; logged out
الرئيسية / "طالبان" تدور في فلك الصراع الدولي وتلقي بظلالها على أمن الخليج

العدد 172

"طالبان" تدور في فلك الصراع الدولي وتلقي بظلالها على أمن الخليج

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

في 17 مارس 2022م، صادق مجلس الأمن على قرار يقضي بإقامة علاقة رسمية ومستدامة مع أفغانستان حيث حصل القرار على 14 صوتًا، في حين امتنعت روسيا عن التصويت. وبالرغم من أن القرار لم يرد اسم حركة طالبان التي تتولى السلطة في أفغانستان، والتي لم يتم الاعتراف بنظامها بعد على الساحة الدولية، إلا أن ذلك القرار مقدمة لبدء الأسرة الدولية التعامل مع طالبان والتي لا تزال تحكم من قبل حكومة تصريف العاجل من الأمور والتي أعلنت مباشرة في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في صيف 2021م. وعلى إثر ذلك الانسحاب، أصدر زعيم الحركة مولوي هبة الله اخوندزاده بيان أكد فيه "أن طالبان تريد علاقات قوية وصحية مع جيرانها وجميع الدول الأخرى على أساس الاحترام المتبادل و التفاعل.. وأن طالبان سوف تحترم القوانين والمعاهدات الدولية التي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية والقيم الوطنية للبلاد." وقد كان ذلك إيذانًا لولادة الدولة الدينية الثانية في العالم الإسلامي بعد الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تأسست وفق نظام ولاية الفقيه والذي يعد أحد أشكال الاجتهاد الفكري للشيعة الاثني عشرية. وذلك إلى جانب دول إقليمية كبرى، يشكل الدين مكونًا هامًا في النظام السياسي بما في ذلك المملكة العربية السعودية، وتركيا، ومصر والسودان. ومن الجدير بالذكر أن المملكة العربية السعودية هي دولة مدنية بالتأسيس وإن تحالف مؤسسها مع المؤسسة الدينية. فالدين عامل ضمن عوامل التأسيس إلى جانب حنكة القيادة، والثروة النفطية، والعصبية، والعامل الخارجي، ودليل ذلك صدور الأمر الملكي الجديد بتحديد 22 فبراير يومًا لذكرى التأسيس وهو يوم تولي محمد بن سعود مقاليد الحكم في الدرعية والذي كان سابقًا على تحالف الأمير والشيخ محمد بن عبد الوهاب. كذلك الحال مع تركيا التي شهدت قيام أكبر حزب إسلامي على نظام علماني، أما مصر والسودان، وإن اختلفت تجربة حكم الأحزاب الدينية، إلا أن مؤسسة الجيش تبقى الضامن الرئيسي للنظام السياسي. ولكن ماذا عن طالبان الجديدة؟ وكيف تختلف عن طالبان 1996-2001م؟ بالرغم من التطمينات التي يطلقها قادة طالبان، إلا أن ذلك لم يمنع العديد من الأفغان من التعبير عن خوفهم من أفغانستان الجديدة، وهو خوف تشاطرهم فيه دول الخليج التي غُرر بالكثير من شبانها للانخراط في الحركات المتطرفة التي اتخذت من أفغانستان مأوى لأنشطتها الإرهابية ليقضوا نحبهم أو بيعهم أو سجنهم في غوانتانامو وغيره من السجون، وآخرين تحولوا إلى مقاتلين عابرين للحدود للقتال سواء في سوريا أو العراق، ومن المحتمل روسيا وأوكرانيا وغيرها من بؤر الصراع المستقبلية. وقد ردت طالبان على لسان متحدثها الرسمي ذبيح الله مجاهد في أول مؤتمر صحفي عقد لها في 17/8/2021م، بأن طالبان "لن تسمح بأن تكون أفغانستان ملاذًا آمنًا للإرهاب، ووعدت باحترام حقوق المرأة وفق الشريعة الإسلامية." والحقيقة أن عدم تحول أفغانستان ملاذًا للإرهابيين الدوليين هو مطلب دولي وفق قرار مجلس الأمن رقم 1267 لعام 1999م، والذي تكرر مجددًا بموجب اتفاق السلام مع الولايات المتحدة عام 2020م. مما يعني أن عدم تحول أفغانستان إلى دولة مصدرة للإرهاب هو مسؤولية دولية تقع على عاتق المجتمع الدولي ككل، ولكن مساعدة الأسرة الدولية تتوقف بشكل رئيسي حول شكل الدولة الجديد، فما هي ملاح وتحديات الدولة الإسلامية الدينية الجديدة؟

