; logged out
الرئيسية / 140 مليار دولار سنويًا صادرات البرازيل والأرجنتين والمكسيك منتجات غذائية

العدد 174

140 مليار دولار سنويًا صادرات البرازيل والأرجنتين والمكسيك منتجات غذائية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

تدفع الحرب الروسية العالم إلى إنهاء حقبة "العولمة"، فبعد أن استمرت دول العالم لثلاثة عقودٍ متتالية في حقبة اتسمت بالتوسع في التجارة والتمويل والاعتماد المتبادل المتزايد بين الاقتصادات العالمية، توقف ذلك بشكل مفاجئ، وسيصبح ذلك العالم وما كان يمتاز به في طي النسيان.

ظهرت العلامات الأولى لهذا التوجه قبل سنوات من الغزو الروسي لأوكرانيا، بدءًا من الحروب التجارية بين الصين والولايات المتحدة في عام 2018م، فبينما كانت استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين تحت قيادة الرئيس باراك أوباما تجمع بين الحوار والتسوية والمنافسة الاقتصادية ونشر قواتها العسكرية في العراق وأفغانستان، تغير ذلك كليًا خلال السنوات القليلة الماضية في عهد الرئيس ترامب، حيث تحولت العلاقة مع الصين إلى سلسلة من الحوادث العدائية تتراوح بين النزاعات التجارية، والاتهامات المتبادلة حول أصول الجائحة، والمناوشات العسكرية الطفيفة في بحر الصين الجنوبي، وتفاقم حدة الخطاب الموجه ضد الصين، وفي بداية تولي إدارة بايدن الحكم، أقنع الاجتماع الأمريكي ــ الصيني في ألاسكا الرئيس الجديد بضرورة مواصلة موقف المواجهة الذي بدأه سلفه ترامب.

ودفعت التوترات المتزايدة في آسيا الوضع السابق الذي اتسم بالتجارة الحرة والتبادلات المالية إلى إجراءات أعادت تشكيل التحالفات العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يفسر السبب وراء إعادة تشكيل التحالفات العسكرية بوتيرة لم تشهدها منطقة المحيطين الهندي والهادئ منذ عقود، وعقدت إدارة بايدن محادثات حول إنشاء تحالفين عسكريين مهمين يهدفان إلى موازنة صعود الصين، وفي الأشهر التسعة الأولى من توليه المنصب، أعلن بايدن عن إبرام اتفاقية "أوكوس" – وهي اتفاقية دفاع مشترك بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وتتضمن إنتاج غواصات نووية لأستراليا في شراكة بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، احتفل التحالف المسمى "كواد" (الذي يضم الهند، واليابان، والولايات المتحدة،  وأستراليا)، وهو بمثابة تحالف دفاعي بين الدول الأعضاء، بأول قمة رئاسية على الإطلاق في عام 2021م.

ودفع الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022م، العالم بقوة نحو حافة الخروج من العولمة الذي بدأ منذ عام 2018م، إلى عصر جديد طويل الأمد من عدم اليقين في السياسة العالمية، وهو عالم سيختلف اختلافًا تامًا عما عهدناه خلال الحقبة السابقة، وفي ذلك العالم الجديد، ستحظى الدول التي تتعاطى مع مجرياته الجديدة وتفسر تكتلاته الجديدة بشكل مناسب لتنضم إلى القوى المهيمنة على السياسة العالمية بنيل فرصٍ كبيرة؛ وسوف تواجه أيضًا مخاطر كبيرة، أما أولئك الذين يصرون على التفاعل مع الدول الأخرى استنادًا إلى المنطق القديم، فسوف يفشلون.

مرت ثلاثة أشهر منذ بداية شن روسيا حربها على أوكرانيا، وخلال تلك المدة القصيرة، أقرت الدول الغربية حزمة من العقوبات غير المسبوقة ضد احتياطيات البنك المركزي الروسي، كما توقفت الشركات الأجنبية على الفور عن العمل في روسيا بعد الغزو، واستولت العديد من الدول الأوروبية على أصول الأوليغارشية (رجال الأعمال) الروس، ما جعل روسيا تُصبح منبوذة في العالم، ولم يتم بعد تقييم الأثر الداخلي للعقوبات على الرأي العام الروسي أو نتائجه على الاستقرار السياسي.

