; logged out
الرئيسية / قبول إيران في المنظومة الإقليمية يتوقف على قراءتها للمتغيرات بعين الدولة المسؤولة

العدد 179

قبول إيران في المنظومة الإقليمية يتوقف على قراءتها للمتغيرات بعين الدولة المسؤولة

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

كان أمن منطقة الخليج ــ ومازال ــ يمثل هاجسًا إقليميًا وعالميًا، ولذلك يعد السعي إلى بناء منظومة أمنية إقليمية تشمل دول المنطقة، من الموضوعات المتجددة التي تتم مناقشتها وطرح مبادرات لها من حين لآخر.

وعلى الرغم من تعدد المبادرات الأمنية التي سبق طرحها، إلا أن أيًا منها لم يتم التوافق عليه من دول المنطقة، فضلًا عن موافقة الولايات المتحدة التي تهتم بأمن المنطقة منذ ثمانينيات القرن الماضي لتأمين مصادر الطاقة، وتوفير الحماية للدول الحليفة لها في المنطقة.

ويثير عدم التوافق على تلك المبادرات الأمنية عددًا من التساؤلات، ومنها: هل المنطقة في حالة من الأمن والاستقرار تنتفي معها الحاجة إلى بناء منظومة أمنية تشمل دول المنطقة؟ وما هي أبرز المبادرات التي طرحت في هذا الشأن؟ ولماذا فشلت في تحقيق القبول من دول المنطقة؟ وهل ستشارك إيران في بناء منظومة أمنية إقليمية في الوقت الحاضر، لضمان الأمن والاستقرار للمنطقة في ظل الأحداث العالمية العاصفة؟ هذا ما تحاول المقالة الإجابة عليه.

   حاجة المنطقة إلى بناء نظام أمني:

   يتفق الباحثون والمهتمون بالشأن الخليجي على أن منطقة الخليج لم تنعم بالأمن والاستقرار الإقليمي على مدى العقود الأربعة الماضية، ويؤكد ذلك ما شهدته من حروب متعاقبة (الحرب العراقية ــ الإيرانية سبتمبر 1980م ــ أغسطس 1988م، وحرب تحرير الكويت فبراير 1991م، والحرب الأمريكية على العراق أبريل 2003م)؛ فضلًا عن أن غياب الأمن الإقليمي كان ــ ومازال ــ سببًا رئيسيًا لتهديد الأمن الوطني لكثير من دولها، ومعوقًا لاستقرارها وازدهارها. 

   ويعكس هذا الواقع مدى حاجة المنطقة إلى بناء نظام أمني يحقق لدولها وشعوبها الطمأنينة والاستقرار، ويجنبها ويلات الحروب وحالات الاستنفار، واستنزف مقدراتها في سباق التسلح؛ وهو ما يتطلب من دولها السعي الجاد والعمل الدؤوب لتحقق تلك الغاية، وإزالة ما يواجه تحقيقها من عقبات وتحديات. 

   وتعود حاجة المنطقة إلى بناء نظام أمني إقليمي لاعتبارات عديدة، من أبرزها:

  1. تصاعد الصراع الدولي وامتداد تبعاته وتأثيره الذي شمل دول العالم أجمع، وهو ما اتضح بجلاء في الحرب الروسية ــ الأوكرانية، التي ألقت بتبعاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية على كل دول العالم، وأبرزت حاجة الدول إلى التوافق مع محيطها الإقليمي، والارتباط معه بنظام أمني شامل يوفر الاستقرار لدول وشعوب المنطقة، ويبعد عنها شبح الحرب أو التهديد بها.
  2. إن جميع دول المنطقة معرضة للتهديدات الخارجية، نظرًا لأهميتها الجيواستراتيجية، المتمثلة في إطلالة دولها على أهم ممرات الملاحة الدولية، واحتوائها على (60%) من المخزون العالمي للطاقة (البترول والغاز)، التي سيكون الحصول عليها محور الصراع بين الدول الكبرى على مدى الأعوام القادمة، لتعوض النقص الناشئ عن تطبيق العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا.
  3. إن النظم الأمنية القائمة، لم تحقق الأمن المنشود في المنطقة، فلم يوقف النظام الأمني لمجلس التعاون الخليجي، ولا الاتفاقيات الأمنية التي عقدتها بعض دول المنطقة مع أمريكا وغيرها من الدول الكبرى، ولا انضمام البعض الآخر لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ـــ عبر (مبادرة اسطنبول للتعاون) ـــ ولا التعاون الروسي ـــ الإيراني ـــ الصيني، الاعتداءات والتهديدات التي تتعرض لها دول المنطقة من بعضها البعض، فضلًا عما يتعرض له البعض منها من اعتداءات وتهديدات خارجية، بسبب غياب المنظومة الإقليمية الشاملة التي توفر الأمن والحماية والاستقرار لكل دول المنطقة.
  4. تذبذب السياسة الأمريكية والغربية تجاه المنطقة، بما يخالف مصالحها ومبدأ تواجدها، وبما يترك إشارات بعدم الاهتمام بمصالح دول الإقليم، أو الاكتراث بما يترتب على تذبذبها من مخاطر أمنية ــ آنية ومستقبلية ــ تهدد أمن المنطقة واستقرارها.

  ويعد الاتفاق النووي الإيراني (5+1) نموذجًا لذلك التذبذب بما ترتب عليه من مخاطر، حيث كان عقد الرئيس الأمريكي الأسبق (أوباما) للاتفاق، سببًا لاستغلال إيران رفع العقوبات عنها في تطوير أسلحتها وإنتاج المزيد من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة، وتزويد المليشيات الإرهابية التابعة لها في المنطقة بها لتهدد أمنها واستقرارها.

   وعندما انسحب الرئيس السابق (ترامب) من الاتفاق، تابعت إيران نشاطها النووي، وضاعفت من إنتاج اليورانيوم المخصب، الذي قد يمكنها من تصنيع قنبلتها النووية (القذرة)، لتمنحها المزيد من الردع والتهديد لدول المنطقة، التي لن تجد مفرًا من السعي إلى الحصول على قدرات نووية مماثلة، ما يجعل أمن المنطقة واستقرارها مرتهنًا للتهديد النووي ومخاطره المدمرة.

   وسيكون إعلان الرئيس الحالي (بايدن)، عن استعداده لإعادة توقيع الاتفاق، والإعداد لذلك عبر المباحثات الأوروبية ـــ الإيرانية، دون إلزام إيران بتغيير سياستها العدوانية وتهديدها المتواصل لدول الجوار ـــ عبر الميليشيات الإرهابية التابعة لها ـــ سببًا لاستمرار الاختلال الأمني الإقليمي في المنطقة، رغم ما تمثله من أهمية عالمية.

ولا شك أن تغير الموقف الأمريكي، وعودته إلى توقيع الاتفاق، سيعرض المنطقة لاختلالات أمنية محتملة، بل ربما مؤكدة، جراء التهديدات الأمريكية ـــ الإسرائيلية ـــ الإيرانية المتبادلة، بشأن عزم إسرائيل على القيام بتنفيذ غارات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، باتفاق وموافقة أمريكية، وتوعد إيران بالرد عليها، والذي قد يشمل استهداف قواعد ومصالح أمريكية في بعض الدول الخليجية، فلطالما صرحت إيران بأنها سوف تستهدف القواعد العسكرية الأمريكية في دول الخليج العربية، في حالة استخدامها في شنّ حرب ضدّها من جانب الولايات المتحدة،  ما قد يحيل المنطقة إلى ساحة حرب قد يطول أمدها وتثقل عواقبها.

    المبادرات الأمنية السابقة:

    تعددت المبادرات التي طرحت لبناء نظام أمني إقليمي في منطقة الخليج، ومن أبرز هذه المبادرات:

    المبادرات الإيرانية: طرحت إيران مبادرتين لأمن الخليج: الأولى: وكانت دعوة لإقامة منطقة أمنية خليجية، وجهها الرئيس الإيراني الأسبق (أحمدي نجاد) إلى قادة دول الخليج العربية، عند مشاركته في القمة الخليجية (26)، المنعقدة في (الدوحة) في 4 ــ ٥ ديسمبر ٢٠٠٧م. وكانت المبادرة أقرب إلى بناء تحالف دفاعي إقليمي بين إيران ودول الخليج العربية، ليحل محل الاتفاقيات الدفاعية لتلك الدول مع أمريكا، التي تمثل العدو الأول لإيران.

    أما المبادرة الثانية ـــ (مبادرة هرمز للسلام) أو (أمل) ـــ فتم طرحها من قبل الرئيس الإيراني السابق (حسن روحاني) في 25 سبتمبر 2019م، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتضمنت عشرة بنود تدور حول تأمين حرية مرور الطاقة والتجارة الدولية في الخليج العربي عبر مضيق هرمز، وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى وعدم الاعتداء، والالتزام المتبادل بأمن الطاقة، وحرية التجارة الدولية، وإعطاء الأمم المتحدة دورًا أوسع في حل الخلافات بالاحتكام إلى ميثاقها ومبادئ القانون الدولي. وأكدت المبادرة على ضرورة خروج كل القوى الدولية ــ بما فيها أمريكا ــ من المنطقة.

    المبادرات الروسية: تشير المصادر ــ باقتضاب ــ إلى أن روسيا قدمت أول مبادرة تتعلق بأمن الخليج في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وفي يوليو 2019م، طرحت مبادرة سياسية عن مفهومها للأمن الجماعي في المنطقة؛ ولم تلق حينها ترحيبًا سوى من إيران والصين. وفي أكتوبر 2020م، تم تعديل مبادرة 2019م، وأعيد تقديمها من قبل وزير الخارجية الروسي (لافروف) خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، وتضمنت دعوة إلى إنشاء (منظمة للأمن والتعاون الجماعي في منطقة الخليج) يشارك في إعدادها: الدول الخمس دائمة العضوية، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، والأطراف المعنية. وقد تم التحفظ عليها من دول الخليج العربية ــ باستثناء دولة قطر ــ كما تم رفضها من أمريكا.

    المبادرة الأمريكية: وتم طرحها كآلية عالمية لحفظ الأمن في الممرات الملاحية التي تطل عليها دول المنطقة؛ وكانت المبادرة بمثابة رد فعل على قيام إيران بقصف ناقلة نفط قبالة خليج عمان، وخطف أخرى قبالة سواحل الإمارات. وتدعو المبادرة إلى إنشاء قوة بحرية متعددة الجنسيات، لتتولى مهام المراقبة وتوفير الأمن في الممرات المائية الخليجية، مع قيام القوة التابعة لكل دولة بحراسة سفنها ـــ بالتعاون مع القوة المزمع إنشاؤها تحت مسمى (الحارس) ـــ أثناء مرورها بمياه المنطقة.

ولم تحظ المبادرة بالموافقة عليها من دول المنطقة، ولا من غيرها من دول العالم ــ باستثناء بريطانيا ــ وهو ما جعل الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) يطالب الدول التي تستخدم تلك الممرات بدفع ثمن حماية سفنها للولايات المتحدة، وإلا فلن تواصل حمايتها لتلك الممرات.

المبادرة الأوروبية: طرحت هذه المبادرة عندما تزايد تهديد إيران للسفن التجارية في خليج عمان ومضيق هرمز؛ وانطلقت المبادرة من أن التهديد كان رد فعل إيراني على انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، ما أدى إلى الاختلال الأمني في المنطقة. ومن ثم تطرح المبادرة وسيلتين لإعادة الأمن: الأولى: إيجاد قوة حماية بحرية لأمن الملاحة في مضيق هرمز؛ مع توفير الآلية القانونية لحماية الممرات المائية، لتعمل القوة البحرية المزمع إنشاؤها وفقها؛ الثانية: هو العمل على حل الإشكال بين إيران وأمريكا، لإعادة العمل بالاتفاق النووي، لتوقف إيران تهديداتها واعتداءاتها وتعيد الأمن إلى تلك الممرات الملاحية الدولية الهامة.

    فشل المبادرات المطروحة وأسبابه:

    لم تلق أي من المبادرات المشار إليها آنفًا موافقة من دول المنطقة مجتمعة، وذلك لأسباب عديدة منها:

