; logged out
الرئيسية / دول مجلس التعاون الخليجي: دورُ يتنامى وعراقيل على طريق الاقتصاد العالمي

العدد 180

دول مجلس التعاون الخليجي: دورُ يتنامى وعراقيل على طريق الاقتصاد العالمي

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

يُعد مجلس التعاون الخليجي كِيانًا تلوح له في الأفق الفرصة لأن يصبح يومًا التكتل الاقتصادي الرائد في المنطقة؛ فالمجلس يضم بين صفوفه دولًا عربية تمتلك من الثروات الكثير وهي أيضًا دولٌ تجمعها خلفيات ثقافية ودينية متشابهة. كما أن تلك الدول تُعد ذات طابع اقتصادي مزدهر ومماثل لبعضه البعض وهي تُولي مسألة التعاون مع غيرها من الكِيانات الاقتصادية أهمية ملحوظة ولا سيما مع تلك المنخرطة في الاقتصاد الآسيوي المتنامي. وعلى الجانب الآخر فإن ثمة كِيانات اقتصادية أخرى-بما فيها الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي- ممن أقاموا بالفعل علاقات تعاونية مع مجلس التعاون الخليجي بعد أن أيقنوا أن المستقبل الاقتصادي للمجلس يبشر بكل الخير؛ بيد أنه ونظرًا لتباطؤ عملية التكامل بين دول مجلس التعاون الخليجي فإن هناك عوامل قد تهدد سبل التعاون الاقتصادي بين تلك الدول وبين التكتلات الإقليمية الأخرى ومنها هشاشة القطاعات الاقتصادية غير الحكومية واعتماد دول مجلس التعاون الخليجي الكبير على تصدير الطاقة.

ويُعد الخليج إقليمًا مجاورًا ديناميكيًا وبوابة لها أهميتها القصوى في الربط بين قارات أوروبا وآسيا وإفريقيا. ويتألف المجلس وهو منظمة إقليمية من ست دول أعضاء هي: مملكة البحرين، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وقد تشكل المجلس عام 1981م، تحت راية تهدف إلى تعزيز سبل التنسيق والتكامل والترابط بين أعضائه، ومن الجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي تسيطر على أكثر من نصف احتياطيات النفط في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، كما أنها تشكل-إلى جانب إيران والعراق-أكثر من 30% من صادرات النفط الخام العالمية، وبالنظر إلى الدور الرئيسي الذي يلعبه النفط في تشكيل الاقتصاد العالمي فإن لتنمية الإقليم ودول مجلس التعاون الخليجي-على وجه الخصوص-أهمية يدركها العالم أجمع.

اقتصاد مجلس التعاون الخليجي: سمات وخصائص

لقد شهد مجلس التعاون الخليجي تقدمًا في مجالات عدة وقد كان أبرزها ذا الصلة بالمجالات التكنوقراطية وغير السياسية؛ حيث اجتهدت مجموعة من اللجان الفنية لتوحيد اللوائح في القطاعات الاقتصادية والصناعية للدول الأعضاء الست فقدمت هذه اللجان- المتمثلة في هيئة التقييس لدول مجلس التعاون الخليجي- المثال الأكثر واقعية والأكثر فعالية لمساعي التنسيق المفصل والذي تضمنته الاتفاقية الاقتصادية الموحدة التي وُقعت بعد فترة وجيزة من تشكيل مجلس التعاون الخليجي، وقد نصت تلك الاتفاقية على مواءمة السياسة النفطية والصناعية لدول مجلس التعاون الخليجي وخلق نظام موحد للتعريفات ودعم سبل التدفق الحر للعمالة ورأس المال عبر الحدود الداخلية المشتركة.