هوية الدولة الدينية

في أغسطس 2021م، أعلنت طالبان عن قيام إمارة أفغانستان الإسلامية حيث غرد ذبيح الله مجاهد بأن "إعلان طالبان إنشاء الإمارة يأتي تزامنا مع مرور 102 عام على استقلال أفغانستان". وتؤكد طالبان بكافة بياناتها على التزامها بالمذهب الحنفي، وهو أحد المذاهب الأربعة الفقهية لدى أهل السنة، كما أنها تتأثر بتعاليم "جمعية علماء الإسلام" وهو حزب ديني باكستاني تأسس في عام 1988م، وأبرز قادته سميع الحق (قتل في 2018م)، وفضل عبد الرحمن. وبالرغم من أن المذهب الحنفي يعتبر أحد المذاهب الفقهية المعتدلة، إلا أن طالبان لم تسلم من النقد من كلا الاتجاهين، فالاتجاه الأول يتهمها بالتشدد والتطرف، بينما الاتجاه الآخر لاسيما جماعات السلفية الجهادية التي يسارع بعضها بوصف طالبان بالجماعة المرتدة أو الحركة القبورية التي تحارب عقيدة السلف الصالح. مرجع ذلك الجدل إلى الطبيعة المختلطة لحركة طالبان والتي تنتمي إلى أهل السنة والجماعة والمذهب الحنفي في الفقه وأسس الدولة القائمة على الشريعة والخلافة الراشدة، وجذورها الصوفية والديوبندية في مقاومة الاحتلال والتنظيم والإخلاص لشيخ الطريقة، والعمل الحركي المشابهة للحركات الجهادية.

