array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 176

الشرق الأوسط يعكس التعددية القطبية ولا يشارك أمريكا العداء لروسيا والصين

الخميس، 28 تموز/يوليو 2022

بعد ثلاثة أسابيع من إعلان البيت الأبيض عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للشرق الأوسط في يوليو، رأى الرئيس ضرورة شرح سبب زيارته لمواطنيه، لأن تلك الزيارة المُخطط لإجرائها تسببت في إثارة احتجاجات عديدة شككت في التزامه المُعلن بالقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وفي مقال افتتاحي بصحيفة واشنطن بوست في التاسع من يوليو الماضي، قدم الرئيس الأمريكي توضيحًا لأسباب التغيير الجذري في نهجه، واصفًا إدارته التي استمرت لمدة 18 شهرًا بأن لها الفضل الكامل في توفير منطقة "أكثر استقرارًا وأمانًا" مما كانت عليه في عهد سلفه، ما دفع بايدن إلى المسارعة لمعالجة الانتقادات الرئيسية ليؤكد أن زيارته إلى المملكة العربية السعودية تستهدف "إعادة توجيه العلاقات - وليس قطعها"، مُشيدًا بأهمية الدور السعودي في تعزيز وحدة مجلس التعاون الخليجي والسلام في اليمن واستقرار أسواق النفط.

لكن السبب الحقيقي للزيارة في هذه المرحلة أصبح واضحًا على الفور عندما تحدث بايدن عن حاجة الولايات المتحدة إلى "مواجهة العدوان الروسي" و "التفوق على الصين"، مُعترفًا بالمساهمة المحورية للمملكة العربية السعودية في تحقيق هذه الأهداف، إلا إن الرئيس الأمريكي قد بدأ يتلاعب بالألفاظ بلا معنى؛ حيث أشار إلى أهمية الشراكة الاستراتيجية للولايات المتحدة مع المملكة، لكنه أضاف أن هذه الشراكة ستتم أيضًا على أُسس "التمسك بالقيم الأمريكية الأساسية"، وقد أخفق في تقديم أي شرح حول كيفية تخطيطه للتوفيق بين تلك المصلحتين، ما لم يكن النفاق هو القيمة الأمريكية الأساسية التي كانت تدور في ذهنه!

منتقدو بايدن

وضع بايدن نفسه في مأزق بصنع يده؛ حيث تعهد طوال حملته الانتخابية بمعاملة السعوديين "مثل المنبوذين" ، وبعد أن أصبح رئيسًا للولايات المتحدة انتقد حرب المملكة في اليمن وحظر بيع "أسلحة هجومية" للمملكة، مُنددًا في كثير من الأوقات بالوضع الحقوقي، واستنادًا إلى تلك الخلفية، فقد تنفس منتقدو الرئيس الأمريكي الصعداء ليثيروا احتجاجات حادة على خلفية إعلانه عن زيارته للمملكة .

ورُغم الانتقادات الحادة الموجهة للرئيس الأمريكي، لكنه كان لديه مدافعون أيضًا؛ فقد أكد وزير خارجيته أنتوني بلينكين لمنتقديه أن "فن الحكم غالبًا ما ينطوي على اتخاذ خيارات صعبة"، وقال عضو الكونجرس الديمقراطي توم مالينوفسكي إنه يجب إعطاء الأولوية لضمان أن "الدول التابعة لنا والتي تعتمد علينا للحفاظ على الأمن تُساندنا في هذه المنافسة الحاسمة" ضد روسيا، مما يؤكد مخاوف الولايات المتحدة الملحوظة فيما يتعلق بالحرب ضد روسيا في أوكرانيا.

أجندة بايدن

سادت وسائل الإعلام الغربية وجهة نظر واحدة بشأن اهتمام بايدن المباشر بالزيارة، وهي رغبته الحادة في تشجيع المملكة على زيادة إنتاج النفط بشكل كبير، ما سيجعلها تقطع ارتباطها بمجموعة "أوبك +" التي تشارك فيها روسيا في إدارة إنتاج المجموعة.