ولدول مجلس التعاون الخليجي سماتها وخصائصها التي تضفي على المجلس أهميته كما توضح تلك السمات والخصائص أيضًا أهمية العلاقات التي تربط بين المجلس وبين غيره من التكتلات الإقليمة الأخرى؛ فالسياسات التي تتبعها دول مجلس التعاون الخليجي إضافة إلى هياكلها الاقتصادية تُعد متشابهة في حين أن المعاملات الاقتصادية الداخلية القائمة بين مختلف دول مجلس التعاون الخليجي تتسم بالمحدودية، ويُعد تصدير الطاقة هو المحرك الاقتصادي الرئيسي لدول مجلس التعاون الخليجي. وعلى الرغم من كل المساعي المبذولة من قبل مجلس التعاون الخليجي والذي يحاول من خلالها خلق التكامل في العلاقات الاقتصادية لدوله الأعضاء من خلال التنسيق الداخلي- بما في ذلك عقد اتفاقية اقتصادية موحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي والعمل الاقتصادي الخليجي المشترك وكذلك تنفيذ المشاريع ذات الصلة والتي تشمل التكامل المالي إضافةً إلى إنشاء منطقة التجارة الحرة وإقامة الاتحاد الجمركي الخليجي والسوق الخليجية المشتركة- فإن حجم التجارة المتبادل ليس بتلك القوة المرجوة، لذا فمن المهم بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي أن تحافظ على العلاقات الاقتصادية التي تقيمها مع غيرها من التكتلات الاقتصادية الأخرى، بل وأن تستكشفها أيضًا.

وعلى الجانب الآخر فإنه من شأن عملية التكامل القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي أن تسهل مسألة التعاون مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية الأخرى؛ فقد أصبح المجلس منظمة إقليمية لها ثقلها ودورها في تنسيق استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لدوله الأعضاء فصار من الممكن لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي أن يتنقلوا بحرية بين حدود الدول الأعضاء. كما يتم دعم سبل تيسير التجارة بين البلدان الأعضاء من خلال ما يتم إنشاؤه اليوم من ممرات تجارية مخصصة وروابط إقليمية للسكك الحديدية وغيرها. كذلك تتبنى الدول الأعضاء في المجلس سياسة تهدف إلى إعفاء المغتربين الذين يحملون تأشيرات (إقامة) مهنية سارية المفعول في دول الخليج الأخرى من متطلباتها الخاصة بالتأشيرة. وقد طرحت الدول الأعضاء وبشكل تدريجي قائمةً تتضمن الأنشطة الاستثمارية المباشرة التي يمكن لمواطني دول مجلس التعاون الخليجي المشاركة فيها حيث شملت تلك القائمة التجارة بالتجزئة وتجارة الجملة ومكاتب التوظيف ومكاتب تأجير السيارات ومعظم الأنشطة الثقافية. وبذلك أصبح من الضروري للعديد من الدول والتكتلات الاقتصادية الإقليمية الأخرى التعامل مع مجلس التعاون الخليجي ككل وذلك للحث على إقامة المزيد من العلاقات الاقتصادية.

العلاقات بين الكِيانات الاقتصادية الآسيوية ودول مجلس التعاون الخليجي

لقد أصبحت الموارد الطبيعية-ولا سيما الغاز والنفط-أساسًا للكثير من العلاقات الاقتصادية التي تمثل دول مجلس التعاون الخليجي طرفًا فيها، وفي الوقت ذاته فإن السوق المتنامي يجذب بدوره الاستثمارات والمصالح من العديد من الاقتصادات الصاعدة والتكتلات الاقتصادية الإقليمية، وقد أصبح التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي والاقتصادات الآسيوية-بما في ذلك الصين والهند واليابان-تعاونًا ملحوظًا خلال السنوات الماضية.

فالصين دومًا تولي اهتمامها لراوبطها الاقتصادية القائمة مع دول مجلس التعاون الخليجي-ومنها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بشكل أكبر-حيث احتلت الصين مكانتها بصفتها شريك تجاري مهم للمجلس خلال العقود الأخيرة، كما أن معظم دول مجلس التعاون الخليجي معتمدة على تجارة الطاقة لدعم اقتصاداتها المتنوعة بينما تحتاج الصين للنفط وللغاز الخليجي لتشغيل اقتصادها.

وبذلك يبقى جوهر التعاون القائم بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي معتمدًا على احتياجات الطاقة الصينية؛ حيث وفرت المملكة العربية السعودية 17%من واردات الصين من النفط في عام 2021م، مما يجعلها أكبر مورد للنفط الخام إلى الصين، كما أن قطر-وهي مصدر رئيسي للغاز الطبيعي إلى الصين-قد وقعت عدة عقود طويلة الأجل مع شركات صينية.

ويبدو أنه من المتوقع أن تلعب الصين دورًا فاعلًا في النمو المستمر للصناعات الخليجية غير النفطية؛ حيث تشهد قطاعات تنموية عديدة مثل السياحة والاتصالات والطاقة المتجددة والمدن الذكية والذكاء الاصطناعي والأعمال الموجهة نحو التكنولوجيا تعاونًا كبيرًا بين حكومات الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، كما أن فئة الشباب في منطقة الخليج العربي يتعرضون بشكل مطرد إلى التواجد التكنولوجي الصيني المتزايد والذي يمتد ليشمل تطبيقات الشبكات الاجتماعية وصولًا إلى منصات الدفع الرقمية.

وبالحديث عن التبادل التجاري والنشاط الاستثماري القائم بين الإقليمين فإنهما يتدفقان بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بموجِب العديد من المبادرات السياسية والتي تشتمل على المناطق الاقتصادية الخاصة؛ فعلى سبيل المثال تقع منطقة التعاون الصناعي وإدارة الإنشاءات الصينية الإماراتية في مدينة خليفة الصناعية في العاصمة أبو ظبي والتي تقوم شركة جيانجسو للتعاون والاستثمار الخارجي ببنائها بتوجيه من اللجنة الوطنية الصينية للتنمية والإصلاح.

كما أن المفاوضات الدائرة حول إقامة منطقة التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي ما تزال قائمة حيث إنه من شأن هذا النوع من الصفقات أن يُمكن الصين من التعامل مع المنطقة في ظل الوضع التجاري الأكثر ملاءمة، وعلاوة على ذلك فإن إقامة منطقة التجارة الحرة الصينية-الخليجية سوف يُعد بمثابة دفعة قوية للاقتصاد الإقليمي، ومن الجدير بالذكر أن العديد من دول مجلس التعاون الخليجي بصدد مواءمة برامجها للتنمية الاقتصادية الوطنية مع المشاريع الصينية؛ ولا سيما تلك المستدامة وذلك من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية.

وعلى صعيد آخر تُعد الهند شريكًا هامًا بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي؛ فكلا الكِيانان يتشاركان الرغبة المتمثلة في التمتع بالاستقرار السياسي والأمن في المنطقة وبالتالي فإن المخاوف السياسية والأمنية المشتركة بين كل من الهند ودول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تُترجم إلى جهود تُبذل من أجل إرساء أسس السلام والأمن والاستقرار في منطقة الخليج وجنوب آسيا، كما أن التصورات الأمنية المشتركة المتنامية من شأنها أن تخلق المزيد من الفرص لتعاون دول مجلس التعاون الخليجي والهند مستقبلًا.

تتمتع الهند ودول مجلس التعاون الخليجي بعلاقات ودية عريقة، فتُعد تلك العلاقات التاريخية القديمة بجانب زيادة واردات النفط والغاز وتنامي الأنشطة التجارية والاستثمارية بالإضافة إلى وجود ما يقرب من 6.5 مليون عامل هندي في منطقة الخليج من الجوانب ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للهند. وقد ازدادت الروابط الاقتصادية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مطرد-لا سيما مع نمو واردات النفط-كما أن الهند ودول مجلس التعاون الخليجي قد وقعتا اتفاقًا إطاريًا يرمي إلى تعزيز سبل التعاون الاقتصادي وتطويرها بين الجانبين وقد تم ذلك في نيودلهي في أغسطس 2004م، ومن الجدير بالذكر أن العلاقات الاقتصادية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي قد أصبحت أقوى في السنوات الأخيرة؛ ففي عام 2021م، بلغت صادرات الهند إلى دول مجلس التعاون الخليجي 28.06 بليون دولار أمريكي، وعلى الرغم من الآثار السلبية التي خلفتها جائحة كوفيد-19 على العلاقات الاقتصادية بين الإقليمين فإن التجارة الثنائية بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي قد وصلت إلى 87.36 بليون دولار أمريكي في عام 2021م.

أما بالحديث عن اليابان وسبل التعاون القائم بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي فإنها ذات أهمية كبرى أيضًا؛ فاليابان تُعد ثاني أكبر مستورد للطاقة من دول مجلس التعاون الخليجي حيث إن واردات النفط والغاز القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي لليابان هي ما يحدد وبشكل أساسي أنماط التنمية الاقتصادية فيها، وفي الوقت نفسه وسعيًا منها لتعزيز العلاقات الثنائية بين الإقليمين فقد قدمت اليابان استثمارات مباشرة لدول مجلس التعاون الخليجي وذلك خلال الفترة الممتدة من تسعينيات القرن الماضي وحتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويُعد استثمار المملكة العربية السعودية في صندوق "رؤية" التابع لسوفت بنك المملوك لرجل الأعمال الياباني ماسايوشي سون من الأمثلة الملموسة والأكثر تأكيدًا على العلاقة المتنامية بين اليابان و دول مجلس التعاون الخليجي.

ويتضمن صندوق رؤية سوفت بنك العديد من المستثمرين ويُعد كل من صندوق الثروة السيادية للمملكة العربية السعودية وصندوق الاستثمارات العامة الأبرز من بينهم كما أنه من المتوقع أن يضطلع سون بالعديد من الأنشطة الاستثمارية الضخمة داخل المملكة خلال السنوات القادمة، وبذلك يتضح لنا أن مثل هذه المشاريع تشكل جزءًا من خطط البلدين الموضوعة لخلق الشراكة الاقتصادية الوثيقة والتي تم إضفاء الطابع الرسمي عليها في إطار الرؤية السعودية اليابانية 2030 – والتي هي جزء من رؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان 2030 الرامية إلى تنويع اقتصادات المملكة العربية السعودية.

مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي

تشهد العلاقات القائمة بين مجلس التعاون الخليجي وغيره من التكتلات الإقليمية تقاربًا وثيقًا؛ ولا سيما تلك التي تربط المجلس بكل من الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.

فيُعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون بعد الصين، حيث شكل حجم التجارة المتبادل بين الكِيانين 12.3% من إجمالي حجم تجارة السلع لدول مجلس التعاون الخليجي مع العالم في عام 2020م، كما أن 7.8٪ من واردات دول مجلس التعاون الخليجي قد جاءت إليها من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فقد صُنف الاتحاد الأوروبي على أنه شريك الاستيراد الأول لدول مجلس التعاون الخليجي. وفي عام 2020م، صُنف الاتحاد الأوروبي على أنه رابع أكبر شريك تصدير لدول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث تم تصدير 6.9٪ من صادرات دول مجلس التعاون الخليجي إلى الاتحاد الأوروبي.

وبالإشارة إلى الروابط التي تجمع بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي فقد تم تعزيز تلك الروابط بموجِب العديد من الوثائق والاتفاقيات الثنائية؛ حيث تمخضت اتفاقية التعاون لعام 1989م، عن مجلس مشترك ولجنة تعاون مشتركة والتي انعقد في إطارها "اجتماعات رسمية رفيعة المستوى" و"اجتماعات وزارية" منتظمة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. علاوةً على ذلك فقد عُقدت النقاشات والحوارات التي تركز على مواضيع أكثر تحديدًا مثل الحوار حول التجارة والاستثمار في عام 2017م، ولا يمكن أن نغفل هنا عن المساعدة المباشرة التي وفرها الاتحاد الأوروبي لدول مجلس التعاون الخليجي ضمن استراتيجيات التنويع الاقتصادي الخاصة بدول المجلس والقائمة على تبادل الخبرات الأوروبية (حوار التنويع الاقتصادي 2019)، وقد نجح هذا الحوارفي تحديد الفرص التجارية الجديدة ومجالات التعاون الاقتصادي بين الإقليمين وكذلك بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي كل على حدة.

علاوةً على ذلك فقد أصدرت لجنة التعاون المشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي برنامج تعاون مشترك للفترة 2022-2027م، بهدف تعزيز سبل الشراكة القائمة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، ولهذه الخطوة أهميتها الحيوية حيث أصبحت الدول الخليجية من اللاعبين الرئيسين على الساحة الدولية في مواجهة التحديات العالمية الكبرى التي يشهدها عصرنا الحالي مثل ظاهرة تغير المناخ والتحول الأخضر وجائحة كوفيد 19 والتعافي منها وكذلك تلبيةً للاحتياجات التنموية العالمية والإنسانية المتزايدة.