الماتريدية و الدهلوية و الديوبندية من جديد

منذ البواكير الأولى لنشأة الحركة، تتلمذ قادة طالبان في المدارس الدينية الديوبندية المنتشرة في باكستان والتي نشطت تاريخيًا لمناهضة الاستعمار وإحياء فريضة الجهاد المقدس. وبذلك فإن للفكر السياسي الطالباني جذور ضاربة في القدم في الفكر السياسي الإسلامي والذي شهد العديد من الموجات والفرق منذ العصر القديم وصولاً إلى العصر الحديث والمعاصر. وحملت الموجة الأولى من الفرق كل من الخوارج، والشيعة الاثني عشرية، والمعتزلة، وأهل السنة والجماعة. وانحصر فكر الخوارج على أن مرتكب الذنوب كافر، والقول بمبدأ الحاكمية الإلهية، والخلاف حول إقامة الخلافة كأصل للحكم وليس أصلاً من أصول الدين وعدم اقتصارها على قوم دون آخر، ومبدأ الخروج على الحاكم. وكان الخوارج يرون أن مفهوم الحاكمية يرد الخلافة إلى الشريعة وليس للناس، وكان ذلك سببًا لخروجهم ورفضهم التحكيم في موضوع الخلافة ما بين علي ومعاوية، حيث أرادوا استمرار قتال الفئة الباغية وأنكروا قبول التحكيم. ويرى الشيعة في الإمامة ركنًا من أركان الدين، بينما يقوم فكر المعتزلة على الحجج العقلية والفلسفية في الرد على المشككين في الدين. وردًا على تلك الفرق، ظهرت فرقة أهل السنة والجماعة والتي تتكون من ثلاثة مشارب رئيسية تمثلت بالسلفية والأشاعرة والماتريدية، وإن كانت كل فرقة ترى نفسها بأنها الأقرب لمصطلح أهل السنة والجماعة إلا أنها "سياسيًا" تنطلق من أصول واحدة تتمثل في وحدة الجماعة والابتعاد عن الجدل والفتن، وطاعة ولي الأمر، وتوقير الصحابة. وقد نشأت الحركة السلفية على يد الأمام أحمد بن حنبل (780-855م) الذي ركز على التمسك بالنصوص الدينية، وإجماع الصحابة. وقد جاءت أفكار ابن تيمية، وابن القيم الجوزية، ومحمد بن عبد الوهاب امتدادًا للمدرسة السلفية. ونشأ فيما بعد التيار الأشعري كموقف وسط ما بين المعتزلة والسلفية بقيادة أبو الحسن الأشعري (883-942) الذي لم يتنكر للعقل وفي حال التعارض مابين النقل والعقل، فيتم تقديم العقل، إلا أنه انتهج منهج السلف في عدم التركيز على السياسة. أما التيار الماتريدي، فقد أسسه أبي منصور محمد بن محمود الماتريدي السمرقندي (866-944م) والذي وضع كتاب "تأويلات أهل السنة". وقد كتب الانتشار لهذا التيار على يد تلامذة الماتريدي بعد مرور ما يقارب مائتين عام لاسيما في آسيا الوسطى، وتركيا، والهند. وتعتبر الحركات الدهلوية والديوبندية أهم الامتدادات للتيار الماتريدي. وتقوم الفكرة الماتريدية على أن العقل والنقل يشكلان الأسس التي يتلقى من خلالها المسلم العقيدة وقالوا بجواز التأويل للنصوص ظنية الدلالة بشرط استخدام الأدلة النقلية. وبذلك اختلفوا مع المدرسة السلفية التقليدية التي أكدت على أن المصادر الشرعية هي في القرآن والسنة وإجماع الصحابة. وبذلك يقوم الفكر السياسي الإسلامي لأهل السنة والجماعة على وجوب الإمامة (إلا أنها ليست من أصول الدين بل من فروعه)، الخلافة الراشدة، وجوب الطاعة السياسية للحاكم. وقد أحيت الماتريدية من جديد في الهند على إثر رغبة المسلمين في إيقاظ الحس الإسلامي بضرورة مقاومة الاستعمار البريطاني. ومما ساهم في تعزيز ذلك الشعور، الجذور الإسلامية للهند بعد أن فتحت على يد محمد الغزنوي في عام 1001م، وذلك أدى إلى ولادة الدهلوية الديوبندية. أما الدهلوية، فقد تأسست من قبل أحمد بن عبد الحليم الملقب باسم شاه ولي الله الدهلوي (1699-1762م). وقد نشأ على التعليم الحنفي الديني في ولاية مظفرناجار في ولاية أوتار براديش بالهند.  وقد احتفي به السلطان محمد شاه وذلك بعد عودته من مكة المكرمة في عام 1722م، حيث تتلمذ على يد كبار علمائها، مفتتحًا له مدرسة دار العلوم. وقد دعي شاه ولي إلى تنقية التصوف من العناصر الغير إسلامية وتبني التصوف السني المبني على العقيدة الإسلامية كما وردت في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة. ودعا إلى فتح باب الاجتهاد. وأكمل المسيرة ابنه شاه عبد العزى الذي جنح إلى السياسة ودعا إلى الجهاد ضد البريطانيين حيث رأى أن الهند أضحت دار حرب بعد أن سلبت صلاحيات إمام المسلمين. وعلى إثر الاحتلال البريطاني المباشر للهند، أسس مجموعة من العلماء المسلمين في عام 1866م، مدرسة دار العلوم التي عرفت "بأزهر الهند" في مدينة ديوبند. وقد انطلقت منها الحركة الديوبندية بقيادة الشيخ امداد الله المهاجر وتلميذه الشيخ محمد قاسم الناتوتي المناهضة للاحتلال. وبالرغم من تأثر العديد من علماء الديوبندية بالطرق الصوفية كالنقشبندية والقادرية، إلا أن تلك الحركة هوجمت في البداية بالتشدد لاسيما من قبل الطائفة البريلوية الصوفية التي كانت تدعو لمسايرة الواقع عبر التعاون مع البريطانيين. اما أبرز علماء تلك المدرسة فهم شيخ الإسلام (حسين أحمد المدني)، ومحمد أنور شاه الكشميري، والشيخ أبو الحسن الندوي رئيس جامعة "ندوة العلماء" في لكنو بالهند. ونادت الحركة الديوبندية لمحاربة الثقافة الغربية، والاهتمام بالثقافة الإسلامية واللغة العربية، وأن يقوم الفكر الإسلامي على الجمع بين العقل والنقل. وتتبنى الحركة مبادئ التوحيد، والسنة والتقليد، الاتباع، وتوقير الصحابة والجهاد في سبيل الله. وكان من نتائج تلك الحركة ظهور الجامعة الحقانية في باكستان والتي تخرج منها قادة الحركة الإسلامية في باكستان وأفغانستان. كما ظهر منها جماعة التبليغ التي تدعو إلى الإسلام ومواجهة الاحتلال البريطاني آنذاك. وبذلك فقد قام مفهوم التجديد لدى تلك الحركات، بتجديد حياة المسلمين من خلال العودة إلى أصول الدين المتمثلة بالكتاب والسنة. فالدين الإسلامي قد اكتمل ولابد أن يسعى المسلمون إلى تجديده في النفوس، فالخلل في المسلمين وليس في الإسلام.

