; logged out
الرئيسية / 7 خطوات اقتصادية والاستفادة من المزايا النسبية لتجنيب الدول العربية أزمات غذائية

العدد 174

7 خطوات اقتصادية والاستفادة من المزايا النسبية لتجنيب الدول العربية أزمات غذائية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

لا شك أن الحرب الروسية الأوكرانية كان لها تأثيرها الاقتصادي على الدول العربية حيث أن الاقتصاد سيمثل وبقوة في موضوع الحرب الشغل الشاغل ليس فقط لدول المنطقة العربية على وجه العموم ومنطقة الخليج على وجه الخصوص بل لدول العالم بأسره إذ أنه يمثل الحلقة الأكثر ضعفًا والتي يمكن أن تهتز سريعاً مع ظهور أول علامات من حالات عدم الاستقرار السياسي.

وفيما يخص المنطقة العربية مجتمعة فإنها لم تحذو حذو أمريكا أو الغرب بفرض إجراءات تقييدية اقتصادية ضد روسيا وكان الموقف العربي أكثر توازناً من الصراع وامتنع عن المشاركة في العقوبات الاقتصادية على روسيا. 

وعند الحديث عن التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية فإنه من الأهمية مراعاة جملة الأمور التالية:

  1. إدراك حقيقة الاختلافات الجوهرية فيما بين الدول العربية ذاتها والتي يمكن تقسيمها إلى دول مصدرة وأخرى مستوردة للنفط مع مراعاة أن روسيا أحد طرفي الصراع تمثل أحد منتجي النفط الرئيسيين جنباً إلى جنب مع دول مجلس التعاون والعراق والجزائر وليبيا.
  2. أن طرفي الصراع الرئيسيين وهما روسيا وأوكرانيا يمثلا لدول عربية يأتي على رأسها مصر ولبنان مصدراً لا غنى عنه لاستيراد احتياجاتهم الرئيسية من القمح بوصفهم من أكبر منتجي الحبوب في العالم، وأيضاً من منتجي المعادن الرئيسيين إذ أن العالم العربي يستورد أجزاءً كبيرة من الحديد والصلب من روسيا وأوكرانيا.

وتأسيساً على ما سبق يتضح كيف تأثرت الاقتصادات العربية سلباً بالنزاع الروسي الأوكراني وما نجم عنه من ارتفاعات غير مسبوقة في أسعار السلع والمواد الغذائية والغاز والحديد في فترة زمنية قصيرة.

وغني عن البيان أن قطاعي النفط والسياحة كانوا هم الأكثر تأثراً من الحرب على الاقتصادات العربية، فيما يتعلق بأسعار النفط العالمية فإنه بنظرة سريعة يمكن استخلاص أن الدول العربية المصدرة للنفط يمكنها تحقيق مكاسب سريعة وجني أرباح كبيرة جراء اشتداد الصراع مما يساعدها في تحقيق فائض في الميزانية وسداد أي مديونيات عليها والتي سببها انخفاض أسعار النفط منذ العام 2015م، إلى حاجز ما دون 50 دولاراً، وبالتالي فإنه من غير المتوقع أن يواجه مواطنو تلك الدول أي مشاكل مع أسعار الطاقة.

أضف إلى ما سبق أن العقوبات الاقتصادية على روسيا سينجم عنها ارتفاع سعر برميل النفط إلى مستويات قياسية، الأمر الذي من شأنه تعزيز الآثار الإيجابية للدول المصدرة للنفط بشكل يمكنها من مواصلة الإنفاق بمعدلات أعلى.

وعلى العكس فإن باقي الدول المستوردة للنفط ستعاني جراء الارتفاعات التي سببتها الحرب لأسعار النفط والتي ستشكل جنباً إلى جنب مع بقية الآثار السلبية للنزاع حجر عثرة في تحقيق معدلات نمو أو على أقل تقدير مجابهة التداعيات السلبية للنزاع إذ أن الأسعار المرتفعة للنفط ستجعل من الصعوبة على قطاعات النقل والطاقة والصناعة تقديم الخدمات والمنتجات بأسعار معقولة، فضلاً عن أن واردات القمح والأغذية الأخرى سوف تكلف أكثر.

