; logged out
الرئيسية / السعودية لا تردد في صياغة عقيدة عسكرية محددة الأهداف واضحة التحديات

العدد 172

السعودية لا تردد في صياغة عقيدة عسكرية محددة الأهداف واضحة التحديات

الثلاثاء، 29 آذار/مارس 2022

ليست مصادفة: التاريخ لا تصنعه المصادفة، لكنه بكل حال يستفيد منها إن حدثت، ولعلها ليست مصادفة أن يعتلي ملك الحزم، الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ سدة الحكم في المملكة العربية السعودية في هذا الوقت، في الوقت الذي يشهد فيه العالم ومنطقة الشرق الأوسط تحديدًا نوعًا من التغيرات تكاد تقترب من الفوضى، بعد أن عبثت أصابع ما يسمى بالربيع العربي بكيانات ونسيج عدة دول عربية واوقعها في حالة من التفكك والفوضى (Anarchy )، وكان المشروع الإيراني الفارسي المستفيد الأول من هذا التفكك عبر وكلائه في المنطقة  حتى أصبح نفوذه هو المسيطر والمتحكم في قرار أربع عواصم عربية كما ادعى ذلك السيد (علي رضا زاكاني، رئيس مركز الأبحاث في البرلمان الإيراني ) وحتى وصل إلى جزء من الجزيرة العربية عبر مليشيات الحوثي والتي تنتمي وتأتمر بأمر طهران بالمطلق. بل وأصبحت إيران تكاد تكون على علاقة حدودية برية مباشرة مع المملكة عبر الأحزاب المتنفذة في العراق كحزب الحشد الشعبي وحزب عصائب أهل الحق وأحزاب أخرى تتوالد كل يوم.

لذلك أدركت حكومة المملكة العربية السعودية بقيادة ملك الحزم  خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ــ خطورة ما يجري خاصة بعد الانقلاب على الحكومة الشرعية في اليمن واحتلال صنعاء من المليشيات الحوثية ثم الزحف نحو عدن، وبادرت بقيادة تحالف من عشر دول لإطلاق عاصفة الحزم  في ( 26 مارس  عام 2015م ) بعد أن  تقدم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي برسالة في 24 مارس 2015م، إلى قادة دول مجلس التعاون الخليجي يوضح فيها التدهور الشديد وخطورة الأوضاع الأمنية في الجمهورية اليمنية، جراء الأعمال العدوانية للحوثيين، والمدعومة أيضاً من قوى إقليمية (كما في الخطاب ويعني إيران) هدفها بسط هيمنتها على اليمن، وجعلها قاعدة لنفوذها في المنطقة، وبعد قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (رقم 2216) والذي طالب الحوثيين بالتنفيذ الكامل للقرارين رقم 2201 و2204 والامتناع عن اتخاذ المزيد من الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تقوض عملية الانتقال السياسي في اليمن.

ولا شك أن الحرب أخذت وقتًا أطول من المتوقع وسبب ذلك رفض الجماعة الحوثية المتكرر لأي نداءات سلمية لذلك كانت أول مواجهة عسكرية للمشروع الإيراني والسعي إلى هزيمته وهو ما سيحدث في القريب العاجل ليس فقط من أجل اليمن ، وإن كانت اليمن الأساس، ولكن من أجل شرق أوسط مستقر، ومن أجل الأمن الوطني الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية والذي استلهمه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ في هذه المرحلة الحرجة والصعبة وسعى ـ أيده الله ـ وعبر رؤيته العميقة الى تكريسه للحاضر والمستقبل.

ولكن ما هو الأمن الوطني الاستراتيجي؟

الأمن الوطني الاستراتيجي

أحد تعريفات الأمن الاستراتيجي الوطني ( National Military Strategy) هو أنه علم وفن توزيع واستخدام القوات العسكرية لتحقيق الأهداف الوطنية في الحرب والسلم  ويتم ذلك طبقًا  للتهديدات الآنية والمستقبلية.