  1. أن دول الخليج العربية ــ الأكثر عددًا في دول المنطقة ــ اعتمدت في تحقيق أمنها الجماعي على قواها الذاتية، وثقلها الاستراتيجي عربيًا وإسلاميًا، وعلاقاتها الدولية؛ وما تم الاتفاق عليه من قرارات أمنية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي التأم عام 1981م، لمواجهة المخاطر التي سادت المنطقة بسبب الحرب العراقية ــ الإيرانية، التي استمرت ثماني سنوات، مهددة الأمن الإقليمي لدول المنطقة مجتمعة، فضلًا عن تهديدها للأمن الوطني لكل دولة منها. وقد توجت الجهود الأمنية لمجلس التعاون في قمته (21) ديسمبر 2000م، بتوقع زعماء الدول الخليجية الست اتفاقية دفاع الخليج، التي تلزم دول المجلس بتقديم التعاون والمعونة لبعضها البعض، عند تعرض أي دولة من الدول الأعضاء للاعتداء أو التهديد. وقد تجسد ذلك التعاون في تدخُّل المجلس عسكريًا ــ عبر قوات درع الجزيرة ــ لوقف محاولة الانقلاب على الحكم ونشر الفوضى في مملكة البحرين ــ بتخطيط ودعم إيراني ــ عام 2011م.
  2. تعهد الولايات المتحدة بالمحافظة على الأمن الجماعي لدول الخليج العربية ــ منذ ثمانينيات القرن الماضي ــ بموجب (مبدأ كارتر)، الذي اعتبر منطقة الخليج منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة، وأن التعدي عليها سيقابل باستخدام القوة العسكرية الأمريكية؛ وقد تأكد ذلك بالتواجد المكثف للقوات الأمريكية بالمنطقة، على أثر الاجتياح العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس عام 1990م، حيث قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا من 33 دولة لتحرير الكويت في 24 فبراير 1991م. ووقعت اتفاقات دفاعية ثنائية مع كل الدول الخليجية العربية؛ ما جعل الأوضاع الأمنية في المنطقة مستقرة ــ نوعًا ما ــ حتى نهاية العقد الأخير من القرن الماضي.
  3. انضمام بعض الدول الخليجية (البحرين، والإمارات، وقطر، والكويت) إلى (مبادرة اسطنبول للتعاون) ــ التي طرحها حلف شمال الأطلسي (الناتو) في ٢٩ يونيو ٢٠٠٤م، ــ وذلك بعد أحداث سبتمبر 2001م، وما ترتب عليها من الغزو الأمريكي لأفغانستان أكتوبر 2001م، ثم للعراق أبريل 2003م، وما أسفر عنهما من اضطرابات وتهديدات أمنية لدول المنطقة من تنظيم القاعدة، ومن تدخل إيراني في شؤون العراق وصراعاته الداخلية.
  4. عدم ثقة الدول الخليجية في المبادرات الإيرانية، حيث كان همها الأول هو استبعاد القوى الأجنبية (الأمريكية) عن المنطقة، مروجة لمقولة إن أمن المنطقة هو مهمة دولها، واقتراحها إنشاء حلف دفاعي إيراني ـــ عربي؛ معتمدة على أن ما سيتم الاتفاق عليه لأي نظام أمني للمنطقة، سيمنحها امتيازات خاصة، باعتبارها الدولة العسكرية الأقوى والأكثر عددًا في المنطقة؛ وهو ما جعل الطرح الإيراني يبدو حينها كآلية لإدارة الصراعات وليس وقفها والعمل على حلَّ المشكلات.

وما من شك في أن تنفيذ المقترح الإيراني بإنشاء حلف دفاعي مع الدول العربية بالمنطقة، كان من شأنه أن يضع تلك الدول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة والدول الغربية المعادية للنظام الإيراني؛ إضافة إلى أن أطروحات إيران الأمنية كانت تخالف وتناقض ما تقوم به من تكوين خلايا ومليشيات إرهابية موالية لها في دول المنطقة، وتزودها بالأموال والأسلحة والخبراء، لتنشر من خلالها الإرهاب والفوضى والاضطراب في تلك الدول.

