; logged out
الرئيسية / معيقات التكامل كمًّا وكيفًا أقوى من قدرة "الإيكواس" على المضي قدمًا في تحقيق أهدافه

العدد 180

معيقات التكامل كمًّا وكيفًا أقوى من قدرة "الإيكواس" على المضي قدمًا في تحقيق أهدافه

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

التكامل الاقتصادي هو عملية خلق هيكل اقتصادي دولي، من خلال إزالة كل الحواجز أمام حركة عوامل الإنتاج بين الدول محل التكامل، وعبر تغيير السياسات والمؤسسات الوطنية، إضافة إلى إنشاء مؤسسات وأدوات أخرى، تضمن التجانس والتناسق ضمن هذا الهيكل الجماعي الجديد. وقد تبين في العقود الأخيرة نظريًا وتطبيقيًا مزايا التكتلات الاقتصادية وآثارها الإيجابية على كل الدول المنخرطة فيها، بغض النظر عن أحجامها الجغرافية أو الاقتصادية.

وقد ظهرت أولى أشكال التكامل الاقتصادي منذ فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ثم انتشرت في كل أنحاء العالم في النصف الثاني من القرن العشرين موسومة بطابع الإقليمية، التي تعني وجود تقارب من النواحي الثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الجغرافية، والتي تعتبر من بين الظروف التي تعزز قيام تكامل ناجح، مثلما أكد عليه الاقتصاديون ومن بينهم السويسريان جيرارد وكورزن فيكتوريا، بأن التكتلات الإقليمية هي الحل بالنسبة للاقتصادات النامية لأنها صغيرة على نحو لا يسمح لها بالانغماس في أبسط صور السياسة الاقتصادية التي تعتمد على الاعتبارات الوطنية والسوق الوطنية وحدها، كما أن نموها الاقتصادي ليس مكتملاً على نحو يؤهل اقتصاداتها للانفتاح النسبي على الخارج، ويبدو أن التكامل الإقليمي هو الطريق المؤدي إلى حل هذا الإشكال، لأنه يجمع بين عناصر تحقق تحريرًا أكبر للتجارة إقليميا، وتحقق حماية أكبر للاقتصادات في مواجهة العالم الخارجي.

ومن هذا المنطلق ولأجل محاولة تغيير واقع القارة وانتشالها من دوامة الفقر والتخلف عمدت الدول الإفريقية إلى تشكيل العديد من التكتلات الاقتصادية الإقليمية بين ستينات وثمانينات القرن الماضي، ومن بينها تكتل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس)، الذي تم إنشاؤه باتفاق 15 دولة من غرب إفريقيا سنة 1975م، وكان الهدف الرئيسي منه هو تحقيق الاكتفاء الذاتي الجماعي لكل أعضاء التكتل، هدف من بين أهداف كثيرة توزعت على مختلف التكتلات الإفريقية وحملت أكثر مما تطمح إليه الشعوب، وتعززت بكثرة الاجتماعات والقمم والندوات على أعلى المستويات، توجت بإنشاء مؤسسات وهياكل مختلفة مهمة لتفعيل القرارات المتخذة، إلا أن النتائج على أرض الواقع توحي بمراوحة المكان وبقيت حبرًا وحكرًا على الورق، بل ومن التكتلات الإفريقية من تكافح من أجل البقاء، ولا أدل على ذلك من قراءة بسيطة لمختلف المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية التي توفرها المؤسسات الاقتصادية والإحصائية العالمية، التي تبين أن الدول الإفريقية تتذيل الترتيب. على عكس تكتلات في مناطق أخرى من العالم أثبتت جدارتها وفعاليتها، وأعطت نتائج اقتصادية واجتماعية مبهرة مثلما هو الحال بالنسبة لتكتل دول مجلس التعاون الخليجي، الذي نفترض فيه نموذجًا مثاليًا لحالة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، ونتساءل عن مقدرتها على محاكاته.

