; logged out
الرئيسية / توجهات المنطقة والمتغيرات العالمية

العدد 176

توجهات المنطقة والمتغيرات العالمية

الخميس، 28 تموز/يوليو 2022

شهدت الآونة الأخيرة تحريكًا ملحوظًا لملف العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، والعلاقات العربية ـ الأمريكية في اتجاه التصويب وإعادة توجيه البوصلة على النحو الذي يبدو إيجابيًا بسبب عوامل كثيرة أكثرها يخص الجانب الأمريكي وبعضها يخص الجانب العربي، وفي مجملها بسبب قضايا عالمية ومصالح الدول الكبرى التي تسعى لترتيب أوراقها على ضوء الصراع الدولي على النفوذ والمصالح وربما إعادة هيكلة رأس هرم المجتمع الدولي الذي ظل ثابتًا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف أربعينيات القرن العشرين، ثم ما ترتب على انهيار الاتحاد السوفيتي وتفكيك حلف وارسو في نهاية ثمانينيات القرن المنصرم وتفرد الولايات المتحدة الأمريكية بزعامة العالم وما تلا ذلك من تكريس المعايير الأمريكية والعولمة والنهج الغربي في بقاع كثيرة من المعمورة، ثم بزغ نجم الألفية الثالثة وصاحبته مؤشرات جديدة تحمل توجهات لتغيير هرمية القيادة العالمية، حيث ظهر العملاق الاقتصادي الصيني الذي يحمل معه مبادرة طريق الحرير إضافة إلى النمو الاقتصادي الذي ينافس الولايات المتحدة التي تعد صاحبة أكبر اقتصاد عالمي، وفي غضون ذلك أخذ يلوح الرئيس الروسي بوتين بضرورة استعادة روسيا لأمجاد الاتحاد السوفيتي السابق ومنافسة الولايات المتحدة على قمرة قيادة العالم، وأخيرًا جاءت الحرب الروسية ـ الأوكرانية في شهر فبراير الماضي ،التي قادت إلى صراع غربي ـ روسي جديد ، أو أدت إلى حرب غير مباشرة بين دول الناتو وروسيا حيث تخندقت دول الناتو بقيادة الولايات المتحدة في خندق أوكرانيا سواء بالمساعدات العسكرية، أو بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا الاتحادية، وفي المقابل أخذت روسيا تسعى إلى إحياء التحالف الشرقي في صورة جديدة ضد التحالف الغربي حيث تحاول جذب الصين والهند وكوريا الشمالية إلى معسكرها، وزاد من خطورة هذا التجاذب صعود أسعار الطاقة إلى مستويات قياسية، مقابل ارتفاع أسعار الغذاء بشكل غير مسبوق خاصة مع توقف صادرات روسيا وأوكرانيا من القمح والمواد الغذائية الأخرى التي تمثل واردات مهمة لكثير من دول  العالم.

وكانت تبعات هذا الانقسام العالمي وتأثيرها على الاقتصاد العالمي وعلى امدادات الطاقة إلى الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بمثابة جرس إنذار أيقظ واشنطن من ثبات عميق استمر لسنوات أدى إلى تغير اتجاه بوصلة واشنطن من تركيز شديد وتواجد مهم وفعال في منطقة الخليج خاصة والمنطقة العربية عامة، إلى حالة من  عدم الاهتمام بل ومغادرة جزئية لواشنطن من المنطقة والتوجه شرقًا، وصاحب ذلك ما يشبه تخلي واشنطن عن التزاماتها تجاه المنطقة، تلك الالتزامات التي كانت واضحة  منذ أكثر من 80 سنة وزادت في فترات لاحقة منذ عهد الرئيس نيكسون في مطلع السبعينيات، ثمثيهر  الرئيس كارتر في نهاية السبعينيات، إلى أن حدث فتور في هذا الاهتمام خاصة في عهد الإدارات الديمقراطية التي حكمت البيت الأبيض وتجلى هذا الفتور في فترة حكم الرئيس باراك أوباما الذي كان نائبه الرئيس الحالي بايدن، بل أخذ منحىً غير إيجابي في ظل حكم أوباما وبدا ذلك واضحًا في موقف الإدارة الأمريكية في فترة أحداث ما  يسمى بـ (الربيع العربي)،ثم في موقف الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني الذي كان بمثابة طعنة في خاصرة دول مجلس التعاون الخليجي، تلك الدول التي تربطها علاقات استراتيجية وتعاون وثيق مع واشنطن، بل استمرت مواقف الإدارة الأمريكية غير  المواتية في الحملة الانتخابية الأخيرة وحتى وقت قريب للرئيس بايدن.

ثم جاءت الأحداث العالمية الأخيرة في أوكرانيا وما ترتب عليها، ودور الصين المتنامي و كأنها نبهت الولايات المتحدة إلى محورية منطقة الخليج وأهمية المنطقة العربية في ميزان العلاقات الدولية، بل وبالتحديد أهميتها للولايات المتحدة ، وكشفت عن سوء تقدير واشنطن وسلبيات سياستها الخارجية في الفترة الماضية التي شهدت تراجعًا في دورها والتزاماتها السابقة المتعلقة بالأمن  وإيران وأذرعها في المنطقة.

 خلاصة القول، هناك متطلبات جديدة من الجانبين الأمريكي والعربي في المرحلة الراهنة وفي المستقبل تتمثل في إعادة قراءة الموقف الدولي والإقليمي بدقة، وإعادة قراءة أوراق كل طرف وتوجهاته وعلاقاته وشركاته الدولية على ضوء احتياجاته ومصالحه الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، والتكنولوجية، إضافة إلى قضايا المنطقة الكبرى ومن ثم رسم سياسات لعلاقات متكافئة تحقق هذه الاحتياجات وتحمي المصالح وخصوصًا أن العالم مقبل على تعدد الأقطاب أي أن الظرف الحالي هو ظرف تاريخي يجب قراءة مفرداته بدقة ومن ثم رسم خريطة المستقبل لتوجهات المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب