; logged out
الرئيسية / دول الخليج اعتمدت القوة الناعمة والشراكات مع الدول والتكتلات بديلاً عن الحروب

العدد 180

دول الخليج اعتمدت القوة الناعمة والشراكات مع الدول والتكتلات بديلاً عن الحروب

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

يؤكد الفيلسوف البريطاني برتراند رسل أن العلاقات الإنسانية بين الأفراد كما الدول يحكمها قانونان صلب وناعم بينما يشير الكاتب الأمريكي جوزف نابي في كتابه " القوى الناعمة وسائل النجاح في السياسة الدولية" إلى ما أعلنه الزعيم الصيني هو جينتناو عام 2007م، من أن الصين تحتاج إلى زيادة قوتها الناعمة كما يركز على دعوة وزير الدفاع الأمريكي الأسبق روبرت غيتس إلى ضرورة تعزيز الأمن القومي الأمريكي عبر الدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية وتقديم المساعدات والتنمية الاقتصادية. والقوة الناعمة هي ما اختارتها دول مجلس التعاون عبر السعي للمشاركة الفاعلة في بناء علاقاتها الدولية.

برز مصطلح التكتلات الاقتصادية في العالم خلال النصف الثاني من القرن الماضي بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة لرغبة العديد من الدول في الانضمام إلى تجمعات إقليمية بهدف تحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي. لذلك شهدت أوروبا ولادة أكبر تجمع إقليمي في العالم، وهو الاتحاد الأوروبي الذي تأسَّس بناء على اتفاقية ماستريخت الموقَّعة عام 1992م، والتي انبثقت من اتفاق الجماعة الاقتصادية الأوروبية عام 1957م، ومنذ ذلك الحين توالى ظهور عددًا من التكتلات الاقتصادية الإقليمية في آسيا والأميركتين وإفريقيا. وقد لعبت نظرية الميزة النسبية دورًا هامًا في نشر فكرة التكتلات الاقتصادية والشراكات الإقليمية.

ولأنه في مجال العلاقات الدولية، نادرًا ما يتم فصل الاعتبارات التجارية عن السياسية والدبلوماسية والتي غالبًا ما تستخدم كأوراق مساومة في المفاوضات على العلاقات الشاملة بين الدول الأعضاء، فقد تطورت خطط التكامل الاقتصادي الإقليمي وشملت أبعادًا أخرى ليست فقط اقتصادية بل اجتماعية وسياسية وبيئية، وعليه ظهرت تشكيلات جديدة مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) وغيرها من التكتلات الإقليمية في البلدان النامية، وخاصة في أمريكا اللاتينية وإفريقيا.

وعلى مستوى دول مجلس، تمحورت خطط التكامل الاقتصادي حول اتفاقية التجارة الحرة في 1982م، والاتحاد الجمركي في 2003م، ثم السوق الموحدة في 2008م، والتي واجهت وما زالت تحديات في التنفيذ أعاقت وصولها إلى السوق المشتركة. ومع تراجع أسعار النفط في 2014م، استشعرت دول المجلس ضمن استراتيجياتها الاقتصادية أهمية التكامل الاقتصادي العالمي كأولوية، ووسيلة ليس فقط لتأمين الأسواق للصادرات غير النفطية بل أيضًا كوسيلة لاجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر الذي يمكن أن يخلق فرص عمل ويعزز نقل المعرفة العلمية والتقنية ويحقق الأمن الإقليمي.

دول مجلس التعاون: الفرص المتاحة

في ظل التحولات الجيوسياسية والتطورات العالمية التي تجتاح العالم تواجه اقتصادات الأسواق الصاعدة والبلدان النامية تحديات أمنية وسياسية واقتصادية تفرض عليها ضرورة التحرك على صعيد سياساتها الاقتصادية والأمنية من أجل تعزيز قدرتها على الصمود ومجابهة الصدمات المناوئة، ومتابعة الإصلاحات لضمان أمنها واستقرارها. وحيث أن العالم أصبح يعيش على وقع تكتلات متعددة وأن الدول لا تستطيع بمفردها تحقيق التنمية المرجوة التي تلبي متطلبات التطور الذي يتطلب حركة السلع ورأس المال والتجارة العابرة للقارات تبرز أهمية التكتلات الإقليمية كوسيلة لمواجهة التحديات.

