; logged out
الرئيسية / الحرب الروسية ـ الأوكرانية تعزز المكانة الدولية لدول الشرق الأوسط

العدد 174

الحرب الروسية ـ الأوكرانية تعزز المكانة الدولية لدول الشرق الأوسط

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

جاءت الحرب الروسية الأوكرانية بموجة شديدة من التأثير على الجغرافيا السياسية للمنطقة. وبرغم أنه لا يزال من السابق لأوانه تقييم آثار الحرب الروسية الأوكرانية على منطقة الشرق الأوسط، إلا أنه من الواضح أن تداعياتها ستكون متعددة الأبعاد.

الضعف الروسي وعودة الولايات المتحدة

تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في إضعاف الرصيد الروسي للسلطة على الصعيد الدولي، وجعلت دول الشرق الأوسط تُعيد النظر في دور موسكو في المنطقة؛ فقبل الحرب، توقع الكثيرون أن تُحقق موسكو نصرًا سريعًا في أوكرانيا، خاصة في ظل امتلاك روسيا لقدرات عسكرية قوية ورثتها من الاتحاد السوفيتي؛ حيث تمتلك روسيا خامس أكبر جيش في العالم من حيث الأفراد المتواجدون فعلياً في الخدمة بالإضافة إلى أكثر من مليوني فرد احتياطي.

ودأبت روسيا على إصقال خبرتها العسكرية من خلال مختلف العمليات والمناورات العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز وإفريقيا، ما جعلها قوة ذات قدرات عسكرية ضخمة ولا يُستهان بها أمام أي دولة أخرى، وبخلاف روسيا، شهدت القوات العسكرية الأوكرانية حالة من الضعف في عام 2014م، عندما أعلنت روسيا ضم شبه جزيرة القرم و"استقلال" المناطق الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا؛ حيث تغلبت القوات العسكرية الروسية آنذاك لسهولة الدفاعات الأوكرانية دون مقاومة تُذكر في شبه جزيرة القرم، ورُغم أن أحداث عام 2014م، كانت بمثابة صفعة قوية لكييف دفعتها بعد ذلك لإجراء إصلاحات عسكرية كبرى من خلال زيادة أفراد قواتها المسلحة وزيادة الإنفاق الدفاعي، لكن تظل قدرة أوكرانيا على صد أي هجوم روسي هي موضع تساؤل كبير.

وبالرغم من ذلك، فلم تستطع روسيا تحقيق انتصار عسكري سريع وشامل في أوكرانيا كما توقع العديد من المراقبين، وتتواصل المعارك حتى الآن بين القوات الروسية والأوكرانية في كييف وماريوبول وأوديسا ومدن أخرى، ولا تستطيع القوات الروسية اختراق الدفاعات الأوكرانية بالكامل، أضف إلى ذلك أن القوات الروسية تكبدت خسائر فادحة في الحرب، وأصبحت صورة "روسيا القوية" هشة، مما يُضعف بشدة ثقة دول الشرق الأوسط في السياسات الروسية، وقد لا تثق دول الشرق الأوسط في جودة الطائرات والدبابات والأسلحة الروسية الأخرى، وقد تكون الأسلحة الروسية في سوق الشرق الأوسط ذات إمكانيات محدودة أيضًا.

وتُعيد الولايات المتحدة من جديد تركيزها على منطقة الشرق الأوسط، بعد أن كانت واشنطن قد سحبت تدريجيًا اهتمامها الاستراتيجي بمنطقة الشرق الأوسط إلى مناطق أخرى، وخاصة إلى شرق آسيا، وذلك منذ الولاية الثانية لجورج دبليو بوش وحتى فترة حكم دونالد ترامب.

ويُشير انسحاب واشنطن من أفغانستان والعراق، ورفض التدخل العسكري المباشر في ليبيا وسوريا، وتجاهل الاضطرابات السياسية في العديد من دول الشرق الأوسط إلى انخفاض اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة؛ فمنذ الحرب الباردة، أصبح هناك ثلاث قوى دافعة رئيسية فقط وراء سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، وهي موارد النفط، وتوسع الأيديولوجية الديمقراطية، وبقاء إسرائيل.