ومن هنا نتوقع أن الدول العربية المستوردة للنفط (اليمن والأردن ولبنان وسوريا ومصر والسودان وتونس والمغرب والصومال وجزر القمر) ستحقق المزيد من عجز الميزانية على المدى القصير وهو ما قد يدفعها إلى الاستدانة لقروض عالية الفائدة جراء رفع أمريكا لسعر الفائدة، وهو ما يحتم على تلك الدول إعادة هيكلة برامج الدعم الخاصة بها لحماية الفئات المحرومة والهشة وتأمين الغذاء بأسعار معقولة.

أما فيما يتعلق بالسياحة نجد أن عدداً كبيراً من الدول العربية يعتمد على عائدات السياحة التي تجنيها من السواح الروس والأوكرانيين لا سيما مصر وتونس والمغرب بالشكل الذي يمكنها من دعم اقتصاداتها بشكل كبير، ومما لا شك فيه أن هذا القطاع الحيوي سيتأثر بالسلب بشكل كبير جراء الحرب ولن يتوقف مداه على انتهاء النزاع إذ أنه حتى مع انتهاء النزاع فإن العقوبات الغربية والأمريكية المفروضة على روسيا سينجم عنها صعوبات اقتصادية ستقلل من عدد السياح.

وفيما يتعلق بانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية نجد أن معظم دول المنطقة آثرت البقاء على الحياد خوفاً على مصالحها المشتركة مع طرفي النزاع والتي من بينها سلاسل إمداد الغذاء وشراكات الطاقة، فبنظرة ثاقبة نجد أن دول مصر والجزائر والمغرب وتونس والعراق تعتمد بشكل كبير على واردات القمح من روسيا وأوكرانيا، أضف إلى ذلك كله أن العديد من الدول ستبدأ على الفور في السعي نحو إيجاد مصادر جديدة لاستيراد احتياجاتها من الغذاء أخذاً في الاعتبار أن هناك عومل عدة منها ارتفاع معدلات التضخم عالميًا مع القيود المحتملة للصادرات ستؤدي حتماً إلى جعل تكلفة التحول أعلى بكثير خاصة وأن احتمالات زيادة الإنتاج من المحصولات الزراعية يظل مسألة غاية في الصعوبة نظراً لندرة المياه في المنطقة العربية.

وفقاً لتقرير نشره صندوق النقد الدولي فإن الزيادة الحاصلة في أسعار القمح جراء الحرب ستؤدي إلى زيادة في طلبات التمويل الخارجي بنحو عشرة مليارات دولار في العام الجاري لدول الشرق الأوسط ما يعني أن النقص الحاصل في سلاسل إمداد الغذاء من روسيا وأوكرانيا من شأنه تعريض الأمن الغذائي لخطر كبير خاصة لدى البلدان التي لديها مشاكل اقتصادية قديمة عززتها الحرب وهو ما سيدفعها حتما لمعاناة من نوع آخر وهي احتمالية اللجوء لأخذ حزم إنقاذ اقتصادية لمجابهة تلك التداعيات.

وتؤكد هذه الأزمة الحاجة الماسة لتحقيق الأمن الغذائي العربي الذي أضحى ذات أولوية كبيرة للدول العربية وعليها أن توليه الاهتمام في ضوء التحديات المتلاحقة التي أدت إلى تفاقم الأزمة نظراً لما أوجده تحدي جائحة كورونا Covid-19 منذ مطلع العام 2020م، على نحو خاص، وما تبعها من أحداث الحرب الروسية الأوكرانية خلال العام 2022 م، كونهما تحتلان مكانة مهمة في إنتاج الغذاء العالمي وإمداداته.

إن الحرب الروسية الأوكرانية تهدد الأمن الغذائي للمنطقة العربية بنسب متفاوتة حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين العرب وروسيا 18 مليار دولار في عام 2021م، فيما وصل حجم التبادل التجاري بين الدول العربية وأوكرانيا 6.3 مليار دولار عام 2020م، في حين بلغ إجمالي التبادل التجاري بين روسيا وأوكرانيا والعرب حوالي 24 مليار دولار.

وتأسيسًا على ما سبق يمكن القول إن الحرب كان لها تأثير واسع النطاق على الصادرات الروسية الأوكرانية من القمح والحبوب للدول العربية حيث يمثل البلدين معا ما نسبته ثلث صادرات القمح العالمية وتحظى الدول العربية بنصيب كبير من هذه النسبة، وكرد فعل سريع للأزمة ارتفعت أسعار القمح نسبة 50% منذ بدء الحرب في فبراير الماضي.  

كما أن العقوبات الاقتصادية التي تم فرضها على روسيا التي تعتبر أكبر مصدر للقمح والأسمدة والذرة والشعير على مستوى العالم ستؤدي حتماً إلى تعطل الصادرات الروسية وارتفاع نفقات الخبز والغاز وغيرها من السلع لما لروسيا وأوكرانيا من دور كبير في توفير الحبوب واللحوم والحديد والصلب وقطع غيار السيارات والطائرات للدول العربية وهو ما يحتم على تلك الدول السعي نحو إيجاد مصادر بديلة لتأمين تلك الاحتياجات وسد العجز فيها خاصة أن التوقعات تشير إلى استمرار هذه الهزة من التضخم فيما يخص أسعار الغذاء أخذاً في الاعتبار ارتفاع تكلفة صادرات القمح من تلك الدول التي يأتي على رأسها الهند التي أوقفت تصدير القمح حاليًا بسبب مخاوف نقص المعروض والبرازيل وفرنسا نظراً لارتفاع جودة صادراتهم من القمح من ناحية وارتفاع الأسعار عالمياً نتيجة التضخم من ناحية أخرى.

وبطبيعة الحال تختلف قدرات الدول العربية في مجابهة تلك التداعيات وهنا يمكن القول أن دول مجلس التعاون إلى جانب الجزائر والعراق ستكون الأزمة أقل حدة بالنسبة لهم ويمكنهم مجابهتها لما لهم من قدرات مالية وعدد سكان منخفض فضلاً عن تحقيق وفورات مالية نتيجة لارتفاع أسعار النفط ولكن يجب الأخذ في الاعتبار ارتفاع تكلفة استيراد مستلزمات الإنتاج واحتياجاتهم الأساسية من السلع والبضائع مما يؤثر سلبياً على العائدات التي سوف تجنيها، بينما ستكون الأزمة أكبر حدة لدول مثل مصر التي تستورد حوالي 80% من القمح من طرفي الصراع وأيضاً لبنان التي تستورد حوالي 60% من قمحها من روسيا وأكرانيا.

ويمكن القول إن النتيجة النهائية للحرب الروسية الأوكرانية هي وصول أسعار المواد الغذائية إلى مستويات عالية غير مسبوقة وهو الأمر الذي يدفع الدول العربية صوب إيجاد سياسات تكامل اقتصادية تعمل على تحقيق أعلى مستويات من الأمن الغذائي العربي تكون قادرة على مجابهة أية تداعيات سلبية محتملة في المستقبل، وبناء أمن غذائي عربي ناجع وفعال خاصة بعد أن ثبتت الآثار السلبية التي يسببها الاعتماد على الخارج في استيراد الاحتياجات الغذائية من نواحي تتعلق بنزف موارد الدول المستوردة من العملات الأجنبية وزيادة العجز لديها في ميزان المدفوعات وبالتالي ارتفاع أسعار السلع.

ولا شك أن الدول العربية في تحقيق مسعاها هذا المتمثل في تحقيق أعلى مستويات الأمن الغذائي فإن طريقها لن يكون ممهداً بالورود مما يتطلب منها وجود إرادة سياسية قوية لمجابهة أية عقبات قد تحول دون تحقيق هذا المسعى في إطار زمني سريع بالتزامن مع توفير مصادر بديلة لروسيا وأوكرانيا في توفير احتياجاتها الغذائية مما يتطلب من تلك الدول العمل على توفير الميزانية اللازمة لتحقيق ذلك المسعى بما لديها من مزايا نسبية تمكنها من تحقيق تكامل زراعي عربي بيني فيما بينها فعلى سبيل المثال نجد أن دول مجلس التعاون لديها الإمكانات المادية ولكنها تعاني من مشكلة ندرة المياه في حين أن مصر والسودان والعراق وبعض دول الشام تمتلك الرقعة الزراعية ولا تعاني من نقص المياه حتى الوقت الحالي مما يحتم عليهم تضافر جهودهم سويا لتحقيق أمن غذائي عربي سريع وفعال. 

