; logged out
الرئيسية / المزاج الشعبي الكويتي ينظر بتوجس وخوف للتجارب العربية السلبية للأحزاب السياسية

العدد 175

المزاج الشعبي الكويتي ينظر بتوجس وخوف للتجارب العربية السلبية للأحزاب السياسية

الثلاثاء، 28 حزيران/يونيو 2022

ثمة حالة من الإجماع في المجتمع الكويتي، ومن كل فئاته وجميع جزئياته، مفادها بأن الأزمة السياسية في البلاد قد بلغت مرحلة متقدمة من الاستعصاء، وأن الصراع المحتدم بين الحكومة وكتلة المعارضة النيابية قد تدحرج إلى حرب إلغاء وإقصاء.

صحيح أن الصراعات السياسية بين المجلس والحكومة أمر مألوف ومعتاد في كل المجالس السابقة وليس جديدًا، لكن الجديد هذه المرة هو أن الصراع بين الطرفين تحول وبسرعة مذهلة إلى «صراع صفري»، ينتهي فقط بكون الهدف الوحيد لكل طرف هو هزيمة الطرف الآخر والاستيلاء على ما يمتلكه من سلطات وتجريده من أوراق القوة.

فمنذ اللحظات الأولى لانتخاب المجلس الحالي في 5 ديسمبر 2020م، والمجال السياسي الكويتي يعيش حالة من التأزم المستمر انعكس ذلك في تعذر عقد المجلس لجلساته بشكل منتظم (3 جلسات عادية خلال عام ونصف) نتيجة تقديم نواب المعارضة لعدة استجوابات لوزراء الحكومة ولرئيسها مما اضطر الحكومة لتقديم استقالتها مرتين لتفادي جلسات طرح الثقة وعدم التعاون مع رئيس الحكومة، ودخول الكويت في سابقة سياسية تمثلت في عدم تشكيل حكومة جديدة بعد مرور 80 يومًا (حتى تاريخ كتابة هذه السطور) على استقالة الحكومة.

قيود الماضي تكبل المستقبل

ما تعيشه الكويت اليوم من انسداد سياسي متكرر وصدام متعدد الأشكال بين الحكومة والمعارضة يعود في جذوره الأولى إلى طبيعة الستور الكويتي الذي ظهر في 1962م، والذي تبنى نظامًا هجينًا بين النظامين البرلماني والرئاسي ومع ذلك فإنه أجل  قيام القواعد والهياكل الداعمة للنظام البرلماني كتشكيل الأحزاب إلى المستقبل ( أحال الدستور تنظيم الأحزاب إلى قانون يصدر لاحقًا) لكنه لم يصدر حتى الآن، ورغم تبني الدستور الكويتي لبعض خصائص النظام البرلماني من حيث حقوق التشريع والرقابة إلا أنه يحدد صراحة وجوب وجود حكومة منتخبة أو حتى شبه منتخبة تعكس نتائج الانتخابات وترك الباب مفتوحًا لتقدير رئيس الحكومة لاختيار عضو واحد أو أكثر من البرلمان في الحكومة لتكتسب مشروعيتها. 

دستور جامد يجهض التغيير

ارتكزت فلسفة الدستور الكويتي نظريًا على مبدأ فصل السلطات وحدد صلاحيات ووظائف السلطات الثلاث في النظام السياسي الكويتي، وفصل فيما ينها وأعطى صلاحيات محددة لكل سلطة، ووضع الاحتياطات اللازمة لضمان تحقيق التوازن الفعلي بين السلطات، وحدد الدستور الإجراءات الكفيلة لضمان عدم تغول صلاحيات سلطة على أخرى.

واحتوت مواده على ضوابط وضمانات للتوازن بين السلطات بما يمنع انفراد واحدة فيها بالحكم، وبما يحول دون طغيان سلطة على أخرى، وقال بعدم جواز نزول أي سلطة من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، عن اختصاصاتها كليًا أو جزئيًا، وذلك عن طريق ما يسمى تفويض السلطة إلا في حالات الضرورة القصوى في الحروب والكوارث، ولفترات محددة زمنياً.

