; logged out
الرئيسية / المنظومة الخليجية تستلزم فض الاشتباك مع المظلة الأمريكية وإنشاء مظلة بمشاركة إقليمية

العدد 179

المنظومة الخليجية تستلزم فض الاشتباك مع المظلة الأمريكية وإنشاء مظلة بمشاركة إقليمية

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تدعو الإطلالة الشاملة على تطورات وشواغل الأمن الخليجي إلى ضرورة التفكير الجدي في الانتقال بمقترح إنشاء المظلة الأمنية الإقليمية لدول مجلس التعاون، من مجرد فكرة وتصور مستقبلي، إلى مشروع للتطبيق العملي؛ ليس فقط للتهديدات والأخطار اللانمطية المعقدة التي تواجهها دول المجلس، والتي تضاعفت في الآونة الأخيرة، في ظل تطور مكانتها السياسية والدبلوماسية، وتنامي وضعيتها الاستثنائية الاقتصادية والمالية (برغم الحرب الروسية الأوكرانية التي عانت منها كل دول العالم)، مع ارتفاع أسعار النفط والغاز، في وسط أزمة عالمية يتوقع أن تستمر لفترة. 

ويدعو إلى بناء المظلة الإقليمية أيضًا، التحولات في المبادئ والعقيدة الأمريكية إزاء دول المجلس؛ بعدما أخذت علاقة الولايات المتحدة ببعضها -وخلال حكم إدارات متعاقبة ديمقراطية وجمهورية على حد سواء- تتعرض لهجمات غير مألوفة، تشكك في استمرارية العلاقة وجدواها، مع عدم الاكتراث الأمريكي بالهجمات على المنشآت المدنية والمطارات والمنشآت النفطية في العمق السعودي، ومع إطلاق دعوات أمريكية رسمية للتحلل من الالتزام الأمني والدفاعي نحو المنطقة، والتراجع عن بعض صفقات السلاح المتفق عليها سابقًا، والامتناع عن توريد منظومات الدفاع للسعودية، وسحب بطاريات دفاعية من المملكة. ولقد أضافت الحرب الروسية الأوكرانية مزيدًا من القلق في العلاقة، مع الموقف الخليجي من الأزمة، والذي فجر الجدل الأمريكي الداخلي، ودفعه لتبنى مواقف عدائية ضد حلفائه الخليجيين، بسبب قرار منظمة أوبك بلاس بتخفيض الإنتاج 2 مليون برميل يوميًا.

وفي ظل الموقف الأمريكي الذي يتحلل تدريجيًا من ارتباطاته الأمنية بمنطقة الخليج، يتكشف عالم جديد، لم تعد فيه الولايات المتحدة هي القطب الأوحد، ولم يعد الأمن الخليجي أسير الالتزام الأمريكي، بعدما تحول الخليج كثيرًا ناحية الشرق (الصين والهند والقوى الآسيوية الصاعدة)، والتي جذبت أنظار صناع القرار الخليجيين منذ سنوات، على نحو عكسته الزيارات والاتفاقيات والحوارات الاستراتيجية الخليجية معها. وكل ذلك جعل مصالح دول الخليج أكثر ارتباطا بهذه الأقطاب الدولية الصاعدة، وهو ما عزز التفكير في ترجمة ذلك ببناء المظلة الإقليمية للأمن الخليجي، التي تتسق مع توجهات المصالح ومصادر التهديدات.  

ووفقًا لحاجات دول مجلس التعاون، وعلاقاتها البينية، وطبيعة المواقف الأمريكية نحوها، يمكن تصور أنماط ثلاثة من المظلات الإقليمية للأمن الخليجي، بحسب الزوايا المختلفة لقراءة الواقع الخاص بدول المجلس، على النحو التالي:

أولاً: المظلة الإقليمية الشاملة

هذه هي الحالة الأمثل للمظلة المطلوبة لأمن الخليج، والتي تنطلق من وجود بعض الدول الإقليمية المحيطة بمنطقة الخليج، والتي ترى في استقرار منطقة الخليج ودول مجلس التعاون هدفًا ومصلحة أساسية، وتبني عقيدتها العسكرية على مبدأ أن أمن الخليج جزء من أمنها القومي، وتؤسس أنظمتها الدفاعية على ذلك، وتكون مستعدة للمشاركة في أمن الخليج مع دول المجلس ودول إقليمية أخرى، بما قد يستلزمه ذلك من تخصيص جزء من جيوشها، أو وحدات متخصصة ضمن أفرع قواتها المسلحة، للعمل في مسرح العمليات الخليجي، مع إمكانية توزيع المهام والمسؤوليات بينها، وفقًا لرؤية أمنية واستراتيجية تتم صياغتها في اجتماعات الأجهزة والمجالس العسكرية، التي تستهدف توحيد المفاهيم الدفاعية، والاتفاق على ميثاق أمني إقليمي مع دول المجلس، بحيث تكون هذه المظلة أشبه بناتو عربي أو ناتو شرق أوسطي للدفاع عن الخليج. ويتطلب ذلك توافق الدول التي يجري عليها الاختيار للمشاركة في أمن الخليج على أنه مهما كانت خلافاتها البينية، فإنها مجتمعة على الدفاع عن الأمن الخليجي.

ولأن دول مجلس التعاون الست تشكل النواة المركزية للمظلة الأمنية الإقليمية، فإنه لا يمكن بناء المظلة الإقليمية من دون التوافق بين مكونات وعناصر هذه النواة الخليجية حول أسس وأهداف مظلة الأمن الإقليمية؛ فصياغة الموقف الخليجي وتوحيده إزاء مشروع المظلة الإقليمية هو أهم عنصر من عناصر نجاح هذه المظلة. وتتضمن البيانات الختامية لقمم مجلس التعاون الخليجي، ومقررات اجتماعات وزرائه منذ إنشائه عام 1981م، تراثاً هائلاً من المشروعات والاستراتيجيات والخطط والكتيبات وكراسات العمل العسكرية، التي فصلت في مفاهيم الأمن الخليجي، وحددت أبعاده ومستهدفاته الأمنية والدفاعية، والتي منها: اتفاقية الدفاع المشترك، والاستراتيجية الدفاعية لدول المجلس، ومشروع ربط مراكز عمليات القوات الجوية والدفاع الجوي، ومشروع حزام التعاون، والتمارين والتدريبات الثنائية والمشتركة، والأكاديمية الخليجية للدراسات الإستراتيجية والأمنية، فضلاً عن مشروعات التعاون الأمني البحري، والتمارين المشتركة، والكراسات والمناهج العسكرية لمعاهد ومدارس ومراكز التدريب العسكري في دول المجلس. كما يشمل التعاون العسكري الخليجي مجالات أخرى عديدة من أبرزها (الاستخبارات والأمن العسكري -المساحة العسكرية -الخدمات الطبية -منظومة السلاح -الاتصالات والقوات الجوية -القوات البحرية -الأمن البيئي -الدفاع ضد الأسلحة الكيميائية والبيولوجية والنووية والمشعة -الحرب الإلكتروني -الدفاع ضد الصواريخ البالستية).

ووفقًا لنتائج تقييم التقدم المحرز بين دول المجلس في تحقيق هذه المشروعات والمستهدفات العسكرية، يتضح طبيعة وأهداف الدور الذي يمكن أن تضطلع به المظلة الإقليمية في الأمن الخليجي، لأنه مع انخراط الدول الخليجية في شواغلها الأمنية الخاصة، والأزمة الخليجية بين 2017 – 2020م، ومع اتجاه الولايات المتحدة لتبني منهجًا انتقائيًا مع دول المجلس، بتكريس التخصيص والالتزام الأمني الانفرادي مع كل دولة على حدة، على حساب الالتزام الأشمل والعام بأمن دول مجلس التعاون كمجموعة وككتلة واحدة، ومع تعرض دول خليجية دون أخرى لهجمات صاروخية على الموانئ والمطارات والمنشآت النفطية، وبقاء دول أخرى آمنة ضد هذه التهديدات، حدثت فجوة بين مفهوم أمن الخليج والتطبيقات على أرض الواقع، وبينما ظلت مظاهر أمن الخليج (الجماعية) تتبدى في المناورات والتدريبات المشتركة، فإن مصادر التهديد تشعبت كثيرًا، وعززت الشواغل الخاصة بالأمن الوطني الانفرادي على حساب الأمن الخليجي العام، وابتعدت عن المفهوم الأشمل، الذي طالما جرى الحديث عنه. 

