; logged out
الرئيسية / التوازن في الخليج يتطلب توطين المسيرات والصواريخ الباليستية أو امتلاك النووي

العدد 181

التوازن في الخليج يتطلب توطين المسيرات والصواريخ الباليستية أو امتلاك النووي

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

يواجه العالم سلسلة من الصراعات المحتملة والمستمرة في 2022-2023م، تُوقِد معها حروباً على المستوى السياسي والاقتصادي، وتثير تنافساً على مزيد من القوات العسكرية الفتاكة سواء للردع أو لممارسة النفوذ السياسي. تُشكِّل هذه الحروب مخاطر جسيمة وقد تتصاعد بشكل حادٍّ، وبِطُرُق غير متوقَّعة سوف تُحدِث آثارها على امتداد السنوات الخمس إلى العشر القادمة على الأقل.

وهنا يثار التساؤل : ماذا يمكن أن يأتي به المستقبل في نهاية المطاف من الأزمات والمواجهات والصراعات والاتجاهات المختلفة؟ إن مستوى المواجهة العسكرية بين القوى الكبرى قد ارتفع بشكل حادٍّ، وأصبح التنافس بينها يعادل الحرب السياسية والاقتصادية. إن العالم لا يتجه نحو السلام، ولكنه يتجه نحو القمع والحرب، وتتبدَّى الأشكال الجديدة للحرب الباردة للتفرقة بين جميع القوى الكبرى في العالم. بينما تتمتع أعداد قليلة جداً من الدول الأصغر بمستويات قوية من التنمية وتتجه نحو السلام والاستقرار.

الأوضاع العسكرية في 2022م

هناك مجموعة واسعة من الحروب الأخرى النشطة والمحتملة، سَبَق معظمُها الحرب في أوكرانيا، وتنطوي على تهديدات وصراعات فعلية يبدو أنها سوف تستمر لسنوات قادمة. تمثل شمال إفريقيا والشرق الأوسط والخليج العربي مراكز رئيسية لهذه الحروب. كما يبدو من المرجح أن السودان وإثيوبيا وإريتريا وتيجراي والصومال واليمن ستظل بؤراً ساخنة في المستقبل.

تشمل القائمة العالمية للصراعات المستمرة في 2022-2023م، والتي يبدو من المرجَّح أن تستمر في التأثير على الأمن العالمي في المستقبل: - الأزمة الأوكرانية - التنافس بين الغرب وروسيا في الاقتصاد والسياسة والطاقة - تحديث القوة التقليدية وتعزيزها من قِبَل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وروسيا - تطوير القوى النووية والردع بين القوى الكبرى - تطوير قدرات الضربات الدقيقة والدفاع الجوي/ الصاروخي والتقنيات الناشئة والتخريبية - الانتقال من التعاون والمنافسة مع الصين إلى المواجهة والتخطيط النشط للحرب - التوترات في الشرق الأوسط والخليج - حرب الكوريَّتين - صراعات المنطقة الرمادية، والإفساد، والحرب بالوكالة - الحرب في الدول الهشة والمنقسمة والسلطوية والمتخلفة. وتشير استراتيجية الأمن القومي الأمريكي (أكتوبر 2022م) أن التحدي الأخطر في مواجهة الولايات المتحدة هو مساعي الصين لإعادة تشكيل منطقة المُحِيطَيْن الهندي والهادي والنظام الدولي ليناسب مصالحها. ويمثل الوضع الحالي نقطة الانعطاف إذ ستكون السنوات العشر القادمة العقد الحاسم في المنافسة بين أمريكا والصين حول تشكيل العلاقات الحاكمة للشؤون العالمية في كل منطقة عبر الاقتصاد والتكنولوجيا والدبلوماسية والتنمية والأمن.

يبدو أن الصين أكثر نجاحاً بكثير من روسيا في التحرك نحو النقطة التي يمكنها فيها التنافس مباشرة مع الولايات المتحدة وشركائها الاستراتيجيين في القوة العسكرية التقليدية. بالإضافة إلى توسيع قواتها التقليدية، تتقدم الصين بسرعة وتطور قدراتها في مجال الفضاء، والأسلحة المضادة في الفضاء، وقدرات الحرب الإلكترونية والمعلوماتية لدعم نهجها الشامل للحرب المشتركة. كما تعمل على توسيع البصمة العالمية لجيش التحرير الشعبي وإنشاء بنية تحتية خارجية وقواعد أكثر قوة للسماح لها بإبراز قوتها على مسافات أكبر، وتسعى بالتوازي مع ذلك إلى تحديث وتوسيع قدراتها النووية.

استراتيجيات حروب المستقبل

تقدم الهجمات الروسية دليلاً واضحاً على حقيقة أن القتال في المستقبل من المُرَجَّح أن يشمل هجمات أكثر كثافة مع تعمُّد استهداف الأهداف المدنية على الرغم من "قوانين" الحرب. من الواضح أن قوانين الحرب غير قابلة للتنفيذ، ولم يُبذَل سوى القليل من الجهد لإيجاد وسائل ردع أكثر فعالية لمثل هذه الضربات بالصواريخ والمُسيَّرات على المدنيين. ذكر وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويجو" صراحة في نوفمبر 2022م، أنه "من خلال الضربات الموجَّهة بدقة، نواصل ضرب منشآت البنية التحتية العسكرية بشكل فعَّال، فضلاً عن مواقع أخرى للحد من الإمكانات العسكرية لأوكرانيا". وقال "بوتين" إنه لن ييأس ولن يتردد عن تحقيق الأهداف الأولى للحرب، وهو يعتقد وسيظل يعتقد أن أوكرانيا ستُهزَم يوماً ما، ولذلك لن يتراجع. إنها حقيقة قاتمة للحرب الحديثة، إذ أظهرت الصراعات الأخيرة أن خوض أي حرب في المناطق المأهولة بالسكان، أو المدن التي تحوي خطوط اتصال رئيسية، أو تُستخدَم فيها المِدفعية بالقرب من المراكز السكانية والبنية التحتية الحيوية، ستؤدي إلى خسائر مدنية خطيرة وتُلحِق أضراراً جسيمة بالمنشآت المدنية، فضلاً عن إرغام الملايين على مغادرة وطنهم.

بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022م، وتحوَّل الأمر إلى حرب استنزاف على الأرض، وتصاعدت الآن إلى مستوى استراتيجي. حصلت أوكرانيا على دعم سخيّ من الغرب ودول أخرى لتكون قادرة على الدفاع ضد روسيا إلى الحد الذي أجبرت فيه روسيا على التعبئة. قدمت الولايات المتحدة وحدها حوالي 60 مليار دولار من الأسلحة والمساعدات الاقتصادية وغيرها من أشكال الدعم لأوكرانيا بحلول أوائل أكتوبر 2022م، وهي تخوض حرباً مكافئة ضد روسيا بالوكالة. أيضاً قدَّمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والعديد من الشركاء الاستراتيجيين الآخرين مساعدات كبيرة. أطلقت روسيا أكثر من 16 ألف هجوم صاروخي على أوكرانيا منذ بداية الحرب، واعترفت باستهدافها مصادرَ الطاقة. لقد وضعت روسيا اقتصادها الآن في حالة حرب، واستدعت الاحتياطيات، وجمعت مئات الآلاف من القوات، بما في ذلك المُجَنَّدين والمتطوعين. هذا الجيش مجهز بأحدث الأسلحة الروسية، وعلى عكس الكثير من التقارير الغربية، فهو بعيد كل البعد عن الإحباط. من ناحية أخرى، استنفدت أوكرانيا ترسانة أسلحتها وهي تعتمد كليًّا على الدعم العسكري الغربي لمواصلة الحرب. بمجرد أن تتجمد التربة السوداء في أوكرانيا، ستبدأ هجمة روسية ضخمة. وربما بدأت بالفعل في مركز النقل المهم في "باخموت"، ويتوقع البعض سقوط "باخموت" وأنه بدون المزيد من الدعم الغربي، ستستعيد روسيا "خاركوف" و"خرسون" وما تبقى من "دونباس" بحلول الصيف المقبل.

وبالطبع فقد جرى التلويح بأسلحة الدمار الشامل، وهي أسلحة نووية، أو إشعاعية، أو كيميائية، أو بيولوجية، أو أي وسيلة أخرى تلحق الضرر بعدد كبير من البشر. وهناك من يعتقد أن الردع النووي لن يكون آمنًا من الفشل إلى الأبد، ومن الصعب تصديق أن ضبط النفس عبر الستين عامًا الماضية يمكن أن يستمر خلال القادم من الزمن، فأي استفزاز أو تهَوُّر أو خطأ يمكن أن يؤدي إلى كارثة نووية.

القوة التقليدية مقابل القوة المستحدثة

أظهرت ثورة المعلومات شكلًا جديدًا من أشكال القوة يُضاف إلى القوى الصلبة والقوى الناعمة وهو القوة الإلكترونية. ولقد أحدثت القوة الإلكترونية تأثيرات بالغة على المستويين المحلي والدولي، وهو ما يعني تغيراً في علاقات القوى في السياسة الدولية. وقد ساهم في بروز مفهوم القوة الإلكترونية عوامل مستحدثه منها الثورة التكنولوجية والتطور الذي صاحب استعمال الفضاء الإلكتروني، أو ما سُمّي بالفضاء السَّيبَرَاني، وتبادل الهجمات الإلكترونية بين الدول، وأعمال القرصنة والتجسس من خلال شبكات الاتصال. يبحث قادة الدول عن سياسات أمنية تُضعف من قدرات الطرف الآخر وتزيد من قوتها النسبية تجاهه، وتحاول الدول العظمى الهيمنة في منطقتها وتحرص على ألا تسيطر قوة عظمى منافِسة على منطقة أخرى، ويظل الهدف الأساسي لكل قوة عظمى أن تزيد من نفوذها العالمي إلى أقصى حد.

تُقارِب هجمات الفضاء الإلكتروني الهجمات التقليدية في النتائج، لكنها تختلف في استراتيجيات ووسائل التنفيذ. فهي تُحدث خسائر مادية من خلال إصابة أو تدمير نظم المعلومات المسؤولة عن التحكم والسيطرة للمرافق الحيوية الكونية. ويتنافس المُخططون للحرب وغيرهم في تنمية قدرات استخدام وتطوير أسلحة وأساليب جديدة في مستقبل حروب الفضاء السيبراني. هناك تصاعد في دور الفضاء الإلكتروني في تنامي النشاطات السرية الدولية في الشرق الأوسط، من أبرزها نشاط أقمار التجسس، واختراق أجهزة ونظم الاتصالات ووجود خدمات لأجهزة الاتصالات خارج نطاق السيطرة على بياناتها عبر الأقمار الاصطناعية.

تشير بعض الدراسات إلى تراجع دور القوة العسكرية في العصر الحديث لصالح أشكال أخرى للقوة، مما انعكس على مفهوم القوة في الحروب التقليدية. لقد أضحت الترسانات النووية للقوى الكبرى مكبلة بالأغلال رغم أنه تم حصر أكثر من 50 ألف سلاح نووي لم يتم استخدامها في الحرب منذ 1945م، وهذا لا يعني أن الأسلحة النووية لا تلعب دورًا في السياسة العالمية. وفي المقابل تزايدت تكاليف القوة التقليدية بشكل أكبر، كما يواجه استخدام القوة العسكرية قيودًا داخلية لا سيما في الدول الديمقراطية، بالنظر إلى ما تمثله من مخاطر على النمو الاقتصادي. لا يمكن إهمال القوة العسكرية كأداة حاسمة في العلاقات الدولية لكنها لا تكفي وحدها للحماية، ومع تطور التكنولوجيا الحديثة أصبحت حسابات القوة العسكرية أكثر تعقيدًا وتشابكًا. وتغيرت طبيعة التحالفات من تحالفات عسكرية إلى تحالفات اقتصادية مثل "النافتا" والاتحاد الأوروبي و"آسيان"، كما برزت ظاهرة الاعتماد المتبادل بين الدول، وتزايد دور الشركات متعددة الجنسيات على الصعيد العالمي، وتصاعدت المشكلات والقضايا في بعض المجتمعات مثل الفقر والبطالة والتلوث البيئي. يؤكد الواقع أن الدولة لن تعمل اقتصاديًا بشكل جيد دون وجود بيئة أمنية مستقرة، ولا يمكن إنكار أهمية القوة العسكرية لمواجهة التحديات الجديدة وعلى رأسها الإرهاب. ويحتاج تحقيق أهداف المصلحة القومية ضرورة وجود قوة ذكية ناجحة تمزج بين القوتين الناعمة والصلبة.