وقد سعت المملكة إلى بلورة وتكريس هذا الأمن انطلاقًا من التغيرات التي تحدث في المنطقة وبالتوافق مع (رؤية 2030) للمملكة العربية السعودية والتي تهدف من خلال هذه الرؤية إلى تطوير قوات مسلحة احترافية تواكب هذه الرؤية وتؤمن مصالح المملكة السياسية والاقتصادية والأمنية على كامل ترابها بما في ذلك مواجهة التحديات فيما يختص أمن سلامة البحار والممرات المائية في كل من البحر الأحمر والخليج العربي والمضائق المائية من وإلى هذه البحار.

وكانت المملكة العربية السعودية قد بدأت في وضع رؤية واضحة منذ تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ـ حفظه الله ـ مهام وزارة الدفاع والطيران بتاريخ 5/11/2011م، إلى تطوير وتحديث القوات المسلحة، وقد رفع بذلك في حينه إلى الملك الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيزـ يرحمه الله ـ وقد اختار حفظه الله سمو الأمير محمد بن سلمان أمينها العام في ذلك الحين.

ومع تولى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ـ حفظه الله ـ مقاليد الحكم في 23 /1 /2015م، وتسلم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ حفظه الله ـ مقاليد وزارة الدفاع والطيران تسارع تطوير وهيكلة الوزارة وفق رؤية واضحة وكما هو موضح في الموقع الرسمي لوزارة الدفاع والطيران والذي ينص على (إعداد وقيادة القوات المسلحة للدفاع عن أمن ومصالح وسيادة المملكة وحمايتها من أي اعتداء خارجي والعمل مع كافة وزارات الدولة لتحـقــيــق الأمــن والاســتــقـرار الوطني.) ولتحمي أمن الـــوطن ومصالحه من التهديد الخارجي وتقـــود التحالفات وتشارك بها بجدارة واقتــــدار

أبرز التحديات المستقبلية التي تواجه المملكة العربية السعودية

سنحاول في هذه العجالة ملامسة وإبراز أهم التحديات والتهديدات الأمنية للمملكة العربية السعودية، وقد ذكرنا أن تنامي النفوذ الإيراني وطموحاته النووية يأتي في المقدمة. وقد ذكر ذلك سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ــ حفظه الله ـ قائلا (إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم فيها إيران، سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها الباليستية)

وتسعى إيران ومن خلال تطوير قدراتها الصاروخية والنووية المتنامية ومن خلال الأحزاب الشيعية التابعة لها إلى تهديد بقية دول المنطقة إضافة الى التحكم في المضائق المائية العالمية كمضيق هرمز ومضيق باب المندب وتهديد التجارة العالمية الحرة في المياه الدولية.

ولمواجهة هذا التحدي سعت المملكة العربية السعودية إلى تحديث قواتها المسلحة بأحدث الأسلحة والنظم. وعقدت تحالفات مع دول شقيقة في المنطقة إضافة إلى تأهيل وتأصيل صناعات عسكرية حديثة والسعي إلى نقل التقنية في هذا المجال وحتى لا تخضع إلى ابتزاز أو مساومة من الدول المصدرة للسلاح.

وعلى صعيد الإرهاب والذي كان يشكل تهديدًا للأمن الداخلي فقد استطاعت المملكة وفي فترة وجيزة جدًا القضاء على بؤر هذا  الإرهاب عبر تجفيف منابعه الفكرية  ومحاصرة النشاطات المالية المشبوهة التي كانت تغذيه إضافة إلى تكريس وسطية الإسلام كما قال سمو ولي العهد ـ حفظه الله ـ (نحن فقط نعود إلى ما كنا عليه، الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وعلى جميع الأديان وعلى جميع التقاليد والشعوب"، مضيفًا "70 بالمئة من الشعب السعودي أقل من 30 سنة، وبكل صراحة لن نضيع 30 سنة من حياتنا في التعامل مع أي أفكار مدمرة، سوف ندمرها اليوم وفورًا)  .

