاب، وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، وأمن إسرائيل، وتعزيز الديمقراطية والشفافية. وبعبارة أخرى، يُعد الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي في الخليج والشرق الأوسط الكبير من المصالح الوطنية الرئيسية للولايات المتحدة، وستواصل واشنطن السعي وراء هذه الأهداف المشتركة مع المملكة العربية السعودية وغيرها من الحلفاء الإقليميين. وفي الوقت نفسه، فإن المملكة دولة ذات سيادة، ولسوف تواصل بناء علاقات وثيقة مع القوى العالمية الأخرى مثل روسيا والصين دون إضعاف العلاقة الأمنية، والاقتصادية، والثقافية مع الولايات المتحدة

مقالات لنفس الكاتب