الدروس المستفادة من الحرب الروسية-الأوكرانية

تصاعدت المواجهة الحالية إلى مستوى الحرب السياسية والاقتصادية وقد يتبعها صراع لتحديث وإعادة تشكيل القوات العسكرية على كل جانب بأبعادها التقليدية والنووية. لقد خلقت الحرب في أوكرانيا صراعات سياسية واقتصادية واسعة بين روسيا وجزء كبير من الغرب منذ بدء الصراع في أوكرانيا. وبينما حشدت روسيا نحو 300 ألف جندي حتى أكتوبر، شنت الولايات المتحدة وغيرها من أنصار أوكرانيا حرباً اقتصادية من خلال العقوبات والقيود التجارية على روسيا تضمنت وقف استيراد الغاز وغيره من الواردات من روسيا، فضلاً عن تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية لأوكرانيا. تقوم الولايات المتحدة وكندا ودول حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأخرى بعمليات نقل أسلحة ومساعدات أمنية ودعم مالي واقتصادي لأوكرانيا بينما تشن في الوقت نفسه حرباً اقتصادية وسياسية مباشرة ضد روسيا. ويبدو من المؤكد أن هذا الشكل من الحرب الاقتصادية والسياسية، والتعزيزات العسكرية الرئيسية، سيتصاعد باطراد وقد يستمر لسنوات قادمة. ورد بوتين بتعبئة روسيا، وشن حملة سياسية كبيرة ضد الغرب، وشجب الولايات المتحدة والدول الأخرى لدعمهم أوكرانيا، واتهم الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بالسعي للهيمنة على أوروبا وعزل روسيا وتقطيع أوصالها. وكان الرد الروسي مزيجًا من التصعيد العسكري واستهداف البنية التحتية لأوكرانيا والحرب الاقتصادية على صادرات الطاقة. جرى تدمير ما يقرب من ثلث مرافق توليد الكهرباء وغيرها من مرافق توليد الطاقة، وحُرِم 1.5 مليون أوكراني من الكهرباء ومن مياه الشرب الآمنة لعدة أيام. وامتدت الهجمات لتشمل صادرات الحبوب الأوكرانية وأهدافًا أخرى تقوّض الاقتصاد الأوكراني بأكمله. وسوف يتطلب الأمر برنامجاً ضخماً للتعافي بعد الحرب، ومع تقدُّم الشتاء يتعين اتخاذ خيارات صعبة بين إتاحة الدفء أو الطعام. استخدمت روسيا صواريخ ومُسيَّرات دقيقة التوجيه يقال إن مصدرها من إيران في تدمير الأهداف الاقتصادية الأوكرانية، وصد أنظمة الدفاع الجوي الصاروخية الأكثر تقدماً التي توفرها الولايات المتحدة لأوكرانيا. وستعمل التكتيكات الروسية الجديدة والضربات الصاروخية على إطالة أمد القتال وشدته، ورفع تكلفة المساعدات العسكرية والمدنية بشكل حاد وتكلفة تعافي ما بعد الحرب. ويبدو من المرجح أن تستمر روسيا في استخدام مثل هذه الهجمات الصاروخية والجوية وربطها بالتهديد بالتصعيد إلى مسرح حرب نووية.

نجحت روسيا في الرد على الناتو والقوى الخارجية الأخرى التي تدعم أوكرانيا من خلال شن حرب طاقة ألحقت أضراراً بالغة بالعديد من الاقتصادات الغربية. وتفاعلت حرب الطاقة هذه مع تأثير كوفيد وما ترتب عليه من مشاكل اقتصادية أخرى. والنتيجة النهائية هي أن الغرب ربما عانى بقدر ما عانت روسيا. كان لحرب الطاقة أيضاً العديد من التأثيرات السلبية على بقية العالم. لقد ساعدت في خلق أزمة عالمية أوسع نطاقًا في الإمدادات الغذائية، ومستويات الفقر الدولية المتزايدة. يبدو من المؤكد أن هذا الشكل من الحرب الاقتصادية والسياسية، والتعزيزات العسكرية الرئيسية المتنافسة، سيتصاعد باطراد وقد يستمر لسنوات قادمة.

حرب أوكرانيا وسباق التسلح التقليدي

تشير تقديرات منظمة حلف شمال الأطلسي إلى أن الولايات المتحدة أنفقت 793.99 مليار دولار على القوات العسكرية في عام 2021م، وأن إجمالي ما أنفقه حلف الناتو 1,096.6 مليار دولار. في المقابل، يقدر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن روسيا أنفقت 62.2 مليار دولار فقط، أي أن إنفاق حلف الناتو يعادل 17 مرة ضعف الرقم الروسي. حسب تقديرات الناتو فإن الإنفاق العسكري الرسمي للصين كان 270 مليار دولار، وهو ما يمثل 5.4 أضعاف ما تنفقه روسيا على القوات العسكرية. تعتبر هذه المقارنات حاسمة لأنه يبدو من المرجح أن شتاء 2022-2023م، سيشكل بداية مواجهة عسكرية دائمة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، وأن سباقاً لتحديث وتحسين القوات العسكرية سيستمر. حددت استراتيجية الأمن القومي الأمريكية (أكتوبر 2022م) الصين باعتبارها التهديد الرئيسي للولايات المتحدة، وتبعها مؤخراً العديد من الشركاء الأمنيين الرئيسيين للولايات المتحدة في الناتو، ولا سيما بريطانيا.

