array(1) { [0]=> object(stdClass)#12966 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 177

الاحتواء الأمريكي للصين وروسيا وفر حركة ومصالح متصاعدة لطهران

الأحد، 28 آب/أغسطس 2022

تمثل إيران متغيرًا هامًا في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية على مدى أربعين عامًا، خاصة وأن تلك الاستراتيجية تقوم على ضمان وحماية أمن إسرائيل، ومن هنا مثلت إسرائيل الركيزة الأساسية في هذه الاستراتيجية. وكانت إيران وقت حكم الشاه تمثل أيضًا إحدى ركائز الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، خاصة في مواجهة النظم القومية العربية التي أعلنت عداءها للسياسة الأمريكية.

لكن بعد تولي الخميني في إيران عام 1979م، بدأت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تغير موقفها من الركيزة الإيرانية، وأصبحت إيران تمثل خطرًا وتهديدًا للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما أبرز سياسة "الاحتواء" كتوجه أمريكي رئيس تجاهها. وخلال السنوات الماضية، مثّلت إيران هدفًا مهمًا للسياسة الأمريكية، ليس بسبب ما تمارسه من سياسات تتعارض مع السياسة الأمريكية، لكنه في ظل ما تعلنه من عداء لإسرائيل وما تمثله من تهديد للأمن القومي الإسرائيلي.

ورغم الحديث المتكرر للحكومات الأمريكية المتعاقبة طوال سنوات طويلة عن ضرورة محاصرة النظام الإيراني وإسقاطه، ونشر القطع البحرية في الدوائر المحيطة بإيران، والتوافق مع إسرائيل لإجهاض القدرات العسكرية الإيرانية؛ فإن الواقع السياسي يؤكد أن التوجه الاستراتيجي الأمريكي تجاه إيران ما زال محكومًا باعتبارات تحول دون تطوره، وتلتزم بسياسات "الردع النشط" بصورة كبيرة.

مع تولي إدارة جو بايدن، شهدت الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط بعض التغيرات تجاه إيران، فبعد سياسة العداء المعلن من جانب الرئيس دونالد ترامب وانسحابه من "خطة العمل الشاملة المشتركة" الموقعة عام 2015م، وما فرضه من عقوبات قصوى على إيران، وهو ما عدّه المراقبون تطورًا أوضح في العداء الأمريكي تجاه إيران، وزيادة في حدة العداء والتوتر بين البلدين؛ جاءت الإدارة الديمقراطية لتغير من هذا النهج بصورة واضحة، وتلوح بتقديم تنازلات نسبية للوصول إلى اتفاق مع إيران أو العودة إلى الاتفاق القديم، في إشارة بارزة على وجود تغير واضح تجاه إيران في الاستراتيجية الأمريكية.

وقد تزامن هذا التغير مع تغير واضح آخر في الاستراتيجية الأمريكية تجاه دول الخليج الكبرى، وقد تبلور التغير في إعلان المواقف السلبية من الرئيس بايدن وإدارته تجاه تلك الدول، خاصة المملكة العربية السعودية، ومحاولة ابتزازها بملف حقوق الإنسان المزعوم. ولعل زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة خلال شهر يوليو 2022م، والتي سبقها إرسال كبار المسؤولين إلى السعودية ولقاؤهم مع كبار المسؤولين السعوديين، وما ظهر من تشدد وصلابة الموقف السعودي، قد أسفر عن تراجع واضح في سياسة الولايات المتحدة تجاه دول الخليج عامة، وتجاه السعودية على وجه الخصوص.

مبدأ الغموض الاستراتيجي في السياسة الأمريكية:

إن إدراك أبعاد الاستراتيجية الأمريكية تجاه إيران يتطلب الإشارة إلى مبدأ "الغموض الاستراتيجي" والذي يعد مبدأ أصيلًا في السياسة الأمريكية منذ أيزنهاور. وهذا المبدأ أساسي في تعامل الولايات المتحدة مع الصين في قضية "تايوان"؛ ففي حين أنها تقدم كل الدعم لتايوان، لا تصدر تصريحًا مباشرًا ضد الصين، وحينما سُئل الرئيس بايدن عن مدى تراجع السياسة الأمريكية تجاه تايوان عن الغموض الاستراتيجي، نفى ذلك وأكد على أصالة المبدأ في السياسة الأمريكية المعنية. الواضح أن الاستخدام الأمريكي للتعاطي الاستراتيجي مع التطورات في هذه المنطقة، يلتزم بالإعلان عن سياسات والالتزام بسياسات مناقضة في نفس الوقت.

وتعد سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران مثالًا دالًا على سياسة "الغموض الاستراتيجي" لدى الولايات المتحدة، ففي حين تشارك الولايات المتحدة في مباحثات فيينا مع إيران، ثم تتوقف تلك المباحثات لمماطلة إيران فيها كما تقول المصادر الغربية، فإن الولايات المتحدة تعود إلى مفاوضات غير مباشرة مع إيران في الدوحة، وتعلن عن استعدادها لجولة تفاوضية أخرى؛ مما يعني القبول الأمريكي للتفاوض مع إيران.