  1. إن ما تم طرحه من مبادرات روسية لأمن المنطقة، ميَّزت بين إيران وغيرها من الدول الخليجية، وانحازت لمطالبها على حساب الدول الأخرى، وهو ما تجسد في استخدام مصطلح (الخليج الفارسي) ـــ الذي تستخدمه إيران وترفضه دول الخليج العربية ــ في النسخة الأولى للمبادرة الروسية ؛ فضلًا عن تضمنها شرطًا ينص على خروج القوات الأجنبية (الأمريكية) من المنطقة، وهو مطلب دأبت القيادات الإيرانية على ترديده منذ اندلاع الثورة الخمينية؛ وقد رفضته دول الخليج العربية لما قد يترتب عليه تفريط في أمنها دون مقابل مضمون؛ فضلًا عما فيه من انتقاص لسيادة تلك الدول وأحقيتها في عقد الاتفاقيات مع من شاءت من دول العالم.
  2. الارتياب في أهداف روسيا من طرح المبادرة، وأنها تسعى من خلالها إلى لعب دور القوة الكبرى العالمية المهتمة بشؤون المنطقة والعالم، حيث تم تعديل المبادرة وإعادة طرحها إبان إعلان الرئيس الأمريكي (جو بايدن) ــ في يونيو 2021م ــ عن خفض بلاده للقوات الأمريكية ــ دون توفير الضمانات الأمنية الكافية لحلفائها ــ في المنطقة؛ وتخليه عن سياسة سلفه (ترامب) في التلويح باستخدام القوة العسكرية لمواجهة المخالفات الإيرانية السافرة؛ وعزمه على العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015م؛ والتصريح بالعداء للمملكة العربية السعودية، وجعلها دولة (منبوذة) حسب تصريحه؛ الأمر الذي اعتبرته روسيا فرصة سانحة لبسط نفوذها في المنطقة وترسيخ وجودها في الدول المجاورة، كسوريا وليبيا وغيرهما.
  3. اعتبار المبادرة الروسية محاولة لإخراج إيران من دوائر العقوبات الأمريكية والغربية، استنادًا إلى العلاقات المتنامية بين البلدين، خصوصًا أن المبادرة لم تنص على تعهُّد إيران بوقف عدوانها وتهديداتها السافرة لدول الخليج، فضلًا عن تدخلها العسكري والسياسي في شؤون العراق وسوريا ولبنان واليمن، عبر دعمها المستمر للميليشيات الإرهابية التابعة لها في تلك الدول.
  4. رفض الولايات المتحدة الأمريكية للمبادرات الروسية المطروحة، باعتبارها محاولة من جانب روسيا للتدخُّل في منطقة الخليج، تحت غطاء مشاركة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن. وجاء رفض أمريكا للمبادرة عبر ممثلها في مجلس الأمن آنذاك (كيلي كرافت)، التي قالت: إنه "ليست هناك حاجة إلى آلية أخرى لتعزيز أمن الخليج، وأعتقد أن الحل أسهل من ذلك بكثير، إذ يجب على هذا المجلس ببساطة أن يستجمع الشجاعة لمحاسبة إيران على التزاماتها الدولية الحالية، خاصة أنها لا تلتزم بنص ولا روح قرارات هذا المجلس".
  5. إن ما طرح من مبادرات أمريكية وأوروبية لم يكن يستهدف أمن المنطقة واستقرارها، وإنما كان يهدف إلى تحقيق وحماية مصالح طارحيها، إذا اقتصرت المبادرات المطروحة من قبلهم على إيجاد آلية لحماية السفن التجارية من الاعتداءات الإيرانية، أثناء سيرها بممرات الملاحة البحرية بالمنطقة فحسب؛ فضلًا عن محاباتها لإيران ــ إلى حد رشوتها بإعادة الاتفاق النووي ــ لوقف تهديدها وعدوانها؛ ولذلك لم تجد قبولًا من دول المنطقة، بل ولا من دول العالم التي دعيت للمشاركة فيها بقوات بحرية لتقوم بحماية السفن.

      هل تشارك إيران في بناء نظام أمني إقليمي؟

    تتوقف إجابة هذا السؤال على كيفية قراءة إيران واستيعابها للأحداث التي يشهدها العالم بعامة والمنطقة بخاصة في المرحلة الراهنة، وما سوف تسفر عنه من تغييرات إقليمية ودولية على المديين القريب والبعيد. فإن استمرت إيران تفهم الحاضر والمستقبل وتتعامل معهما وفقًا لقناعاتها الأيديولوجية، وبيئتها السياسية، وموروثها المتراكم بأنها مركز قيادة العالم الإسلامي ــ كما تدعي نظرية (أم القرى)، التي روج لها (محمد جواد لاريجاني)، والتي كانت أحد الدوافع لما قامت به خلال السنوات الماضية من تمدد في بعض العواصم العربية، مستغلة الأحداث الداخلية فيها ــ فستجد في الأحداث الراهنة الفرصة السانحة للتمادي في محاولات فرض النفوذ والهيمنة الإقليمية على غيرها من دول المنطقة.

    وبناءً على هذا الفهم، فلن تقبل إيران الانضمام إلى أية منظومة أمنية إقليمية تُبنَى في المنطقة، إلا إذا حصلت على امتيازات خاصة، تجعلها الدولة المركزية أو الركن الأساس لهذا البناء؛ واستطاعت ــ في الوقت نفسه ــ أن تضغط على دول المنطقة لإنهاء اتفاقاتها الأمنية مع أمريكا وأوروبا، وربما طالبت بحل مجلس التعاون أو تعطيل ما أسفر عنه من اتفاقات أمنية، ليخلو لها المجال لفرض نفوذها.

