; logged out
الرئيسية / الحصانة البرلمانية تمكن العضو من ممارسة مهامه دون مسؤولية جزائية

العدد 175

الحصانة البرلمانية تمكن العضو من ممارسة مهامه دون مسؤولية جزائية

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

تقوم النظم النيابية الحديثة على مبدأ التعاون والتوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، فلكل من السلطتين صلاحياتها التي تستطيع ممارستها تجاه السلطة الأخرى، وتعتبر الحصانة البرلمانية واحدة من أهم الوسائل الدستورية المنظمة للعلاقة بين السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية، وكذا تشكيل العلاقة القائمة بين تلك السلطات، وتزداد أهميتها بحكم ارتباطها المباشر بفئة من نواب البرلمان وممثلي الشعب ليدافعوا عن حقوق الشعب والقيام بوظيفتهم الرقابية والتشريعية بكل حرية ودون خوف لتحقيق العدل والمساواة.

لا شك أن ضمان حرية أعضاء البرلمان من النتائج الضرورية لمبدأ الفصل بين السلطات، إذن يجب أن يكون البرلمان مستقلاً وأن تتوافر لأعضائه الحرية في أداء واجباتهم البرلمانية، فهي ضمانات للسلطة التشريعية متمثلة في أعضائها، وذلك حتى لا تتمكن السلطة التنفيذية من التأثير في أعضاء البرلمان بالترغيب أو الترهيب.

ونصت معظم دساتير العالم على هذه الضمانات، وتتمثل الحصانة البرلمانية في عدم مسؤولية الأعضاء عن أقوالهم وآرائهم بالمجلس، ما يعني عدم جواز اتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي عضو من أعضاء البرلمان الذي ينتمي إليه في أثناء انعقاده في غير حالات الجرم المشهود، أو التلبس، إلا بعد الحصول على إذن البرلمان. ونشأت الحصانة البرلمانية في إنجلترا، إذ ترجع جذورها إلى المواثيق الدستورية الإنجليزية الأولى، أما الحصانة ضد الإجراءات الجنائية فنشأتها فرنسية، إذ قررتها الجمعية التأسيسية في ٢٦ يونيو ١٧٩٠م، في أعقاب الثورة الفرنسية.

ويتمتع العضو في مجلس الأمة الكويتي بالحصانة البرلمانية، التي تمكن العضو من ممارسة مهامه النيابية بالشكل المطلوب، وتخوله مناقشة أي دون أن يخشى من الوقوع في دائرة المسؤولية الجزائية، أو المدنية، هذا من جانب، ومن جانب آخر تحمي الحصانة البرلمانية النائب من عرقلة نشاطه البرلماني، أو بتعبير آخر لن يُحالَ بينه وبين القيام بمهامه الدستورية سواء داخل المجلس ولجانه أو خارجه، إذا تطلب العمل ذلك، فالحصانة إذن تقف سداً في مواجه الدعاوى التي ترفع على النائب ويكون الهدف منها الكيدية والتعسفية.

وقد أفرد الدستور الكويتي مادتين نص من خلالها على صورتين للحصانة البرلمانية، فمن المادة 110 من الدستور تناول صورة الحصانة الموضوعية، فقد نصت المادة على الآتي:" عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال.  في حين جاء على ذكر الصورة الثانية من صور الحصانة البرلمانية وهي الحصانة الإجرائية من خلال نص المادة 111من الدستور التي تنص على: "لا يجوز في أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية في أثناء انعقاده على النحو السابق. كما يجب إخطاره دوماً في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة الإذن"، من ذلك يتبين أن الدستور الكويتي يعرف صورتين للحصانة البرلمانية؛ وهما: الحصانة الموضوعية والحصانة الإجرائية.