وفي الوقت نفسه، اختفت الانقسامات الداخلية في حلف شمال الأطلسي، واتفقت جميع الدول الأعضاء على اتباع استراتيجية لمواجهة روسيا، والتي تضمنت تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، وتجنب التدخل المباشر في الحرب، ونشر أفراد ومعدات عسكرية في الدول الأعضاء المجاورة لأوكرانيا، وإضافة إلى ذلك، كسرت ألمانيا تقليدًا قائمًا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وبدأت في إعادة تسليح نفسها، بعد أن أقر البرلمان الألماني حزمة دفاعية بقيمة 100 مليار يورو، كما تخلت السويد عن التزامها بالحياد التام لمدة قرنين من الزمان ووافقت على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وتخلت فنلندا -التي تشترك في حدود تبلغ طولها 1300 كيلومتر مع روسيا والتي غزتها روسيا خلال الحرب العالمية الثانية -عن وضع الحياد وطلبت الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي كعضو كامل العضوية، وحتى سويسرا، تخلت عن موقفها المحايد التقليدي واشترت طائرات إف 35 أمريكية الصنع، ما يجعل الجهود المشتركة بينها وباقي دول حلف شمال الأطلسي متوافقة بشكل كبير وميسر.

ومن الناحية الاستراتيجية، أتى العدوان الروسي على أوكرانيا بنتائج معاكسة تمامًا لما سعت له موسكو في أوروبا؛ فبعد ثلاثة أشهر فقط، أصبح الاتفاق الدفاعي بين أوروبا وأمريكا الشمالية أقوى وأكبر اتساعًا وأكثر وحدة، وحتى منتصف شهر مايو، أظهرت الحرب في أوكرانيا أن أهداف روسيا الأولية لم تتحقق؛ حيث لم يتحقق هدف غزو أوكرانيا في يومين، والحصول على الدعم الأوكراني في "تحرير" بلاده، واستبدال الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا برئيس دمية.

وبعد تكبد خسائر بشرية ومادية كبيرة بسبب المقاومة الشرسة للأوكرانيين، ركزت روسيا جهودها في شرق وجنوب أوكرانيا، وهي تستهدف بذلك إنشاء ممر آمن يربط شبه جزيرة القرم في الجنوب -والتي ضمتها روسيا في عام 2014م، -بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك الناطقتين بالروسية في الشرق، والتي أعلنت القوات الروسية استقلالهما.

وترتكز أحد العوامل الداعمة للطموحات الجيوسياسية الروسية على موقف الصين تجاه الصراع، فخلال الحرب الأوكرانية، أظهرت الصين موقفًا معتدلًا تجاهها خاصة بعد توقيع "شراكة بلا حدود" مع روسيا قبل أسابيع فقط من الغزو.

وأجرت الولايات المتحدة والصين مفاوضات سرية في إيطاليا؛ حيث أوضحت خلالها واشنطن لبكين أن المشاركة في الحرب من خلال بيع المعدات العسكرية إلى روسيا سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات بين البلدين وعلى مصير العلاقات بين القوى العالمية، وبغض النظر عن تغير ميزان القوى الاستراتيجي بين التحالف الغربي والصين، فقد أحدث الصراع تغييرًا جذريًا في السياسة العالمية للغذاء والطاقة.

وبعد أيام فقط من بداية الحرب، ارتفعت أسعار النفط والغاز والمنتجات الغذائية، كما تغير توجه الاقتصاد السياسي للطاقة في أوروبا بعد عقود من الاعتماد على النفط والغاز الروسيين، وتزود روسيا أوروبا بـ 45% من وارداتها من الغاز، و30% من الفحم، و25% من النفط، كما تستورد ألمانيا لوحدها – وهي المدافع الرئيسي في أوروبا عن احتواء روسيا – ما يقرب من 70% من وارداتها من الغاز من روسيا، لكنها أُجبرت بعد فترة وجيزة من بدء الحرب على إلغاء خط أنابيب الغاز "السيل الشمالي 2" الذي كان سيمر أسفل بحر البلطيق ويربط روسيا بألمانيا والذي كان من شأنه أن يزيد من إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا.

وكانت تلك التطورات في الأحداث المتسارعة بمثابة غيض من فيض؛ حيث تدفع أوروبا سياستها نحو تغيير الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية من الناحية الهيكلية، كما تُشير الأدلة المتاحة اليوم أن هذا الاتجاه يتزايد يوم بعد يوم وأنه سيكون اتجاه طويل الأمد، ما سيدفع روسيا في النهاية إلى بيع صادراتها من الغاز والنفط إلى الصين أو الهند باعتبارهم أسواق رئيسية لها.

وأقرت أوروبا قرارات غير مسبوقة بعد الحرب العالمية الثانية، مما دفعها إلى تبني سياسات زراعية دعمت بشكل كبير المصادر الأوروبية للإمدادات الغذائية بهدف ضمان استقلالية القارة العجوز في إنتاج الأغذية، وهي الآن على وشك اتباع موقف مماثل من حيث سياستها في مجال استيراد موارد الطاقة، وتدفع الحرب وما يصاحبها من قرارات يتعين على أوروبا اتخاذها القارة العجوزة نحو تسريع الانتقال نحو الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة، وفي الوقت نفسه، استبدال مورديها لمصادر الطاقة من الوقود الأحفوري، حيث تتجه أوروبا نحو إبرام اتفاقيات لاستيراد الغاز والنفط من الجزائر ومصر والبرازيل بهدف تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.

وفي أعقاب اندلاع الحرب، ارتفعت أسعار المنتجات الغذائية بشكل كبير؛ حيث تُصدر أوكرانيا وروسيا القمح والأسمدة إضافة إلى منتجات زراعية ومواد خام أخرى، ما جعل اندلاع الحرب يتسبب في خلق نقص كبير في سلاسل الإمدادات العالمية والذي أثر بدوره على أسعار القمح وفول الصويا والزيوت النباتية.

وتسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية في زيادة مخاطر التضخم في جميع أنحاء العالم وزيادة احتمال حدوث مجاعات في الدول النامية، وبحسب تصريح أنالينا بيربوك، وزيرة الخارجية الألمانية، فقد قالت إن روسيا بدأت حرب حبوب تثير أزمة غذائية في مختلف أنحاء العالم".

أمريكا اللاتينية

وخلال الفترة الحالية، يصعب التحدث عن دول أمريكا اللاتينية بوصفهم كيانًا سياسيًا موحدًا، فقد تسبب الاستقطاب السياسي في إحداث انقساماً بكل دولة تقريبًا بحسب توجهها العالمي، وتبدو المنطقة اليوم أكثر انقسامًا من الناحيتين السياسية والاقتصادية، ما جعل المؤسسات الإقليمية عاجزة عن اتخاذ إجراءات سياسية فعالة ومنسقة.

ومن الناحية السياسية، لا تطرح الدول الكبرى في أمريكا اللاتينية سوى عددٍ قليل من المبادرات المنسقة، حيث تتعامل البرازيل باستقلالية في تحالفاتها الدولية، فيما ترتبط المكسيك ارتباطًا وثيقًا بمصالح الولايات المتحدة، وتعاني الأرجنتين من أزمة اقتصادية طويلة الأمد تمنعها من امتلاك أي تأثير فعال في الشؤون العالمية، وتواجه كولومبيا انتخابات تتسم بحالة من الاستقطاب خلال الأسابيع المقبلة، وأصبحت بيرو غارقة في أزمة سياسية عميقة في مشهد سياسي مجزأ، ويقود تشيلي ائتلاف يساري بدأ في اتخاذ قرارات تتعارض مع توجهه السياسي.

وخلاصة القول، تُعاني منطقة أمريكا اللاتينية من انقسام شديد، ولا تملك أي جهات أو مؤسسة فاعلة ذات أهمية أو تأثير يُذكر في الشؤون الدولية، ولا يُمكنها تبني قرارات جماعية.

