; logged out
الرئيسية / ستزيد "أوبك" الإنتاج صراحة أو ضمنيًا للتنافس على الحصص وإعادة التوازن

العدد 174

ستزيد "أوبك" الإنتاج صراحة أو ضمنيًا للتنافس على الحصص وإعادة التوازن

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

مر ما يقرب من ثلاثة أشهر منذ شنت روسيا عملياتها العسكرية على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي ولا يزال الصراع محتدمًا، ولم يغير الصراع بين روسيا وأوكرانيا النمط الجغرافي السياسي لأوراسيا تغييراً عميقًا فحسب، بل أعاد أيضًا تشكيل المشهد الجغرافي السياسي للطاقة على الصعيد الدولي.

  1. 1. تأثير الحرب الروسية الأوكرانية على الطاقة الروسية

بعد اندلاع الصراع الروسي الأوكراني توالت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض الدول الأخرى في فرض عقوبات اقتصادية ضد روسيا بحظر استيراد النفط الروسي. كما تم تعليق الموافقة على مشروع خط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم 2 من قبل الحكومة الألمانية. وتأثراً بالعقوبات التي فُرضت عليها، انخفض النمو الاقتصادي والناتج الصناعي بروسيا وكذلك ارتفعت معدلات البطالة.

بعد اندلاع الصراع الروسي ـ الأوكراني فرضت حكومتا الولايات المتحدة وأوروبا سلسلة من العقوبات على روسيا مما أدى إلى قطع بعض العلاقات بين روسيا والنظام المالي العالمي وتقييد وصول روسيا إلى شبكات النقل والخدمات اللوجستية الدولية. وردًا على تلك العقوبات علقت روسيا مؤخرًا إمدادات الغاز إلى دولتي الاتحاد الأوروبي بولندا وبلغاريا. وبما أن عائدات مبيعات النفط والغاز تساهم في أكثر من 40 في المائة من ميزانية الاتحاد الروسي، وأن أوروبا تشكل السوق الرئيسية للغاز الطبيعي في البلاد، فإن تعليق إمدادات الغاز من شأنه ان يضرب الاقتصاد الروسي ضربة شديدة. وقد ينخفض إنتاج روسيا من النفط بنسبة 17٪ هذا العام بسبب فرض تلك العقوبات من الدول الغربية.

وقد وقع بوتين منذ 24 فبراير عدة تشريعات للتعامل مع الأزمة وأمر بزيادة طارئة في المدفوعات للمتقاعدين والموظفين الحكوميين والفقراء لتعويض التأثير الناجم عن التضخم المرتفع. كما يقدم بوتين قروضًا مدعومة من الدولة للشركات المتضررة من العقوبات المذكورة. وكذلك تطور روسيا حزمة إنقاذ اقتصادي بقيمة عشرات مليارات الدولارات للتخفيف من وقع العقوبات الغربية وحماية الروسيين من عواقب الحرب المالية. وتركز هذه التدابير على مساعدة الأفراد والشركات المتعثرة.

  1. تأثير العقوبات الاقتصادية على دول الاتحاد الأوروبي

اقترحت المفوضية الأوروبية أن توقف الدول الـ 27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وارداتها من النفط الخام الروسي وأن تحظر شراء المنتجات النفطية الروسية المكررة بحلول نهاية العام. هذا ويعتمد قطاع الطاقة في أوروبا بشكل كبير على الواردات من روسيا حيث يتم توريد حوالي 60٪ من صادرات روسيا من النفط الخام إلى دول الاتحاد الأوروبي. وتعد ألمانيا، وهي الاقتصاد الأكبر في أوروبا، أكبر مشتر لصادرات الغاز الروسية، حيث جاء أكثر من ثلث واردات النفط والغاز من روسيا في عام 2021م. ولذلك يمكن وصف العقوبات المفروضة على روسيا بأنها "انتصار باهظ الثمن ".  

وبسبب هذا الاعتماد على الطاقة الروسية يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة محيرة عند تطبيقه لتلك العقوبات. فمن ناحية أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيتبع الولايات المتحدة لاستبعاد بعض البنوك الروسية من نظام سويفت للتسوية الدولية (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك)، ومن ناحية أخرى لم تشمل قائمة العقوبات التي أعلنتها المفوضية الأوروبية بنكي "سبيربانك وغازبروم بانك" وهما قناتا الدفع الرئيسيتان لتجارة النفط والغاز الروسي الأوروبي.

وكإجراء مضاد أطلقت روسيا في 31مارس الماضي خطة للسداد بالروبل عند توريد الغاز الطبيعي إلى بعض "البلدان غير الصديقة" في أوروبا. ورفضت الدول الأوروبية ذلك ووصل الجانبان إلى طريق مسدود فيما يتعلق بكيفية السداد. لقد أفضى الصراع بين روسيا وأوكرانيا إلى نفور في العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي على صعيد الطاقة. وإن هشاشة أوروبا نتيجة الاعتماد المفرط على الطاقة الروسية تستوجب عليها الإسراع في زيادة استقلاليتها في إمدادات الطاقة.

