; logged out
الرئيسية / دول الخليج والحرب الروسية ــ الأوكرانية

العدد 174

دول الخليج والحرب الروسية ــ الأوكرانية

الأربعاء، 01 حزيران/يونيو 2022

الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي اندلعت قبل نهاية فبراير الماضي ليست بالحدث البسيط أو العادي، بل بمثابة زلزال ضرب العالم، نظرًا لامتداد تأثيرها خارج رقعة  الصراع ذاتها، و لثقل الأطراف المشاركة في الحرب ، سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر فهي الدول الأكبر في العالم والأقوى عسكريًا، إضافة إلى التأثير الاقتصادي  للحرب الذي امتد ليشمل جميع دول العالم تقريبًا، ناهيك عن ملايين اللاجئين الذين فروا من جحيم الحرب إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك حالة الاستقطاب التي بدأت تلوح في الأفق، ونذر الحرب الباردة التي تتبع هذا الاستقطاب الذي كان قد ضعف تأثيره منذ نهاية الحرب الباردة ، وتفكك الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار جدار برلين، لكن بدأت مقدماته تعود الآن للساحة الدولية مجددًا مع اندلاع هذه الحرب.

وإضافة إلى ما سبق ذكره من تداعيات لهذه الحرب، فإنها في حال طال أمدها سوف يكون تأثيرها أكثر ضراوة على تركيبة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية، تلك التركيبة التي استقرت منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، بما ينبئ بخريطة جديدة للمجتمع الدولي على إثر هذه المرحلة الفاصلة بين مرحلتين إحداهما آفلة بعد أن استمرت لأكثر من 70 عامًا، وأخرى مقبلة  تلوح في الأفق وفق معطيات جديدة غير محددة المعالم بدقة حتى الآن، وإن كانت ملامحها بدأت تتشكل بما ينذر بحتمية التغيير القادم، حتى وإن كانت طبيعة تركيبة المجتمع الدولي الجديدة مازالت غامضة، ولكن قد تتضح عندما تضع الحرب أوزارها، ومع ذلك بدت ملامح ظهور أقطاب جديدة كانت قد تراجع دورها العسكري على الأقل بعد الحرب العالمية الثانية وفي مقدمتها ألمانيا التي بدأت تنفق بسخاء على بناء قوتها العسكرية وقد تتحول إلى مارد عسكري، إضافة إلى كونها مارد اقتصادي ، وتمتلك ثلث الناتج المحلي الإجمالي للقارة الأوروبية فقد أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز أن بلاده ستخصص 100 مليار يورو من ميزانيتها للعام الحالي 2022م، للاستثمارات العسكرية بما نسبته 2% من إجمالي الناتج المحلي لبلاده ، وأيضًا  تحرك مماثل في اليابان حيث ارتفعت أصوات الأحزاب في طوكيو للتخلي عن سياسة العزلة أو الحياد المفروضة عليها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ودعم برامج التسليح، بل طالبت بعض الأحزاب بامتلاك اليابان للسلاح النووي، فيما أبدى الرئيس الأمريكي بايدن تأييده لليابان في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن.

كل ذلك يصب في تغيير تركيبة المجتمع الدولي، ناهيك عن إمكانية نشوب حرب مباشرة بين روسيا من جهة، وحلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وكذلك  تداعيات تململ الدول الكبرى التي مازالت على الحياد حتى الآن مثل الصين والهند ودول أخرى نووية مثل كوريا الشمالية ممن تدور في فلك روسيا بشكل معلن أو غير معلن، والخطورة الأكبر إذا دفعت الخسائر الأطراف المتصارعة إلى استخدام السلاح النووي كوسيلة لحسم الحرب ، وهنا تكون هذه الأطراف قد أقدمت على حالة انتحار غير محمود عقباها، أو إذا تسببت الخسائر الفادحة للطرفين في ظهور حالات استقطاب قسرية بالضغط بأوراق مختلفة على الدول التي مازالت تنأى بنفسها عن هذه الحرب حتى الآن.

الثابت حتى الآن، أن العالم يقف على مفترق طرق، وسوف تزداد المعاناة والانقسامات في حالة طال أمد الحرب، حيث لن تستطيع أوروبا الاستمرار في هذا الحشد والتماسك وفرض العقوبات على روسيا خاصة أنها الأكثر تضررًا من العقوبات، وسوف تزداد المعاناة في حال اتساع نطاق العقوبات خاصة أنها المستهلك الأكبر للنفط والغاز الروسي، كما أنها شريك تجاري مهم للصين والهند المرشحتين للانضمام لروسيا، وأيضًا دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها الدول العربية خاصة المتضررة من توقف واردات المحاصيل الزراعية من روسيا وأوكرانيا ومن أهمها القمح والزيوت النباتية وغيرها ، ما يهدد بانتشار مجاعة في الدول ذات الدخل المنخفض وشح السلع الغذائية، كما أن الدول المحايدة لن تستطيع الاستمرار في الحياد إلى ما لانهاية حيث هناك مصالح اقتصادية وعسكرية وأمنية تربطها بطرفي الأزمة .

ودول مجلس التعاون الخليجي ليست بمعزل عن التطورات الدولية، فهي جزء من المجتمع الدولي، وكذلك مصدرة للنفط والغاز ، وأيضًا مستوردة للغذاء والسلاح وأدوات الصناعة ولا تستطيع أن تتقوقع أو تعزل نفسها عن مجريات الأحداث الدولية، لكن نجحت حتى الآن في أن تكون أكثر اعتدالاً وحكمة وحيادًا في التعامل مع تطورات الحرب الروسية ـ الأوكرانية لما يربطها من علاقات استراتيجية بأطراف الأزمة، ولدورها المؤثر في سوق الطاقة العالمي،  وكونها تتبنى سياسة معتدلة وواقعية ،  فهي دائمًا تعتبر النفط والغاز منتجات اقتصادية مرتبطة بالتنمية وبمصالح الدول المنتجة والمستهلكة معًا وليس ورقة سياسية يزج بها في أتون الحروب والاختلافات السياسية، كما أن دول مجلس التعاون في مرحلة بناء اقتصادي تقوم على توسيع القاعدة الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل وتبني رؤى تنموية بعيدة المدى تعتمد على تنويع الشراكات وتوطين التكنولوجيا الحديثة واقتصادات المعرفة مع مختلف دول العالم بما يخدم مصالحها وتأمين احتياجاتها من الغذاء وجذب المزيد من الاستثمارات  ورؤوس الأموال بعيدًا عن الصراعات الدولية  خاصة التي هي ليست طرفًا فيها، لذلك تتبنى دول مجلس التعاون دعم السلام  والاستقرار ومبدأ عدم حل النزاعات بالقوة، والمساعدة بكل ما تملك في تحقيق ذلك  ولا تدخر جهدًا في المساهمة بالقيام بأي جهد يصب في إنهاء الحرب وتثبيت الأمن والسلم الدوليين، وهي في ذلك تنحاز  بكل وضوح إلى مبادئ  القانون الدولي و تطبيقه والالتزام بأحكامه، وعدم اللجوء إلى القوة العسكرية لحل الخلافات الدولية في جميع مناطق العالم، واحترام المنظمات الدولية القائمة وتجنب توريطها في الصراعات للحافظ على حيادها واستقلالها وهيبتها، ومن ثم فهي تدعو الأطراف المتحاربة إلى الجلوس على مائدة المفاوضات لإنهاء الحرب عبر التفاوض خاصة أن الحلول العسكرية تبدو غير حاسمة في إنهائها.

مقالات لنفس الكاتب