ولاستيضاح خطورة الأمر يمكن القول إن روسيا تريد احتكار تصدير القمح على مستوى العالم لتضمن ولاءات الدول لها، خاصة وأنه نتيجة الغزو قلت نسبة صادرات القمح الأوكرانية 25% وأنها بحاجة لتحويل مخزونات القمح لديها إلى دقيق ما ينتج عنه ارتفاع الأسعار أكثر على الدول العربية المستوردة، وبحسب التقديرات الرسمية فإن الأمر قد يطول أمده حتى عام 2023م. 

ولا شك أن توجيه الاستثمارات العربية إلى قطاع الأمن الغذائي لن يكون من السهولة تحقيقه والوصول به إلى المستويات التي يرجوها المواطن العربي خاصة وإذا ما أدركنا حقيقة أن العديد من العقبات التي ينبغي على الدول العربية مجتمعة التغلب عليها، ويمكن رصد تلك العقبات من خلال جملة الأمور التالية:

  1. النمو السكاني لدى معظم الدول العربية وما صاحب ذلك من خلل كبير في مستويات العرض والطلب على المحاصيل الغذائية.
  2. العوامل المرتبطة بالإنتاج كندرة المياه والتقلبات المناخية وتأثيراتها على المحاصيل الزراعية والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية وما صاحبه من تقليل مساحات الأراضي الصالحة للزراعة.
  3. عدم وجود البيئة التشريعية الملائمة التي تمكن من توفير مناخ استثماري جاذب وناجح يضمن تقديم مزايا تفضيلية للمزارعين وتوفير البنية الضرورية لتحقيق ذلك تضمن تحقيق أعلى عوائد كنتيجة لجذب الاستثمارات نحو القطاع الزراعي.

الطرح السابق يحتم على الدول العربية الاستفادة من المزايا النسبية لديها لتوفير الأمن الغذائي والاقتصادي بوصف تلك المزايا مثلت حجر الأساس في الحرب الروسية الأوكرانية إذ أنه ومنذ اللحظات الأولى للحرب بدأت دول الاتحاد الأوروبي تخطب ود الدول المصدرة للنفط في محاولة منهم لإيجاد مصادر بديلة للطاقة وبصفة خاصة دول مجلس التعاون ومن بينها قطر التي أضحت اليوم أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال، كما أن ليبيا والجزائر أيضاً باتوا يمثلون مصادر بديلة للنفط والغاز بالنسبة للاتحاد الأوروبي إذ أن الجزائر واحدة من أكبر خمسة منتجين للغاز الطبيعي المسال في السوق الأوروبية إلا أن هناك حاجة ملحة إلى استثمارات كبيرة لزيادة الطاقة الإنتاجية.

إضافة إلى أنه على الدول العربية بما لديها من مزايا نسبية البدء مجتمعة في اتخاذ إجراءات فورية بضخ المزيد من الاستثمارات في القطاع الزراعي لديها بالشكل الذي يمكنها من تعزيز الإنتاج من المحاصيل الزراعية التي تحتاج إليها وضمان الاستخدام الأمثل للأراضي الزراعية المتاحة لديها على أن يتم ذلك في إطار جماعي من شأنه إيجاد سلة غذاء عربية متنوعة من خلال الشراكات البينية الاستراتيجية تضمن لها تحقيق تكامل اقتصادي عربي زراعي نوعي بينها وبين بعض مما يمكنها من مجابهة أية تداعيات سلبية محتملة كتلك التي يشهدها العالم من حين لآخر والتي كان آخرها الحرب الروسية الأوكرانية،  وليس هذا فحسب بل أيضاً العمل على إيجاد وتوفير نظام آمن للإنذار المبكر واستجابة الأزمات تكون مهمته الأساسية إعداد الخطط المستقبلية الخاصة بالأمن الغذائي للشعوب العربية. 

إن تحقيق الأمن الغذائي مسألة جماعية في المقام الأول تحتاج إلى تضافر جهود الدول العربية مجتمعة بما لديها من مميزات نسبية تمكنها من الاضطلاع بهذا الدور، فمن الصعب أن تحقق الدول فرادى الأمن الغذائي إذ أنه من الموضوعات التي تحتاج المزيد من التشاور والتعاون بالشكل الذي يمكن الدول العربية من تحقيق أعلى مستويات الأمن الغذائي، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية ينبغي القيام بجملة الأمور التالية: 

  1. السعي نحو وجود إرادة سياسية تعمل على تحقيق تكامل اقتصادي في الزراعة لمساعدة الدول العربية على تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الغذاء.
  2. محاربة ظاهرة التوسع العمراني والبدء في استصلاح الأراضي الزراعية وزيادة أعدادها بالشكل الذي يمكنها من استيعاب احتياجات الأفراد وتقديم حوافز مشجعة للمزارعين مغرية لهم.
  3. ضرورة استخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي للتوعية بأهمية استخدام ثقافة ترشيد الاستهلاك والحفاظ على المواد الغذائية وأهمية اتباع برامج تنظيم الأسرة للحد من الانفجار السكاني.
  4. وضع خطط للإنذار المبكر تمكن الدول العربية من مجابهة التداعيات السلبية للأزمات المحتملة بالتزامن مع توفير احتياطي استراتيجي من الأغذية.
  5. تحقيق أقصى قدر من الاستفادة من استراتيجية الكويت لتحقيق الأمن الغذائي والاستراتيجية العربية للتنمية الزراعية.
  6. الخروج من بوتقة القوالب النظرية التي تعرض على الدول بالعمل على إيجاد آليات عملية على أرض الواقع لتحقيق ما تناولته الأدبيات في هذا الشأن وإعطاء ذلك أولوية قصوى.
  7. العمل على تحقيق أقصى درجات التكامل والتطور بين كافة المجالات باعتبار أن مسألة الغذاء من المتطلبات الرئيسية التي لا يمكن الاستغناء عنها لأي إنسان.

وتأسيساً على ما سبق يتضح أن هناك ثمة خطط يمكن للدول العربية اتباعها في مرحلة ما بعد الأزمة أهمها البدء في اتباع استراتيجيات جديدة تجعلها قادرة على التعامل مع الأزمات بالنظر لما لديها من مقومات تمكنها من مجابهة أية تداعيات سلبية قد تؤثر على اقتصاداتها في المستقبل، فعلى سبيل المثال نجد أن توجهات الدول الأوروبية فيما يتعلق بوارداتها من النفط والغاز بدأت تتجه صوب المنطقة العربية إما لزيادة الإنتاج أو كمصدر بديل لروسيا بعد الحرب.

وبالتالي فإنه ينبغي على دول مجلس التعاون والجزائر والعراق على وجه الخصوص الاستفادة من العوائد التي حققتها جراء ارتفاع أسعار النفط كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية في البدء في تمويل مشروعات البنية التحتية التي تمكنها من زيادة إنتاجها واتباع سياسات التنويع الاقتصادي التي تساعدها مستقبلاً في تنويع مصادر الدخل وسد العجز في ميزانيتها.

وكذلك الحال فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي من المنطقة العربية إذ يتحتم على دول المنطقة البدء في وضع استراتيجيات جديدة تمكنها من زيادة إنتاجها في هذا المجال الحيوي خاصة وأنه في سوق الغاز نجد أن مستويات الطلب تفوق المعروض دوليًا، وبالتالي يمكن استنتاج أن قطر - أكبر منتج للغاز الطبيعي المسال- وباقي الدول العربية المنتجة بحاجة لزيادة إنتاجها أكثر من أي وقت مضى لما سيكون لها من ميزة نسبية في هذا المجال في المستقبل وليس الآن بسبب أن العقود طويلة الأجل تجعل من الصعوبة توفير إغاثة عاجلة لدول أوروبا أو غيرها، أضف إلى ذلك أن تكلفة البنية التحتية كإنشاء خطوط أنابيب نقل الغاز يحتاج إلى وقت وتكلفة.   