 لكن في الوقت نفسه فإن الدستور الكويتي يوصف بأنه (دستور جامد) يصعب تعديل وتنقيح مواده فقد وضع صعوبات وعوائق أمام أي مبادرة ومقترحات تعديل للدستور سواء من مؤسسة الحكومة والبرلمان على حد السواء باشتراطه لتلاقي الإرادتين لتمرير أي تعديل دستوري ونتيجة لذلك حافظ الدستور الكويتي على صورته الأولى، وبرغم المحاولات المتكررة من قبل السلطة لتنقيح الدستور نحو مزيد من التقييد لسلطة البرلمان، إلا أن الدستور الكويتي صمد أمام التغيير والتعديل، فخلال أكثر من  60 عامًا لم يجر أي تعديل أو إضافة أو حذف لأي من مواد الدستور.

وقد يفسر البعض أن في ذلك انتصارًا للقوى المطالبة بالديمقراطية كونها حافظت على المكتسبات الديمقراطية المنصوص عليها في مواد الدستور، إلا أن ذلك قد يعني من جهة أخرى أن القوى السياسية الكويتية عاجزة عن الدفع بمشروع جديد للإصلاح السياسي يرتكز على مكتسبات دستور 1962م، وينطلق منها نحو مزيد من الحريات والمزيد من المشاركة الشعبية في صنع القرار، وهو ما يؤدى إلى حقيقة مفادها أن النظام السياسي الكويتي لا يزال أسيرًا للآليات ذاتها التي واكبت صدور الدستور عام 1962م.

وبالمحصلة فقد أدى ذلك إلى فشل الطرفين في تمرير التعديل فقد حاولت الحكومة في مجلس 1981م، تمرير تعديلات دستورية تقيد سلطة البرلمان في الرقابة والتشريع لعدم حصوله على نصاب ثلثي أصوات أعضاء المجلس التي يشترطها الدستور في هذه الحالة، كما فشلت كل محاولات المعارضة في تمرير مقترحات تعديل الدستور الهادفة إلى التحول أكثر إلى نظام برلماني صريح نتيجة لشرط وجوب موافقة الأمير على التعديل بغض النظر عن توفر غالبية من عدمها، ونتيجة لذلك فقد تعطلت كل مشاريع تغيير وتطوير النظام السياسي الكويتي طيلة العقود الستة الماضية.

فردية العمل السياسي

واليوم وبعد مرو 60 عامًا على قيام التجربة النيابية في الكويت ورغم الحراك السياسي النشط فلا يزال التنظيم السياسي في الكويت يقوم على الفردية في ظل غياب تنظيمات سياسية علنية، وهو ما جعل النظام السياسي الكويتي يتأسس من جماعات وقوى سياسية غير منظمة وليس على أحزاب سياسية معترف بها.

وفي رأي الباحث فإن غياب حياة سياسية تقوم على النظام الحزبي كان له انعكاس مباشر في طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي مكانة البرلمان في مواجهة السلطة التنفيذية.

فقد أدى ذلك الوضع إلى صعوبة في القدرة على بناء وتشكيل ضمانه أساسية للممارسات السياسية، وتسبب في تعطيل تأسيس حياة سياسية تنافسية تنقل البرلمان من الاعتماد على الأداء الفردي للنواب إلى صيغة من صيغ المؤسسية.

ويرى الباحث أن طغيان الفردية بدل المؤسسية على العمل السياسي في الكويت أدى إلى بروز أشكال المصلحة الفردية في أوقات الانتخابات أو أثناء بناء المواقف داخل البرلمان أو خارجة، وهذه الفردية في العمل البرلماني حرمتهم من أي إسناد أو غطاء سياسي يقوي مكانتهم ويعزز مواقفهم، وهوما أدى إلى إضعاف أعضاء البرلمان أمام السلطة التنفيذية، وتضخم قوة السلطة التنفيذية في مقابل السلطة التشريعية.

فإن هذه المفاهيم المرتكزة على نصوص دستورية، تختلف في بعض جوانبها عن الواقع السياسي القائم وعلى الممارسة السياسية الحقيقية والمتمثلة في ظهور تناقض بين نصوص الدستور وبين القوانين التي لا تستجيب للطموحات والأهداف التي سعى إليها واضعو الدستور، فالقوانين التي صدرت عقب إعلان الدستور حجبت النشاط السياسي وقيدته، ومنحت هيئات حكومية مؤسساتها سلطات غير محدودة.

ويمكن القول هنا إن مما ساعد على تقييد سلطة البرلمان في الإصلاح محدودية تمثيل المعارضة في البرلمان لاسيما في المجالس الأولى في ستينات وسبعينات القرن العشرين،

 زاد من ذلك إلى إقرار الدستور لمشاركة الوزراء (16وزيراً) في عضوية المجلس بحكم مناصبهم وحقهم في التصويت على قراراته (عدى التصويت على طرح الثقة في الوزراء)، مما حد من إمكانية تغيير حقيقي لصالح تطوير النظام السياسي وعطل إمكانية التحول إلى النظام الحزبي.