ويتطلب إنشاء المظلة الإقليمية الشاملة للأمن الخليجي توحيد العقيدة الدفاعية بين دول المجلس كخطوة أولى وابتدائية. وفي هذه النقطة ليس المطلوب الاتفاق أو التطابق في تعريف وتحديد مصادر التهديدات والأخطار وتسميتها بدول محددة كإيران مثلاً (وهو أمر قد يجري الاختلاف عليه بين دول المجلس)، وإنما الاتفاق على توصيف الأعمال وأنماط السلوك التي تشكل تهديدًا للأمن الخليجي. فبالنظر إلى تباين سياسات الدول الخليجية ومواقفها من القضايا الدولية، فإن توصيف مصادر التهديد وتسميتها في دول محددة أو فاعلين محددين هو أمر يصعب الاتفاق عليه، والبديل الأنسب هو الاتفاق على طبيعة الأعمال والأفعال التي تشكل تهديدًا بغض النظر عن مصدرها. لأنه قد تصدر مواقف وبيانات موحدة للدول الخليجية بشأن مصادر التهديد، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أنها سوف تكون محلاً للالتزام من جانب دول المجلس جميعها، مما يحتم تبني نمط آخر للتوافق بشأن الرؤى الأمنية، وهو الاتفاق على أشكال المجابهة وردود الفعل في وجه الأعمال التي تشكل مصادر للتهديد، والتي تتضمن من بين أشاء أخرى: الاعتداء على دولة خليجية بالدرون أو الهجمات الإرهابية، من قبل دولة أو جماعة وتنظيم، أو احتلال جزء من أراضي الدولة أو الغزو، أو الهجمات على الموانئ والمضائق والممرات البحرية.

وهكذا لا يكون المفهوم الأمني الجماعي لمجلس التعاون في حاجة لتحديد دولة بعينها أو للحديث عن أن إيران أو تركيا أو إسرائيل مصدرًا للخطر، لأن ذلك لن ينسجم مع نوعية العلاقات الإيجابية لبعض دول المجلس مع واحدة أو اثنين من هذه الدول التي تتباين علاقات كل منها معها، لكن يسهل أن تتوافق الدول الخليجية على مبدأ نبذ وإنكار السلوك العدواني، وتبنى منهج موحد ضد حالات الاعتداء أو الهجمات الإرهابية أو التحريض على العنف الداخلي، والدعايات السلبية. وهذا المبدأ يتطلب استعداد كل دولة من دول المجلس لوضع حد لعلاقاتها بأي دولة من خارجه تثبت انخراطها في مثل هذه الأعمال العدائية الموجهة لدولة من دول المجلس، مهما كانت علاقات أي منها بالدولة مصدر السلوك العدائي. وفي هذه المظلة التي تشكل الدائرة الأصغر لمظلة الأمن الخليجي الإقليمية، لا مجال للاختلافات والتباينات بخصوص أنماط التهديدات وتوصيفها، لأن أي خلاف في هذه الدائرة، سيعني اختراقات وثقوب المظلة الإقليمية للأمن الخليجي، ومن ثم تراجع فرص تشكيل هذه المظلة الإقليمية. 