وترتكز وجهة النظر الأمريكية على أن زيادة إنتاج النفط ستساعد في خفض أسعاره عالميًا، وهو الهدف الذي يرغب الرئيس بايدن في تحقيقه بشدة بعد أن تسبب الحظر الأمريكي على إمدادات الطاقة الروسية في وضع أسواق النفط العالمية في حالة من الفوضى وتسبب في الارتفاع الحاد بالأسعار، ما دفع بتكلفة البنزين في محطات البنزين الأمريكية إلى تجاوز مبلغ 5 دولارات للجالون، والذي تسبب بالتالي في حدوث استياء حاد بين المستهلكين الأمريكيين.

ووسط حالة الاستياء وارتفاع معدلات التضخم لمستويات هي الأعلى منذ عقود قبل أشهر قليلة من انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، يخشى الرئيس الأمريكي أن تتسبب تلك العوامل في هزيمة الديمقراطيين وتحويل بايدن إلى رئيس ضعيف وتفتح كذلك الأبواب أمام فوز جمهوري في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وسارع بايدن في توضيح سبب آخر لزيارته إلى جدة، ألا وهو أنه سيحضر اجتماعًا أكبر لقادة الدول العربية وأن "الزيارة تتعلق بأمنهم القومي – أي الإسرائيليين"، ليسعى من خلال ذلك في إبراز الغرض من زيارته لقضايا الأمن القومي راغبًا في أن تنتشر في أوساط جمهوره المحلي، حيث شدد على أهمية ومركزية أمن إسرائيل لديه.

وبهدف استمالة منتقديه وجذبهم، اقترح مسؤولو بايدن أيضًا للإعلاميين أن الرئيس الأمريكي يستهدف من خلال الزيارة تشجيع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، على غرار ما حققه سلفه مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان.

لكن معظم المراقبين للشأن العربي والفلسطيني على وجه الخصوص يُدركون جيدًا أن هذا أمر غير مرجح؛ فالمملكة هي الوصي المعترف به عالميًا على المقدسات الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وبالتالي لا يمكن أن تكون طرفًا في أي ترتيب من شأنه أن يعرض مطالبات المسلمين للمسجد الأقصى في القدس للخطر.

ويرتبط بهذه الوصاية التزام المملكة العميق والثابت بحقوق الشعب الفلسطيني وتطلعاته، وهو ما نصت عليه خطة السلام العربية لعام 2002م، التي أعدتها السعودية والتي تقدم لإسرائيل التطبيع الكامل للعلاقات من قبل الدول العربية بمجرد أن تتفاوض مع الفلسطينيين، وتحقيق تطلعاتهم في إنشاء دولة خاصة بهم ذات سيادة وقادرة على البقاء.

وتُثار كذلك الشكوك حول قدرة المملكة على زيادة إنتاجها من النفط لخفض الأسعار، فبالرغم من أن المملكة قد تكون قادرة على إنتاج ما يصل إلى 2 مليون برميل باليوم الواحد متجاوزة بذلك إنتاجها اليومي الحالي، لكنها قد لا تمتلك تلك القدرة الاحتياطية بذلك الحجم إلا لفترة قصيرة حقًا، ما يجعل الفكرة القائلة بأنها قادرة على خفض الأسعار في الوقت المناسب قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر هو أمر غير مُرجح، وينطبق ذلك أيضًا على وجهة النظر التي تعتقد بأن السعودية قد تُفكر في تفكيك مجموعة "أوبك +" من أجل جذب واستمالة الرئيس الأمريكي.

في عام 2016م، برز خبر إنشاء هذه المجموعة نتيجة للدبلوماسية السعودية الروسية في وقت تراجعت فيه أسعار النفط بشكل سريع بسبب زيادة الإمدادات من النفط الصخري الأمريكي، ودعمت هذه المجموعة الجديدة الأسعار من خلال إدارة الإنتاج من قبل مجموعة أوبك + بطريقة منضبطة، وهو الوضع الذي يسري حتى يومنا الحالي.

لذلك، لا يبدو أنه من المنطقي سياسيًا أو اقتصاديًا أن يُعرض السعوديون مصالحهم للخطر من أجل تلبية المتطلبات الأمريكية، خاصة بعد أن قلل الرئيس بايدن مرارًا وتكرارًا من شأن المملكة وكرر رغبته في فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة.

إعادة تشكيل الأمن الإقليمي

منذ عهد الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، نأت الولايات المتحدة بنفسها عن دورها كمزود للأمن الإقليمي واستمر هذا النمط في عهد ترامب وسار على دربه بايدن في بداية عهده، لكن الرئيس بايدن أصبح يُشير الآن إلى رغبته في إعادة تأكيد دور الولايات المتحدة المحوري في المنطقة.

وأوضح مسؤول أمريكي، في نهاية شهر يونيو، أن أهداف بايدن خلال زيارة الشرق الأوسط ستكون: "توسيع التعاون الإقليمي والاقتصادي والأمني ​​... فضلاً عن ردع التهديدات من جانب إيران، وتعزيز ملف حقوق الإنسان، وضمان الأمن العالمي للطاقة والغذاء".

وطرح المعلق الخليجي المقيم في واشنطن حسين إيبش أجندة طموحة لزيارة بايدن أسماها "إحياء القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط"، والتي أوضح أن تلك الأجندة يُمكن تحقيقها من خلال إيجاد "شراكة فعلية بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي"، وخاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ويعتبر إيبش هذه المبادرة بمثابة النظير في الشرق الأوسط للتحالف القوي الذي شكلته الولايات المتحدة في أوروبا ضد روسيا، لتُثبت واشنطن من خلالها بأنها لا ترغب في الانفصال عن المنطقة.

وبحسب إيبيش، فإن هذا التحالف في الشرق الأوسط لن يكون موجهاً فقط إلى إحباط طموحات إيران في المنطقة، بل سيكون أيضًا حصنًا فعالًا ضد الشراكة الاستراتيجية الإيرانية المزدهرة مع الصين.

وبدأت الخطوات الأولى في هذا الاتجاه من خلال "اتفاقية الإطار الاستراتيجي" التي تجري مناقشتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة في الوقت الحاضر، فبحسب مصدر إماراتي، فإن هذه الاتفاقية ستكون بمثابة اتفاقية دفاع متبادل ثنائية مصممة وفقًا لـ "جميع مواصفات الإمارات العربية المتحدة" - بما في ذلك حماية الإمارات من الهجمات الصاروخية الإيرانية وهجمات الطائرات بدون طيار من الحوثيين في اليمن.

ورُغم عدم وجود أي مؤشر حالي على تكوين تحالف إقليمي أكبر ضد إيران، يؤكد إيبيش أن هذا الإطار الأمني سيضم بمرور الوقت كلٍ من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وسيتسبب في إضعاف علاقات المنطقة مع روسيا والصين.

لكن توقعات إيبش لا ترتكز في الواقع سوى على أُسس ضعيفة للغاية، فبعد عامين من تطبيع أربع دول عربية لعلاقاتها مع إسرائيل، لم تحذ أي دولة جديدة حذو تلك الدول، وعلى المستوى الشعبي برزت معارضة كبيرة للغاية لسياسة التطبيع، خاصة مع النهج الإسرائيلي الرافض لإظهار أي علامات على تغيير نهجه في التعامل مع الشعب الفلسطيني.

وفي الواقع، برز خبر تأهب رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو للعودة إلى الانتخابات بعد حل الكنيست الإسرائيلي بمثابة علامة على أن فرص اتباع تل أبيب لنهج جديد في تعاملها مع القضية الفلسطينية لهو أمر "صعب للغاية".