ولأن الإرهاب أصبح تهديدًا عالميًا فقد بادرت المملكة العربية السعودية في الأول من ديسمبر للعام 2015م، إلى إنشاء (التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب) والمكون من أربعين دولة متخذًا من الرياض مقرًا لهذا التحالف، وقد أفتتح سمو ولي العهد مع وزراء أربعين دولة المؤتمر الأول في الرياض قائلاً في الخطاب الافتتاحي (ولا شك أن اجتماعنا اليوم هو اجتماع مهم جداً لأنه في السنوات الماضية كان الإرهاب يعمل في جميع دولنا وأغلب هذه المنظمات تعمل في عدة دول بدون أن يكون هناك تنسيق قوي وجيد ومميز بين الدول الإسلامية).

 

ومن التحديات غير التقليدية الأخرى التي تواجه المملكة العربية السعودية تأمين الأمن السيبراني حيث غدت الهجمات السيبرانية مشكلة تهدد أمن الدول والشركات ثم وأن (المملكة العربية السعودية تتجه نحو التحول الرقمي في كثير من القطاعات، وتسعى المملكة لتكون ضمن مصاف دول العالم في الاقتصاد الرقمي من خلال الاستثمار في القطاعات التقنية،)

ولأهمية هذا التهديد فقد وجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ـ يحفظه الله ـ أمرًا ملكيًا بتأسيس الهيئة الوطنية للأمن السيبراني في عام 2017م؛ لتأكيد أهمية الدور المأمول لحماية مؤسسات المملكة من أي هجمات إلكترونية خبيثة، لا سيما مع التحول الرقمي الذي يشهده العالم والتطور التكنولوجي الهائل، وقد جعل هذا الاهتمام من المملكة العربية السعودية الأولى عربيًا في الأمن السيبراني ومن الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال.

ومن التحديات التي تواجه المملكة وهي أيضًا (مشكلة عالمية) هي تمكين الجماعات الإرهابية من الحصول على أسلحة الدمار الشامل كالطائرات المسيرة والأسلحة الكيماوية والتي أصبح الحصول عليها ميسرًا وممكنًا في ظل تنامي الفوضى في دول عديدة وهذه الجماعات لن تترد في استخدام هذه الأسلحة وقد استخدمتها بالفعل وهددت الملاحة الجوية والبحرية في بعض دول الجوار وقد دعت المملكة العربية السعودية جميع الدول إلى تعزيز التعاون الدولي بحزم ضد الإرهاب الدولي العابر للحدود واتخاذ تدابير عاجلة وفعالة للقضاء على هذه الآفة.

وفي اعتقادي أن العالم بحاجة ماسة إلى اتفاقيات تحد أو تحرم تصدير أو امتلاك مكونات المسيرات (درونز) مساواة بالأسلحة الكيميائية وألغام الأفراد الأرضية وذلك لأن حصول الجماعات الإرهابية بيسر وسهولة عليها سيشكل تهديدًا للسلام العالمي ومجالات الطيران المدني وسلامة الأجواء.

(تهديد حرية  الملاحة في المضائق والمياه الدولية )

تعرضت مؤخرًا عدة سفن تجارية لهجمات غامضة في خليج عمان وبحر العرب، ورغم عدم اعتراف إي دولة بتنفيذ أو تبني مثل هذه الهجمات إلا أن كل الدلائل تشير إلى أن إيران ووكلاءها في المنطقة هم من يقف وراء هذه الحوادث وهم المستفيد الوحيد من ذلك، وإيران ترتكب مثل هذه الممارسات بعيدًا عن الممرات والمضائق البحرية لأنها تدرك أن الأمم المتحدة قد أقرت حسب المادة 38 من قانون البحار يحمي جميع السفن والطائرات ويمنحها حق المرور العابر عبر المضائق، وأن هذا الحق لا يجوز أن يعاق وبغـض النظـر عـن كونهـا تجاريـة أم غيـر تجاريـة، حربيـة أو غيـر حربيـة، مـا دام المضيـق الـذي تمـر بـه هـو مـن المضائـق التـي نصـت عليها المادة 37 من القانون.