ومن الناحية الاقتصادية، تنقسم أمريكا اللاتينية إلى ثلاث كتل اقتصادية رئيسية، أولها السوق المشتركة لبلدان المخروط الجنوبي – الميركوسور -(وتضم الأرجنتين، وأوروجواي، وباراجواي، والبرازيل)، وثانيها تحالف المحيط الهادئ (وتضم تشيلي، وبيرو، وكولومبيا ،والمكسيك).وفي الوقت الذي يُظهر فيه التكتل الأول موقف حمائي – تحت ضغوط داخلية من أجل التغيير بقيادة البرازيل - فإنه يواجه بموقف تحالف المحيط الهادئ المؤيد للسوق والموجه نحو التجارة الحرة.

ويتشارك ثاني أكبر اقتصاد في أمريكا اللاتينية (المكسيك) في اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا؛ حيث تُعد الولايات المتحدة هي السوق الخارجية الرئيسية للمكسيك، وتُصدر البلاد 82% من صادراتها إلى جارتها الشمالية.

ويفرض الواقع الجيوسياسي الجديد الموصوف أعلاه آثار متباينة عبر تلك الدول، وهم باختصار ثلاثة آثار هامة على الأقل، وأولها تسريع عملية استبدال مصادر الطاقة التقليدية بمصادر الطاقة النظيفة، واستخدام الغاز كوقود انتقالي، وثانيها أن الارتفاعات في أسعار المنتجات الغذائية قد تكون مؤقتة، إلا أن هيكل مزودي الخدمات سيتغير من الناحية الهيكلية، وثالثها هو التوجه نحو إعادة دعم وإعادة تشكيل سلاسل القيمة الصناعية.

التحول في استخدام مصادر الطاقة

تُسهم تسريع عملية تحول الطاقة في أوروبا في التسريع من تطوير مصادر جديدة للطاقة البديلة، ومن بينها إجراء عمليات تطوير في الطاقة المتولدة من الرياح والطاقة الشمسية، وكذلك في تطوير الهيدروجين الأخضر.

وخلال تلك المرحلة، سيُصبح الغاز الطبيعي المسال هو العنصر الأساسي في الانتقال نحو توفير إمدادات من مصدر للطاقة صديق للبيئة، ومن شأن الطلب على المعادن اللازمة لإنتاج وسائل نقل مستدامة أن يُسهم في تعزيز الأسعار ودفع الإنتاج.

وإذا صح ذلك التوقع، فستحظى دول أمريكا اللاتينية بفرصٍ كبيرة نظرًا لما تملكه من موارد ضرورية لتنفيذ أجزاء كثيرة من هذه العمليات الجديدة على أرض الواقع، وتتشارك كلٍ من البرازيل وغيانا، وبدرجة أقل الأرجنتين، في عمليات تنقيب عن النفط والغاز في البحر بإمكانات هائلة لهذه الدول، حيث أسهمت الزيادة في أسعار النفط في نمو الناتج المحلي الإجمالي لغيانا بنسبة 16% في عام 2021م.

وبالنسبة للغاز الطبيعي، يمتلك حقل فاكا مويرتا في الأرجنتين نوعًا من النفط الخام غير تقليدي في سائر أرجاء العالم، وقد نمت عمليات تنقيبها عن النفط بشكل كبير خلال السنوات الماضية، لكن الدولة اللاتينية لا تزال بحاجة إلى استثمارات دولية كبيرة لتطوير إمكاناتها الضخمة في هذا المجال، حيث أنها إذا لم تبن مصانع تسييل الغاز بحلول نهاية العقد، فستظل إمكاناتها غير مطورة كما هي.

وتحاول البرازيل وتشيلي والأرجنتين تطوير إمكاناتهم من الطاقة الشمسية بدرجات كبيرة، حيث تتمتع البرازيل بمستويات ممتازة من الإشعاع الشمسي نظرًا لكونها تقع في نطاق خطوط العرض التي يتواجد بها الإشعاع الشمسي بدرجة أعلى بكثير من بقية دول العالم، ومنذ عام 2017م، نمت قدرات الطاقة الشمسية في البلاد بشكل متزايد حتى زادت قدرتها الإجمالية إلى 7.8 جيجاوات في عام 2020م، كما شيدت الأرجنتين في جبال الانديز أكبر محطة للطاقة الشمسية في أمريكا الجنوبية بدعمٍ صيني، وتمتلك الأرجنتين وتشيلي مناطق شاسعة ذات ظروف ممتازة لتطوير طواحين الهواء البرية، وهي أرخص بكثير من حيث التكلفة من طواحين الهواء البحرية.

ويبلغ متوسط سرعة الرياح في باتاجونيا في جنوب الأرجنتين ما مقداره 12 متر/بالثانية، وتمتلك البلاد عوامل قدرة إنتاجية تبلغ 60% (في حال كانت العوامل تتراوح بين 24% و30%، فهي جيدة).

وتقوم كل من الأرجنتين وتشيلي بتطوير مشاريع تجريبية للهيدروجين الأخضر في باتاجونيا باستثمارات من شركات ألمانية وأسترالية؛ حيث طورت البلاد قدرات استيعابية ضخمة بما مكنها من توليد أكثر من 10% من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة.

وعلى النقيض من تلك الدول المصدرة للنفط والغاز، فسيُعاني الميزان التجاري في الدول المستوردة للنفط والغاز من آثار ارتفاعهما على حساباتهم التجارية.

ويحتوي "مثلث الليثيوم" الذي أسسته بوليفيا وتشيلي والأرجنتين ما مقداره 67% من الاحتياطيات العالمية المؤكدة من الليثيوم، وهي مادة خام مهمة تُستخدم في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية، ووفقًا لمحللي أسواق السلع العالمية، سيزيد سعر الليثيوم بمقدار ستة أضعاف سعره الحالي بحلول نهاية العقد، وحسبما ذُكر في تقارير سابقة، فإن تطوير هذه الاحتياطيات سيُسهم إيجابيًا على هذه الدول في حال تمكنها من تهيئة أسواقها.

ويظهر اهتمام شركات التعدين والسيارات العالمية في هذا المجال درجة الأهمية الاستراتيجية لهذا المعدن في تنفيذ عملية تحول الطاقة نحو الاعتماد على مصادر طاقة خالية من الكربون.

ومن المتوقع أن تُحقق الدول المنتجة للنحاس مكاسب مماثلة، حيث تُعد تشيلي أكبر منتج للنحاس في العالم حتى الآن بعد إنتاجها ما يقدر بنحو 5.6 مليون طن متري من النحاس في عام 2021م، وتحتل بيرو المرتبة الثانية بعد إنتاجها ما يقدر بنحو 2.2 مليون طن متري في نفس العام، فيما جاءت الصين في المرتبة الثالثة من حيث إنتاج النحاس.

ويُعد معدن النحاس هو أحد المعادن الرئيسية الحاسمة في تنفيذ عملية تحول الطاقة.

وتُتيح قطاعات النفط والغاز على وجه الخصوص، وبدرجة أقل الليثيوم والنحاس، فرصًا لتطوير هذه القطاعات في هاتين الدولتين، ما سيُمكنها من زيادة إنتاجها في وقت قصير ويجعلها أحد القطاعات ذات الدور المحوري في حركة السوق في الدولتين.

أزمة الغذاء

ومن بين أهم عشرة مصدرين للمنتجات الغذائية عالميًا، تمتلك قارة أمريكيا اللاتينية ثلاثة من أهم المصدرين، حيث تُصدر البرازيل والأرجنتين والمكسيك مجتمعين ما قيمته 140 مليار دولار سنويًا من المنتجات الغذائية، وبعد ما تعرضت له القارة الأوروبية ومستوردي المنتجات الغذائية عالميًا من نقص في الإمدادات، فسوف يُسهم ذلك في تحويل وجهة هذه الدول نحو دول أمريكا اللاتينية، ولقد تفاوضت الدول الثلاث بالفعل على إبرام عقود مع دول أوروبية مختلفة.