ثانيًا: المظلات الإقليمية الأصغر

ينطلق تصور المظلات الإقليمية الجزئية أو الأصغر للأمن الخليجي من أرضية الواقع الخليجي نفسه، الذي تعثرت فيه بعض خطوات التنسيق والتعاون بين دوله الست في المجال العسكري أو تباطأ تنفيذها أو لم يجر اختبارها عمليًا، ومن ثم يتوقع أن يكون من الأصعب التوافق على المظلة الإقليمية التي يفترض أن تشرك دولاً أخرى من خارج المجلس في مهام دفاعية مع دول المجلس. فعلى الرغم من الأفكار والمشروعات الأمنية والدفاعية المشتركة في إطار مجلس التعاون الخليجي، والتي أحرزت إنجازات كبيرة على مدى العشرين سنة الماضية، فإن دول المجلس ليست على مسطرة واحدة فيما يتعلق بإيمانها بالحاجة إلى بناء المظلة الأمنية الإقليمية الخاصة بأمن الخليج. بعض دول المجلس ترى أهمية المظلة الإقليمية لأمنها الخاص، بينما لا تشكل شاغلاً أساسيًا لدول أخرى في المجلس، لذا من المرجح أن تنشأ تباينات في مواقف دول المجلس بخصوص أطراف المظلة الأمنية الإقليمية، بعضها قد يُقبل أكثر على مظلة إقليمية تتضمن مصر والأردن وربما المغرب وباكستان، بينما قد يرى بعضها الآخر ضرورة إشراك تركيا في المظلة الأمنية الإقليمية، في حين قد لا يمانع طرف ثالث من الاستعانة بإسرائيل، بينما قد لا ترغب دولة رابعة في كل ذلك، في ظل شعورها بالاكتفاء بالعلاقة الأمنية بالولايات المتحدة مع استمرار علاقتها بها بنفس الوتيرة، فالدول الخليجية تتحرك في المجال الأمني في أطر متعددة، وهي وإن كانت تعمل بعزيمة في إطار المظلة الخليجية الأصغر، فإنها ليست موحدة في شعورها بالحاجة للمظلة الإقليمية.

وفي سياق ذلك، يمكن تصور نشأة مظلات أمنية إقليمية متعددة في منطقة الخليج، تكون أقرب إلى علاقات عسكرية خاصة تنشئها دولة خليجية واحدة أو اثنتين أو ثلاثة أو أربعة مع دولة إقليمية أو أكثر، في سياق التوافق على مفاهيم دفاعية ومصادر وأشكال للتهديد، تتجاوز مهام وتكليفات القوة الخليجية المشتركة لمجلس التعاون الخليجي (درع الجزيرة). وفي هذه الحالة تستثنى من المظلة الإقليمية دولة خليجية أو اثنتين أو ثلاث، على أن تظل مرتبطة بالمظلة الأمنية لمجلس التعاون. فلا شك في أن المملكة العربية السعودية (ومعها الإمارات وربما البحرين) تتعرض لأشكال وصور ومستويات من التهديدات والمخاطر تختلف عن تلك التي تواجهها باقي دول المجلس (قطر والكويت وسلطنة عمان)، بالأخص في ضوء تطورات الحرب في اليمن والأعمال العدوانية التي شهدتها السعودية (هجمات بالدرونات والصواريخ البالستية ضد مطارات ومنشآت مدنية ونفطية، وتفجيرات في الموانئ وهجمات على السفن في عرض البحر)، في ظل المواجهة مع إيران ووكلائها في المنطقة.

وهذه الأشكال والمستويات للتهديدات ترتفع وتنخفض بحسب سياقات وظروف الحرب في اليمن ومع الحوثيين، ولم تعمل المنظومات الدفاعية لدول المجلس بشكل جماعي على التصدي لها. ومع تحولات العلاقة الأمريكية بالسعودية والتصريحات الأمريكية العدائية بإعادة تقييم هذه العلاقات والتفكير فيها، والتهديد بسحب القوات وعدم الاستجابة لبيع المملكة المنظمات الدفاعية الأكثر تطورًا، وطرح الأفكار بشأن إعادة نشر أسطول طائرات F-16 الأمريكية خارج السعودية، بعد كل ذلك يبدو أن المملكة والإمارات والبحرين سوف تنظر بجدية في المظلة الأمنية الإقليمية، حتى لو كانت في سياق أصغر من المظلة الأشمل. وهذه المظلة الإقليمية الأصغر لأمن الخليج، سوف تبقى نموذجًا مصغرًا للمظلة الأشمل، التي تتضمن كل دول مجلس التعاون، وقد تكون خطوة أولى على طريق تحقيقها، وتعمل على تشجيع باقي دول المجلس للانضمام إليها لاحقًا.   