 وحتى في الحالات التي حازت المعارضة فيها أغلبية فاعلة جرى حل المجلس مرتين حلاً غير دستوري وجرى تعليق العمل ببعض مواد الدستور وتعطيل الحياة النيابية، وكانت المرة الأولى عام 1976م، لمدة خمس سنوات، والمرة الثانية حدثت عام 1986م، لمدة ست سنوات.

وعقب تحرير الكويت وعودة الحياة النيابية عام1992م، أسقط خيار الحل غير الدستوري وجرى استخدام الحل المنصوص عليه في الدستور الذي يوجب إجراء انتخابات جديدة مبكرة خلال شهرين من الحل وهو الخيار الذي استخدم 6 مرات في عضون 7 مرات في غضون 20 عامًا (1999-2019م).

تضارب المصالح

بالقدر الذي وفر فيه الدستور حصانة وقوة للسلطة التشريعية، فقد كانت السلطات الممنوحة للبرلمان في مجالي التشريع والرقابة سبباً لتبرم السلطة من حجم الصلاحيات التي يمتلكها البرلمان، وكم القيود التي يكبل بها سلطات السلطة التنفيذية، ومثل ذلك عامل تفجير مستمر للصراعات بين السلطتين تم التعبير عنه بتعدد حالات حل مجلس الأمة قبل إكمال دورته الدستورية.

وتشير دراسة تطور الحياة السياسية في تلك الفترة إلى تضافر العديد من العوامل التي أدت إلى إجهاض المحاولات المتتالية لقيام تنظيمات حزبية في الكويت، لعل أهمها معارضة السلطة التنفيذية والهياكل التقليدية عملت على تغذية وتدعيم مزاج شعبي عام لا زال ينظر بتوجس وتخوف من نظلم الأحزاب السياسية بالنظر إلى التجارب العربية السلبية.

وفى اعتقادنا أنه ورغم التقدم الحاصل في العالم في مسالة الديمقراطية، إلا أن حلقات من الصراع متواصلة وسوف تتواصل وإن اتخذ معسكر الفريق المقاوم للديمقراطية أشكالاً وصورا أخرى تقوم على الإقرار بالنظام الديمقراطي مع السعي الحثيث للفريق المقاوم في الوقت نفسه لإفراغ النظام الديمقراطي من أهم مرتكزاته، وهي الرقابة والتشريع والمحاسبة وهو ما عبرت عنه حوادث تزوير انتخابات 1967م، والتعطيل غير الدستوري للحياة النيابية مرتين 1976م، 1986م.

    وبالنظر إلى الفترة الطويلة التي مرت على الدستور دون تعديل أو تغيير، فإن مسألة تعديل الدستور ستكون حتمية الحدوث في المستقبل المنظور، وإن التحدي القادم هو كيف سيتم تعديل الدستور؟ ولمصلحة من؟ وهل سيكون في اتجاه المزيد من الحريات والمشاركة الشعبية؟ أم ستنزع صلاحيات السلطة التشريعية وتتقلص لمصلحة السلطة التنفيذية؟

 التحدي الآخر الذي يظهر في موقع ومكانة القوى السياسية في النظام السياسي الكويتي يتعلق في قدرتها على تحسين وظائفها وتفعيل دورها في المجتمع والدولة،

فرغم وجود حياة نيابية نشطة وفعالة فإن التحدي الكبير الذي يواجه القوى السياسية الكويتية هو غياب حياة سياسية كاملة، وضعف الالتزام بالمجتمع المدني. فالديمقراطية في الكويت لدى الفاعلين في المجال السياسي الكويتي من الحكومة والقوى السياسية على حد السواء.

فالنشاط السياسي في الكويت يتمحور وينطلق في مجمله في نطاق العملية الانتخابية وتقتصر عليها فقط، إلى درجة أن كثيراً من المناقشات والصراعات انحصرت حول البعد البرلماني للديمقراطية، في حين لم يتم التركيز على أبعاد أخري للمبادئ الديمقراطية مثل حرية الاجتماع وحرية المشاركة وحرية التعبير،

 كما أن تفويض القانون للحكومة بممارسة السلطة الكاملة على جمعيات النفع العام في تنظيم ومنع وترخيص أية جمعية في الدولة.

 ومن خلال التجارب الماضية والحالية، فإن الحكومة قيدت وعبر سلسلة من القوانين حرية المشاركة بالإضافة إلى تقييد ممارسة حرية الاجتماع بواسطة قانون الجمعيات وينطبق القول بدرجة أقل على حرية الصحافة.

كما أن قوى المعارضة تتركز في البرلمان فقط ولا تولي الاهتمام الكافي إلى الأشكال الأخرى للديمقراطية كالتنظيمات والاحزاب، ومرد ذلك أن القوى المعارضة اعتبرت أن البرلمان هو المؤسسة الأهم وإن لم يوجد برلمان لا توجد أية حريات ولا ممارسة ديمقراطية.

 وكانت نتيجة هذه الحجة أنه عندما توقف البرلمان توقفت العملية السياسية كلها، وتلاشت الممارسة السياسية. وقد أثر تعطيل قيام النظام الحزبي عمليًا في الواقع السياسي الكويتي وأدى إلى خلق اختلال في وظائف البرلمان بين الحكومة من ناحية والأعضاء المنتخبين من ناحية أخرى (الوزراء يعاملون كأعضاء في البرلمان).

وحسب قوانين العمل الداخلية، فانه مسموح فقط للحكومة أن تتحدث وتُمثل ككتلة متحدة، مما جعل الحكومة في الكويت الحزب السياسي الوحيد المسموح له بالعمل في البرلمان في مقابل قوى سياسية تعاني من الضعف ومحدودية الانتشار على مستوى الحضور الجماهيري.

الثقافة السياسية والرأي العام

    أدى غياب ثقافة الالتزام الحزبي وتراجع الولاء التنظيمي إلى كثرة الانقسامات والانشقاقات التي مرت بها التنظيمات السياسية والتي لم تستثني حتى القيادات العليا في التنظيمات السياسية التي انشقت أيضًا على تنظيماتها.

  وساعد على  تكريس ذلك  طبيعة ونموذج الاقتصاد الكويتي الذي يقوم على  إدارة وتوزيع ريع النفط تأسيس نظام دولة الرفاه الاجتماعي القائم  على تضخم موارد الدولة المالية وبالتالي زيادة الإنفاق على مشاريع وخدمات صحية وتعليمية واسكانية ووظائف حكومية ذات دخل مجز.

أدى توفر القدرات المالية إلى تولي الدولة ممثلة بالحكومة زمام المبادرة الاقتصادية من القطاع الخاص فأصبح القطاع العام هو الموظف الأكبر للقوى العاملة الوطنية، (95% من القوى العاملة الكويتية تعمل بالحكومة) والمستثمر الأكبر في سوق الأوراق المالية، وأصبحت العقود الحكومية المصدر الأساسي لدخل القطاع الخاص وبالتالي أساس تنشيط الدورة الاقتصادية الكلية في الدولة. وأصبحت الحكومة بذلك قادرة على التأثير في الحياة المعيشية لكثير من مواطنيها،

   كما إن الدولة تتحكم في كل المصادر الاقتصادية في الدولة، فالبترول تحت سيطرة الدولة 100%(وجود لشركات أجنبية في الكويت منذ 1975م) مما أخضع ثروة النفط للتأثير السياسي المباشر للحكومة وحوّلها إلى أداة من أدوات المناورات السياسية، وإضافة إلى ذلك تعتبر الأرض مصدراً ثانياً لقوة الحكومة، فالكويت تمتلك نظاماً فريدًا في امتلاك الأراضي، فالحكومة تمتلك (منذ عام 1954م) 97% من الأراضي، أما الملكية الفردية فتبلغ من بين 1% إلى 3% من الأراضي، أما الباقي فتحت ملكية الدولة،

 وقد أعطت هذه المصادر الواسعة التي تسيطر عليها الحكومة مكانة متميزة لها في أي توازن للقوى. وقد عبر هذا عن اختلال واضح وبيٍن في توازن القوى بين الحكومة والقوى السياسية، فقوة الحكومة زادت إلى الحد الذي لا يستطيع أي فاعل اقتصادي أو اجتماعي أن يتحداها، فلا توجد أي قوى اجتماعية أو جماعة سياسية تستطيع منافستها بفاعلية.

    ولعدة عقود كانت السمة الغالبة على العلاقة بين القوى السياسية والنظام في الكويت هي التباين والتنوع، وذلك بحسب أيديولوجيتها الفكرية واستراتيجيتها العملية التغييرية، وتبعاً لذلك مرت العلاقة بين الدولة والمجتمع بمراحل متنوعة.