وبالانتقال للحديث عن الاتحاد الإفريقي وما تربطه من علاقات بمجلس التعاون الخليجي فهو أمر له أهميته أيضًا في ضوء الاستراتيجية العالمية لمجلس التعاون الخليجي؛ حيث تشكل العلاقات التقليدية بين بعض الدول الإفريقية- وخاصة دول شرق إفريقيا ودول مجلس التعاون الخليجي- نقطة انطلاق حيوية تهدف إلى خلق المزيد من فرص التعاون بين الجانبين، فتتمتع كل من إريتريا وإثيوبيا والصومال وجنوب السودان بصلات اقتصادية وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفي الوقت نفسه ترحب الدول العربية داخل الاتحاد الإفريقي بما فيها جمهورية مصر العربية والسودان وليبيا والمغرب وتونس والجزائر بإمكانية إقامة علاقات أوثق بين الاتحاد الإفريقي ومجلس التعاون الخليجي.

ولقد شهدت السنوات الأخيرة الماضية تأكيدًا على الدور الذي لعبه مجلس التعاون الخليجي في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء؛ فعلى سبيل المثال عقدت كل من المملكة العربية السعودية والأمم المتحدة مؤتمر وساطة بغرض تسوية النزاع الحدودي بين إريتريا وإثيوبيا في عام 2018م، فوُقعت اتفاقية جدة للسلام بوساطة من المملكة العربية السعودية لتصبح مثالاً على الدور متزايد الأهمية لدول الخليج العربي في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

ووفقًا للتقارير الصادرة عن مركز التجارة الدولي ومقره سويسرا فإن حجم الشراكة التجارية الثنائية التي تجمع بين منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا تبلغ 120 بليون دولار أمريكي بينما تهيمن التجارة المتبادلة بين دول مجلس التعاون الخليجي الست وإفريقيا على هذا التدفق؛ حيث بلغ إجمالي التجارة الثنائية حوالي 80 بليون دولار أمريكي العام الماضي، وفي السنوات الأخيرة اضطلعت دول الخليج أيضًا باستثمارات كثيفة في الشركات والأصول الإفريقية فقامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر باستثمار وشراء أصول وشركات في جنوب إفريقيا والسودان وإثيوبيا ودول إفريقية أخرى.

عراقيل على طريق التعاون مع التكتلات الإقليمية الأخرى

على الرغم من التقدم الملحوظ الذي تشهده سبل وقطاعات التعاون القائمة بين مجلس التعاون الخليجي وغيره من الكِيانات الاقتصادية والتكتلات الإقليمية فإنه ما تزال هناك العديد من العراقيل والصعوبات التي تواجه تلك السبل.

أولًا: تواجه عملية التكامل القائم بين دول مجلس التعاون الخليجي تحديات وإخفاقات منها تلك المتعلقة بالعوائق  الاقتصادية التي تُعد جلية وواضحة.

ثانيًا: يتعين إشراك وتشجيع القطاعات الاقتصادية غير الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكبر فقد نجحت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي في نشر الثروة بين أفراد الطبقة الوسطى على نطاق واسع إلى حد ما بين المواطنين الذين كانوا يعانون وبشكل عام من قبل جيلين فقط من الفقر المدقع، إلا أن توزيع الثروة من خلال قنوات مثل التوظيف الحكومي السخي قد نجم عنه مواجهة المنتجين المحليين للتكاليف المرتفعة. وكما هو الحال في البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع فإن إنشاء الشركات وتشغيلها في دول مجلس التعاون الخليجي ليس أمرًا زهيدًا لا سيما عندما تقع تلك الشركات تحت ضغط التوظيف من يتوقعون أن تكون الأجور وساعات العمل مشابهة لتلك الحزم السخية المتوفرة في الجهات الحكومية.

وبذلك نصل إلى ثالث العراقيل في طريق التنمية المستقبلية لدول مجلس التعاون الخليجي ألا وهو الاقتصاد المعتمد وبشكل رئيسي على الطاقة؛ فقد أدى نجاح عملية التنمية الاقتصادية القائمة على تصدير الطاقة إلى تحسن كبير وملحوظ في مستويات المعيشة على الصعيد الوطني، كما أن تكاليف الإنتاج وأسعار الصرف الحقيقية أصبحت مرتفعة بينما ظلت مستويات الإنتاجية على حالتها الثابتة مما يؤكد أن وتيرة التنمية الاقتصادية البطيئة لدول مجلس التعاون الخليجي وانخفاض كفاءتها الإنتاجية يمكن أن يحدا من قدرتها التنافسية على الصعيد العالمي.

مقالات لنفس الكاتب