الحصانة الموضوعية

إن المميز في الحصانة الموضوعية أنها حصانة وفقاً للرأي الأرجح مطلقة، وهو ما يعني أنها لا تقبل أي أنواع المساءلة من قانون اللائحة الداخلية لمجلس الأمة باستثناء تلك المساءلة التأديبية التي نص عليها المشرع في المادتين 88، و89 من الدستور الكويتي، فالمادة 88 تنص على "لا يجوز للمتكلم استعمال عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو إضرار بالمصلحة العليا للبلاد، أو أن يأتي أمرًا مخلاً بالنظام، فإذا ارتكب العضو شيئاً من ذلك لفت الرئيس نظره، وعند الخلاف يفصل المجلس في الأمر دون مناقشة"، في حين جاء في المادة 89 " للمجس أن يوقع على العضو الذي يخل بالنظام أو لا يمتثل لقرار المجلس بمنعه من الكلام أحد الجزاءات الآتية: أ ـ الإنذار، ب-توجيه اللوم، ج-منع العضو من الكلام لبقية الجلسة، د-الإخراج من قاعة الاجتماعات مع الحرمان من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة، هـ-الحرمان من الاشتراك في أعمال المجلس ولجانه مدة لا تزيد عن أسبوعين. يصدر قرار المجلس في هذا الشأن في الجلسة ذاتها، وللمجلس أن يوقف القرار الصادر في حق العضو إذا تقدم في الجلسة التالية باعتذار كتابي عما صدر منه".

ولا يمكن التنازل عن الحصانة الموضوعية لا من قبل العضو ولا من قبل المجلس وذلك لتعلقها بالنظام العام، ولأنها حصانة مهمتها حماية الوظيفة البرلمانية، فهدف هذه الحصانة حماية المجلس بشكل عام، من خلال المحافظة على أدائه وفعاليته.

وتجدر الإشارة إلى أن البعض يذهب إلى أن الحصانة الموضوعية قابلة للتنازل عنها، ولكن ليس للعضو ذلك الحق وإنما هو حق مقرر للمجلس، وقد استندوا في ذلك على نص المادة 23 من قانون اللائحة التي جاء فيها التالي" ليس للعضو أن ينزل عن الحصانة النيابية من غير إذن المجلس"، وقد أكدت المادة 110 السابق ذكرها من الدستور الكويتي السالف بيانها بعدم جواز مساءلة العضو البرلماني مهما كانت الأسباب، فنجد المادة قد ختمت بعبارة "... ولا تجوزللعضو مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال".

كذلك فقد أكدت هذه المادة مبدأً مستقر في الأعراف البرلمانية التي تعود في أصولها إلى الثورة الإنجليزية 1688م، وكذلك الحال مع الثورة الفرنسية في 1789م، فمن غير وجود هذا المبدأ يصعب الأمر على النائب إن لم يكن مستحيلاً أن يتمتع بالحرية التي تمكنه من العمل بعفوية وطمأنينة، فهذا المبدأ يمثل للنائب الحماية من المساءلة المدنية والجنائية عما يبديه من آراء وأفكار وأقوال في المجلس أو في لجانه، وهو الأمر الذي يهيئ للنائب المكان المناسب للعمل بفاعلية كبيرة ودون تحفظ في ظل هذا المبدأ.

أخيرًا، هذه الحصانة مقررة لأعضاء مجلس الأمة جميعاً سواء المنتخبين أو الأعضاء بصفتهم المعينين وهم الوزراء، وهي تمثل مانعًا للقضاء وجهات التحقيق، من إمكانية استدعاء العضو لمناقشة آرائه وأفكاره التي كان قد أبداها في المجلس، لذلك فإننا نستطيع تعريف الحصانة الموضوعية بالآتي:" هي إعفاء عضو مجلس الأمة من المساءلة القانونية بشقيها عما يصدر عنه من أقوال أو ما يكشف عنه من آراء وأفكار داخل مجلس الأمة أو في جلساته أو لجانه.

شروط التمتع بالحصانة الموضوعية للعضو:

أوضحت المادة 110 من الدستور الكويتي شرطين لإسباغ هذا النوع من الحصانة على

عضو مجلس الأمة وحمايته من المساءلة القانونية وهما:

1-اقتصار حماية الحصانة ضد المساءلة على الأقوال دون الأفعال.

حيث قصرت المادة 110 الحماية للنائب على الأقوال والأفكار والآراء، ومن ذلك يتضح أن مساءلة العضو عما يصدر عنه من أفعال غير مشمولة بهذه الصورة من الحصانة الموضوعية سواءً تمت الأفعال داخل المجلس أو خارجه، والمثال على تلك الأفعال كأن يضرب النائب أحد زملائه أو أن يزور في محاضر جلسات المجلس أو لجانه، ويمكن تحريك المساءلة الجزائية المدنية تجاه العضو في هذه الحالة إذا تمت وفقاً للإجراءات المطلوبة.