  1. الوزن الاقتصادي لتكتل مجموعة الإيكواس:

تتربع منطقة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) على مساحة شاسعة، تختلف أحجام دولها الخمسة عشر وتصل المساحة الاجمالية للمنطقة 5115430 كم2، وهي بذلك تمثل تقريبًا ضعف مساحة دول مجلس التعاون الخليجي التي تساوي 2587932.9 كم2، وينتشر على منطقة الإيكواس حوالي 407678789 نسمة، أكثرها كثافة نيجيريا بـ 211400704 نسمة، ويزيد عدد سكان منطقة الإيكواس تقريبًا ثلاث مرات عن عدد سكان منطقة دول مجلس التعاون الذي يصل إلى 59562511 نسمة.

اتساع الرقعة الجغرافية لمنطقة الإيكواس جعل هذه المنطقة غنية بالعديد من الموارد الطبيعية الضرورية، والتي ترتكز عليها معظم اقتصاداتها، وهي المصدر الأساسي لدخلها، حيث وصل الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بها إلى حوالي 725 مليار دولار سنة 2021م، وهي قيمة تؤشر على ضعف الحجم الكلي لاقتصاد الإيكواس، حيث لا تصل حتى إلى قيمة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة العربية السعودية وحدها بأكثر من 833 مليار دولار لنفس السنة، ناهيك عن قيمة الناتج لدول مجلس التعاون الذي بلغ حوالي 1660 مليار دولار سنة 2020م. ولعل مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي (GDPPC) يكون أكثر دقة في التعبير عن المستوى المعيشي المتدني لأفراد منطقة الإيكواس حيث بلغ 1263.6 دولار سنة 2021م، في مقابل القيمة المرتفعة جدًا لنصيب الفرد من الناتج في دول مجلس التعاون حيث بلغت 31462 دولارًا لنفس السنة، أي بمقدار يفوق 24 مرة نصيب الفرد من الناتج المحلي في منطقة الإيكواس.

الشكل رقم 1: الناتج المحلي الإجمالي ونصيب الفرد منه بالدولار، في ECOWAS وGCC لسنة 2021م.

المصدر: إعداد الباحث عن معطيات WDI

 

  1. الحاضنة الثقافية والاجتماعية للتكتل الاقتصادي:

يجمع الاقتصاديون على أن التقارب الثقافي والاجتماعي بين مجتمعات منطقة ما يساهم بشكل كبير في عملية التكامل الاقتصادي، وإذا تفحصنا هذه المسألة في مجموعة دول الإيكواس، نجد مثلاً أن اللغات الرسمية المستعملة في التكتل وهي لغات القوى الاستعمارية في المنطقة، عددها ثلاثة، وتمثل اللغتان الأكثر انتشارًا الفرنسية والانجليزية وتعطيان بذلك تكتلين جزئيين متنافسين داخل تكتل الإيكواس، إضافة إلى اللغة البرتغالية، أما الشعوب فتتكلم مئات اللغات الوطنية والمحلية المختلفة فيما بينها، نظرًا للتنوع العرقي الكبير فيها، مما يجعلها من بين العوامل المعيقة للتواصل البيني.

 ومن جهة أخرى فمنطقة تكتل الإيكواس تتنوع فيها الديانات السائدة وتختلف الطقوس الدينية من دولة لأخرى وحتى داخل الدولة نفسها، وتميل شعوبها إلى التمسك والتقوقع حول معتقداتها بنزعة تنافرية عن الآخر، مما يصعب أكثر من التقارب المنشود كأرضية لنجاح التكتل.

