; logged out
الرئيسية / تعزيز التعاون الخليجي والتكتلات الاقتصادية يتطلب مواءمة آلية الحوارات مع التحديات

العدد 180

تعزيز التعاون الخليجي والتكتلات الاقتصادية يتطلب مواءمة آلية الحوارات مع التحديات

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

   شهد العالم خلال العقود الستة المنصرمة توجهاً نحو إقامة التكتلات الاقتصادية بوصفها أحد الأدوات المهمة لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الدول، وباتت التكتلات تشكل سمة من سمات النظام الاقتصادي العالمي وذلك لأهمية الاقتصاد في تحقيق الاستقرار بمختلف أشكاله. ومن أهم هذه التكتلات الاتحاد الأوروبي، والميركوسور، والآسيان، وتكتل شرق وجنوب وغرب إفريقيا" كوميسا").

   وتجدر الإشارة إلى أن التكتلات الاقتصادية تهدف إلى الاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية للدول، وزيادة فاعلية التعاون الاقتصادي والإنمائي، والعمل مع المؤسسات المعنية بالتنمية الدولية بقصد تحقيق الأهداف الإنمائية المنشودة، والمساهمة في القضاء على الفقر ورفع مستوى المعيشة وتحقيق السلام والنمو الاقتصادي المستدام الذي يشكل المدخل الأساسي لتحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها دول العالم كافة.

    وانسجاماً مع التوجهات العالمية لتعزيز التعاون  والاندماج الاقتصادي على الصعيد العالمي تشكل الحوارات الاستراتيجية بين مجلس التعاون الخليجي والتكتلات الاقتصادية الأخرى في العالم ركيزة رئيسة لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول مجلس التعاون والدول المُنظمة لهذه التكتلات من خلال التعاون الاقتصادي في المجالات كافة، ورؤية جديدة توضح الرغبة الخليجية في الآفاق الرحيبة للفرص الاستثمارية، وفتح أسواق جديدة للمنتجات الخليجية لاسيما منتجات النفط والغاز والبتروكيماويات والألمنيوم والأمونيا، وغيرها من المنتجات التي تتمتع بها دول مجلس التعاون وبمزايا تنافسية عالمياً.

    كما ألقت هذه الحوارات والمنتديات الاقتصادية بظلال إيجابية على الاقتصادات الخليجية، حيث ساعدت بصورة كبيرة على تعزيز علاقات مجلس التعاون والتكتلات الاقتصادية الكبرى على الصعد الاقتصادية والتجارية وغيرها. كما رفعت من مستويات تبادل الخبرات والمشورة بين المختصين في دول مجلس التعاون الخليجي ونظرائهم في الدول الأخرى، وأسهمت في التعريف بمجلس التعاون وتقدير دوره وأهدافه وإنجازاته، وعززت من حضوره في المحافل والملتقيات والمنتديات الاقتصادية الدولية والإقليمية، وهذا ما تم تأكيده من خلال تلقي مجلس التعاون لدول الخليج العربية لطلبات كثيرة من التكتلات والتجمعات الاقتصادية للبدء بحوارات استراتيجية وإقامة شراكات اقتصادية معه.

   وسنتناول في هذا المقال بيان الشراكات التي عقدها مجلس التعاون الخليجي مع أهم التكتلات الاقتصادية في العالم خلال مسيرته التي تخطت أربعة عقود، والتحديات والفرص التي يمكن استغلالها لتعزيز التعاون الاقتصادي بين التكتلات والذي يشكل مدخلاً لتحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية المستدامة المنشودة.

أولا-الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي:

     قرر المجلس الأعلى لدول مجلس التعاون في ثمانينات القرن الماضي الدخول في مفاوضات رسمية مع الاتحاد الأوروبي بقصد الوصول إلى اتفاقية مبدئية تشكل إطاراً للتعاون التجاري والاقتصادي بين الطرفين، ثم التوقيع على الاتفاقية الإطارية في عام 1988م، تضمنت اتفاقية التعاون التجاري بين المجلس والاتحاد الأوروبي عام 1989م، التزاماً من كلا الطرفين للدخول في مفاوضات بشأن اتفاق التجارة الحرة. وبدأت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة عام 1990م.

    بعد توقيع اتفاقية التعاون، أخذت المفاوضات التجارية مساراً مستقلاً عن قضايا التعاون الأخرى. وقد اتخذ القرار السياسي من قبل المجلس المشترك بأن الهدف من هذه المفاوضات هو توصل الطرفين إلى اتفاقية للتجارة الحرة. وبدأت المفاوضات في عام 1991م، إلا أنها لم تكن تسير بشكل منتظم، إذ اعترضها في البداية عقبات حالت دون تحقيق تقدم في تلك الفترة. وبعد قيام الاتحاد الجمركي وتوحيد التعرفة لدول مجلس التعاون، تم تكثيف المفاوضات، وعقدت عدة جولات تم خلالها إنجاز الكثير من الموضوعات وبقيت بعض النقاط التي تحتاج إلى مزيد من المناقشة. ونظراً لعدم وجود أي تقدم في المفاوضات وتمسك الجانب الأوروبي بمواقفه السابقة حيال النقاط العالقة، فقد قامت دول المجلس في ديسمبر 2008م، بتعليق المفاوضات، مع الموافقة على الطلب الأوروبي باستمرار المشاورات بين الجانبين إلى حين توفر أرضية مشتركة لاستئناف المفاوضات.

      أطلق الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون في مايو 2017م، حوارًا مخصصاً حول قضايا التجارة والاستثمار، بمشاركة القطاع الخاص. يتناول الحوار القضايا المتعلقة بالتجارة والاستثمار ويعزز التعاون في المسائل ذات الاهتمام المشترك، مثل المتطلبات التنظيمية وطرق تشجيع التجارة المتبادلة، وتدفقات الاستثمار.

    ومن نافلة القول يعمل الحوار بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون حول التنويع الاقتصادي منذ عام 2019م، لتطوير العلاقات وبناء الشراكات على أساس تبادل الخبرات مع الاتحاد الأوروبي لمساعدة دول مجلس التعاون في استراتيجيات التنويع الاقتصادي الخاصة بها. وساعد المشروع في تحديد فرص عمل جديدة ومجالات التعاون الاقتصادي بين المنطقتين. وتم في فبراير 2022م، اعتماد برنامج العمل المشترك للفترة (2022-2027م) بهدف تطوير العلاقات الخليجية الأوروبية وتعزيزها وتنويع مجالاتها من خلال إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي.

    ويشير مشهد الشراكة التجارية بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي خلال العقدين المنصرمين إلى ارتفاع قيمة التبادل التجاري السلعي إلى (150.7) مليار دولار عام 2021م، مقارنة بما قيمته (39.9) مليار دولار عام 2000م، أي أنه زاد بأكثر من ثلاث مرات ونصف. وحقق الميزان التجاري السلعي فائضاً لصالح دول الاتحاد الأوروبي بما قيمته (43.1) مليار دولار في عام 2021م، مقارنة بفائض بلغت قيمته (5.3) مليار دولار عام 2000م.

شكل (1) حجم التبادل التجاري السلعي بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي “مليار دولار "

Source:https://policy.trade.ec.europa.eu/eu-trade-relationships-country-and-region/countries-and-regions/gulf-region_en

   يُعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي بعد الصين (15.8٪)، ويمثل (12.3٪) من إجمالي تجارة السلع لمجلس التعاون مع العالم عام 2020م.، وجاءت (17.8٪) من واردات دول مجلس التعاون الخليجي من الاتحاد الأوروبي عام 2020م، وبالتالي، تم تصنيف الاتحاد الأوروبي على أنه الشريك الأول لمجلس التعاون. كان الاتحاد الأوروبي عام 2020م، رابع أكبر شريك تصدير لمجلس التعاون، حيث ذهبت (6.9٪) من صادرات مجلس التعاون إلى الاتحاد الأوروبي.

   إن العلاقات التجارية القوية والمتميزة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي تتم في نطاق نمط غير متكافئ وغير متوازن تفضي في التحليل النهائي إلى اتجاه معدل التبادل التجاري لغير صالح المجموعة الأولى، وفي صالح المجموعة الثانية.

     وغني عن البيان، فإن اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين لم تر النور حتى الآن رغم مرور أكثر من عقدين على بدء المفاوضات بسبب أمرين:

الأول: حقوق الإنسان، حيث قدم الجانب الأوروبي شرطاً في الاتفاقية تضمن (تعليق اتفاقية التجارة الحرة بين الجانبين في حال وجود مزاعم حول انتهاكات لحقوق الإنسان)، مما يوقف التعاون الاقتصادي والمصالح التجارية تمامًا لحين إزالة الأسباب.

الثاني: رسوم الصادرات، وفيه طالب الجانب الخليجي بعدم فرض رسوم على صادراته من النفط والبتروكيماويات إلى دول الاتحاد الأوروبي لتكون لها قدرة تنافسية مع مثيلاتها الأوروبية، مستندين في ذلك على ما تنص عليه أنظمة وقوانين منظمة التجارة العالمية في هذا الشأن، وقد وافق الجانب الأوروبي على عدم فرض رسوم على المنتجات الخليجية لمدة محددة لا تزيد على أربع إلى خمس سنوات، غير أن الجانب الخليجي رفض هذا العرض لإصراره على عدم تحديد مدة زمنية في هذه المسألة.

    وتجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الأوروبي يتعامل تجارياً مع مجلس التعاون، من منطلق قوة تفاوضية مؤثرة استناداً إلى الوحدة الاقتصادية الكاملة التي حققها المجلس خلال العقود الستة الماضية، وباعتبارها أعلى مستويات ومراحل التكامل الاقتصادي المنشود. أما الدول الخليجية بصفة عامة فلا تمتلك هذه القوة التفاوضية بسبب غياب التكتل الاقتصادي الفعال، وذلك على الرغم من مرور أربعة عقود على قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

2) الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون ومجموعة السوق المشتركة الجنوبية "الميركوسور":

     نجح تكتل السوق المشتركة الجنوبية "الميركوسور" الذي تأسس عام 1991م، في أن يكون ضمن التكتلات الاقتصادية الكبرى في العالم. وعلى صعيد علاقة مجلس التعاون به، قرر المجلس الوزاري لمجلس التعاون عام 2003م، تكليف المنسق العام للمفاوضات بإجراء اتصالات مع تكتل الميركوسور للنظر في فتح حوار اقتصادي معه، ووضع آلية لهذا الحوار عن طريق اتفاقية إطارية للتعاون الاقتصادي في مختلف مجالاته بين المجلس وهذه المجموعة، وتم التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون ومجموعة الميركوسور عام2005م.

    وقد بدأت المفاوضات لإبرام اتفاقية إقامة منطقة تجارة حرة بين دول المجلس ودول الميركوسور في اجتماع بين المختصين من الجانبين عقد بالرياض يومي 9 و10 أكتوبر 2006م، ثم عقدت اجتماعات أخرى للمختصين تم فيها الانتهاء من بعض المواضيع المتعلقة بالاتفاقية. وتم في مارس 2009م، التوقيع على الإعلان المشترك لدول مجلس التعاون ودول الميركوسور بشأن استكمال مفاوضات التجارة الحرة.

    وتجدر الإشارة إلى أنه قبل التراجع في عام 2020م، كان التبادل التجاري بين أمريكا اللاتينية ومجلس التعاون أخذ بالتزايد، حيث ارتفعت الواردات بشكل حاد بين عامي 2017 و2019م، وبالتحديد ارتفعت الواردات من أمريكا اللاتينية إلى مجلس التعاون من (9.6) مليون دولار عام 2016م، إلى (17.2) مليون دولار عام 2019م، قبل أن تنخفض إلى (15.4) مليون دولار عام 2020م، وتتألف هذه الواردات أساساً من سلع أولية لاسيما الذهب واللحوم والحديد الخام والسكر والقهوة. وهناك علاقة تكاملية بين الطرفين دول الميركوسور تقدم الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون، والأخيرة تقدم الأسمدة لدول ميركوسور التي لا غنى عنها في الزراعة. 

شكل (2) الإحصاءات التجارية (النسبة المئوية من الإجمالي) أهم الصادرات من مجلس التعاون الخليجي إلى أمريكا اللاتينية النسبة المئوية لإجمالي الصادرات إلى أمريكا اللاتينية (2016-2020)

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على خريطة التجارة لمركز الإحصاءات التجارية الدولية

تستورد دول مجلس التعاون الحديد الخام من أمريكا اللاتينية لإنتاج الألمنيوم التي تقوم بتصديرها بعد ذلك لأمريكا اللاتينية وتستخدم الأسمدة والأمونيا المصدرة من دول مجلس التعاون لدعم القطاع الزراعي الأساسي في أمريكا اللاتينية.

 

شكل (3) الإحصاءات التجارية (النسبة المئوية من الإجمالي) أهم الواردات من أمريكا اللاتينية إلى دول مجلس التعاون النسبة المئوية لإجمالي الواردات من أمريكا اللاتينية (2016-2020)

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على خريطة التجارة لمركز الإحصاءات التجارية الدولية

      ولا تمثل التجارة الثنائية سوى حصة صغيرة من إجمالي التجارة التي تقوم بها كل منطقة مع بقية دول العالم. في عام 2020م، شكلت واردات دول مجلس التعاون من أمريكا اللاتينية (3,2%) من إجمالي وارداتها و(1.6%) من إجمالي صادرات أمريكا اللاتينية. أما صادرات مجلس التعاون إلى أمريكا اللاتينية فلم تتخطَ (15%) من إجمالي صادراتها وكانت أقل من (1%) من إجمالي واردات أمريكا اللاتينية. ومع ذلك، ونظراً لاعتماد المنطقتين على بعضها البعض في مجموعة من السلع الأساسية، فإن هناك مجالاً لتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي.

 على صعيد استثمارات مجلس التعاون في دول ميركوسور استحوذت الإمارات عامي 2016و2021م، على نسبة (77%)، ثم السعودية بنسبة (22%) و(1%) لقطر. تم توجيه أكثر من هذه الاستثمارات نحو شركات الخدمات اللوجستية والتوزيع والنقل، كما تم ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية للكهرباء وإعادة التدوير.

    أما الاستثمار الأجنبي المباشر من أمريكا اللاتينية إلى دول مجلس التعاون الخليجي فهو أقل بكثير حيث قدر بأقل من نصف مليار دولار بين عامي 2017 و2021م، وتعود أكبر الاستثمارات لشركة بي آر إف البرازيلية وهي واحدة من أكبر شركات تصنيع الأغذية في العالم ومورد رائد للدواجن إلى أسواق مجلس التعاون وخلال الأعوام القليلة المنصرمة أسست الشركة مصانع لمعالجة الأغذية في كل من السعودية والإمارات.

 

ثالثاً الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون وتكتل الآسيان:

    شهدت العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي ورابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) مرحلة جديدة من النمو، لاسيما في السنوات الأخيرة؛ حيث تضاعفت التجارة بين الجانبين، ما جعل الآسيان من أبرز الشركاء التجاريين لدول مجلس التعاون.

     وفي إطار مساعي تطوير العلاقات الخليجية الآسيوية وقعت كل من قطر وعُمان والإمارات، في أغسطس 2022م، على وثيقة الانضمام إلى معاهدة الصداقة والتعاون لدول جنوب شرقي آسيا "آسيان"، والتي تنص على حق كل دولة في قيادة وجودها الوطني دون تدخل خارجي أو تخريب أو إكراه، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لغيرها، وتسوية الخلافات أو النزاعات بالطرق السلمية، وعدم التهديد باستخدام القوة.

  في هذا السياق سلط تقرير تحليلي أصدرته "غرفة دبي"، في 6 ديسمبر 2021م، بالتعاون مع الإيكونيميست الضوء على الفرص التجارية المتاحة بين الآسيان ومجلس التعاون الخليجي في فترة ما بعد جائحة كورونا وطبقاً للتقرير فإن الإمارات تستحوذ على (74%) من الاستثمارات الخليجية في منطقة الآسيان، التي بلغت قيمتها ما بين يناير 2016 وسبتمبر 2021م، نحو (13.4) مليار دولار أمريكي.

   أما استثمار دول الآسيان في دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير؛ إذ تقدر قيمته (3.6) مليار دولار خلال الفترة (2016-2021م)، وجاء ثلثا هذه الاستثمارات من سنغافورة. ورجّح التقرير إمكانية تحقيق المزيد من التعاون في مجالات عديدة، لا سيما منها قطاعات النمو في المواد الغذائية والزراعة وتجارة التجزئة والتجارة الإلكترونية والتكنولوجيا والخدمات المالية والنقل والخدمات اللوجستية لدى أعضاء رابطة "الآسيان".

     وتميل كفة العلاقة التجارية القائمة بين المنطقتين لجانب الواردات إلى دول مجلس التعاون، وبالمقابل جاء (2%) فقط من إجمالي واردات دول جنوب شرق آسيا بين عامي 2016 و2020م، من دول الخليج. وتستحوذ دول جنوب شرق آسيا على (4%) فقط من إجمالي صادرات دول الخليج خلال الفترة (2016-2020م)، أي ما يعادل (126) مليار دولار أمريكي، وكان الجزء الأكبر منها من النفط الخام (43%)، والبوليمرات البلاستيكية (20%).

  جاءت الإلكترونيات والآلات خلال الفترة (2016-2020م) من بين أهم السلع التي تستوردها الدول الخليجية، وشكلت الإلكترونيات نسبة (28%) والآلات (12%) من قيمة الواردات البالغة (144) مليار دولار أمريكي من دول رابطة أمم جنوب شرق آسيا بين 2016 و2020م.

 

   وعند النظر إلى المستقبل نجد بأن دول مجلس التعاون الخليجي تحرص على تعميق علاقاتها التجارية والاستثمارية مع الاقتصادات الرئيسة في تكتل الآسيان. وحتى الآن تُعد سنغافورة الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعقد اتفاقية تجارة حرة مع دول الخليج، وتجري الإمارات العربية وإندونيسيا محادثات لتعزيز التجارة الثنائية، والتي يتوقع أن تؤدي إلى زيادة قدرها عشرة أضعاف في السنوات القادمة.

   إن "اتفاقية التعاون والصداقة بين بعض دول مجلس التعاون (الإمارات، قطر، وسلطنة عمان) وآسيان التي أبرمت في صيف 2022م، في ظل المتغيرات الدولية، سوف تسهل بشكل مباشر عمليات التبادل التجاري وعمليات الاستثمار بين الطرفين، ما سيحقق نمواً اقتصادياً متبادلاً".  إذ أنه إذا " أقيمت استثمارات خليجية في دول آسيان فهذا سوف يؤدي إلى نمو أكبر في اقتصاد تلك الدول، وسوف يتيح لهذه الدول توقيع عقود غاز ونفط مع دول الخليج، مما سيسهل استيراد النفط والغاز من تلك الدول لاسيما في وقت الأزمات".

رابعاً-الشراكة الاقتصادية بين مجلس التعاون ودول السوق المشتركة لدول شرق وجنوب إفريقيا “كوميسا"

   يهدف هذا التكتل الذي تأسس عام 1994م، إلى إقامة كيان اقتصادي وتجاري قادر على مواجهة التغيرات المتلاحقة التي يفرضها النظام الاقتصادي العالمي الجديد إلى جانب تحقيق الرخاء الاقتصادي من خلال التكامل الإقليمي لشعوب شرق وجنوب أفريقيا.

   ونظراً لأهمية تطوير التعاون بين مجلس التعاون والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا "COMESA" في المجال الاقتصادي والتجاري والتنموي، فقد وقع المجلس في أبريل 2010م، مذكرة تفاهم اقتصادي وتجاري مع تكتل " كوميسا" الذي ضم (19) دولة بقصد تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين الطرفين للاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة في المجالات ذات الأولوية كالقطاع الزراعي والصناعي. كما ويهدف هذا التعاون لفتح الأسواق الإفريقية للصادرات الخليجية، وزيادة معدلات الاستثمار فيها.

   وتجدر الإشارة إلى أن الحصة السوقية لمجلس التعاون الخليجي من صادرات كوميسا السلعية قد ارتفعت من 8% عام 2018م، إلى (9%) عام 2019م، وأغلب هذه الصادرات من السلع الزراعية والغذائية وبعض المعادن والخامات.

 

 

جدول (1) الحصص السوقية لصادرات كوميسا لعامي 2018و2019 %

المصدر من إعداد الباحث بالاعتماد على: COMESA, Annual Report 2020,P18

 

     أما فيما يتعلق بالحصة السوقية من الواردات السلعية، فقد انخفضت واردات تكتل كوميسا من دول مجلس التعاون الخليجي (الإمارات والسعودية) من (11%) عام 2018م، إلى (8%) من إجمالي الواردات السلعية لتكتل كوميسا لعام 2019م، وتتركز هذه الواردات في المنتجات البتروكيماوية مثل الأسمدة والبوليمرات.

 

جدول (2) الحصص السوقية لواردات كوميسا لعامي 2018و2019 %

المصدر: من إعداد الباحث بالاعتماد على: COMESA, Annual Report 2020,P.19

       وغني عن البيان، فإن هناك المزيد من الفرص المتاحة للمستثمرين من القطاعين العام والخاص للاستثمار في دول تجمع "الكوميسا" في قطاعات المصارف والتجارة والصناعة والزراعة، علاوة على قطاعات الطاقة والنقل. وتأمل الدول الإفريقية الاستفادة من جانب من قيمة الصناديق الاستثمارية السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي التي تبلغ أكثر من (3.8) تريليون دولار لعام 2022م، وبشكل أكثر تحديداً، تعمل الدول الإفريقية على استقطاب الاستثمارات الخليجية لتطوير القطاع الزراعي مستفيدة من رغبة دول مجلس التعاون في تأمين وتوسيع مصادر تمويل المنتجات الزراعية، علاوة على الاستثمار في قطاع الاتصالات.  

     وفي الختام نقول أن عملية تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي والتجمعات والتكتلات الاقتصادية الأخرى تستدعي القيام بمراجعة جادة لمدى ملاءمة آلية الحوارات الجارية بين مجلس التعاون الخليجي والتكتلات الأخرى مع التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه مختلف دول العالم اليوم نتيجة للحرب الروسية الأوكرانية والتعافي من جائحة كورونا، والمحافظة على جوهر هذه الحوارات واللقاءات، والحرص على استمراريتها، والعمل على زيادة قوتها، وتطويرها بما يتلاءم ومصالح وأهداف واهتمامات اقتصادات دول مجلس التعاون، والإيمان بأن هناك تبادل للمنافع بين الدول يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في أية تفاوض اقتصادي أو تجاري، وذلك بقصد إرساء دعائم قوية لاقتصاد خليجي موحد يستند على الثوابت، كالاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة والعملة الموحدة، التي هي كلها تشكل مطلب شعوب دول مجلس التعاون للوصول إلى تحقيق الحلم الأكبر المتمثل بقيام الاتحاد الخليجي على غرار الاتحاد الأوروبي.

مقالات لنفس الكاتب