وتجدر الإشارة إلى أن البعض يذهب إلى أن الحصانة الموضوعية تظل بظلالها أقوال النائب آراءه بالإضافة إلى أعماله والأفعال التي يقوم بها التي تكون بسبب أو بمناسبة أدائه لوظيفته النيابية، وسواء كان ذلك داخل المجلس أو في لجانه أو حتى خارجه، طالما أن تلك الأقوال والأفعال تمت وهو يقوم بمباشرة الوظيفة البرلمانية، وهو الأمر الذي يجعل تلك الأقوال والأفعال جزءاً لا يتجزأ من وظيفته. ويؤكد هذا الاتجاه أحدهم إذ يرى أن النائب في مجلس الأمة في الواقع له صفتان، صفة كونه ممثلا للأمة وبهذه الصفة يُحَصنه الدستور بحصانة شاملة لكل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال ما دامت بسبب أو بمناسبة ممارسته لوظيفته كعضو في مجلس الأمة، أما الصفة الأخرى، فإنها صفته كفرد من أفراد المجتمع، ويكون كذلك في الفترات التي لا يؤدي فيها العضو وظائفه النيابية، وفي هذه الصفة تطبق عليه القواعد القانونية التي تحكم سلوك الأفراد، ولكن صاحب هذا الرأي يعود مرة أخرى ويفرق بين القول داخل المجلس والقول خارجه، فلا يمكن مساءلة العضو عن هجومه مثلاً على إحدى الشخصيات إذا وقع ذلك داخل المجلس وفقاً للمادة 110 من الدستور، في حين لو هاجم العضو الشخصية ذاتها خارج المجلس فيمكن أن يسأل.

2-أن يلتزم العضو في نطاق الحصانة الموضوعية المكاني.

بالإضافة إلى عدم تجاوز العضو للأقوال ليستطيع أن ينتفع بالحصانة الموضوعية، يجب كذلك عليه أن يلتزم بحيز الحصانة الموضوعية المكاني والمحدد في المادة 110، وهو داخل المجلس أو لجانه، وهو ما يتبين قيام مسؤولية عضو مجلس الأمة حتى وإن التزم على مجرد الأقوال والآراء خارج النطاق المكاني المحدد بالمجلس أو لجانه. كما أن هناك من الفقه من توسع في الحيز المكاني للحصانة الموضوعية عن طريق ربطها بالعمل البرلماني، حيث تظل بظلالها أعمال العضو النيابية سواء داخل المجلس أو خارجه ما دام أداؤها بمناسبة عمله البرلماني.

وهنا يجب بيان شمول الحصانة الموضوعية لكل ما يضمه مبنى مجلس الأمة من أماكن سواء مكاتب النواب أو ممرات المجلس، فالنص جاء بشكل عام وهو ما يدلّل شمول الحصانة الموضوعية لجميع مرافق مجلس الأمة.

 

الحصانة الإجرائية

في البداية، يجب أن نشير إلى الحصانة البرلمانية الإجرائية في ظل فترة الحكم الانتقالي السابقة على العمل بالدستور الدائم؛ حيث لم يتضمن القانون رقم ١ سنة ١٩٦٢م، بشأن النظام الأساسي النص على عدم المسؤولية البرلمانية والحصانة ضد الإجراءات الجنائية، وذلك لأن هذا القانون كان انتقالياً ولمدة عام فقط، وقد أحال للمجلس التأسيسي المكلف بوضع الدستور الكويتي لوضع لائحته الداخلية ونظام العمل به.

وقد أثير هذا الأمر لأول مرة أمام المجلس التأسيسي وذلك عند مناقشته لمشروع اللائحة الداخلية للمجلس المذكور، وكان أعضاء اللجنة المكلفة بوضع نصوص اللائحة الداخلية التي يصدرها المجلس بقرار منه، يرون أن عضو المجلس التأسيسي يجب أن يتمتع بالحصانة على أساس أن البرلمانات والمجالس المشابهة تعطي الحصانة لأعضائها.