وأيضًا، لا يبدو من المرجح أن تربط دول الخليج الكبرى أمنها بتحالف إقليمي يكون فيه وجود إسرائيل مركزيًا؛ حيث أن تلك الدول لا تدعم الموقف العدواني لإسرائيل تجاه إيران، والذي يتمثل في التفجيرات والاغتيالات والاستفزازات البحرية المنتظمة، وهي الخطوات التي يعرفون إلى حد كبير أنهم سيكون في الخطوط الأمامية لتلقي أي انتقام إيراني عليها.

تدرك دول مجلس التعاون الخليجي جيداً أن الحماس الأمريكي الحالي للمشاركة الجديدة معها هو نتيجة مباشرة لخطة أمريكية تستهدف مواجهة روسيا في أوروبا وبناء تحالفات في أوروبا والشرق الأوسط لمواجهة الجهود الصينية الروسية التي تتحدى نظام الهيمنة الذي تقوده الولايات المتحدة على العالم.

وفي تعليق ليس بغريبٍ على الإطلاق، قال معلق إسرائيلي مشهور في شهر يونيو "لا يوجد "تحالف سني إسرائيلي" حقيقي"، منوهًا بأن "الحديث عن جبهة إسرائيلية سعودية إماراتية لمواجهة إيران هو خيال استراتيجي أكثر من كونه حقيقة عملية".

حرب الولايات المتحدة الباردة الجديدة

لا تؤكد هذه الملاحظات فحسب ضيق أُفق المعلقين الأمريكيين وتمركز نظرتهم حول ذاتهم فقط، بل أيضًا مدى انفصالهم عن الحقائق على أرض الواقع في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال وبالرغم من انخفاض المصداقية التي تتمتع بها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الوقت الحالي، فمن المدهش أن نرى بعض المعلقين الأمريكيين وهم يُقدمون نصائح للمملكة مُفادها "بأنه مع الأخذ في الاعتبار مكانة المملكة العربية السعودية المتدنية في المؤسسة السياسية الأمريكية، فإن المملكة بحاجة إلى "اتخاذ عدة مواقف لإثبات استعدادها لأن تكون شريكًا موثوقًا به للولايات المتحدة"، ومن بينها – كما يقترحون - "التزامها المُطلق" بزيادة إنتاج النفط، وإنهاء اتفاقية إنتاج النفط مع روسيا بموجب اتفاق مجموعة "أوبك +"، وتزويد أوروبا بمصدر بديل للنفط بدلاً من روسيا".

وإلى جانب تلك التعليقات المنفصلة عن أرض الواقع، يرى المعلق الأمريكي البارز إف جريجوري جوس الثالث أن زيارة بايدن تشير إلى "الواقعية الجديدة" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ حيث إن التخلي عن الموقف الأخلاقي الذي تبناه الرئيس في وقت سابق هو أمر منطقي للغاية، بحسب الكاتب، لأن أولويته الآن هي تحقيق "النظام" في المنطقة – والذي يقصد به – استقرار أسعار سوق النفط، والتوصل إلى هدنة في اليمن، واحتواء إيران، بينما لم يذكر المعلق الأمريكي أي رؤية خاصة بمعالجة القضية الفلسطينية أو كيفية التعامل مع إيران، وهما قضيتان محوريتان من شأنهما حقًا إرساء "النظام" في المنطقة.

ويبقى الاستنتاج الوحيد أمامنا أن بايدن ليس لديه ما يقدمه من جديد خلال زيارته للشرق الأوسط، وربما يكون الدافع وراء هذه الزيارة هو أنه مُجبر على تحسين موقفه المحلي في الوقت المناسب قبل انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر، وتظل المسألة الوحيدة الملحة بالنسبة لبايدن هي استغلال تفاعله مع المملكة العربية السعودية وولي عهدها من حيث الفوائد التي تعود على إسرائيل – أي "تطبيع" العلاقات، إن أمكن؛ وإذا فشل في ذلك، فعلى الأقل يستهدف الحصول على موافقة المملكة على ترتيبات سعودية إسرائيلية أخرى، مثل موافقة المملكة على تحليق الطائرات التجارية الإسرائيلية.