قد تنجح إقامة التكتلات الاقتصادية رغم وجود اختلافات لغوية، عرقية وحتى دينية، لكن يشترط في ذلك وجود مستوى معيشي مريح، وكذلك مستوى ثقافي ووعي جماعي كاف، وهو ما نراه في حالات ومن أهمها الاتحاد الأوروبي، ولكن نفتقده في مجموعة الإيكواس التي تنتمي إليها دول أغلبها مصنفة من أفقر دول العالم، فحوالي 43 % من سكان الإيكواس يعيشون على أقل من 1.9 دولار في اليوم، كما أن مجموعة الإيكواس تحتوي على معدلات من الأمية هي من الأعلى في العالم وخاصة بين الإناث، مما يدل على التخلف العلمي والثقافي الكبير بين أفرادها، والذي يعتبر من أكبر العقبات في طريق النهوض بالاقتصادات الوطنية في المنطقة ناهيك عن إقامة تكتل اقتصادي ناجع. وبقراءة مؤشر التنمية البشرية لسنة 2021م، تتضح الصورة أكثر، فأغلب دول المجموعة تحوز على مؤشرات ضعيفة جدًا مثل النيجر بأدنى معدل 0.39%، والرأس الأخضر كأعلى مؤشر بـ 0.66%، في حين معدل مؤشر مجموعة الإيكواس 0.5 %وهو أدنى بكثير من المعدل العالمي .

تتميز دول تكتل مجلس التعاون الخليجي بميزة فريدة من نوعها بين التكتلات الاقتصادية في العالم، وهي التجانس الكبير بين شعوبها، فهي تتكلم اللغة العربية كشعوب وتعتمدها كمنظمة، إضافة إلى التعامل باللغة الانجليزية كلغة علم. كما أن دينها واحد وعرقها واحد، بل وتشترك في الكثير من العادات والتقاليد.

ومن جهة أخرى فالمنطقة من بين المناطق ذات الدخل المرتفع الذي ينعكس على أفرادها بمستويات جيدة من الرفاهية، والأكثر من ذلك فمعدلات الأمية هي الأضعف في العالم بل وتتجه إلى الانعدام في بعض دولها، مما جعل هذه المنطقة تحوز على أفضل بيئة حاضنة لقيام تكتل اقتصادي واعد، وهي من بين الدول ذات أعلى المؤشرات للتنمية البشرية بمعدل 0.84 وهو أعلى من المعدل العالمي بكثير.

الشكل رقم 2: مؤشر التنمية البشرية في كل من مجلس التعاون الخليجي والإيكواس

المصدر: إعداد الباحث من موقع مؤشر التنمية https://hdr.undp.org

 فبالنسبة للصفات الوجودية التي تتمتع بها منطقة مجلس التعاون كاللغة والدين والعرق فهذه لا يمكن لمنطقة الإيكواس محاكاتها، إلا أنها يمكن أن تحذو حذو تكتل مجلس التعاون في الصفات المكتسبة، كالاهتمام والجهد الكبيرين المبذولين في سبيل القضاء على الأمية وتعزيز المجالات العلمية والثقافية على كل المستويات، والتي تعتبر السبيل الوحيد لخروج الإيكواس من عنق زجاجة الاختلافات الاجتماعية والتخلف الثقافي الخانق.

  1. البيئة السياسية والوعي الجماعي:

التكامل الاقتصادي هو مسألة سياسية أكثر منها اقتصادية، لأن الدوافع باتجاهها والعقبات في سبيلها إنما هي بشكل أساسي ذات طبيعة سياسية، فالإرادة السياسية الحقيقية شرط مسبق لقيام أي تكامل اقتصادي. وبالتطرق إلى البيئة السياسية في دول الإيكواس نجدها من أعقد البيئات بين مناطق العالم، فهي مشكلة ناتجة عن الصراعات المتجددة داخل الدولة الواحدة وأحيانًا بين الدول، والتي تتغذى على الاختلافات العرقية واللغوية والدينية سالفة الذكر، حيث ترجمت على مر الزمن أساسًا إلى نشوب حروب أهلية مدمرة، وحدوث انقلابات عسكرية واغتيالات سياسية كان لها أثر بالغ على تدهور الأداء الاقتصادي وتعطل جهود التكتل في تحقيق الأدنى من طموحاته الاقتصادية. إضافة إلى تردد القادة السياسيين وغياب الإرادة الحقيقية لديهم، وذلك لعدم قبولهم التنازل عن بعض السيادة في اتخاذ القرار لصالح المؤسسات التابعة للتكتل، وكذلك لتخوفهم من فقدان بعض الموارد المهمة للبلد كالإيرادات الجمركية مثلاً. كما أن التبعية للقوى الاستعمارية وتدخل هذه الأخيرة في مختلف شؤون المنطقة، كان من بين أهم أسباب تعثر تكتل الإيكواس، ونسجل في هذا السياق مثلاً معارضة فرنسا لقيام هذا التكتل لأنها رأت فيه ملاذًا يسمح لمستعمراتها بالاستقلال السياسي والاقتصادي عنها، وتنتهج القوى الاستعمارية استراتيجية ناجحة تمثلت في إقامة علاقات مع القادة السياسيين في المنطقة، من خلال دعمهم ومساعدتهم في تحقيق طموحاتهم الشخصية نظير محافظتهم على مصالحها وتنفيذ خططها، وعلى رأسها ضمان التبعية الاقتصادية والسياسية لها، وهذا بلا شك يعرقل مسار التكامل، لفقدان السيادة في اتخاذ القرارات الداعمة لعمل التكتل.