الإسلام الصوفي ما بين المقاومة والمواطنة

من خلال ما سبق، تتجلى بوضوح جذور الصوفية في حركة طالبان، التي تجذرت في الماتريدية التي تؤمن بوحدة الوجود حيث ترى الله والطبيعة حقيقة واحدة والتي يرى البعض أن تلك المسألة جاءت بفعل التأثر بأفكار هندوسية وإغريقية قديمة. ومن أشهر المتصوفة المتأثرين بتلك الفلسفة ابن عربي، وابن الفارض، والتلمساني، وشهر الغربيين هيغل وسبينوزا. وقد تسللت تلك الفكرة إلى كبار علماء الديوبندية، إلا أن هناك من رأى بأن الديوبندية الأفغانية لا تعنى بالقضايا الكلية المتعلقة بالله والطبيعة والبشر، بل أقرب إلى تفاصيل الحياة اليومية في تحريم الفنون، ورفض عمل المرأة والحرص على المظهر الإسلامي. وعلى صعيد العمل السياسي، شكلت الصوفية جذور المقاومة الإسلامية تحت الاحتلال لاسيما بفعل انتشارها ما بين كافة الشعوب الأوراسية والتي تقطن اليوم آسيا الوسطى وروسيا الفيدرالية. وقد عبرت تلك الشعوب خلال تاريخها الطويل عن رفضها للوقوع تحت الحكم غير الإسلامي، إلا أن بعد أن احكمت القبضة عليهم، تحولت تلك الشعوب إلى مواطنين موالين لبلدانهم وأبرز مثال المناطق المسلمة في روسيا الفيدرالية اليوم. إلا أفغانستان التي شهدت استمرار لتلك الثقافة الدينية المقاومة المتجذرة في التعاليم الدهلوية والديوبندية المناهضة للاحتلال.