وفي خطابه عن حالة الاتحاد في مارس الماضي، وصف بايدن حرب أوكرانيا بأنها بين الحرية والطغيان، وبعدها ببضعة أسابيع في وارسو، تحدث بمصطلحات الحرب الباردة عن قيادة العالم الحر إلى النصر في الصراع العظيم "بين الديمقراطية والنظم الاستبدادية، وبين الحرية والقمع، وبين النظم القائمة على القواعد والنظم التي تحكمها القوة الغاشمة".

وكرر الأمين العام لحلف الناتو ورئيس الوزراء الدنماركي السابق أندرس فوغ راسموسن هذا الرأي عندما قال: "أعتقد أننا نقترب من نظام عالمي جديد، حيث نرى معسكرين: معسكر استبدادي تقوده الصين، وآخر ديمقراطي تقوده الولايات المتحدة".

وفي الوقت نفسه، حذر راسموسن من أن فرنسا وألمانيا بدتا على أنهما "حلقات ضعيفة" في المعسكر الديمقراطي لما اعتبره اعتمادهما "نهجًا لينًا" في التعامل مع روسيا، ويُردد الكتاب الغربيون هذه النظرة أيضًا، حيث أشار هال براندز في كتابه الصادر في مايو إلى أن الحرب الأوكرانية "قد أوضحت وزادت الصراع بين الديمقراطيات المتقدمة والأنظمة الاستبدادية في أوراسيا"، وفي مقال منفصل، أعرب براندز ومايكل بيكلي عن أملهما في أن تؤدي الحرب إلى "تعزيز التحالف العالمي الذي يوحد الديمقراطيات ضد روسيا والصين وبالتالي يؤمن العالم الحر لجيل قادم".

وباختصار، تتشكل النظرة الأمريكية السائدة للمنافسة العالمية على أُسس تقسيم العالم بشكل ثنائي حاد تفوح منه رائحة إطار الحرب الباردة السابقة.

نحو التعددية القطبية العالمية والإقليمية

ومع إعلان الولايات المتحدة عن أولويتها في تشكيل مواجهة ثنائية في أعقاب الحرب الأوكرانية، أعربت كلٍ من روسيا والصين عن رفضهما للهيمنة الأمريكية أحادية القطب وتأكيد التزامهما بنظام عالمي متعدد الأقطاب، وفي بيان مشترك مفصل وشامل بتاريخ 4 فبراير 2022م، قبل ثلاثة أسابيع من بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا، أكد الرئيسان بوتين وشي جين بينج أن "التعددية القطبية" كانت السمة الرئيسية "للعصر الجديد من التطور السريع والتحول العميق".

ورفض الرئيسان ضمنيًا تشكيل حرب باردة ثنائية القطب بقولهم إن علاقاتهما الثنائية كانت "متفوقة على التحالفات السياسية والعسكرية في حقبة الحرب الباردة"، ورفضوا لاحقًا على وجه التحديد "عودة العلاقات الدولية إلى حالة المواجهة بين القوى الكبرى".

وبينما يتحد الغرب في هذه المرحلة بقوة خلف الولايات المتحدة، فإن علامات النظام متعدد الأقطاب الناشئ أصبحت واضحة بالفعل.

وينحصر الأنصار الأساسيون للولايات المتحدة "من القطب الديمقراطي" في أوروبا الغربية وأربعة جيران للصين في غرب المحيط الهادئ - اليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وأستراليا، إلا إن الديمقراطيات الكبرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية رفضت معاقبة روسيا – مثل الهند وإسرائيل وجنوب إفريقيا والبرازيل والمكسيك ومعظم أعضاء الآسيان.