 ففي بعض الفترات لاسيما في فترات تعطيل الدستور وغياب الحياة البرلمانية سيطرت الدولة وسط تبعثر المجتمع والقوى السياسية والفاعلة، وبقيت علاقة الدولة والمجتمع تتأرجح بين إرادتين متناقضتين للسلطة إرادة بناء الدولة والخوف منها. وبين بناء مجتمع منسجم من جهة والعمل على تفتيت المجتمع وبث الانقسام بين مكوناته حتى يسهل السيطرة عليه من جهة أخرى.

أما القوى السياسية فنتيجة للعوامل التي ذكرناها سابقاً، فقد غلب على أدائها أسلوب العمل السلبي والانتظار، وافتقدت إلى حالة المبادرة والعمل الشعبي الإيجابي المنظم فيما عدا مواقف قليلة ظرفية ومحدودة اجتمعت فيها بمختلف توجهاتها على أهداف مشتركة وعملت بشكل موحد.

كما ساهم صراع الأقطاب المزمن والمتكرر بين أقطاب السياسة الطامحين للصعود السياسي في مزيد من التفتت للقوى السياسية الكويتية، وزيادة انغماسها بمختلف اتجاهاتها ومشاربها في تفاصيل الصراعات. ففي عقد السبعينات من القرن العشرين، أدى استدراج القوى السياسية لصراع الأقطاب نتائج سلبية على مكانة القوى السياسية في النظام السياسي الكويتي، وبدل أن تنصرف القوى السياسية للاهتمام بوظيفتها في المجتمع والدولة، تحولت في بعض الأحيان إلى أدوات في الصراع الدائر بين الأقطاب، كما أنتج غياب التنظيم الحزبي تفتتاً للقوى السياسية وتشرذماً لها ،بل إن الأمر بلغ حد تفتيت التفتت وتقسيم المقسم، وأدى بالتالي  عن عجزها بالتالي عن مواجهة السلطة منفردة، وهو ما جرى فعليًا في أواخر عام 2012م، عندما فرضت السلطة قانونًا جديدًا للدوائر الانتخابية مبني على النظام الفردي (الصوت الواحد)،ورغم رفض القوى السياسية للمشروع ومقاطعتها للانتخابات، فقد تمكنت السلطة من تمرير مشروعها وتطبيقه، ثم استطاعت تعزيزه بحكم من المحكمة الدستورية منحه الغطاء الدستوري اللازم ونتيجة لمقاطعة المعارضة للانتخابات عامي 2012 و2013م، فقد تمكنت السلطة مؤقتًا من تحييد القوى السياسية وتعطيل دورها تمامًا، وتحولت السلطة التنفيذية إلى الطرف الأقوى في الحكم والسلطة في الكويت. لكن ذلك لم يستمر طويلًا فمع تراجع المعارضة عن قرار المقاطعة منذ انتخابات2016م، عادت الصراعات السياسية بين مجلس الأمة والحكومة وعادت وتيرة الاستجوابات التي أطاحت بوزراء بارزين في الحكومة وجاءت نتائج انتخابات 2020م، بغالبية واضحة للمعارضة نتج عنها احتدام الصراع السياسي في البلاد وتعطل الحياة السياسية .

 وبالمحصلة فإن الحالة الكويتية في حراك دائم ومستمر، لكنه حراك يكرر نفسه ويعيد إنتاج حالته في كثير من الأحيان، وما لم يتم تغيير القواعد والآليات التي يسير عليها النظام السياسي الكويتي. وما لم يحدث تغيير في بنية وتكوين القوى السياسية، وما لم تجر عملية تغيير هيكلية للقوانين التي تنظم العمل السياسي في الكويت، فإن العملية السياسية ستراوح مكانها، وستبقى تعيد إنتاج أزماتها ومشاكلها، وستظل أسيرة للاستقطاب التقليدي القائم في الكويت بين أطراف من أقطاب سياسية تتصارع للوصول إلى موقع متقدم في هرم السلطة والنفوذ، وما بين قوى سياسية ممثلة بكتل برلمانية لا تملك إلا أن تنضم لهذا الطرف أو ذاك.

هذا الواقع الملتبس هو الذي رسم حدود العلاقة بين السلطة والتيارات السياسية في الوقت الحاضر، وسيستمر في المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب