; logged out
الرئيسية / التكامل الإقليمي الأصغر والأعمق يؤدي إلى النتائج المرجوة لمؤشرات الرفاه الاقتصادي

العدد 180

التكامل الإقليمي الأصغر والأعمق يؤدي إلى النتائج المرجوة لمؤشرات الرفاه الاقتصادي

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

أصبحت التكتلات الاقتصادية هذه الأيام ذات تأثير متزايد على حركة التجارة العالمية بما توفره من مزايا في تمكين التجارة الحرة بين البلدان القريبة جغرافيًا، وبالتالي يمكن أن يؤدي هذا إلى انخفاض الأسعار وزيادة إمكانات التصدير وزيادة النمو ووفورات الحجم وزيادة المنافسة مع ضرورة الأخذ في الاعتبار أن الانتقال إلى التجارة الحرة يؤدي إلى خلق فائزين وخاسرين مع خسارة بعض الصناعات المحلية أمام الواردات منخفضة التكلفة.

وعملية التكامل الاقتصادي عبارة عن كيانات تضم مجموعة من الدول وفق مجموعة من اللوائح والنظم التي تلائم طبيعة العلاقات بينهم، وتسعى لتحقيق أقصى درجات التعاون في المجالات الاقتصادية بشكل رئيسي ويتم بناء على ذلك إزالة أي عقبات من رسوم وضرائب وجمارك أمام حركة التجارة بين الدول الأعضاء مروراً بضمان انتقال حركة رؤوس الأموال والعمالة في مرحلة لاحقة، وانتهاء بتنسيق وتجانس السياسات الاقتصادية فيما بين دول التكتل لتصبح في مجملها كياناً واحداً.  

وتحاول هذه المقالة أن تلقي الضوء على علاقة دول مجلس التعاون الخليجي مع تلك التكتلات الاقتصادية إذ وقعت دول مجلس التعاون الخليجي اتفاقيات التجارة الحرة مع العديد من التكتلات الاقتصادية في جميع أنحاء العالم لتعزيز مكانتها كمركز تجاري عالمي ووجهة رئيسية للاستثمارات،  مما يساهم في زيادة صادراتها، وتحسين القدرة التنافسية في الأسواق الخارجية، وتعظيم المنافسة، وتقليل الحواجز التجارية التي تواجه المنتجات الوطنية لدول الخليج، وتعزيز استثماراتها في الخارج، وحماية حقوق الملكية الفكرية، بما يشمله ذلك من الحواجز الجمركية، والخدمات التجارية، والاستثمارات، وتسوية المنازعات، والاستثمار في قطاعات التصنيع، وحماية حقوق الملكية لمنع الاتجار بالمنتجات المقلدة.

وتضم اتفاقيات التجارة الحرة لدول مجلس التعاون الخليجي العديد من الدول بما في ذلك نيوزيلندا وسنغافورة ودول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة، وتجري حالياً المفاوضات مع العديد من الدول والمجموعات التجارية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي واليابان والصين وكوريا وأستراليا وباكستان والهند وتركيا والدول الأعضاء في ميركوسور (الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي) ومؤخراً البريكس.

  • آفاق التعاون الخليجي الآسيوي:

لا شك أن دول مجلس التعاون الخليجي لها تأثير كبير في عملية التكامل الاقتصادي الآسيوي من خلال العلاقات الاقتصادية والسياسية مع سارك (رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي) والآسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) في تسريع عملية التكامل، ويمكن القول إن هذه العلاقة التي رسخت لها الدول الخليجية مع تلك التكتلات الآسيوية قد كانت بمثابة إشارة البدء في العلاقات بين الدول الخليجية والتكتلات الاقتصادية الآسيوية على المستويين الإقليمي ودون الإقليمي في مجالات نمو التجارة والتنمية خاصة في آسيا ومنطقة المحيط الهندي.

بنظرة ثاقبة نجد أن الاجتماعات الوزارية العديدة لرابطة دول جنوب شرق آسيا ودول مجلس التعاون الخليجي منذ 2009 وحتى 2013م، كشفت عن حجم التعاون المثمر في مجالات التعليم والسياحة والأمن الغذائي والاستثمار الزراعي والتعاون الاقتصادي والتنمية والتجارة الحرة، فضلاً عن التزام الجانبين بتعزيز التعاون في مجالات الطاقة وتغير المناخ والأمن الغذائي والاتصالات الشعبية والتعليم، ودعم آفاق التعاون المستقبلي في المنطقة مع العمل على تحسين الاستعداد للأزمات الاقتصادية العالمية المستقبلية، وتعزيز التعاون في مجالات الكهرباء، والمياه، والنقل، والاتصالات، والتخطيط، والتنمية، والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات على التوالي.

كما أن دول مجلس التعاون الخليجي هي مستورد صاف للمواد الغذائية من رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وتعد الرابطة مستورد صاف للنفط والغاز من دول مجلس التعاون الخليجي التي واجهت حواجز تجارية ضخمة من سارك ودول آسيوية أخرى بينما معدل التعريفة الجمركية في دول مجلس التعاون الخليجي يتراوح من 1.5٪ -2٪ إلى جنوب آسيا.

على الرغم من أن العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي تعتبر جريئة وتاريخية لأن الهند تستورد 42٪ من النفط من دول مجلس التعاون الخليجي، وهي تمثل في الوقت نفسه أكبر كتلة تجارية إقليمية، ولا تزال خطوط الاتصال البحرية بين الهند والخليج قائمة ومفتوحة ومتدفقة، إلا أنه تم تأسيس الأمن البحري بين الهند والخليج عبر المحيط الهندي في عام 2008م، غير أن اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي لم يتم الانتهاء منها بعد على الرغم من أن الاتفاق في التعاون الاقتصادي بين الجانبين قد تم التوقيع عليه منذ أغسطس 2004م.

كما بدأت المفاوضات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي في يونيو 2009م، لتعزيز التجارة الثنائية والاستثمار والتعاون التكنولوجي، وعلى الرغم أن الاستثمار الأجنبي المباشر الصيني إلى دول مجلس التعاون الخليجي كان يتم بشكل تدريجي، إلا أنه يمكن لاتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي أن تعزز التجارة الثنائية والتكامل التجاري في شرق آسيا.

وتعتمد العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان على التعاون التجاري، كما أن   مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين بدأت منذ عام 2006م، وكانت تركز بالأساس على العملية الديناميكية في مجالات التجارة والاستثمار وقواعد المنشأ والإجراءات الجمركية وتسوية النزاعات وغيرها لتحقيق التحرير بما يتفق مع منظمة التجارة العالمية.

  • آفاق التعاون الخليجي / الأوروبي:

أما فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي تعتبر دول مجلس التعاون الخليجي من الشركاء التجاريين الرئيسيين له، وقد حاولوا التفاوض على اتفاقية تجارة حرة معه وتم توقيع الاتفاقية الإطارية بين دول المجلس والجماعة الأوربية في 15 يونية 1988م، ودخلت حيز النفاذ في بداية عام1990م، ومن ثم فإن اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي حال التوصل إليها ستوفر إمكانات كبيرة لتحفيز اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي مع بعض الصناعات التي تتمتع بطلب تصديري متزايد في الدول الأوروبية.

غير أن اتفاقية التجارة الحرة هذه بين الأوروبيين ودول مجلس التعاون الخليجي قد يكون لها أيضًا تداعيات سلبية على صناعات دول مجلس التعاون الخليجي المختارة التي تواجه منافسة استيراد من شركات بعض الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي حيث تستفيد جميع دول مجلس التعاون الخليجي الست حاليًا من الوصول التفضيلي إلى سوق الاتحاد الأوروبي بموجب مخطط التفضيلات المعمم في الاتحاد الأوروبي وبالتالي فإن الفوائد الاقتصادية والسياسية المتوقعة للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هي لا تزال محل نقاش.

العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي تنطوي على إمكانات كبيرة لكنهم تعثروا بسبب المفاوضات حول تفاصيل اتفاقية التجارة الحرة، غير أن العلاقة بين الجانبين لديها القدرة على تجاوز الفوائد الاقتصادية، حيث يشترك الاتحاد الأوروبي ودول الخليج العربي في الكثير من المصالح المشتركة فيما يتعلق بالأمن الإقليمي، وكذلك القضايا السياسية والاقتصادية والبيئية والثقافية ويعد إبرام وتنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي خطوة ضرورية للمضي قدمًا والتعاون في القضايا غير الاقتصادية.

  • آفاق التعاون الخليجي ومحيطها العربي:

وفيما يخص العلاقة مع الدول العربية انضمت جميع دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتفاقية التجارة الحرة العربية الكبرى التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005م، رغبة منها في التأكيد على أنها تعمل كمجموعة واحدة لتعميق أواصر التعاون مع الدول العربية، باعتبارها العمق الاستراتيجي لدول المجلس في مواجهة التكتلات الدولية أضف إلى ذلك أن هناك اتصالات جارية بين دول المجلس كمجموعة وبعض الدول العربية الأخرى للنظر في الآلية المناسبة لتعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي بين دول المجلس وهذه الدول.

وتجدر الإشارة إلى أن تعزيز الشراكة التجارية مع التكتلات الاقتصادية بالنسبة لدول الخليج هو مسار عمل اقتصادي يوازي الانخراط في ترتيبات تجارية تفضيلية مع تكتلات تجارية راسخة خارج المنطقة، بالنظر إلى حجم الاستفادة التي یمكن تحقيقها لدول مجلس التعاون الخليجي من رفع الحواجز الجمركية وغير الجمركية على التجارة مع المجموعات الفرعية لمنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومع الاتحاد الأوروبي جنباً إلى جنب مع السعي نحو استكمال رفع الحواجز بإجراءات تيسير التجارة.

ويمكن القول إن مكاسب دول مجلس التعاون الخليجي من رفع التعريفات الجمركية والحواجز غير الجمركية داخل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى ومع الاتحاد الأوروبي محدودة ما لم يتم استكمال رفع هذه الحواجز بإجراءات تيسير التجارة المعززة للكفاءة فعلى سبيل المثال من المتوقع أن يؤدي الانتهاء الكامل من منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى مع سيناريو تيسير التجارة إلى تحقيق أعلى مكاسب في الرفاهية لدول مجلس التعاون الخليجي في حين تؤدي الاتفاقية الأوروبية بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي دون تسهيل التجارة إلى تأثير سلبي على الرفاهية لدول مجلس التعاون الخليجي، ومن ثم نجد أن تأثير الرفاهية السلبي يتحول إلى تأثير إيجابي بمجرد تقديم تسهيلات التجارة لدول مجلس التعاون الخليجي حيث يؤدي تحرير وتسهيل التجارة إلى زيادة كبيرة في الصادرات البينية.

تبقى الإشارة إلى مجموعة من الاعتبارات التي ينبغي لدول مجلس التعاون الخليجي أن تضعها نصب أعينها إبان انخراطها في علاقاتها مع التكتلات الاقتصادية نذكر منها:

أولاً: ليس من المهم الانخراط مع الكيانات الاقتصادية الكبرى باعتباره البوابة الرئيسية لتحقيق الرفاه الاقتصادي لدول الخليج إذ أن التكامل الإقليمي الأصغر والأعمق قد يؤدي إلى إحداث النتائج المرجوة بالنسبة لمؤشرات الرفاه الاقتصادي، فبنظرة ثاقبة نجد أن التكامل مع الاتحاد الأوروبي من خلال تحرير التجارة، ربما كان له تأثير متواضع على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، وتعكس هذه الحقيقة أهمية أن تركز المفاوضات بشأن اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي على جوانب تكامل أعمق مثل تحرير الاستثمار للاستفادة من تأثيرات ديناميكية الاستثمار.

ثانيًا: يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تضغط من أجل إعادة التفاوض بشأن اتفاقية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى لتشمل أحكاماً لتيسير التجارة حيث ثبت أن هذه الأحكام تعزز الرفاهية بحيث تعمل تلك الضغوطات على نقل منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى من مخطط تكامل تجاري ضحل إلى مخطط اقتصادي أعمق يمكن أن يساعد في تسهيل الانتقال نحو إنشاء اتحاد جمركي عربي.

ثالثاً: ضرورة اشتمال تدابير تيسير التجارة على الاستراتيجية البشرية والتنفيذية المطلوبة التي تحوي كافة المعلومات المتعلقة بالإجراءات التجارية الحالية بما يعكس الحاجة الملحة إلى مزيد من البحث لتأثير الاستثمار واستخدام التأثير التراكمي الديناميكي على الإنجاز الاقتصادي.

بقيت الإشارة إلى التأثير طويل المدى لسياسات العولمة على نمو الاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي، إذ أن سياسات العولمة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي لها تأثير إيجابي كبير في جذب تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، فمن الناحية الضمنية نجد أن سياسات مثل اللوائح التجارية المعتدلة، والضرائب والتعريفات المنخفضة، فضلاً عن اتفاقيات التجارة الحرة، ستعزز من تدفقات الاستثمار بين المنطقة والمستثمرين الأجانب، وهو ما يعكس أهمية قيام دول مجلس التعاون الخليجي في الاستمرار في العمل سياسات العولمة الاقتصادية لجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي.

وبالمثل أيضاً قد ترى دول مجلس التعاون الخليجي أهمية استكمال الجوانب التجارية لسياسات العولمة الاقتصادية ببعدها المتعلق بالعولمة المالية، وبالتالي فهي توسع انفتاحها على التدفقات المالية والاستثمارات الدولية مع ضمان وجود تدابير مناسبة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن عمليات مكافحة غسل الأموال من خلال التحويلات المالية التي تنطوي على المنظمات الخيرية، والحسابات المشبوهة، والعقوبات الدولية، ومن ثم یمكن القول إن منطقة الخليج عليها البدء في استكمال الدخول في اتفاقيات ومعاهدات الاستثمار الدولية وهي في مسعاها لتحقيق أعلى معدلات النمو الاقتصادي والتنمية الاقتصادية.

تظهر سياسات العولمة الاجتماعية أيضًا تأثيرًا إيجابيًا قويًا على الاستثمار الأجنبي المباشر في المنطقة فبنظرة فاحصة نجد أن سياسات العولمة الاجتماعية في دول مجلس التعاون الخليجي في مجالات أسعار الهواتف المحمولة، والوصول إلى الإنترنت، واشتراكات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحرية تنقل الأشخاص عبر الحدود، وقيود السفر الدولية بالإضافة إلى الاتصال الدولي الذي يقاس بعدد المطارات والرحلات الدولية، فإن ذلك سيؤدي بشكل كبير إلى دفع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة.

إن الارتباط السلبي ولكن المهم بين سياسات العولمة السياسية والاستثمار الأجنبي المباشر في دول مجلس التعاون الخليجي هو مؤشر على أنه وبالرغم من السياسات المحسنة التي تهدف إلى عضوية المنظمات الدولية وتوقيع المعاهدات الثنائية، فإن هذا سيؤدي بدلاً من ذلك إلى تراجع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وفي هذا المجال تحتاج المنطقة إلى بذل المزيد من الجهد في مجال التنفيذ وصدق الهدف.

يجب ألا تفسح تشريعات دول مجلس التعاون الخليجي مجالًا للتقدير المفرط والغموض، إذ أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى تغيير أي تصور عام سلبي وإعادة إحياء ثقة المستثمرين في المنطقة، وينبغي أن تشمل أولويات السياسة المحتملة الأخرى لدول مجلس التعاون الخليجي من أجل زيادة استثماراتها الأجنبية المباشرة ما يلي:

  • تحسين مناخ الأعمال من خلال زيادة تحرر الملكية الأجنبية، وتعزيز قوانين وممارسات حوكمة الشركات، والحد من القيود المفروضة على تنقل العمال الأجانب لتعزيز المنافسة وتشجيع الاستثمارات، وتبسيط عمليات وإجراءات تسجيل الأعمال.
  • الحد من القيود التجارية غير الجمركية وتعزيز التعاون التنظيمي مع الشركاء التجاريين والمساهمة أيضًا في الحد متعدد الأطراف لمثل هذه السياسات الحمائية، مع الانخراط في مفاوضات تجارية مع الدول الأخرى التي لديها حجم تجاري كبير معها ولكن ليس لديها اتفاقيات تجارة حرة رسمية.
  • إنشاء إطار قانوني مختصر ووافي يضمن الحماية الكافية للمستثمرين من الأقليات ويوفر آليات لمنع النزاعات وحلها مع إمكانية توقع معقولة. مضاف هذا هو تنفيذ مبادرات مكافحة الفساد في الحكم العام وتحطيم الميول المحسوبية.
  • أخيرًا، يجب أن تستمر المنطقة في الاستثمار في تكوين رأس المال البشري من خلال تعزيز نظام التعليم لتقديم المعرفة والمهارات عالية الجودة المطلوبة لتنمية اقتصاد ما بعد COVID-19، وجعل التعليم في متناول كل من المواطنين والمقيمين في المنطقة.

بقيت الإشارة إلى أنه سيكون للطاقة النظيفة والمتجددة آثار اجتماعية وسياسية واقتصادية كبيرة بالنسبة للدول الخليجية حيث ستلعب الدبلوماسية متعددة الأطراف دورًا رئيسيًا في تحديد النطاق والمدى النهائيين لهذا الانتقال وتأثيره على مجموعات البلدان والمنظمات التي تشترك في المصالح المشتركة، ومن ناحية أخرى يمكن لدبلوماسية الطاقة الثنائية أن تدعم أمن الطاقة على المدى الطويل والرفاهية الاقتصادية للدول الفردية من خلال تعزيز العلاقات الخارجية المتعلقة بإمدادات الطاقة والطلب عليها.

وبالتالي فإن الشاغل الرئيسي لدبلوماسية الطاقة لدول مجلس التعاون الخليجي والذي ينشأ من تحول الطاقة منخفضة الكربون هو تطوير فرص الأعمال لاستثمار موارد الدولة الهيدروكربونية وضمان التنويع الاقتصادي الذي يقلل الاعتماد على عائدات تصدير النفط.

ويتطلب تحقيق ذلك الانتقال إلى نظام طاقة عالمي يعتمد بشكل أساسي على تطوير علاقات ثنائية خاصة مع الدول التي تستطيع تحقيق استراتيجية انتقال الطاقة منخفضة الكربون، وأيضاً تطوير علاقات خاصة إضافية يمكن تشكيلها مع الدول التي لديها قدرات قوية في الأساس في مجالات النمو مثل البتروكيماويات، وعلاقات اقتصادية كبيرة مع التكتلات الاقتصادية، فضلاً عن متابعة التعاون الثنائي للنهوض بالعلوم الوطنية والقدرات التكنولوجية التي تشمل الرقمنة، وخاصة الذكاء الاصطناعي، حيث أنهم أصبحوا من أهم مجالات تطوير التكنولوجيا المتقدمة في جميع الصناعات.

وإجمالاً یمكن القول إن التكامل الاقتصادي أضحى فاعلاً رئيسياً في مسار تحقيق التنمية المستدامة التي باتت واحدة من الأعمدة الرئيسية لدى دول مجلس التعاون الخليجي على اعتبار أن التنمية هي المفتاح الرئيسي في تحقيق التنمية الاقتصادية، ومن ثم تحقيق أقصى قدر من الرفاهية لدول الخليج مهما اختلفت الطرق والأساليب والمفاهيم المصاحبة لها.

وبنظرة ثاقبة إلى تجارب التكامل الاقتصادي التي شهدها العالم یمكن استخلاص نتيجة مفادها أن دول مجلس التعاون الخليجي في علاقاتها مع التكتلات الاقتصادية المختلفة ينبغي أن تبدأ بالأمور السهلة وصولاً إلى النقاط الصعبة والعالقة محل الخلاف في العلاقات مع الشركاء لأن ذلك سيؤدي حتماً إلى معايشة تلك الكيانات الاقتصادية والانفتاح عليها بشكل كبير إلى الدرجة التي تجعل العلاقات المشتركة بين الجانبين مطلباً ضرورياً وليس أمراً مفروضاً يتعين القيام به.

وبالنظر إلى التحديات الاقتصادية التي أصبح تأثيرها يمتد ليشمل دول العالم بأسره مثل أزمة كورونا Covid-19، والأزمة الروسية / الأوكرانية، وإلى ما تتمتع به دول مجلس التعاون الخليجي من بنية تحتية متطورة واستقرار سياسي، فإنه من الأهمية بمكان استغلال تلك المسائل لتحقيق أكبر قدر من المرونة والاندماج فيما بين الدول الخليجية والتكتلات الاقتصادية الكبرى بالشكل الذي يخدم مصالح الطرفين ويحقق أكبر قدر ممكن من المنفعة لهم.

وأخيراً فإن تزايد التكتلات الاقتصادية حول العالم أصبح يحتم على دول الخليج المضي قدما فيما حققته من نجاحات في مسار تكاملها الاقتصادي من خلال مجلس التعاون الخليجي لتحقيق أقصى درجات الاستفادة من المميزات التي سوف تكون متاحه لدوله الست ما يمكنها من الوقوف ككيان واحد أمام الهزات الاقتصادية التي تعصف باقتصادات العالم بين الحين والآخر، وهو ما يقتضي من الكيان الخليجي البدء في الانخراط مع التكتلات الاقتصادية الأخرى من خلال تعظيم الاستفادة المتبادلة بين الجانبين، وتبادل الخبرات والرؤى إزاء القضايا المشتركة، وتحديد ماهية أوجه التعاون المقترحة على أن يتم كل هذا وفق أقصى درجات المرونة وبالنظر إلى المزايا النسبية التي يحظى بها كل جانب وبالشكل الذي يمكنهم سوياً من تحقيق أقصى استفادة ممكنة، وهو ما يتطلب من الدول الخليجية تطوير المهارات من خلال تنمية الموارد البشرية، وزيادة تنافسية اقتصاداتها والاستمرار في اتباع سياسات التنوع الاقتصادي، واتخاذ كافة الخطوات الضرورية لتطوير مناخ الاستثمار.

مقالات لنفس الكاتب