وهنا يمكن لمنطقة الإيكواس التأسي بالنموذج المشرق لدول التعاون الخليجي من حيث الاستقرار السياسي والأمني، الضروريين لدفع الاقتصاد الوطني الذي يعد اللبنة الأولى لقيام تكامل اقتصادي، حيث أن الاستقرار يعمل على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويساهم في انتعاش التجارة البينية أو مع تكتلات أخرى، ويسهل تنقلات عوامل الإنتاج بين الأعضاء بما يعود عليهم بالنفع جميعًا.

كما أن الإرادة السياسية الحقيقية لدى قادة دول مجلس التعاون الخليجي أثمرت في تحقيق الرفاهية لمجتمعاتها، وذلك يؤشر من جانب آخر على قوة استقلالية وسيادة اتخاذ القرارات لدى تكتل مجلس التعاون الخليجي عن أي تدخلات خارجية، مما وحد الجهود بين الجميع في خدمة الشعوب. ولا مناص لمجموعة الإيكواس من استعادة سيادتها على قراراتها المصيرية، والتملص من التبعية الاستعمارية، إذا أرادت أن تنهض بمشروعها الاقتصادي الجماعي.

  1. البنية التحتية والتبادل التجاري:

من أهم الشروط المسبقة لنجاح التكامل الاقتصادي هو وجود مستوى أدنى من البنية التحتية، اللازمة لحركة عوامل الإنتاج ومخرجات الإنتاج داخل البلد وبين بلدان التكتل، وبنية اتصالات ومعلومات حديثة تسهل وتفعل النشاطات الاقتصادية وتساهم في تهيئة ظروف سوق المنافسة التامة من زاوية توفر المعلومات عن السوق لدى المنتجين والمستهلكين على حد سواء في كل المنطقة، وهو ما تفتقر إليه الإيكواس، حيث أن جهودها وعلى مر أكثر من 45  سنة لم تثمر إلا في إنشاء طريقين بريين يمثلان العصب الوحيد للنقل والتنقل بين أعضاء التكتل، أحدهما يربط أربع دول ويمتد من داكار إلى نجامينا، والثاني يربط عشر دول ويمتد من لاغوس إلى نواكشط، وهما طريقان تصعب الحركة فيهما في فصل الزوابع الرملية، وكذلك في الفصول الماطرة والموحلة، مما يعيق حركة الأشخاص والسلع بين هذه الدول، إضافة إلى وجود العشرات من نقاط التفتيش والمراقبة والتي تعد عقبة حقيقية من جانب الاختلاف اللغوي في التعامل وكذلك تفشي الابتزاز والممارسات والضغوط غير القانونية، التي تجعل من أرباب الأعمال يحجمون عن المخاطرة بأموالهم وأعمالهم في ظروف إقليمية سيئة كهذه. وعلى صعيد آخر وفيما يتعلق بالبنية الخاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الإيكواس فهي ضعيفة جدًا، حيث تم إنشاء نظام للاتصالات الهاتفية والتلكس بين جميع دوله، لكن تكاليف الاستعمال مرتفعة، فهي ليست في متناول الأغلبية من سكان المنطقة، ولا يمكن اعتمادها كدعامة حقيقية يرتكز عليها مشروع التكامل الاقتصادي.