ومن جديد، برزت تركيا - العضو في حلف شمال الأطلسي والحليف التقليدي للغرب – في عدم تماشيها مع حشد الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة؛ فهي لم ترفض فقط فرض العقوبات على روسيا، ولكنها شككت لبعض الوقت أيضًا في إتاحة عضوية الناتو لكلٍ من فنلندا والسويد.

وأكدت تركيا كذلك على علاقاتها الوثيقة مع روسيا - حيث تسير المشاريع الروسية في تركيا كما هو مخطط لها، بما في ذلك محطة أكويو للطاقة النووية التي تبلغ تكلفتها 20 مليار دولار والتي ستلبي 10 في المائة من احتياجات تركيا من الطاقة.

وتنعكس هذه الرغبة في رفض التقسيم الثنائي والصدامي للنظام العالمي على منطقة الشرق الأوسط أيضًا: فقد أقامت جميع الدول الإقليمية علاقات قوية مع روسيا والصين؛ وبالتالي، لم يفرض أي منهم عقوبات على روسيا في سياق حرب أوكرانيا، أو يشير إلى رغبته في تخفيف العلاقات مع الصين.

ومن جديد، بينما بدأت الولايات المتحدة في خسارة مصداقيتها كمزود للأمن بالمنطقة وأكد بايدن رغبته في فك ارتباط بلاده بالشرق الأوسط، بدأت الدول الإقليمية الرئيسية عدة لقاءات دبلوماسية مع جيرانها دون أي تدخل من الولايات المتحدة:

  • أجرت المملكة العربية السعودية بالفعل خمس جولات من المباحثات مع إيران في بغداد.
  • مدت تركيا يدها بقوة لاستئناف العلاقات مع مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
  • أعلن العراق والأردن ومصر عن تحالف اقتصادي وسياسي إقليمي.
  • قبلت الدول العربية إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط، لكنها وضعت إمكانية إتاحة مزيد من تطبيع العلاقات مشروطًا بإحراز تقدم حقيقي في القضايا المتعلقة بالتطلعات الفلسطينية.
  • حتى إسرائيل جربت لفترة من الوقت تشكيل حكومة ائتلافية استبعدت الأحزاب الدينية وضمت أحزاب يمينية ووسطية ويسارية وعربية، وبالرغم من أن التجربة كانت قصيرة العمر، إلا أنها أصبحت بمثابة سابقة مرحب بها يمكن أن تعود للساحة من جديد، وبمرور الوقت، قد تُشجع على اتباع نهج أكثر ملاءمة للقضية الفلسطينية.

وهكذا، يعكس الشرق الأوسط نفس التعددية القطبية التي تظهر على المستوى العالمي، فبالرغم من أن المنطقة لا تزال تشتري الأسلحة الأمريكية وتستضيف القواعد العسكرية الأمريكية، إلا أنها لم تعد ترى الولايات المتحدة ذات دور محوري للمصالح الأمنية للمنطقة ولا تُشاركها العداء تجاه روسيا والصين.

ولا تزال إيران تشكل مصدر قلق إقليمي، حتى مع استياء طهران من انسحاب الولايات المتحدة أحادي الجانب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات، إلا أنه لا توجد أي دولة بالمنطقة – ولا حتى إسرائيل - ترغب في اندلاع حريق بالمنطقة، ما يدفع قادة المنطقة نحو اتباع سياسات تشجع على الحوار والتفاهم المتبادل.

إن رؤية بايدن للشرق الأوسط التي تدين بالفضل للولايات المتحدة من أجل الحفاظ على أمنها قد عفا عليها الزمن، وبالفعل قد تُسهم زيارته في خدمة مصالحه الداخلية إلى حد ما، لكنها لن تُحدث أي فارق بالمنطقة، فلقد تجاوز الشرق الأوسط بالفعل مرحلة الهيمنة الأمريكية.

مقالات لنفس الكاتب