وتأثرًا بذلك ارتفعت أسعار النفط والغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي وباتت الحكومات تحت ضغوطات متزايدة. وفي مواجهة أزمة الطاقة وجهت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية أنظارها إلى الشرق الأوسط. ففي 16 مارس قام رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بزيارة خاطفة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة داعيًا كلا البلدين إلى زيادة إنتاج النفط. وفي الفترة من 19 إلى 20 مارس زار روبرت هابيك، نائب المستشارة الألمانية ووزير الشؤون الاقتصادية وحماية المناخ، قطر والإمارات العربية المتحدة سعيًا إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة مع كلا البلدين، ويشمل ذلك تصدير قطر لمزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا. أما في الفترة من 19 إلى 20 مارس زار رئيس الوزراء الكوري الجنوبي كيم بوك جيوم قطر وأجرى محادثات مع رئيس الوزراء القطري ووزير الداخلية خالد بن خليفة مع التركيز على التعاون على نطاق أوسع في مجال الطاقة.

علاوة على ذلك قام الوفد الأمريكي مؤخرًا بزيارة مفاجئة إلى فنزويلا لمناقشة قضايا أمن الطاقة كما اقترح استيراد النفط الخام الفنزويلي، وفي المقابل يمكن للولايات المتحدة تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على فنزويلا، إلا أن المفاوضات بين الجانبين لم تسر على ما يرام.

ومن بين العديد من أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" هناك اختلافات داخل دولة الإمارات العربية المتحدة حول زيادة الإنتاج. وقد أوضح العتيبة سفير دولة الإمارات لدى الولايات المتحدة في وقت سابق أن بلاده تدعم زيادة الإنتاج وسوف تحث أوبك على النظر في زيادة الإنتاج لسد فجوة العرض الناجمة عن الصراع بين روسيا وأوكرانيا. لكن وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي أوضح في 29 مارس أن غرض “أوبك" هو تحقيق استقرار السوق وكما أفاد: "نحن ننأى عن السياسة". وقال أيضًا إن الطاقة الإنتاجية للنفط الخام في روسيا لا يمكن الاستغناء عنها حاليًا وستظل روسيا دوماً عضوًا في "أوبك ". كما رفضت المملكة العربية السعودية زيادة الطاقة الإنتاجية وفقًا لرغبات أوروبا والولايات المتحدة. لكن شركة النفط العملاقة أرامكو قد تعهدت في وقت سابق بزيادة الاستثمار بنحو 50 بالمئة هذا العام.

 

  1. مستقبل نظام الطاقة الدولي

سوف يُعجِل الاتحاد الأوروبي في المستقبل القريب من تنويع مصادر استيراد الغاز الطبيعي ويقلل من اعتماده على الحصول على الطاقة من روسيا. ففي 1 مارس أصدر البرلمان الأوروبي قرارًا يقيد استيراد موارد النفط والغاز الروسية. وذكرت لجنة الصناعة في البرلمان الأوروبي أنها ستسعى نحو المزيد من قنوات توريد الغاز الطبيعي المسال لتحل محل روسيا على نطاق عالمي، مثل زيادة التعاون التجاري بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على صعيد الغاز الطبيعي المسال وفتح ممر الغاز الطبيعي في جنوب أوروبا. أما عن ألمانيا فقد تبنت استراتيجية متعددة الإمدادات حيث علقت عملية الموافقة على نورد ستريم 2 وأمرت شركات النفط والغاز الألمانية بسحب رؤوس أموالها وسرعت عملية بناء محطات استقبال الغاز الطبيعي في الموانئ على طول بحر الشمال لتكون جاهزة لاستيراد الغاز الطبيعي من النرويج والولايات المتحدة ودول أخرى.

ولسوف يسرع الاتحاد الأوروبي على المدى المتوسط والطويل من خطوة تطوير مصادر جديدة للطاقة لتحقيق الاستقلال في هذا المجال. ففي عام 2021م، أصدر الاتحاد الأوروبي "قانون المناخ الأوروبي" الذي ينص على أنه يتعين على المفوضية الأوروبية القيام بالتنسيق والإشراف على مسارات خفض الانبعاثات المقدمة من الدول الأعضاء من أجل تحقيق هدف تحييد أثر الكربون لعام 2050م، وقد عجلت ألمانيا بقانون الطاقة المتجددة في البرلمان في مارس 2022م، ومن المخطط أن تمثل الطاقة المتجددة 80٪ من إجمالي مصادر توليد الطاقة في عام 2030م، وأن تلبي جميع احتياجات توليد الطاقة في عام 2035م، فيما أصدرت فرنسا خطة "فرنسا 2030" وهي استثمار مليار يورو لتطوير الطاقة النووية، والتطوير المكثف للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، واستئناف بناء محطات الطاقة النووية المدنية.

وفي المستقبل سيظل نمط الطاقة الدولي متأثرًا بعوامل مختلفة مثل الجغرافيا السياسية والأوبئة والعرض والطلب على الطاقة والزخم المالي الدولي. ومع ارتفاع أسعار النفط الخام إلى أكثر من 100 دولار للبرميل سيتم تصحيح نقص الاستثمار وتحفيز الطاقة الإنتاجية الجديدة للغاز الصخري في الولايات المتحدة، كما سيزيد أعضاء الأوبك من الإنتاج إما بشكل صريح أو ضمني من أجل التنافس على حصة السوق. ويمكن أن تؤدي تلك العوامل إلى عودة التوازن في إمدادات الطاقة الدولية.

مقالات لنفس الكاتب