أهل السنة والجماعة

يتجلى بوضوح تبني حركة طالبان إلى نهج أهل السنة والجماعة لاسيما المنهج الحنفي كأحد المذاهب الفقهية التي تقوم عليها الإمارة. وعلى المستوى السياسي، كذلك عبرت طالبان عن رغبتها بتطبيق الشريعة الإسلامية واتباع نهج الخلافة الراشدة كوسيلة رئيسة لمحاربة الفساد وإقامة حكم الإسلام. ففي 4 أبريل 1996م، أعلن الملا محمد عمر في كلمته أمام العلماء في قندهار أن أهداف الحركة تكمن في تحقيق ما يلي:

إقامة الحكومة الإسلامية على نهج الخلافة الراشدة، أن يكون الإسلام دين الشعب والحكومة،

أن تكون الشريعة مصدر التشريعات، استقلال المحاكم الشرعية، تعيين العلماء و الملتزمين بالدين في مناصب الدولة، إنشاء هيئات الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، إلزام الحجاب الشرعي للمرأة، محاربة العصبيات القومية والقبلية، حفظ أهل الذمة والمستأمنين وصيانة أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ورعاية حقوقهم وفق الشريعة الإسلامية، بناء منهج إسلامي تعليمي لكافة المدارس والجامعات وتدريس العلوم العصرية، أما السياسة الاقتصادية تقوم على: أسلمة اقتصاد الدولة والاهتمام بالتنمية، طلب المساعدات من الدول الإسلامية لإعمار أفغانستان، جمع الزكاة و العشر وغيرهما وصرفها في المشاريع والمرافق العامة، و تقوم السياسة الخارجية على إعداد جيش لحماية الدولة، توثيق العلاقات مع جميع الدول والمنظمات الإسلامية، تحسين العلاقات السياسية مع جميع الدول الإسلامية وفق القواعد الشرعية، الاحتكام في كافة القضايا السياسية والدولية إلى الكتاب و السنة.

الاجتهاد والتأويل المفقود

بالرغم من أن الخلاف الرئيسي في إطار أهل السنة والجماعة، يقع حول موقع العقل مابين السلفية التي تعلي النص، وبين الأشاعرة والماتريدية التي تسعى إلى التوفيق وفي أحيان كثيرة تنتصر للعقل، إلا أن ذلك الموقف لا ينعكس على الواقع السياسي لحركة طالبان -ذات الجذور الماتريدية والأشعرية-بحيث لم تسع إلى الاجتهاد في طبيعة النظام السياسي، وأخذت موقف الجمود إزاء قضايا الديمقراطية، والمرأة، والدستور والتشريعات.

*الديمقراطية: ترفض طالبان مصطلح "الديمقراطية" لإيمانها بأن "حق التشريع لله وليس للشعب."

*دستور الدولة: ترى طالبان أن دستور الدولة هو القرآن والسنة، فهي لا ترى أهمية لإصدار التشريعات لتنظيم شؤون الدولة.

لأحزاب: ترفض حركة طالبان تصنيف نفسها على أنها حزب سياسي، فهي ليست لديها لائحة تنظيمية أو برامج أو نظام للعضوية والاشتراكات. بل طرحت نفسها كحركة شعبية دينية تسعى لخدمة الشعب الأفغاني عن طريق إعادة تفعيل وظائف الحكومة. كما ترفض طالبان نظام الأحزاب وذلك بسبب قيامها على أسس اثنية، ولغوية وقبلية، وبالتالي فهي "نوع من العصبيات الجاهلية، الأمر الذي تسبب في مشاكل وعداء وفرقة بين الناس."

*المظاهر الإسلامية: اعتاد أعضاء الحركة على الخشونة وصعوبة العيش. والاستخدام المبكر للسلاح، والإيمان بأن الشهادة هي فوز للمسلمين. وترى طالبان بضرورة الاهتمام بالمظاهر الإسلامية-التي تشرف على تنفيذها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-المتمثلة بإطلاق اللحى ولبس العمامة، وتحريم الموسيقى، والغناء والصور، وتعليم وعمل المرأة.