إن تحدي حروب الطاقة الذي فرضته الحرب الروسية الأوكرانية تزامنًا مع تداعيات وتبعات جائحة كوفيد-19 عززت من أهمية التكتلات، ومع سعي دول المجلس للتحول إلى الطاقة النظيفة والتحول الرقمي، بدت الشراكات الاستراتيجية خطوة إيجابية في طريق الازدهار المنشود، ووسيلة لتأمين سوق لصادراتها غير الهيدروكربونية، ونقل المعرفة التي ستساعد اقتصاداتها على العبور من حالة الاعتماد على المصادر الناضبة إلى بناء اقتصاد تكاملي مع الاقتصاد العالمي من أجل الوصول إلى الأسواق العالمية.

وقد اعتمدت دول مجلس التعاون الخليجي توزيع الشراكات الاقتصادية والتجارية وتعددية الأطراف، وبناء التحالفات والشراكات على مستوى العالم. كما أدركت أهمية تنويع شراكاتها الدبلوماسية والأمنية، ومن خلال إيمانها بمقولة " لا تضع البيض كله في سلة واحدة" هذه الحكمة المتداولة عبر الأجيال فقد تمت ترجمتها عمليًا في سياقين متلازمين:

السياق الأول محليًا، إذ قامت هذه الدول ومنذ فترة ليست بالقصيرة بمحاولات ناجحة في بعضها لتنويع مصادر الدخل القومي خارج قطاع النفط، سواء عبر تطوير قطاعاتها الإنتاجية أو من خلال استثمارات صناديقها السيادية العالمية. وهو ما منحها مساحة واسعة تتحرك خلالها بأمان من دون أن تكون محشورة ضمن قطاع النفط وحده.

السياق الثاني خارجيًا ما جعل هذه الدول قادرة على احتواء أي تهديد لأمنها عبر نسج علاقات وشراكات استراتيجية مع مجموعات اقتصادية مختلفة تضمن لها شبكات من الحماية، بعد سقوط ما كان يطلق عليه " الأمن مقابل النفط" إثر تحول النظام العالمي الجديد من نظام أحادي القطبية إلى نظام متعدد الأقطاب.

أهمية التكتلات الاقتصادية

في بداية تكونها هدفت التكتلات الاقتصادية الإقليمية إلى توفير الحماية التجارية من المنافسة العالمية ثم تطورت لتساهم في تعزيز ليس فقط التعاون الاقتصادي بل السياسي والأمني والبيئي. وقد تم تحديد مجموعة من العوامل والخصائص التي تعزز نجاح التكتلات الإقليمية مثل تطابق مستويات الدخل القومي والتقارب الجغرافي وتشابه الأنظمة التجارية والالتزام السياسي بالمنظمات الإقليمية. إلا أنه في الوقت الحالي ونتيجة للاستفزازات السياسية للقوى الكبرى في محاولاتها لحماية اقتصادها وفرض سيطرتها على الاقتصاد العالمي الذي انطوى عليها الكثير من الأعمال الحمائية ظهرت العديد من التكتلات التي تمت بين اقتصادات متنافسة أو متكاملة، اختلفت في أهدافها وتباينت في أنظمتها وهي غير متجاورة جغرافيًّا، أو متجانسة ثقافيًّا أو لغويًّا. وقد تعددت وتنوعت التكتلات التجارية الإقليمية في العالم نبرز أهمها:

يأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثالثة ضمن أكبر الاقتصادات العالمية بعد الصين والهند ويمثل حوالي خمس الناتج المحلي العالمي ويشكل سكانه حوالي0.05 من سكان العالم وتبلغ حصة الفرد الواحد من الناتج المحلي أكثر من ثلاثة أضعاف الناتج المحلي العالمي. وقد لعبت القوة الكلية لاقتصاد الاتحاد الأوروبي دورًا مركزيًا في تحديد استراتيجية سياسته الاقتصادية الخارجية حيث تعادل التجارة الخارجية للاتحاد الأوروبي في السلع حوالي 25٪ من ناتجه المحلي وهو ما يزيد قليلاً عن نصف المتوسط العالمي البالغ 46٪. ويوجد نمط مماثل في مجال تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل والخارج، وكلاهما أقل بكثير من المتوسطات العالمية. أما استراتيجيته في بناء الشراكات الدولية فهي غالبًا لا تكون ضمن الإطار الاقتصادي الضيق بل يتم دمجها ضمن أهداف السياسة الخارجية الأوسع للاتحاد التي تهدف إلى تعزيز الإصلاحات الديمقراطية، والالتزام بالتعددية العالمية التي تشكل النظام العالمي المتعدد الأقطاب.

في سياق العلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس، فإنه بالرغم من أن دول المجلس تعتبر أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي، بتبادل تجاري يقارب 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي، إلا إنه خلال أكثر من 30 عامًا فشلت الجهود الرامية إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة. فقد كان من شروط تحقيق اختراق يسمح في تحقيق تجارة حرة هو التأكيد على المزايا غير الاقتصادية التي كان الاتحاد الأوروبي دائمًا يستخدمها كأداة وهي حقوق الإنسان وحماية البيئة، وتعددية الأطراف.

إلا أن التحولات الجديدة في سياسات دول المجلس قد تدفع الاتحاد الأوروبي إلى إعادة النظر في اتفاقية التعاون لعام 1989م، التي جمدت، فقد أكدت وثيقة اللجنة الأوروبية على "الحاجة إلى تعاون أقوى وأكثر شمولاً، وأن الاتحاد مصمم على الشراكة وتنشيط التعاون من خلال علاقات استراتيجية قوية ومتينة ضمن الأطر المؤسسية الثنائية" ليست فقط على مستوى منظومة مجلس التعاون بل شراكات أحادية مع كل دولة.

في واقع الأمر إن الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ستوفر بيئة أعمال نشطة ومتطورة واستثمارات مستدامة مع أسواق تعمل بفعالية متقدمة وضمن منافسة عادلة وبالتالي فإن فتح آفاق جديدة للتعاون الجماعي مع الاتحاد الأوروبي سيساهم في دعم جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك وكذلك التجارة والاستثمار والصحة والبيئة والطاقة بما فيها عملية الانتقال إلى الطاقة البديلة ويساهم في تعزيز الأمن والاستقرار وتخفيف حدة التوترات في المنطقة. وهناك إدراك أن الشراكة الاستراتيجية بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس "ستزيد أمن كلا الشريكين وستحقق التغير الحقيقي المنشود لمواجهة التحديات العالمية". لذلك من المهم السعي لاستكشاف سبل تعميق هذه الشراكة وما يتطلب من مرونة إدارية وتقنية كبيرة تتواكب مع وضع الأطر التنظيمية الموحدة التي تحمي حقوق الملكية الفكرية وتواجه القرصنة والاحتيال والتقليد وغسيل الأموال.

أما تكتل بريكس فقد ظهر في 2009م، وضم خمسة اقتصادات ناشئة وغير متجانسة تنمو بمعدلات متسارعة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا التي انضمت إليه في 2010م، وتبلغ مساحة مجموعة دوله حوالي 26.7٪ من المساحة العالمية وإجمالي عدد سكانه حوالي و41.5٪ من سكان العالم. وينتج ما يقرب من ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. ونظرًا لأهمية هذا التكتل فقد أعربت العديد من الدول عن اهتمامها بالانضمام إليه خصوصًا في ظل دعم الصين القوي لضرورة التوسع في عضويته التي يمكن أن تساعد في تعزيز نفوذه العالمي. ومن المقرر أن ينظر في قبول العديد من الدول للانضمام ومن ضمنهم السعودية والإمارات وغيرها من دول المجلس التي تسعى لتنويع خياراتها وسياساتها الخارجية بهدف حماية مصالحها وتأمين دورًا أكثر بروزًا لها في الشؤون الدولية.