وفي نفس الوقت، يظهر موقف أمريكي متشدد يدعم إسرائيل عسكريًا، ويهدد إيران وبرنامجها الصاروخي وأذرعها الرئيسية في المنطقة. مما يثير التساؤل حول حقيقة السياسة الأمريكية تجاه إيران. ولعل الموقف الأمريكي الداعي إلى إقامة تحالف بين بعض دول الشرق الأوسط، تفسره المصادر الإسرائيلية بأنه تحالف ضد إيران، بينما عبرت بعض دول المنطقة عن موافقتها على إنشاء تحالف أمني ضد كافة التهديدات الأمنية التي تواجه المنطقة وليس موجهًا ضد دولة بعينها.

هكذا يتبلور مبدأ "الغموض الاستراتيجي" الذي تتبعه الولايات المتحدة تجاه إيران ليشكل جزءًا أساسيًا من استراتيجيتها في الشرق الأوسط. وتؤكد كل المؤشرات أن هذا المبدأ سيظل حاكمًا في العلاقات الأمريكية مع إيران، وسيظل الشأن الإيراني متغيرًا حاكمًا في علاقة الولايات المتحدة مع دول المنطقة أيضًا من خلال أذرعها المختلفة الممتدة في العديد من دول المنطقة.

ولا شك أن زيارة الرئيس الأمريكي إلى المملكة العربية السعودية ضمن جولته في المنطقة كما أوضحنا كشفت عن تغيير واضح في عناصر الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة؛ الأمر الذي يتضح من خلال المقال الذي كتبه الرئيس الأمريكي في صحيفة واشنطن بوست حول هذه الزيارة، والذي أكد من خلاله على ثلاثة محاور حركة رئيسية للسياسة الأمريكية على هذا المستوى، ولخصها في: مواجهة روسيا، والتموضع في أفضل وضع ممكن في مواجهة الصين، والعمل على توفير الضمانات اللازمة لمزيد من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

وترى بعض مراكز الدراسات الأمريكية أن الرئيس بايدن قد ذهب إلى هذا التغيير في الاستراتيجية الأمريكية والتي تختلف مع سياسة كل من أوباما وترامب متأثرًا ومحكومًا بتطورات حرب أوكرانيا وحرب الطاقة وتعثر مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني وتعنت إيران بصفة أساسية، وأنه وإدارته بدا أكثر تفهمًا لوجهة النظر السعودية والخليجية بصفة عامة من السياسة الإيرانية في المنطقة.

وتشير تقارير لمصادر إعلامية أمريكية أخرى إلى أن ملف إيران -والذي يمثل أولوية لدى إسرائيل والعديد من الدول الإقليمية- سوف يلقي مزيدًا من الاهتمام من الإدارة الأمريكية، وأن معطيات الموقف الحالي سوف تفرض على الرئيس الأمريكي وإدارته الحد من تقديم التنازل لإيران، وأن على تلك الإدارة أن توازن بين توجهاتها لتحقيق مكاسب في ملفات الطاقة التي أدى ارتفاع أسعارها إلى ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، وأثر بشكل سلبي على الرئيس الأمريكي قبل التجديد النصفي، وهو ما يعني في النهاية أن الملف الإيراني والشأن الإيراني بصفة عامة سوف يبقى عنصرًا مهمًا في الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.

ويتوقع بعض المراقبين أن تتأثر سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكية ضد إيران، وأن يتم تجاوز ازدواجية التعامل مع إيران، والتركيز على الملف النووي وتأجيل مطالب الدول الإقليمية خاصة الخليجية من البرنامج الصاروخي الإيراني وتداعيات انتشار أذرعها في بعض دول الإقليم وتهديد الاستقرار والأمن فيه.

الخلاصة أن إيران كانت ولا تزال عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وكانت ولا تزال عنصرًا مهمًا ومحورًا أساسيًا للسياسة الأمريكية على مستوى المنطقة، فضلًا عن أن التطورات العالمية –خاصة التغيير الجيوسياسي ومساعي تعديل هيكل النظام الدولي وتبلور تحالفات جديدة وقلق الولايات المتحدة من التمدد الصيني والروسي في المنطقة والدول المحيطة بها- سوف تضغط على الإدارة الأمريكية لبلورة صياغة جديدة للتعامل مع الدول الكبرى في المنطقة.