وعندما تولى جو بايدن الرئاسة في أوائل عام 2021م، نأت الإدارة الأمريكية الجديدة بنفسها عن التعامل مع الرياض وأبو ظبي، وبرز ذلك في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حول تعليق مبيعات طائرات إف-35 وأنظمة باتريوت للدفاع الجوي، وكذلك التصريحات  غير المناسبة ضد السعودية والإمارات وإسرائيل بسبب قضايا الشرق الأوسط واختلاف وجهات النظر حولها، وكذلك بعد فشلها في استنساخ الأنظمة السياسية الغربية في كل من العراق وأفغانستان، فقدت الولايات المتحدة الثقة في إحداث تحول عميق في الهيكل السياسي في الشرق الأوسط، كما تقلص كذلك الدعم لوجودها العسكري في العراق وأفغانستان.

ومنذ عام 2011م، أصبحت العديد من الدول العربية، مثل ليبيا ومصر وسوريا، بحاجة إلى حل مشاكلهم الداخلية في حين تحسن محيط الأمن القومي الإسرائيلي بشكل كبير، ما أسهم بشكل كبير في تحول السياسات الخارجية الأمريكية وتوجه تركيز الولايات المتحدة واهتمامها خارج منطقة الشرق الأوسط.

وبالرغم من ذلك، فبعد اندلاع الحرب الروسية ـ الأوكرانية وجهت واشنطن انتباهها مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط، فمن ناحية ترغب الولايات المتحدة في توحيد صف دول الشرق الأوسط من أجل عزل روسيا دوليًا، وتُركز واشنطن حاليًا جهودها على ردع موسكو وعزلها.

وبالنسبة لمعظم دول الشرق الأوسط، ليس من السهل اختيار موقف واضح من الحرب الروسية الأوكرانية؛ حيث تحتاج إسرائيل إلى تعاون روسيا في سوريا، فيما لا تريد المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة استفزاز موسكو نظرًا لنفوذ روسيا في منطقة الشرق الأوسط، وتأمل تركيا ومصر في الحفاظ على علاقات إيجابية مع واشنطن، لذا تحتاج الولايات المتحدة إلى توثيق علاقاتها مع حلفائها في الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل.

ومع تصاعد وتيرة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، خففت إدارة بايدن من سياساتها المنتقدة لدول المنطقة في أوائل فبراير ومررت مبيعات الأسلحة إلى السعودية والإمارات، وزودتهم بطائرات جديدة وأنظمة أسلحة مضادة للطائرات، كما زار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إسرائيل بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بهدف إقناع إسرائيل بفرض عقوبات على روسيا.

ومن ناحية أخرى، ترغب الولايات المتحدة في استبدال النفط والغاز الروسيين في السوق الأوروبية بالنفط والغاز من منطقة الشرق الأوسط، وذلك بعد أن تسببت الحرب الروسية الأوكرانية في أزمة طاقة بمستويات غير مسبوقة وفرض الدول الأوروبية والولايات المتحدة عقوبات على النظام الروسي، وتشجيع واشنطن للدول الأوروبية على قطع وارداتهم من المنتجات النفطية الروسية، وعزل النظام المالي الروسي.

ولا تزال روسيا أكبر مُصدِر للغاز الطبيعي إلى أوروبا، ففي عام 2020م، استوردت الدول الأوروبية، ومن بينهم تركيا، 185 مليار متر مكعب من الغاز الروسي -بما يعادل حوالي 36 % من إجمالي الطلب في السوق الأوروبية، ويستورد السوق الأوروبي من موردي غاز آخرين، ومن بينهم قطر والجزائر وأذربيجان وإيران وليبيا.

وفي حال كانت الدول الأوروبية ترغب في استبدال جميع إمدادات الغاز الروسية، فسوف يتعين عليها تنويع مورديها لوارداتها من مصادر الطاقة وخاصة استيراد الغاز، فلن تحتاج أوروبا إلى إقناع موردي الغاز الآخرين، وخاصة دول الشرق الأوسط، بزيادة صادراتهم إلى أوروبا فحسب، بل ستحتاج أيضًا إلى إيجاد موردين جدد للغاز إلى أوروبا.

لذلك، يتعين على الولايات المتحدة تشجيع دول الشرق الأوسط على زيادة إنتاج النفط والغاز من ناحية، وتحويل مزيد من صادراتهم من الغاز الطبيعي إلى السوق الأوروبية عبر كل من خطوط الأنابيب والغاز الطبيعي المسال.

الفرص الإيرانية والتركية

خلال العقدين الماضيين، ازداد نفوذ إيران الإقليمي بقوة، ومن المُرجح أن يتسع نفوذها في السنوات المقبلة بمنطقة الشرق الأوسط مدعومًا بسببين رئيسيين، فمن ناحية، أطاحت الولايات المتحدة بمنافسي إيران الإقليميين، أفغانستان حكم طالبان والعراق تحت حكم صدام حسين في عامي 2001 و2003م، ومن ناحية أخرى، دفعت الأزمات والصراعات الداخلية العديد من القوى العربية، مثل ليبيا وسوريا ومصر، لتُصبح "دول هشة" ما سيجعلها تفتقر إلى القدرات الكافية لكبح جماح سلوكيات إيران الإقليمية.

وفي الوقت الذي أصبح فيه نفوذ إيران مُهيمناً وحاسماً في العراق واليمن ولبنان وسوريا، نمت كذلك قدرات إيران الصاروخية بشكل كبير، وأصبح من الممكن أن تصل صواريخ إيران الاستراتيجية إلى معظم الدول الأوروبية والشرق أوسطية، وأصبح القيد الوحيد أمام توسع النفوذ الإيراني الإقليمي هو سياسة "الضغط القصوى" التي تبنتها واشنطن ضد إيران خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والتي تستهدف عزل إيران عن السوق الدولية وتضييق نفوذ إيران الإقليمي في الشرق الأوسط، إلا أن إدارة بايدن جاءت لتُغير سياسة إدارة ترامب وبدأت المفاوضات مع طهران في فيينا.

وفي ظل الحرب الروسية ــ الأوكرانية، أصبح البحث عن إمدادات جديدة لموارد الطاقة إلى السوق الأوروبية، بما في ذلك النفط والغاز الإيرانيين، هامًا وذا أولوية لواشنطن، ما قد يدفع إدارة بايدن إلى تقديم تنازلات لإيران من خلال رفع جميع العقوبات المفروضة على إيران بعد عام 2018م.

وقد يُسهم التقارب الأمريكي ـ الإيراني في إعادة الاقتصاد الإيراني إلى المجتمع الدولي، ويزيد من قدرات إيران الوطنية، وقد يدفعها للاستمرار في استغلال نفوذها المُهيمن في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ويُتيح لها إمكانية توسعة ذلك النفوذ إلى مناطق أخرى بالشرق الأوسط.

وتُتيح الحرب لتركيا إمكانية لعب دور أكثر أهمية في منطقة الشرق الأوسط ودول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى، رُغم امتلاك الرئيس التركي لعلاقات شخصية وثيقة مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين بفضل مساعدة روسيا ودعمها لحكومة حزب العدالة والتنمية في الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو من عام 2016م، إلا أن المنافسة الجيوسياسية بين تركيا وروسيا قد تُصبح حادة حال استغلال أنقرة لتلك الفرصة.

وينقسم الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط ودول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى إلى ثلاثة جوانب، أولها أن روسيا تُساعد على استقرار النظام العام والأنظمة السياسية في دول الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، فعلى سبيل المثال، كان تدخل روسيا في كازاخستان في أوائل عام 2022م، هو الدافع الرئيسي وراء استعادة النظام السياسي، ويرجع تدخل روسيا في الحرب السورية جزئيًا إلى علاقاتها الوثيقة مع نظام بشار الأسد في دمشق.

وثاني تلك الجوانب هو أهمية روسيا بوصفها قوة تمنع من تغلغل الحركات الإرهابية والمتطرفة من أفغانستان إلى دول آسيا الوسطى، فعلى سبيل المثال، اكتسب الوجود العسكري الروسي والمساعدات الروسية إلى كلٍ من طاجيكستان وأوزبكستان أهمية بالنسبة لدعم تنظيمات مكافحة الإرهاب والتطرف.

وثالث تلك الجوانب هو محاولة روسيا الحفاظ على توازن القوى في الدول المجاورة لها؛ حيث تحاول روسيا التوسط في النزاع الإقليمي بين قيرغيزستان وطاجيكستان، وفي نزاع ناغورني كاراباخ بين أرمينيا وأذربيجان، حيث تدعم روسيا أرمينيا بينما تدعم تركيا أذربيجان.

وبالرغم من أن أذربيجان هزمت القوات الأرمينية في حرب ناغورني كاراباخ في عام 2020م، إلا أن التدخل الروسي منع أذربيجان من احتلال المزيد من الأراضي في أرمينيا.

تُعد المنافسة بين تركيا وروسيا في منطقة الشرق الأوسط ودول منطقة القوقاز وآسيا الوسطى شرسة للغاية، خاصة في الوقت الذي يتزايد فيه الدور التركي في منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تدعم تركيا الجماعات المتمردة في شمال غرب سوريا، بينما تدعم روسيا الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد.

وفي ليبيا، تدعم تركيا المعسكرات السياسية ذات الأيديولوجية السياسية الإسلامية، في حين تدعم روسيا الجنرال خليفة بلقاسم حفتر، الذي يتمسك بالأيديولوجية الوطنية العلمانية، ومن المحتمل أن تستقدم روسيا إلى أوكرانيا بعضًا من قواتها الخاصة التي تنشرها في كلٍ من سوريا وليبيا، مما قد يحدث نقاط ضعف أمنية في تلك الدول.

وتستهدف تركيا تحدي دور روسيا المهيمن في آسيا الوسطى من خلال الترويج إلى أفكار "القومية التركية" و"القومية الإسلامية"؛ حيث تستهدف تركيا تعزيز الهوية الثقافية والدينية المشتركة مع دول آسيا الوسطى وأذربيجان، وذلك من خلال تشييدها إلى جوار العديد من دول آسيا الوسطى وأذربيجان لـ"منظمة الدول التركية" وغيرها من المنظمات الدولية التي تستهدف تعزيز "القومية التركية" والترويج للتقاليد والثقافات التركية، وتُعد الرغبة التركية في إحياء "المجد التركي" و "المجد الإسلامي" في آسيا الوسطى بمثابة ضربة لإضعاف النفوذ الروسي في المنطقة.

وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح السؤال المطروح هو ما إذا كانت روسيا لا تزال تمتلك ما يكفي من الموارد والنفوذ لإحداث تأثير حقيقي في شؤونها الداخلية.

وبالرغم من اعتماد تركيا بشكل كبير على إمدادات النفط والغاز الروسية، إلا أن المنافسة بين البلدين في إمدادات الطاقة قد تُصبح الأكثر بروزًا خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل استهداف أنقرة تنويع موارد الطاقة لديها خلال السنوات الماضية من خلال استيراد النفط والغاز من الجزائر وأذربيجان والعراق.

ونظرًا للأهمية الجغرافية لتركيا في ربط كلٍ من أوروبا وآسيا وإفريقيا، تأمل أنقرة في تحويل نفسها إلى "بوابة إمدادات الطاقة" للسوق الأوروبي، وذلك في ظل رغبة الولايات المتحدة وأوروبا في تضييق الخناق على استيراد الغاز والنفط من روسيا، حيث تستطيع تركيا تعزيز دورها باعتبارها "بوابة إمدادات الطاقة"، وهو ما سيُسهم في تحسين علاقاتها بقوة مع أوروبا والولايات المتحدة.

تحديات الطاقة والغذاء

تُعطي الحرب الروسية الأوكرانية فرصًا جديدة لدول الشرق الأوسط في تعزيز مكانتها الدولية؛ حيث تلعب دول الخليج العربية وتركيا وإسرائيل أدوارًا مهمة للتوسط في الحرب بين موسكو وكييف، فيما زار وزراء خارجية مصر والعراق والأردن والسودان والجزائر روسيا وأوكرانيا من أجل البحث عن حل ممكن لإنهاء الحرب.

وبالنظر إلى العلاقات الوثيقة بين السعودية والإمارات مع هذه الدول العربية الخمس، يُمكن لدول الخليج العربية أيضًا أن تلعب أدوارًا مهمة في الحرب الروسية الأوكرانية.

كما أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت والرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن استعدادهما لتنظيم محادثات سلام لممثلين من موسكو وكييف.

ونظرًا لأن العديد من الدول في الشرق الأوسط حريصة على موازنة علاقاتها بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد تظل عالقة في وسط ذلك التوازن مع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية.