الطابع القبلي-القومي البشتوني

في نظرية ابن خلدون حول العصبية، أن الملك "الدولة" ينشأ عن العصبية والتي هي الشعور المشترك برابطة القرابة، "فغاية العصبية هي الملك، ولا مُلك دون عصبية. وإن كانت العصبية جوهر المُلك فلابد أن تقترن بالقوة المعنوية المتمثلة بالدين والأخلاق. وذلك ما يتوافر لدى طالبان المعبرة عن الاثنية القومية-القبلية البشتونية. فأفغانستان تضم العديد من العرقيات بما فيها البشتون، الطاجيك، الأوزبك، الهزارة، الأيمك، البلوش، والتركمان. ويعتبر البشتون أكبر الاثنيات ويتكونون من خمس مجموعات هم المسلمون السنة، الغزاليين، الدورانيين، الصرب، الكوشين. ويتواجدون كذلك في شمال غرب أفغانستان بالقرب من الأوزبك و الطاجيك. أما الطاجيك فهم من الشعوب الإيرانية، ويرجع العديد من الحكام الأفغان إلى تلك الاثنية لاسيما أبان حكم حبيب الله خان في عام 1929م، وخلال الفترة ما بين 1992-1996م، تحت حكم الرئيس رباني. وقد استهدفت طالبان الطاجيك بشكل كبير لاسيما في مزار الشريف في عام 1998م. أما الحزارة فهم من المسلمين الشيعة وهم سكان جبال حزار في المحافظات المركزية الأفغانية وكانوا يقطنون غرب تركمانستان. وتم استهدافهم في عام 1983م، إبان حكم أمير عبد الرحمن خان. و يبلغ عدد البلوش ما يقارب نصف مليون نسمة ويتواجدون في فرياب و هلمند ويعتمدون على الزراعة ورعاية الحيوانات. أما الشعوب التركية في أفغانستان فهي تشمل الأيمك، والتركمان، والأوزبك العاملين في تجارة الفواكه وبيع السجاد والمنسوجات.

مفهوم الحاكمية لله وخوارج العصر

يرتبط مفهوم "الحاكمية لله" بصورة جدلية في حركة طالبان سواء حينما كانت جماعة متمردة تسعى للوصول إلى السلطة، أو في محاربتها للحركات المناوئة لحكمها بعد وصولها للسلطة. وترجع جذور المفهوم حينما اقتبس الخوارج الآية الكريمة إن الحكم الا لله" للتعبير عن رفضهم للتحكيم في معركة صفين ما بين معاوية وعلي. أما أحمد بن تيمية، فقد رأى ذلك المفهوم من خلال رؤيته لعقيدة التوحيد التي قسمها إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية كمدخل إلى توحيد الحاكمية بمعنى أن يخص العبد الله تعالى بالعبادة دون سواه، وأن أي توسل لغيره هو شرك وخروج عن التوحيد والحاكمية، وهو مفهوم تبنته كذلك المدرسة الوهابية. أما الإمام أبو الأعلى المودودي-مؤسس الجماعة الإسلامية-في باكستان، فقد "وضع مفهومه الخاص للحاكمية المرادف لمفهوم الألوهية فعنده ..لفظ إله واصطلاح الحاكمية هما اسمان لحقيقة واحدة، فالحاكمية والألوهية لله وحده، وإذا كان لا يجوز للبشر منازعة الله في الألوهية، كذلك لا يجوز منازعته في الحاكمية" أما سيد قطب فقد عرف الحاكمية "كل ما شرّعه الله لتنظيم الحياة البشرية من أصول العقيدة... والحكم... والأخلاق.. والمعرفة، فالحاكمية ..أوسع من الشريعة لأنها تتضمن: التصور الاعتقادي، والشعائر التعبدية، والشرائع الحياتية... واعتبر أن كل من يخرج عن الحاكمية ينطبق عليه مفهوم (الجاهلية)، التي تعني رفض ألوهية الله، ورفض حاكمية الله، فالحاكمية عنده هي الإسلام، والخروج عنها جاهلية، فإما حاكمية الله والإسلام، أو حاكمية البشر والجاهلية." وبدأت تلك الاجتهادات تنتقل للحركات الجهادية وأبرزها جماعة المسلمين التي عرفت "بجماعة التكفير والهجرة" وبقيت الحركات الجهادية وكان ذلك منطلقًا لتكفير الآخر المختلف في المجتمع الواحد. وشكلت تلك الأفكار الإطار الفكري لأهم أدبيات التطرف بما فيها ذلك  "الفريضة الغائبة" لمحمد عبد السلام فرج، و"إعداد العدة" و"الجامع في طلب العلم الشريف" لسيد إمام، المشهور باسم الدكتور فضل، و"إدارة التوحش" المنسوب لأبي بكر ناجي، وهو الإطار الفكري لداعش.