 

إيران وسياسة الاحتواء الأمريكي للصين وروسيا

يثور التساؤل حول ما تمثله إيران في استراتيجية الاحتواء الأمريكي لكل من روسيا والصين، والإجابة على هذا التساؤل تتحدد بالنظر لما يلي:

  • أن هناك تقارب واضح على مستوى السياسة الخارجية بين إيران وروسيا؛ فمن بين جميع دول الشرق الأوسط، كانت مواقف طهران من الأحداث في أوكرانيا أكثر ردود الفعل المقبولة لموسكو؛ حيث تلتقي الدولتان في العديد من محاور السياسة الخارجية والمجالات الاقتصادية. وليس من قبيل المصادفة أن هذا العام شهد تزايد للزيارات على أعلى المستويات بين مسؤولي البلدين. وكان آخر حدث في هذا الاتجاه هو زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لطهران للمشاركة في قمة قادة روسيا وتركيا وإيران بشأن سوريا.

 

  • إن منطقة الشرق الأوسط تشهد تعارضًا واضحًا في ديناميات الوجود الروسي والأمريكي، خاصة وأن روسيا تعتبر الشرق الأوسط أحد السبل للالتفاف الجزئي على العقوبات الغربية، في ضوء تركيز واشنطن على عزل موسكو من المنطقة.

 

  • من هنا تتصاعد أهمية إيران بالنسبة لروسيا، حيث بدأت طهران تشغل حيزًا كبيرًا ومهمًا لدى دوائر صنع القرار الروسية، وهو ما اتضح في نتائج زيارة الرئيس بوتين الأخيرة لطهران حيث رتبت مكاسب إيجابية لروسيا، وكان أبرزها إطلاق بورصة طهران للعملات التداول على ثنائية الريال/الروبل، بالإضافةً لتوقيع مذكرة تفاهم بين شركة النفط الوطنية الإيرانية وغاز بروم، تتضمن استثمارات في القطاع الإيراني يبلغ مجموعها نحو (40) مليار دولار.

 

  • كما جرى زيادة معدلات الرحلات الجوية بين روسيا والجمهورية الإسلامية إلى 35 رحلة أسبوعياً، والتحضير لاتفاق بشأن توريد قطع غيار الطائرات الإيرانية وصيانة الطائرات، وخطط الجانب الروسي لتخصيص 1.5 مليار دولار لتطوير مشاريع السكك الحديدية في إيران. ويتزايد التعاون بين البلدين في قطاعات اقتصادية أخرى مثل تصدير المنتجات الزراعية الروسية على خلفية مشاكل الغذاء العالمية يكاد يكون جانباً رئيسياً من جوانب الأمن الغذائي لإيران. في الوقت نفسه، يهدد ممر العبور بين الشمال والجنوب، والذي كان في وضع الاختبار في السنوات الأخيرة، بأن يصبح طريق التصدير الرئيسي تقريباً للمنتجات من روسيا.

 

* ومن الواضح أن روسيا تستهدف التركيز على تلافي تأثير التناقضات القائمة بمواقف البلدين بشكل سلبي على التقارب بين إيران وروسيا. أي أن نموذج الواقعية الروسي يركز على المصالح المتبادلة لاستيعاب أية إشكالية قد تطرأ على مجالات ومحاور التعاون بينهما. فكلاهما يهتم ببناء نظام اقتصادي بديل للهياكل الغربية. كما تعمل موسكو وطهران على إبرام اتفاقية استراتيجية طويلة الأمد مشابهة لتلك التي تملكها إيران مع الصين وفنزويلا.

 

  • وفيما يتعلق بالصين، فقد شهدت العلاقات الثنائية مع إيران -ولاتزال- المزيد من التطورات الإيجابية والتي برزت مع توقيع الاتفاق الاستراتيجي بين البلدين بقيمة (400) مليار دولار، والذي يركز على ضخ استثمارات صينية ضخمة في إيران على مدى (25) عامًا مقابل النفط، في أولى الخطوات الصينية الأكثر تحديًا للسياسات الأمريكية الرامية لتقييد طهران وعزلها دوليًا بعد انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي.

 

  • وقد فصلت مسودة الاتفاق طبيعة ومجالات توظيف الـ (400) مليار دولار من الاستثمارات الصينية في عشرات المجالات، بما في ذلك البنوك والاتصالات والموانئ والسكك الحديدية والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات. وفي المقابل، ستحصل الصين على إمدادات منتظمة من النفط الإيراني. كما أشارت المسودة إلى استهداف تعزيز التعاون بين البلدين بما يضمن تعميق التعاون العسكري، ومن أبرز صور ذلك التدريبات والبحوث المشتركة، وتطوير الأسلحة، وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

 

ومما سبق، نخلص إلى أن سياسة الاحتواء الأمريكية للصين وروسيا قد وفرت مجالات حركة ومصالح متصاعدة لطهران لدى بكين وموسكو، وكلما تزايدت مجالات الاحتواء ومحاورها حققت إيران مكاسب ذاتية. الأمر الذي يعني أن ما تقدمه طهران لكلا البلدين، ويؤثر سلبيًا على الاستراتيجية، يمثل ورقة مساومة ستتعامل بها إيران مع الولايات المتحدة في العديد من الملفات الثنائية.

مقالات لنفس الكاتب