وفي حال إتمام تلك الاتفاقيات، سيتأثر مستوردو المنتجات الغذائية في دول مثل دول أمريكا الوسط، وأضف إلى ذلك، أن الحرب الأوكرانية تسببت في ارتفاع أسعار الأسمدة المستخدمة في الزراعة وتسببت في إحداث بعض النقص الذي أثر على الإنتاج في دول بالمنطقة، حيث أوقفت أوكرانيا – التي تُعد أحد أكبر المنتجين العالميين للأسمدة – إنتاجها من الأسمدة بسبب الحرب.

إعادة تشكيل وتقصير سلاسل القيمة العالمية

مع التطورات التي يشهدها العالم من الحروب التجارية بين الولايات المتحدة والصين والحرب الروسية على أوكرانيا، بدأ العالم يتجه نحو إعادة تشكيل وتقصير سلاسل القيمة العالمية، حيث تقوم الدول ذات الإنتاج الصناعي بتغيير مصادر المكونات الحيوية مثل أشباه الموصلات تدريجيًا؛ حيث توقفت الولايات المتحدة وأوروبا عن نقل مكوناتها من التكنولوجيا الصناعية الحساسة إلى الصين وروسيا.

وبدأت الولايات المتحدة في إعادة الإنتاج لأنشطتها الزراعية التي كانت تستعين بالصين بها في السابق، وهي عملية يُطلق عليها اسم "إعادة التوجيه"، كما بدأت مخاوف التغير المناخي بالضغط على الخدمات اللوجستية العالمية وبصمتها الكربونية.

وتشير هذه التطورات المتسارعة إلى أن توافر سلاسل قيمة عالمية تتشارك فيها الدول من جميع أنحاء العالم المعلومات والتدفقات المالية والمعارف والسلع والخدمات بِحُرية قد بدأ يتقلص بشكل تدريجي.

ولأسباب سياسية واقتصادية وبيئية، أصبحت مجموعة من العوامل المذكورة أعلاه تخضع لتدقيق شديد، ما يُشكل تهديد خطير للتجارة الحرة، ويُشكل كذلك حقبة جديدة من التجارة الدولية ترتكز على عدم اليقين ويدفع الجميع نحو ضرورة فهم أهمية التحالفات الدولية بشكل دقيق.

الخاتمة

لا يحظى الغزو الروسي لأوكرانيا في أمريكا اللاتينية إلا بعدد قليل من الداعمين، حيث لم تدعم أي دولة أمريكية لاتينية علنًا هذا الغزو، وحتى تلك الدول التي تميل إلى روسيا وخاصة كوبا ونيكاراجوا سيتكبدون خسائر كبيرة بالفعل.

وفي فنزويلا – الحليف السابق لروسيا -بدأت البلاد مفاوضات نادت بها الولايات المتحدة لإعادة استيراد النفط الفنزويلي، وهي خطوة غيرت تمامًا من موقف الولايات المتحدة السابق من حيث إدانة النظام الاستبدادي في فنزويلا، والذي أجبر أكثر من أربعة ملايين شخص على مغادرة البلاد.

وفي الختام، نجد أن مجموعة الدول "الخاسرة" سياسيًا تتكون من عدد قليل من الدول، فمن الناحية الاقتصادية، فإن ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والطاقة من شأنه أن يزيد من الضغوط التضخمية على تلك الدول، وذلك بعد تسارع معدلات التضخم في الولايات المتحدة وكذلك تسارعه بدرجة أقل في القارة العجوز.

ومن حيث الفرص، فلقد أصبحت تلك الدول تمتلك فرصًا متنوعة وكثيرة، فمجرد امتلاكها لموارد وفيرة لا يُقدم لها ضمانًا مباشرًا لنجاح اقتصادها، بل يضمن لها تحسن اقتصادها عالميًا في حال امتلاكها القدرة على تأسيس مؤسسات ضامنة لحقوق الملكية وتأمين العقود طويلة الأجل، وتمتلك دول أمريكا اللاتينية بالفعل القدرة على تحويل إمكاناتها إلى إجراءات ونتائج ملموسة.

وفي خلال هذه المرحلة الجديدة من السياسة العالمية وبالنظر إلى ما تملكه هذه الدول من إمكانات هائلة، فسوف تُسهم تلك الموارد الوفيرة في تعزيز موقف الدول اللاتينية في الساحة العالمية.

مقالات لنفس الكاتب