من بين أهم مؤشرات نضج التكامل الاقتصادي هو رواج التجارة البينية، ودول الإيكواس تحاول رفع معدلات التبادل التجاري البيني قدر المستطاع، لكنها لم تستطع تحقيق الأدنى من النتائج المأمولة، وذلك لأسباب منها غياب بنية تحتية كافية، وكذلك تشابه الاقتصادات من حيث الإنتاج والمتمثل في معظمه في الموارد الطبيعية كالمعادن والمحروقات والمنتجات الزراعية وغيرها، فيكون من الصعب تسويق منتجات أولية في بلد آخر تتوفر لديه نفس المنتجات والتي هي بطبعها ليست محل تنافسية. ومعدل التبادل التجاري البيني في الإيكواس لا يتجاوز 8.9%، في حين أكثر من 90% من التبادل التجاري يتم مع أطراف خارج الإيكواس، وأهمها القوى الاستعمارية وخاصة فرنسا والمملكة المتحدة بسبب التبعية الاقتصادية، إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والصين وغيرها. كذلك يرجع ضعف التبادل التجاري البيني إلى تقاعس الطبقة السياسية الوطنية جراء خوفها من نقص الإيرادات الضريبية والرسوم الجمركية والتي تمثل جزءًا معتبرًا من ميزانية بعض الدول، بسبب قوانين التكتل التي تفرض حرية الحركة البينية للسلع والأشخاص من جهة، وتوحيد التعريفة الجمركية إزاء المعاملات خارج التكتل من جهة أخرى.

بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي ومنذ نشأة تكتلها قامت بجهود جبارة واستثمارات كبيرة جدًا فيما يتعلق بالبنية التحتية، وهو ما أهلها لتكون من أكثر الدول نجاحًا في العالم في مجال تطوير مشروعات البنى التحتية الضخمة، سواء في ربط المناطق داخل كل دولة أو ربط الدول بعضها ببعض، وخاصة فيما يتعلق بشق الطرق والأنفاق وبناء الجسور والموانئ والمطارات، إضافة إلى الشروع في تنفيذ مشروعات وطنية للسكك الحديدية، على أمل بعث المشروع الدولي، مدفوعة في ذلك برؤية طموحة لأن تصبح من أهم المراكز العالمية الرائدة في جذب الاستثمارات وتنويع الاقتصاد. وتمتلك دول مجلس التعاون الخليجي بنى تحتية فائقة التميز للاتصالات والمعلومات، مكنتها من تبوء مراتب متقدمة للغاية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، بمؤشرات تقنيات المعلومات والاتصالات والتحول الرقمي، والتي تتجاوز المعدلات العالمية بفارق كبير، فمثلا تصل نسبة مستخدمي الانترنيت في دول المجلس إلى أكثر من 98%، في حين يبلغ المتوسط العالمي 63% فقط.

 الشكل رقم 3: تطور نسبة مستخدمي الانترنيت في GCC وECOWAS بين سنتي 2010 و2020

 

المصدر: https://www.itu.int

ارتكاز اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي على النفط، واستحواذ النفط على أكبر نسبة من صادراتها أعطى نتيجة حتمية لضعف التبادل التجاري بينها والذي يبلغ حوالي 10%، إلا أن حجم التبادل يتزايد بمرور الزمن. وهنا تعمل دول مجلس التعاون على اتجاهين:

أ- توحيد الجهود والقرارات بين دول التكتل لزيادة تقوية قطاع النفط، بما يبقيها رائدة في هذا المجال، من خلال تسيير الإنتاج وضبط الأسعار بما يضمن المصلحة التنافسية لتكتل المجلس في قطاع الطاقة عالميًا، خاصة وأنها تملك أكبر احتياطي عالمي للنفط، فوحدة القرار الجماعي للمجلس خلقت حاجزًا حمائيًا للقطاع، ولا أدل على ذلك من قرارات منظمة أوبك+ مطلع أكتوبر 2022م، المتناغمة مع قرار مجلس التعاون بخفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا للحفاظ على استقرار الأسعار، رغم ضغوط الدول المستوردة للنفط ومطالبتها بزيادة الإنتاج. فعدم القدرة على تقوية الجبهة التجارية البينية استبدله المجلس بتقوية الجبهة التجارية الخارجية، وهي استراتيجية استفرد بها تكتل مجلس التعاون الخليجي.