إن لدول المجلس علاقات تجارية قوية مع ثلاث من الدول الأعضاء في بريكس فالصين تحتل المركز الأول في حجم التبادل التجاري مع دول المجلس بقيمة بلغت 163.9 مليار دولار في 2020م، وتأتي الهند في المركز الثاني بتبادل تجاري بلغ 81.5 مليار أما روسيا وبالرغم من أنها تأتي في المركز 33 وبتبادل تجاري وصل إلى 5 مليارات إلا أن التطورات الحديثة نتيجة الحرب الأوكرانية وقرارات أوبك بلس يمكن أن تلعب دورًا في تشجيع انضمام دول المجلس إلى بريكس.

وتعد السوق المشتركة لبلدان الميركوسور واحدة من أسرع التكتلات التجارية نموًا في العالم حيث تستحوذ الدول الأعضاء المؤسسون على 70٪ من الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا الجنوبية مما يجعلها من التكتلات الاقتصادية الرائدة في العالم وخامس أكبر اقتصاد. تأسست في مارس 1991م، من البرازيل، والأرجنتين، وباراغواي، وأوروغواي، بهدف تسريع التنمية الاقتصادية المستدامة القائمة على العدالة الاجتماعية وحماية البيئة والحد من الفقر. وقد انضمت فنزويلا وبوليفيا في عامي 2006 و2015م، على التوالي. إلا أنه تم تعليق عضوية فنزويلا منذ عام 2016م، بسبب فشلها في الامتثال للمبادئ الديمقراطية للسوق المشتركة. ونظرًا للأهمية الاقتصادية لهذا التجمع الاقتصادي فإن الشراكة معه يمكن أن تحقق اختراقًا لأسواق أمريكا الجنوبية وتوفر فرصًا استثمارية لصناديق دول مجلس التعاون السيادية.

وتلعب رابطة أمم جنوب شرق آسيا التي تشكلت في عام 2015م، دورًا مركزيًا في التكامل الاقتصادي الآسيوي، حيث تشكل ثالث أكبر اقتصاد في آسيا وسادس أكبر اقتصاد في العالم، وتتلخص أهدافها الرئيسية في السعي لجعل المنطقة تتمتع بقدرة تنافسية عالية ومندمجة تمامًا في الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق تنمية اقتصادية عادلة بحلول عام 2025م، وذلك من خلال دمج اقتصاداتها في سوق واحدة وقاعدة إنتاج متكاملة. وتضم المجموعة 10 دول تختلف من حيث المساحة والسكان والثقافات. وتشكل التجارة الداخلية ما نسبته 25% من إجمالي التجارة فيها وتعتبر الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية أبرز الشركاء الرئيسيين للرابطة. 

أما رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي فتلعب دورًا مهمًا في الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، نظرًا لمواردها الطبيعية الغنية، وموقعها المركزي على مفترق طرق تجارة النفط العالمية، واحتوائها لاقتصادات سريعة النمو، وقد أنشئت هذه الرابطة في 1997م، بهدف تعزيز التعاون داخل منطقة المحيط الهندي من أجل حماية الأمن والسلامة البحرية وتسهيل عملية التبادل التجاري والاستثمار وإدارة مصايد الأسماك والحد من مخاطر الكوارث بالإضافة إلى التعاون الأكاديمي والعلمي والتكنولوجي وتعزير إمكانيات السياحة والتبادل الثقافي. وحيث أن البيئات البحرية والساحلية تعتبر موردًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية تتبنى الرابطة مبادرة الاقتصاد الأزرق لتعزيز النمو المستدام وفرص العمل في المنطقة. ونظرًا لأن جميع استراتيجيات دول مجلس التعاون تتبنى عملية التحول للطاقة النظيفة وتعتبرها مكونًا أساسيًا في السياسات المستقبلية من أجل مواجهة تحديات التنمية المستدامة، فإن الشراكة مع رابطة الدول المطلة على المحيط الهندي يمكن أن يتم تطويرها لتعزيز التعاون الاستثماري وفتح فرص استثمارية واعدة خصوصًا إذا عرفنا أن الإمارات وعمان من الدول الأعضاء والتي تشمل 22 بلدًا عضوًا وعشرة شركاء في الحوار.