ثالثًا: المظلات الإقليمية النوعية

هذا النمط من المظلات الإقليمية المتصورة للأمن الخليجي، يتجه إلى إتاحة قدر أعلى من البرجماتية والانسيابية أمام دول المجلس، بخصوص حرية اختياراتها بشأن الدقائق والتفصيلات المتعلقة بروابطها الأمنية الخاصة، بما يتوافق مع احتياجات كل منها، فهو لا يأخذ في الاعتبار فقط التباينات بين الدول الخليجية من مشروع المظلة الإقليمية (على غرار المظلات الأصغر في النمط السابق)، وإنما يأخذ في الاعتبار أنه -رغم التباينات الكبرى- فقد تنشأ حاجة لدولة خليجية في الاشتراك أو الانضمام إلى منظومة نوعية أصغر في المظلة الإقليمية، ترى فيه احتياجًا خاصًا لها، دون باقي مكونات المظلة. وعلى سبيل المثال، فإن إحدى الدول الخليجية قد ترى أن مصدر تهديدها الأساسي هو في الجانب البحري، وأنها مستهدفة في مياهها الإقليمية وسواحلها وموانئها، بينما لا ترى لديها حاجة للانضمام للترتيبات الدفاعية في الجوانب الأخرى، وهو ما قد يعزز لديها الرغبة في الانخراط في الشق البحري للمظلة الأمنية؛ فتقبل على التنسيق والعمل داخل المظلة ضد هذا الخطر (البحري)، دون باقي أشكال النشاط والأعمال الأخرى للمظلة، التي لا ترى تهديدًا حيويًا فيها.

ويتسق مع ذلك ويرجحه أن لدول المجلس -رغم توحدها البيني ضد مصادر الأخطار والتهديدات في سياق مجلس التعاون-احتياجات أمنية مختلفة، وأن بعضها لا يزال يتلقى مستوى الضمانة الأمنية المعهود من الولايات المتحدة، ومن شأن إتاحة الفرصة والحرية لدول مجلس التعاون للانضمام إلى هذا الجانب من المظلة الأمنية الإقليمية أو ذلك أن يتيح مساحات حركة أوسع لكل منها، وأن يؤسس لتحالفات وأطر تنسيق عسكرية متعددة سريعة الحركة وتندفع بالمهمة والهدف. وهذا ليس جديدًا على دول مجلس التعاون الخليجي، التي انضم بعضها وشارك في مهام عسكرية ومشروعات دفاعية محددة تحت المظلة الأمريكية، بينما لم يرغب بعضها الآخر في ذلك. ولعل المثال الأبرز على ذلك  "التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية" .

وسوف تمارس هذه المظلات الإقليمية النوعية، عملها في ظل وجود وعمل الآليات الموازية لها بين دول مجلس التعاون، وعلى سبيل المثال، فإن التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية سالف الذكر يمارس عمله في ظل وجود قوة الأمن البحري المشتركة لدول المجلس (مجموعة الأمن البحري 81)، والتي أنشأتها دول المجلس عام 2014م، للدفاع عن مياهها الإقليمية. وهنا يمكن تصور مظلات أمنية نوعية لمواجهة هجمات الدرون والصواريخ، ومظلات دفاعية ووحدات أمن إقليمية خاصة ضد الهجوم على المطارات والمنشآت الحيوية ومنشآت النفط والغاز، وثالثة للموانئ وأمن الحدود والممرات البحرية، مع تحديد الدولة أو الدول الإقليمية الأكثر تميزًا وتخصصًا في بناء كل مظلة من هذه المظلات النوعية.

وعلى الرغم من أن إنشاء المظلات النوعية، الهادفة للتعامل مع التهديدات الخاصة واللانمطية قد يكون الأنسب والأكثر فائدة عملياتية للتعامل السريع مع التهديدات، كونها تشكل دوائر دفاعية أصغر ومتخصصة وأخف حركة، وتستهدف التعاون مع دول إقليمية مختلفة بحسب قدرة كل منها على تقديم الخدمة الأمنية والدفاعية المطلوبة، على الرغم من فوائدها العملياتية والواقعية، إلا أنها إن لم تشكل نقاط جذب لباقي دول المجلس تحفزها على الانضمام إليها تدريجيًا، فإنها قد تبتعد بالهدف الأكبر للمظلة الأمنية الإقليمية الشاملة، وقد تؤثر سلبًا على تماسك ووحدة العقائد الأمنية والعسكرية لدول المجلس، لذلك فمن المهم وضع خطوط فاصلة بين مهام المظلة الأمنية الخليجية بين دول المجلس، ومهام المظلة أو المظلات الدفاعية الإقليمية بشكل مفصل. 

الخلاصة

في ضوء ما سبق، يتضح أن بناء المظلة الأمنية الإقليمية للخليج يستلزم فض الاشتباك بين أبعاد كثيرة متداخلة، أبرزها مساحة التداخل بينها والمظلة الأمنية الخاصة بدول مجلس التعاون، وفض الاشتباك بينها وبين المظلة الأمريكية التي لا تزال عاملة في بعض دول المجلس بشكل كامل، أو بقاياها التي لا تزال عاملة في البعض الآخر. على أن يكون التقدم في بناء هذه المظلة أو المظلات الإقليمية بحسب درجة التقدم أو التراجع في المظلتين الخليجية والأمريكية، ولسد جوانب نقص فيهما، مع عدم التخلي عن الاعتبارات الاستراتيجية لإنشاء المظلة الإقليمية، التي يمكن أن تشمل: مصر، الأردن، باكستان، تركيا..، والتي تدفعها التحولات الاستراتيجية في أسس العلاقات الخليجية / الأمريكية، وهي تحولات لا ينبغي أن يرتهن أمن دول المجلس لها، بعدما برزت مؤشرات على احتمال اتخاذها مسارات دراماتيكية مفاجئة، في وقت لا تستطيع دول المجلس تعويضها أو درء أخطارها، إن لم تكن قد استعدت مسبقًا لهذا اليوم.    

كما يتضح أن المظلة الخليجية وحدها يصعب أن تقدم ضمانة فاعلة للأمن الخليجي، من دون أعمدة المظلة الإقليمية الأشمل، التي لا تقدم فقط دعامات للأمن الخليجي، وإنما تشكل مصادر تعزيز لأنظمته العسكرية وصناعاته الدفاعية، وتوفر له قدرة أعلى على الردع، والحماية لمنابع النفط وخطوط الإمدادات والملاحة البحرية، التي يتعرض بعضها لهجمات الحوثيين والإرهابيين، والآن لاحتمال التهديد الأمريكي الذي يذكر بخطط أعدت في حقبة السبعينيات. وقد يكون من الأفضل للدول الخليجية أن تعمل بداية على تعزيز مظلتها الأمنية في السياق العربي ومع القوى العربية، ثم في مرحلة تالية توسيع الدائرة لتشمل دولا كباكستان وتركيا، وتاليًا أنماط من الدعامات الأمنية مع دول إقليمية أخرى، بحسب الخدمات الأمنية المطلوبة، على أن يحاط كل ذلك بسلسلة مبادرات توظف القوة الناعمة الخليجية ذات المكانة العالمية، وشراكات نوعية إسنادية مع كل من الصين وروسيا والهند والدول الأوروبية الراغبة، بالقدر الذي لا يشكل خطوة عدائية ضد الدور الأمريكي. وسيظل الباب مفتوحًا متى رغب الطرف الأمريكي بالعودة لنمط التحالف الأمني السابق، أو تبديله بتحالفات تقدم المستوى ذاته من الالتزام الأمني نحو الخليج، كأن يقوم الجانب الأمريكي بدور الراعي اللوجستي للتحالف الإقليمي (الناتو العربي أو الشرق أوسطي) الخاص بأمن الخليج، أو أن يؤسس لشراكة بين الناتو الدولي والناتو العربي أو الشرق أوسطي)، وهو أمر لطالما سعت دول المجلس إليه في السنوات الماضية (استضافتها للقادة الأوروبيين في قمم دول المجلس على مدى السنوات السابقة)، خاصة أن دول المجلس ستظل في حاجة للولايات المتحدة، في ضوء حاجتها للصناعات العسكرية الأمريكية، بالأخص خلال الفترة التي تسعى فيها إلى تعزيز وتوطين الصناعات الدفاعية.

مقالات لنفس الكاتب