إلا أن الخبير الدستوري للمجلس أ.د. عثمان خليل عثمان اعترض على هذا الرأي وكان اعتراضه منصباً على أن الحصانة غير مذكورة في النظام الأساسي في فترة الانتقال، كما أن الحصانة تتعارض مع قانون الجزاء الذي يطبق في الكويت. كما أضاف بأنه لا يجوز للائحة الداخلية التي يصدرها المجلس بقرار منه أن تعلو فوق القانون. وذلك لأن النظام الأساسي الذي يقوم عليه الحكم في فترة الانتقال أي الدستور المؤقت لهذه الفترة، يجب أن نطبقه كما هو فعلاً لا كما يجب أن يكون في رأينا. وهذا الدستور المؤقت الذي لا يسري إلا لمدة سنة واحدة، وإن كان قد حوي العناصر الرئيسية في الدساتير إلا أنه لم

يتعرض للأحكام الكثيرة والتفاصيل العديدة التي تحويها الدساتير عادة، تاركًا ذلك للدستور الدائم الذي سيتولى المجلس التأسيسي إعداده، وإنما اقتصر الدستور المؤقت على أحكام عامة مبسطة حتى يسهل تطبيقه وسرعة إنجاز الدستور المقصود. والقاعدة العامة الدستورية أنه يجب على الجميع احترام القانون ومن باب أولى الدستور إذ هو القانون الأعلى للبلاد.

ويترتب على ذلك: أنه لا يجوز لأي هيئة أو سلطة في البلاد أن تخالف الدستور أو القانون ولو كانت هي السلطة التي أصدرته. ولا يجوز أن يخالف الدستور ولو بقانون. ولا يجوز أن يخالف الدستور بلائحة أو قرار. فاللائحة التي يفوض القانون أية جهة في إصدارها لا يجوز بأي حال أن تخالف هذا القانون ولا أي قانون آخر.

 

 الحصانة الإجرائية هي تلك الحصانة التي تحمي العضو من مباشرة الإجراءات القضائية في حقه، التي تدور في فلك الكشف عن الجرائم أو البحث عن مرتكبيها، وقد نصت المادة 111 من الدستور الكويتي على عدد من هذه الإجراءات، فذكرت التحقيق والتفتيش والحبس، كما أن المادة نفسها أوضحت أنَّ تخصيصها لتلك الإجراءات بالذكر كان على سبيل المثال وليس الحصر.

 

تضمن الدستور الكويتي الصادر في ١١ نوفمبر 1962م، في مادته رقم 111 النص على الحصانة البرلمانية وذلك بنصه على "لا يجوز أثناء دور الانعقاد، في غير حالة الجرم المشهود، أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق. كما يجب إخطاره دواماً في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه، وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة

إذن".

وتنص المادة ٢٠ من القانون رقم ١٢ لسنة ١٩٦٣م، في شأن اللائحة الداخلية لمجلس الأمة على أنه "لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق، أو التفتيش، أو القبض، أو الحبس، أو أي إجراء جزائي إلا بإذن المجلس ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابقة كما يجب إخطاره دومًا في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه، ويجب لاستمرار هذا الإجراء أن يأذن المجلس بذلك.

وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه اعتبر ذلك بمثابة إذن".

ويتمتع العضو بالحصانة منذ بداية دور الانعقاد وليس من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب.

حيث نصت المادة ٨٣ من الدستور على أن: "مدة مجلس الأمة أربع سنوات ميلادية من تاريخ أول اجتماع له ".

ومما سبق فإن الحصانة البرلمانية المقررة لعضو مجلس الأمة الكويتي يتمتع بها خلال دور الانعقاد فقط أما خلال العطلة البرلمانية فإنه يفقد هذه الحصانة.  فالحصانة المقصودة قسمان، قسم لا يفقده العضو أثناء العطلة أو هو لا يثار أثناء العطلة، وقسم يفقده أثناء العطلة، فالذي لا يفقده العضو أثناء العطلة هو الحصانة الموضوعية أي ما يسمى عدم المسؤولية لأن العضو إذا أبدى أي أفكار أو آراء في المجلس حتى لو كانت هذه الآراء معاقباً عليها في قانون الجزاء لو قالها في الخارج فلا يسأل عن هذا إطلاقًا ولو جاءت فترة العطلة لأن هذه هي حالة عدم المسؤولية. فكأنه لم يرتكب الجريمة إطلاقاً.