ولهذا بقيت المضائق (مضيق هرمز وباب المندب) محمية بموجب القانون الدولي، وبمحاولة الالتفاف على هذا القانون تقوم إيران بمهاجمة السفن خارج هذه المضائق وذلك عبر الطائرات المسيرة والألغام الطافية والمحرمة دوليًا وكذلك عبر قواعد عائمة للحرس الثوري (وهي سفن تجارية في تسميتها ومظهرها غير أنها قواعد متقدمة للحرس الثوري الإيراني كما في السفينة الإيرانية "سافيز") والتي تعرضت لهجوم يتوقع أنه كان من إسرائيل في شهر إبريل من العام 2021م.

ومن أجل ذلك أنشئت عدة دول ما سمي (التحالف الدولي لأمن وحماية حرية الملاحة البحرية) في العام 2019م، ومقره مملكة البحرين وقد انضمت المملكة العربية السعودية إلى هذا التحالف في سبتمبر من العام نفسه.

ولأن إيران كانت تمارس عبثها وتعديها على القانون الدولي بطريقة غير مباشرة إلا أن وكيلها -ميليشيات الحوثية- تمارس التعدي على القانون الدولي صراحة ودون مواربة. وهي تقوم بنشر الألغام البحرية الطافية والمحرمة دوليًا عبر جنوب البحر الأحمر وشواطئ المملكة العربية السعودية. وقد تعرضت عدة سفن تجارية للإصابة بواسطة هذه الألغام، إضافة إلى عشرات الصيادين اليمنين الأبرياء والذي يرتطمون بهذه الألغام وتتدمر حياتهم بالكامل، ولعل إعلان الجماعة الحوثية عن تصنيع الألغام البحرية (كرار) واحد واثنين وثلاثة هو ما يؤكد على هذا العبث والتحدي للرأي العالمي في إصرارها على تجاهل قانون البحار والقوانين الدولية.

وكما هو معلوم إن هذه الألغام ما هي سوى صناعة إيرانية والميليشيات الحوثية تفتقر إلى أبسط مبادئ هذه التقنيات.

تجاهل دولي

ما يثير القلق والتساؤل هو تجاهل المجتمع الدولي لمثل هذا التحدي والتعدي، وبين الحين والآخر يندد ويدين هذه الممارسات ولكن بطريقة خجولة ومتواضعة ودون القيام بأي رد فعل قوي، متجاهلاً مثل هذا العبث وتاركًا ذلك لدول المنطقة.

وقد نددت المملكة العربية السعودية في كلمة ألقاها نائب مندوب المملكة في مجلس الأمن بهذا الغياب الدولي وقال إن غياب الإجراءات الحازمة تجاه هذه المليشيات هو ما أعطاها مساحة أكبر للإضرار بالشعب اليمني وزعزعة وعدم، استقرار أمن المنطقة والتأثير بشكل كبير على الأمن والسلم الدوليين).

ولعل أبرز دلائل هذا التجاهل هو عدم الضغط على الجماعة الحوثية لحل مشكلة خزان النفط (صافر) والذي يعد قنبلة موقوتة، فلم يتم عمل صيانة لها منذ خمس سنوات رغم أنها قابلة للتفكك والانفجار في أي لحظة ما قد يسبب أكبر كارثة بيئية في العالم قد تدمر الحياة المائية في جنوب البحر الأحمر وتهدد الموانئ ومحطات التحلية في الجانبين العربي والإفريقي وسوف يستلزم الأمر عقودًا لتنظيف التلوث فيما لو حدث ذلك.