ب- الاتجاه الثاني الذي يعمل عليه تكتل المجلس هو التوجه نحو التنويع الاقتصادي، بخطوات ثابتة علمية وعملية، من خلال توفير البيئة الحقيقية الحاضنة، كتطوير قطاع الصيرفة والبنوك الذي أصبح يضاهي بل وأحيانا يفوق في جودة خدماته القطاعات المصرفية لبعض الدول الصناعية، وتوفير بنية تحتية مادية ومعلوماتية حديثة مواكبة لآخر التطورات على مستوى العالم، وتهيئة الظروف الكفيلة باستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي تعتبر محرك التنويع الاقتصادي، وقد أثمرت الجهود في تحقيق نتائج طيبة وخاصة في دولة الإمارات العربية مثلاً. فنجاح عملية التنويع الاقتصادي تمهد لفك ارتباط اقتصادات المجلس عن النفط، وتوفر قاعدة سلعية عريضة تسمح بالمزيد من التبادل التجاري البيني.

محاكاة تجربة مجلس التعاون الخليجي في توفير البنى التحتية وتنفيذ استراتيجية تجارية بهذا المفهوم من طرف تكتل الإيكواس تعد بعيدة المنال على المدى القريب والمتوسط، لأنها تحتاج إلى مصادر مالية ضخمة تفتقر إليها دول الإيكواس، لكن يمكن أن تتخذها كخارطة طريق مثلى على المدى البعيد، من خلال استغلال عائدات مواردها الطبيعية بحكمة.

خاتمة:

مبادرة إنشاء تكتل اقتصادي من طرف دول غرب إفريقيا له ما يبرره من حيث التكامل الاقتصادي البيني في مواجهة المنافسة الخارجية، وكذلك محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتي للمجموعة، إلا أن معيقات التكامل المتعددة كمًّا وكيفًا كانت أقوى من قدرة الإيكواس على المضي قدمًا في تحقيق أهدافه، ومن أهمها عدم الاستقرار السياسي، التنوع الأيديولوجي، الافتقار إلى البنية التحتية، الولاء المنقسم للأعضاء، التبعية الاقتصادية والسياسية للقوى الاستعمارية السابقة، ضعف التجارة البينية، ضعف حجم الاقتصاد ككل، انتشار الفقر والأمية وغيرها كثير.

التجربة المتميزة لتكتل دول مجلس التعاون الخليجي تعد خارطة طريق مثالية جاهزة للتطبيق يمكن أن يستفيد منها تكتل الإيكواس على المدى البعيد، ولا يمكنه محاكاتها على المدى القريب والمتوسط، لاتساع الفجوة بين التكتلين أولاً، وثانيًا ببساطة لأن الإيكواس مازال في مرحلة تهيئة الظروف والشروط اللازمة لإنشاء تكتل، فمثلاً من أكبر أهداف وجهود الإيكواس حاليًا هو تحقيق الاستقرار السياسي والاستتباب الأمني اللذان يفترض بهما شرط مسبق لقيام أي تكتل اقتصادي، كما يعمل أيضًا على تحقيق المستويات الدنيا من البنية التحتية المادية والمعلوماتية، في حين أن تكتل مجلس التعاون يشرف على المرحلة الأخيرة المتبقية من التكامل، متمثلة في الاتحاد النقدي في أكمل صوره بإصدار عملة موحدة لجميع دول مجلس التعاون الخليجي.

 

 

المصادر:

- موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي: https://www.gcc-sg.org

- موقع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا: https://ecowas.int 

- موقع مؤشرات التنمية العالمية: https://databank.worldbank.org

- موقع مؤشر التنمية البشرية: https://hdr.undp.org

- موقع بيانات ديمغرافية واقتصادية: https://countryeconomy.com

 

مقالات لنفس الكاتب