    وهنالك بعض الاعتبارات التي تشجع إيران على اتخاذ هذا الموقف السلبي من البناء الأمني الإقليمي، ومنها:

  • انشغال القوى الكبرى في العالم بالحرب الروسية ـــ الأوكرانية ومآلاتها وتبعاتها.
  • توقع إيران أن تسفر المحادثات الحالية عن إعادة الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بما سيترتب عليه من رفع العقوبات الاقتصادية عنها، ومن ثم استغلال عائداتها لتطوير أسلحتها وتقديم المزيد من الدعم المالي واللوجستي للخلايا والميليشيات التابعة لها في دول المنطقة، لتنشر المزيد من الفوضى والاضطراب، وتهيئها لبسط النفوذ الإيراني عليها.
  • توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية ــ الدولة العربية الأكبر في الإقليم، والخصم اللدود لإيران ــ وتوتر العلاقات الأمريكية مع غيرها من الدول الخليجية الأعضاء في منظمة (أوبك)، بسبب قرار المنظمة تخفيض الإنتاج للحفاظ على مستوى عادل للأسعار، ما اعتبرته الولايات المتحدة موقفًا معاديًا لها وللدول الغربية، ودعمًا لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.

     أما إذا قرأت إيران الأحداث الدولية والإقليمية الحالية بعين الدولة المسؤولة؛ وأدركت أنها ــ كغيرها من دول المنطقة ـــ سوف تتضرر من تبعات الأحداث العالمية السائدة، وأنها ــ كغيرها ــ في حاجة إلى بناء نظام أمني إقليمي لتحتمي به، وتحقق لشعبها الأمان والاستقرار؛ فسوف تسعى ـــ مع غيرها من دول المنطقة ـــ لاتخاذ القرارات والخطوات العملية لبناء نظام أمني إقليمي، وسوف تبادر حتمًا، وفي أقرب فرصة للانضمام لذلك البناء، وستكون ساعدًا قويًا من سواعد تشييده.

   ويتطلب هذا الموقف الإيجابي من إيران أن تتخلي عن قناعاتها الأيديولوجية، وسياستها التوسعية، التي جعلتها تصطدم مع غيرها من دول الإقليم وغيرها من دول العالم، وحالت بينها وبين الفهم والاستيعاب الصحيح للمتغيرات الاستراتيجية ــ الإقليمية والعالمية ــ وفرضت عليها عزلة سياسية لأكثر من أربعة عقود، وعرضتها للعقوبات الاقتصادية الدولية، التي ألقت بثقلها على الأوضاع الاجتماعية للشعب الإيراني، وضاعفت من آلامه ومعاناته، وأسهمت في تخلفه عن ركب الحضارة والازدهار الذي تنعم به دول الجوار.

    كما يتطلب منها أن تبادر إلى وضع حلول سريعة وحاسمة لإنهاء ما بينها وبين بعض دول المنطقة من صراعات ونزاعات وقـضايا خلافية بالطرق الودية؛ وتوقف تدخلها ــ المباشر وغير المباشر ــ في دول المنطقة؛ وتبتعد عن التفكير في استخدام القوة العسكرية أو التهديد بها لكسب امتيازات إقليمية سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية؛ وتعمل على تحقيق التعاون والتكامل مع دول الإقليم في شتى المجالات ... إلى غير ذلك من المبادئ والضوابط تبنى عليها أنظمة الأمن الإقليمي والدولي.

    إن قراءة إيران للأحداث ــ العالمية والإقليمية ــ الحالية على النحو المشار إليه في هذا النص، واتخاذها لخطوات حكيمة، خارج سياق تفكيرها وسلوكها السائد ـــ سابقًا وحاليًا ـــ سيجعلها تمحو سجلًّا حافلًا بالأعمال السلبية والتصرفات العدوانية تجاه من حولها، وتبدأ عهدًا جديدًا عامرًا بالثقة وحسن الجوار والتعاون من أجل التنمية الداخلية، والخروج بشعبها من دائرة العزلة والحرمان والاستفادة من عائدات بلاده وثرائها فيما يوفر له سبل الحياة الكريمة؛ وليتها تفعل، لتجلب إلى دول المنطقة وشعوبها مطلبًا هامًا من مطالب الأمن والاستقرار وتبعد عنها، قدر ما استطاعت، شبح الحروب والدمار. 

مقالات لنفس الكاتب