وكل ما استطاع المجتمع الدولي فعله هو إبداء قلقه العميق وحض جماعة الحوثي على السماح ببعثة أممية للإسراع في صيانة هذا الخزان المتقادم (44) سنة والذي يحتوي على (1,1) مليون برميل من النفط الخام.

لكن جماعة الحوثي تجاهلت كل نداءات العالم.

وعلى كل فجماعة الحوثيين تتجاهل كل نداءات العالم فيما يختص زراعة الألغام العشوائية بكافة أشكالها وتجنيد الأطفال وقصف المنشآت اليمنية داخل اليمن وخارجه بالصواريخ والطائرات المسيرة كما حدث في قصف مطار عدن في ديسمبر 2020م، وأدت إلى مقتل وجرح 120 مدنيًا، والمملكة العربية السعودية أدركت هذا التحدي لذلك تسعى حثيثًا لتحديث أسطولها البحري وتطوير قدراتها في هذا المجال.

تحديات وإصرار

ولعل من أبرز التحديات التي تواجه المملكة العربية السعودية مع تنامي دورها ونفوذها المؤثر هو فاتورة ومصادر التسليح، ذلك أن هذا الدور يستلزم قوة عسكرية حازمة ومستدامة لفرض إرادة المملكة وحماية كيانها من التهديد والتحديات.

ولأن الفاتورة الدفاعية كانت عالية جدًا لذلك كان أحد أبرز بنود رؤية المملكة 2030هو تقليص هذه الفاتورة وذلك عبر الترشيد وإعادة هيكلة وزارة الدفاع والطيران إضافة إلى الشروع في صناعات دفاعية فاعلة وتطوير ما هو موجود بحيث تكون المملكة أحد الدول الرائدة في صناعة السلاح.

ومن أجل ذلك ألزمت كل مشاريع وتعاقدات التسليح في أن يتم تأمين أكثر من خمسين في المئة من مكونات هذه المشاريع من الناتج المحلي، وسعت إلى عقد شراكات مع كبرى شركات الصناعات الدفاعية في العالم، كما سعت أيضًا إلى إنشاء قاعدة علمية لهذا الغرض وسعى صندوق الاستثمارات العامة إلى تأسيس الشركة السعودية للصناعات العسكرية في عام 2017م، وهي شركة مملوكة بالكامل

للصندوق، وتسعى هذه الشركة إلى أن تصبح ضمن أكبر 25 شركة صناعات عسكرية في العالم، جامعةً بين أحدث التقنيات وأفضل الكفاءات لتطوير منتجات عسكرية بمواصفات عالمية، لتعزز قدرات المملكة في هذا القطاع.

واستمرارًا لهذا النهج فقد أقر مجلس الوزراء في شهر أغسطس من العام 2017م، (إنشاء هيئة للصناعات العسكرية من أجل تنظيم قطاع الصناعات العسكرية في المملكة وتطويره ومراقبة أدائه) 

 وبتاريخ 15 سبتمبر2021م، أقر مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين ــ يحفظه الله ــ إنشاء هيئة باسم «الهيئة العامة للتطوير الدفاعي» تتمتع بالشخصية الاعتبارية وبالاستقلال المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الوزراء، وتُعنى بتحديد أهداف أنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنية والأنظمة الدفاعية ووضع سياساتها واستراتيجياتها، وكل هذه القرارات المتتابعة تؤكد وبما لا يقبل الشك الجدية والتحدي الكبير الذي أخذته المملكة على عاتقها في أن تكون دولة مهابة وقادرة على فرض سياستها وإرادتها وألا تكون في موضع مزايدات من أحد.

يقين بالغد

 عندما أطلق مهندس الرؤيا 2030 سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ـ يحفظه الله ـ قال في افتتاحيتها وبعد أن تحدث عن المصادر الضخمة التي تمتلكها المملكة قال سموه (وأهم من هذا كله، ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموحٌ، معظمُه من الشباب، هو فخر بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله، ولا ننسى أنه بسواعد أبنائها قامت هذه الدولة في ظروف بالغة الصعوبة، عندما وحّدها الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود طيب الله ثراه. وبسواعد أبنائه، سيفاجئ هذا الوطن العالمَ من جديد).