وفيما يتعلق بالدول التي تعتمد على الواردات الزراعية من روسيا وأوكرانيا فإنه بات يتحتم عليها البدء في اتباع سياسات جديدة تمكنها من مجابهة التداعيات السلبية لأي حرب أو أزمة تؤثر بشكل سلبي على اقتصاداتها ومن ذلك تعزيز محاصيلها وزيادة دعمها للوصول إلى إنتاج أكبر قدر ممكن من المحاصيل التي تستوردها وتقديم الدعم اللازم للمزارعين والنهوض بالقطاع الزراعي لأعلى مستوى إلى الدرجة التي تمكن تلك الدول من التميز وتحقيق أعلى درجات من الاكتفاء الذاتي من المحاصيل.

أما فيما يتعلق بالدول التي لا تستطيع الاعتماد على الزراعة لسد الفجوة في المنتجات الزراعية التي تحتاجها فإنه من الأهمية أن تنوع قائمة المصدرين لديها بعدم الاعتماد على مصدر وحيد لسد الفجوة لديها في المحاصيل الزراعية والاعتماد على مصادر بديلة ومتعددة لتأمين احتياجاتها من الواردات الزراعية وأي شيء يتم استيراده بشكل عام كخطوة استباقية لمجابهة أي تداعيات سلبية قد تحدث مستقبلاً.

وخلاصة القول يمكن للمنطقة العربية استنباط الدروس المستفادة من الحرب التي أدت إلى حدوث زيادة هائلة في مستويات التضخم في الدول العربية على المستهلكين كنتيجة مباشرة لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء وبالطبع زاد ذلك كله من حدة التأثيرات الاقتصادية التي تعاني منها الحكومات أضف إلى ذلك كله التراجع الشديد في السياحة وانخفاض حجم التجارة بين الدول العربية وطرفي النزاع. 

وتأسيسًا على ما سبق فإنه على الدول العربية السعي نحو تحقيق جملة الأمور التالية:

  1. اعتماد برامج اقتصادية أقل في مستويات الدعم الحكومي في محاولة لتخفيف الأعباء الاقتصادية على موازنتها.
  2. استمرار اتخاذ حلفاء روسيا في المنطقة العربية موقف الحياد وعدم الالتفات إلى أي محاولة من شأنها زيادة تعكير صفو علاقات التعاون وبصفة خاصة الدول العربية المصدرة للطاقة.
  3. الحذر من ارتفاع معدلات التضخم والديون الذي سيعرض الانتعاش للخطر في الاقتصادات الناشئة والنامية ومنه لباقي الدول.
  4. البحث عن شراكات جديدة وتطوير القائمة فعليًا مع الجهات المعنية بتحقيق الأمن الغذائي سعياً نحو تحقيق أقصى درجات من الأمن الغذائي العربي ومن تلك الجهات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) والمنظمة العربية للتنمية الزراعية.
  5. تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في مجالات الأمن الغذائي والصناعات الغذائية من خلال تشجيع مشروعات ريادة الأعمال في هذا المجال وتقديم كافة أوجه الدعم اللازم والممكن لها للنهوض بهذا القطاع الحيوي.
  6. تعزيز دور القطاع الخاص بشراكات مع القطاع الحكومي في مجالات الأمن الغذائي العربي وتقديم الدعم الحكومي اللازم له باعتباره شريك أساسي في الاقتصاد وذراع لا يمكن الاستغناء عنه.
  7. الاستفادة من تجارب رواد الأعمال في مجالات تتعلق بالإنتاج الزراعي والابتكار والاستثمار والتقنية الزراعية، واسهاماتهم في تحقيق الأمن الغذائي، وتشجيع فرص الاستثمار في القطاع الزراعي.

وبناء على الطرح السابق نجد أنه من المنطقي جداً أن تسعى الدول العربية إلى إحداث نوع من التوازن في العلاقة مع روسيا وأمريكا واتخاذ موقف محايد من النزاع على أقل تقدير حتى تتضح معالم الصورة كاملة خاصة بعد أن أثرت الحرب بشكل كبير على اقتصاداتها في قطاعات عدة تشمل كما سبق الإشارة الواردات الزراعية والنفط والغاز والسياحة وبالتالي فإن المواقف التي تتخذها الدول العربية مبررة جدًا بالنظر إلى أن طول مدة حالة عدم الاستقرار سيكون له تداعيات سلبية أكبر على الاقتصاد.

مقالات لنفس الكاتب