أما منظمة شانغهاي للتعاون فهي منظمة دولية سياسية واقتصادية وأمنية  تأسست كمجموعة خماسية في 2003م، وانضمت إليها أوزبكستان في 2001م،  وشملت كلاً من الصين وكازخستان، وقيرغيزستان، وروسيا، وطاجيكستان، وأوزبكستان. أبرز أهدافها تتركز حول تعزيز سياسات الثقة المتبادلة وحسن الجوار بين الدول الأعضاء، والتعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية والعلمية والتقنية والثقافية وكذلك النقل والتعليم والطاقة والسياحة وحماية البيئة، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.  وحيث أن كلاً من الصين وروسيا وقيرغيرستان هي ثلاث من الأعضاء الستة المؤسسين لمنظمة شانغهاي وأن حجم التبادل التجاري لقيرغيرستان مع دول المجلس هو 841.3 مليار دولار يمكن أن يخلق آفاقًا جديدة أمام دول المجلس لبناء علاقات اقتصادية وتجارية.

تعزيز دور وأهمية الشراكات إقليميًا وعالميًا

على الصعيد العملي تسعى دول مجلس التعاون مجتمعة ومن خلال منظومة الأمانة العامة لدول المجلس إلى بناء شراكات استراتيجية مع العديد من الدول والتكتلات الإقليمية، فقد تفاوضت بنجاح على عقد اتفاقية تجارة حرة مع سنغافورة في عام 2008م، ومع دول الرابطة الأوروبية للتجارة الحرة (أيسلندا وليختنشتاين والنرويج وسويسرا) في عام 2009م، والتي تشمل التبادل السلعي لكل من السلع الصناعية والزراعية والمنتجات البحرية والتجارة في الخدمات، والمنافسة في المشتريات الحكومية.

وبالرغم من أنها وقعت اتفاقية إطارية لتعزيز وتطوير التعاون الاقتصادي مع الهند في 2004م، إلا أنه ما زالت المحادثات مستمرة لوضع اللمسات الأخيرة على جوانب مثل قواعد المنشأ والتعرفة الجمركية. ويجري التفاوض حاليًا من أجل تعزير خطط طويلة الأمد للتعاون الاقتصادي التي تشمل النفط والطاقة وبالأخص الهيدروجينية التي ترغب الهند في تطويرها بالتعاون مع دول المجلس. وفي المقابل هناك مشاريع أخرى تشمل التعليم العالي والابتكار التكنولوجي والمدن الذكية وعلوم الفضاء وهي من أبرز المجالات التي يمكن لدول المجلس والهند تنويع تعاونهما.

وفي حين أن دول المجلس دخلت في مفاوضات نشطة مع العديد من الكتل الأخرى، إلا أنها في نفس الوقت تعاني من تباين داخلي، نابع من التفاوت في أهداف السياسة الخارجية، وخاصة الجوانب غير التجارية.