ذلك أنه أدرك سموه وبرؤيته الواضحة التحديات والتعقيدات التي ستواجه المملكة العربية السعودية، وأدرك سموه أن هذه التحديات تحتاج قوة وإرادة وطنية وتحتاج أفكارًا خارج المألوف، وأدرك أيضًا القدرات الكبيرة المعطلة لأبناء هذا البلد.

ولعل تصريح سمو وزير الطاقة أيضًا في إفتاح مؤتمر (صنع في السعودية) والذي انطلق في الرياض بتاريخ 15/2/2022م، لخص المعادلة السحرية نحو النهوض والتحدي عندما قال (إن لهذا الجيل الشاب شابًا ملهمًا قائدًا فاعلاً هو صاحب الرؤية الذي يراهن أن الاعتماد على شباب اليوم والمستقبل هو ما سيحقق هذه الرؤية، فهم الأقدر والأكثر حيوية على تنفيذها على أرض الواقع)، هذا اليقين وهذا الوضوح في الرؤيا هو ما يجعل المملكة تمضي دون تردد في صياغة وتجديد عقيدتها العسكرية ضمن هذه الرؤيا وفي تحديد الأهداف والتحديات والمضي دون تردد.

ولأن المملكة هي أيضًا أحد دول العشرين (G20) فإنها تعمل على أن تكون أحد أقوى هذه الدول وأكثرها تقدمًا وهي لا تخفي ذلك. وقد تعهد سمو ولي العهد لشعب المملكة العربية السعودية بذلك قائلاً: (نلتزم أمامكم أن نكون من أفضل دول العالم في الأداء الحكومي الفعّال لخدمة المواطنين، ومعاً سنكمل بناء بلادنا لتكون كما نتمناها جميعاً مزدهرةً قويةً تقوم على سواعد أبنائها وبناتها وتستفيد من مقدراتها، دون أن نرتهن إلى قيمة سلعة أو حراك أسواق خارجية، نحن نملك كل العوامل التي تمكننا من تحقيق أهدافنا معاً، ولا عذر لأحد منا في أن نبقى في مكاننا، أو أن نتراجع لا قدر الله.)

وبهذه الشفافية والوضوح والإرادة تدرك المملكة التحديات التي ستواجهها وهي تعرف اليوم أن التحديات الإقليمية أكثر لكنها أيضًا هي اليوم أقوى وقد انطلق مارد الصناعات العسكرية ليس كتحد صناعي فقط، ولكن لسحب وإفشال ورقة التلويح بتقيد واردات التسليح للمملكة والتي تلوح بها بعض الدول بين حين وآخر ولدوافع سياسية وانتخابية في الغالب رغم أن المملكة تشتري هذه الأسلحة نقدًا بل وتشارك أحيانًا في برامج البحث والتطوير لهذه الأسلحة.

عودًا على بدء

إذا نرى أن التحديات التي تواجهها المملكة كبيرة لكن هذا قدرها وقد اختارت أن تكون حجر الزاوية والدولة الفاعلة في هذه المنطقة من العالم لا كطموح حالم ولكن لأنها تمتلك كل القدرات المستحقة، وهي تعمل مع أشقائها وأصدقائها وحلفائها على أن يسود السلام والرفاهية هذه المنطقة من العالم والتي عانت الكثير، وهي تدرك أنه لن يصون هذا الحلم سوى القوة، القوة الصاعدة والصامدة كل يوم.

ومرة أخرى أكرر القول إن التاريخ لا تصنعه المصادفة لكنها تستفيد منه، ومن يصنعونه هم القادة الاستثنائيون كما هو ملك الحزم والعزم وكما هو أيضًا استثناء وفريد سمو ولي عهده القوي الأمين.

مقالات لنفس الكاتب