أضف إلى ذلك أن الحرب الروسية الأوكرانية أضرت بالفعل بعدة قطاعات حيوية لاقتصادات تلك الدول، من النفط والغاز إلى الواردات الزراعية والسياحة، وقد تتسبب أي تداعيات أخرى في زيادة عدم الاستقرار في المنطقة وخارجها؛ حيث تضيف الحرب بين روسيا وأوكرانيا تحديات وشكوك جديدة إلى الاستقرار السياسي الداخلي لدول الشرق الأوسط.

ويُعد رد فعل المجتمع الدولي في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا "ضعيف وهش"، وهو ما يُثير تساؤلات على أخلاقيات السياسة الدولية، فعلى غرار الحرب الأمريكية على العراق في عام 2003م، كشفت حرب روسيا ضد أوكرانيا عن حدوث انتهاك للقانون الدولي والأعراف الدولية دون إذن من الأمم المتحدة.

وباعتبارها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن حرب روسيا ضد أوكرانيا تتحدى السلطة القانونية لعدالة المجتمع الدولي، ما يكشف ضعف سلطة الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا والمؤسسات الدولية الأخرى.

وتحت وطأة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، قد تبحث دول الشرق الأوسط عن حلفاء أمنيين جدد داخل المنطقة وخارجها لمساندتهم في أي حروب أو صراعات محتملة.

وتُضيف الأسعار المرتفعة للغذاء والطاقة تحديات اجتماعية واقتصادية للعديد من دول الشرق الأوسط، فعلى المدى الطويل، فإن التحدي الأكثر خطورة لدول الشرق الأوسط هو استمرار ارتفاع الأسعار نتيجة لنقص النفط والغاز والغذاء، وتعتمد بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اعتمادًا كبيرًا على استيراد المنتجات النفطية والمواد الغذائية، ما يجعلها منكشفة بشكل خطير أمام الصدمات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

ومن المرجح أن تظل الدول المكتفية ذاتيًا أو حتى التي تصدر الهيدروكربونات مثل إسرائيل ومصر وإيران والعراق وليبيا وبعض دول الخليج العربية محمية من الركود، في حين أنه من المرجح أن تواجه دولًا أخرى مثل لبنان وفلسطين والأردن واليمن وتونس صعوبات اقتصادية في ظل معاناة السكان من الضغوط المعيشية المتزايدة، ومن المرجح أن ترتفع أسعار القمح والأرز والسكر وغيرها من الضروريات اليومية ارتفاعًا كبيرًا.

وتجد حكومات دول الشرق الأوسط نفسها بين شقي الرحى، ففي حال استمرارها في دعم المنتجات الغذائية، فمن شأن ذلك أن يزيد من العجز الحكومي، ويزيد من ديونها للدول المتقدمة الأخرى، أما في حال رفضها لتغطية فرق الأسعار المتزايدة في المواد الغذائية، فقد يتسبب ذلك في اندلاع اضطرابات اجتماعية وعدم استقرار سياسي.

وقد يُصبح لتضخم تكلفة النفط والغاز والغذاء تأثير غير مباشر على رفع أسعار النقل، وهو ما سيؤثر بالتالي على أسعار السلع الأساسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مما يخلق مزيد من الضغوط التضخمية وربما يتسبب في تعطيل سلاسل التوريد للسلع الأساسية وغير الأساسية التي من شأنها أن تزيد من زعزعة استقرار الاقتصادات الهشة بالفعل، خاصة في اليمن والأردن وسوريا والعراق، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ارتفاع أسعار النفط سيجبر الدول المستوردة للنفط على خفض سعر صرف عملاتها الوطنية، مما يزيد من انخفاض الدخل الوطني وتدهور الظروف المعيشية، وليس من المستبعد أن تشهد منطقة الشرق الأوسط انفجارًا آخر للاضطرابات الاجتماعية، أو حتى صراعات نتيجة للصعوبات الاقتصادية وعدم قدرة الحكومات على معالجتها بشكل كاف.

وفي الختام، من المؤكد أن الحرب الروسية الأوكرانية تؤثر تأثيرًا عميقًا على الجوانب الأمنية والسياسية والاجتماعية في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم بأسره، وقد تتسبب في تعطيل إمدادات الطاقة، وتفاقم انعدام الأمن الغذائي، وتدفع دول الشرق الأوسط نحو اكتساب نفوذ في مقابل الولايات المتحدة وأوروبا.

مقالات لنفس الكاتب