وهناك العديد من الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتعزيز دور وأهمية الشراكات من أجل ضمان الانتعاش الاقتصادي. وفي طليعتها أن على دول المجلس أولاً أن تعمل معًا على تماثل واستقرار سياسات الاقتصاد الكلي، وفقًا لتنفيذ الاستراتيجيات المحددة لجميع الدول وذلك من أجل تقليص حجم التفاوت وتوحيد الأطر والسياسات بما يخدم مصالح الدول جميعها. وحيث أن الاقتصاد الرقمي سيكون هو المحرك الأكبر في العصر الحديث والذي من المتوقع أن يدعم الانتعاش الاقتصادي ويساعد في التخفيف من آثار تراجع الاقتصاد العالمي، وبما أن الدول الأعضاء في مستويات مختلفة من التنمية الرقمية، فمن الضروري تنفيذ إجراءات للتقليل من فجوة التنمية التكنولوجية لبعض الدول. ومن خلال تعزيز التجارة والاستثمار الإقليمي من خلال منظومة مجلس التعاون، يمكن تحقيق التنمية المستدامة والانتقال إلى تدابير أكثر شمولاً تشجع الاستثمار البيني وتطور أنماط استهلاك وتوفر حماية المستهلك في سياق التجارة الإلكترونية وتعزز النمو الاقتصادي. كما يتعين على دول المجلس تحسين الترابط بين سلاسل التوريد والتدفقات التجارية لديها لكونها مسألة أساسية لضمان تدفق السلع وسرعة وصولها خصوصًا بعد أن شهدنا خلال فترة الوباء، كيف كان من الممكن أن ينهار الاقتصاد العالمي عندما تنقطع سلاسل التوريد. إن تعاون المؤسسات المالية والمؤسسات ذات الصلة في الدول الأعضاء سيوفر حوافز أكبر لآليات التعاون فيما بين المصارف ويقدم دعمًا كبيرًا للتعاون الاقتصادي والتجاري العالمي. إن الحرص على خلق وتطوير استثمارات جديدة في البنية التحتية بما ينسجم مع التنمية المستدامة ومن خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص سيساهم في الاستفادة الفعالة من القطاع الخاص لحل مشاكل تمويل الهياكل الأساسية. كما تجدر الإشارة إلى أهمية تعزيز دور المؤسسات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة الحجم، التي تعتبر مشاركتها في شبكات الإنتاج وسلاسل التوريد أمرًا أساسيًا خصوصًا إذا أدركنا أهميتها في توفير الوظائف المستقبلية.

من المهم أيضًا التأكيد على أهمية دور منظومة دول المجلس وتقوية أجهزتها الإدارية من أجل خلق قوة تفاوضية يعتد بها لبناء شراكات دولية. وعلى الجانب الآخر إن تفعيل التكتل الإقليمي العربي والإفريقي، خصوصًا للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن يمكن أن يعزز التعاون السياسي والاقتصادي والأمني في مواجهة أخطار المعابر المائية ذات الأهمية الكبرى للاقتصاد العالمي.

الخاتمة

يؤكد رئيس مجموعة أوراسيا أيان بريمر في بحث نشرته مجلة "فورين أفيرز" مؤخرًا أنه رغم التوترات والحروب التجارية والاضطرابات الوبائية فقد استمرت التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة والصين في النمو إذ تشتري الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان معًا ما يقرب من 40% من صادرات الصين. ويعتمد بريمر على استطلاع حديث أجرته غرفة التجارة الأمريكية في الصين فيشير إلى أن 83% من الشركات الأمريكية العاملة في الصين لا تخطط للمغادرة، وأن 3% فقط منها يعتزم العودة، بينما يخطط 60% منها لزيادة استثماراتها في الصين. ويشير إلى أن التبادل التجاري بلغ 650 مليار دولار في عام 2021م، مقارنة مع 557 مليار في عام 2019م. وتبقى الصين أكبر شريك تجاري مورد للسلع وثالث أكبر سوق تصدير لها، وهو ما يؤكد مجددًا أنه ليست هناك صداقات دائمة وعدوات دائمة بل مصالح دائمة، وهو ما تسعى دول المجلس إلى تثبيته قولاً وفعلاً.

والخلاصة هي أنه يمكن القول إنه في عالم متعدد الأقطاب باتت دول المجلس قيادة وشعوبًا أحد الرموز البارزة في الانفتاح الاقتصادي وتعزيز مسيرة الحوار وتأمين فرص لشراكات ناجحة، وفي مواجهة نظام اختار أن يكون خصمًا تسكنه أحلام امبراطورية ولى زمانها واندثرت ويتمدد عبر حروب بالوكالة واستنفار العنصرية والعصبية الطائفية في المشرق العربي كما في المغرب ، فإن دول المجلس اعتمدت القوة الناعمة بديلاً عن حروب تلحق الدمار بإخوة في الجوار وتجهز على آمال أمم الأرض بالسلام والازدهار.

مقالات لنفس الكاتب