فإذا حجز العضو على ذمة التحقيق في أثناء فترة العطلة البرلمانية واجتمع المجلس خلال حجزه عندها يخطر المجلس بأن العضو قد اتخذ ضده إجراء، فيوقف هذا الإجراء إذن المجلس من جديد، ولا تستطيع جهة التحقيق الاستمرار في هذا القبض إلا إذا بعثت للمجلس لكي يأذن لها بالاستمرار في القبض، فإذا رفض المجلس، فلابد من الإفراج عنه، فالحصانة المقررة للعضو مرتبطة بانعقاد المجلس فقط وليس بفترة العطلة.

والحكمة من ذلك هي عدم إعطاء العضوية امتيازاً على المواطنين بدون مبرر في أثناء العطلة حيث لا مجلس، فالحصانة البرلمانية ترمي إلى عدم اتخاذ أي إجراء جنائي ضد أي عضو من أعضاء البرلمان أو القبض عليه دون إذن المجلس، وليس المقصود من الحصانة البرلمانية هو حماية الأعضاء من نتائج الجرائم التي يرتكبونها، وإنما الغرض هو حماية عمل المجلس. وما دام العضو متهماً في جريمة ما، فإن المجلس لا يمتنع عن رفع الحصانة البرلمانية عنه ليأخذ العدل مجراه، والغرض الحقيقي من هذه الحصانة كما ذكرنا هو وضع الأعضاء تحت حماية البرلمان خوفاً من أن تتخذ السلطة التنفيذية إجراءات كيدية ضدهم لما يبدونه من الآراء داخل المجلس أو بسبب مسلكهم العدائي للحكومة القائمة والتي تملك عادة سلطة الاتهام لأنها تابعة للسلطة التنفيذية.

 الحصانة البرلمانية أثناء دور الانعقاد فقط في غير حالة الجرم المشهود، والحكمة واضحة حيث لا يمكن السكوت على الجرائم التي يرتكبها الأعضاء بين أدوار الانعقاد ولا شك في أن الانتظار حتى عودة البرلمان إلى الاجتماع يؤدي إلى ضياع معالم الجريمة وانتهاك حرمة العدالة وتعطيل أعمال القضاء الذي عليه كيان الجماعة، وهذه الحصانة خاصة بالإجراءات الجنائية فقط.

 

خلاصة القول، موضوع الحصانة البرلمانية يعد من أهم الضمانات التي يمكن أن ينص عليها الدستور ويمنحها لأعضاء البرلمان، وهي عنصر من العناصر التي تشكّل طبيعة العلاقة بين سلطات الدولة، وسواء كانت حصانة موضوعية أو إجرائية، فإن تلك الحصانة بطبيعة الحال تواجه من خلال التجربة العملية عددًا من العقبات عند اصطدامها بالواقع العملي، ولكن ما تم الإشارة إليها هو نظرة تحليلية عن الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها عضو مجلس الأمة الكويتي وفقًا للدستور الكويتي الدائم، وعرض أبرز مقومات تلك الحصانة وآثارها وحالات انقضائها، وموقف الدستور والقوانين المنظمة لعلاقة السلطة التشريعية فيما يخص ذلك مع السلطات الأخرى. وإن الارتباط بين الحصانة البرلمانية ومبدأ المساواة أمام القانون يعكس صورة إيجابية ولا يشكل تناقضًا ما بين الحصانة ومبدأ المساواة أمام القانون، لأن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة، وكي يتمكن من القيام بدوره فيجب أن يتم حمايته وألا يكون عرضة للتهديد. ويلعب النظام السياسي القائم دورًا مهمًا وحيويًا في تحديد طبيعة الحصانة البرلمانية وضوابطها وقيودها وذلك وفقًا لتطبيق النظام السياسي الصحيح والسليم للمبادئ التي يقوم عليها النظام، وكذلك المبادئ القانونية المنصوص عليها في الدستور.

مقالات لنفس الكاتب