طالبان.. نيران صديقة

انتقل ذلك الفكر إلى طالبان وقد يكون ذلك ما يفسر موقفها تجاه المرأة والشيعة والآخر المختلف. إلا أن طالبان نفسها لم تسلم من التكفير، فبعد أن هنأ تنظيم القاعدة فوز طالبان في الوصول إلى السلطة، سارع تنظيم الدولة الإسلامية-خراسان إلى تبني تفجيرات مطار كابل، من أجل النيل من قدرة طالبان في فرض الأمن والسيطرة. فتنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان ينقسم إلى فرعين، الأول في خراسان وينتمي إلى الدولة الإسلامية في العراق وسوريا (الأعضاء السابقين في حركة طالبان الباكستانية) بينما الفرع الآخر في كابول فهي من الأعضاء السابقين في القاعدة بقيادة شهاب المهاجر العضو السابق في شبكة حقاني. وذلك ما يفسر تعيين سراج الدين حقاني وزيرًا للداخلية في حكومة طالبان. فالخبرة الطويلة في القتال المشترك ما بين طالبان وبقية الفصائل بعد تأسيس تنظيم القاعدة في 1998م، علمت من خلالها طالبان أن البعض منها يرى طالبان كفرقة مبتدعة. وهي نظرة سوف تتصاعد لاسيما في ظل سعي طالبان للحصول على الشرعية والقبول الدولي والتفاوض مع الآخر المختلف مما يؤكد بأن التطرف طريق لا نهاية له، وأحد مواطن الضعف الضاربة في جسم المجتمعات العربية والإسلامية، وأن الحكومات مطالبة بمعالجة الجذور وليس القشور، من خلال التعليم، وإدراك الشباب المسلم ان المعركة الأكبر في السبق العلمي والوعي والتنمية.

طالبان والمستقبل

شكل الاعتراف الأممي بأفغانستان، البدايات الأولى الفعلية لانخراط طالبان في المجتمع الدولي كدولة دينية سنية ذات جذور مختلطة، والتي سوف تكون مصدرًا للإلهام لكثير من الجماعات المتطرفة لاستمرار الكفاح حتى إقامة الدولة الإسلامية المتخيلة في ذاكرة الجماعة الدينية مما يعني استمرار الجدل القائم حول طبيعة الدولة الدينية في الإسلام. كما إنها ستكون مصدر إلهام بشكل خاص للجماعات الرابضة تحت الرماد في العديد من جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية والأقليات المسلمة الصينية-الأويقورز- في ولاية سينجان، لاسيما بفعل تشابه المكون العرقي و الجذور الصوفية، لكن بفعل الفارق الزمني لنشأة مفهوم الدولة الغربية والتي ظهرت في عام 1648م، و التي كان لها أبلغ الأثر في تشكيل قواعد القانون الدولي بما فيها تهذيب مفهوم السيادة-المكسب الأول للدولة، مع عدم حسم النهوض بالمعركة التنموية بإشراك كافة مكونات المجتمع من الداخل، ستستمر تلك التجارب الناشئة -أفغانستان- تدور في فلك الصراع  الدولي يعزز ذلك موقعها الجغرافي المجاور لإيران  لعدد من القوى الإقليمية النووية "الهند وباكستان" والواقع في قلب المعركة الأوراسية مابين الصين و روسيا والولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من قوى صاعدة في اليمين وفي اليسار والتي ستلقي بظلالها بلا شك على أمن و مستقبل منطقة الخليج و المنطقة العربية برمتها.

مقالات لنفس الكاتب