قدرات الضربات الدقيقة، والدفاع الجوي والصاروخي، وتنامي تكنولوجيات التخريب

من المهم أيضاً وضع أي سباقات تسلح في السياق المناسب. سيكون للتقدم في التكنولوجيا العسكرية تأثيره الخاص وسيتعين على جميع القوى الكبرى في العالم أن تتنافس في إنفاق مبالغ كبيرة على التكنولوجيا العسكرية الجديدة والأسلحة وأشكال الحرب الجديدة. أظهرت روسيا وأوكرانيا أن الأسلحة التقليدية الجديدة ذات القدرات الضاربة الدقيقة، والتقدم في الاستهداف وأشكال الاستخبارات ذات الصلة، يمكن أن تُحدِث فرقاً كبيراً في كل من القتال العسكري وضرب الأهداف المدنية. تتراوح هذه الأسلحة من أنظمة قصيرة المدى مثل الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المُسيَّرة إلى الصواريخ بعيدة المدى ومِنصَّات الإطلاق التي تتراوح من الأسلحة المحمولة إلى قدرات الضربة على مستوى مسرح العمليات.

تمتلك الولايات المتحدة وعددٌ من الدول الأوروبية بالفعل أنظمة ضربات تقليدية دقيقة بعيدة المدى يمكنها تدمير البنية التحتية الحيوية والأهداف ذات القيمة العالية، وتعمل جميع القوى الكبرى في العالم على تطوير تكنولوجيات للوصول إلى مدى أبعد لصواريخ باليستية وصواريخ جوالة واستحداث أنظمة جديدة. تشمل التطورات الأخرى نشر طائرات الجيل الخامس المتقدمة، والأسلحة متعددة المنصات.

تعني هذه التطورات أن الدفاعات الصاروخية والجوية ستكون مجالاً للمنافسة، وشكلاً آخر من أشكال "الحرب". كما أن التقدم في دقة الضربات سيزيد من خطر العديد من الأنظمة الجديدة لأنها قد تصبح ذات قدرة مزدوجة أو تُحَمَّلُ برؤوس حربية نووية. وحتى أنظمة الدفاع الحالية الأكثر تقدماً مثل "إس 400" الروسية و"باتريوت" الأمريكية لا تحتمل مزيدًا من التطوير، وهناك أسباب وجيهة لماذا تُلِحُّ أوكرانيا للحصول على مزيد من الدفاعات الجوية والصاروخية المتقدمة، ولماذا ستسعى روسيا إلى تسريع عملية التطوير لأنظمتها الجديدة، ولماذا تفكر الولايات المتحدة والأوروبيون في حلف شمال الأطلسي في الاستثمار الكبير على المدى القريب في دفاعات مؤثرة على ساحة مسرح العمليات.

سلطت الحرب في أوكرانيا الضوء أيضاً على ضعف الدروع الحالية، والحاجة إلى مدفعية أكثر تقدماً، وتعرُّض السفن للصواريخ، ومجموعة من التطورات الأخرى في الاتصالات الآمنة، وإدارة المعركة، وأنظمة الدعم اللوجستي. كما أنها تتفاعل مع مجموعة واسعة من التقنيات العسكرية الجديدة التي تؤثر على استخدام الفضاء، والحرب السَّيبرانية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من التقنيات البازغة التي ستُحدث تكاملاً وثيقاً بين أنشطة العمليات العسكرية وتطويرًا في أنماط العمليات المشتركة.

لكن أسراب المُسَيَّرات، التي يُنسِّق الذكاءُ الاصطناعي انتشارَها بسرعة البرق، يمكن أن توفر احتمالية لشن هجمات جماعية لمئات من الروبوتات القتالية التي يمكنها اتخاذ قرارات الاستهداف كفريق واحد أثناء الطيران. ويمكنها معاً أن تتغلب نظريًا على طائرات مقاتلة أكبر بكثير أو حتى حاملات الطائرات.

ليست أي من هذه التطورات رخيصة التكلفة، لكن بعض عمليات الانتشار قد بدأت بالفعل، وقد ترقى إلى ثورة وشيكة في هياكل وعمليات القوة العسكرية خلال العقد المقبل. وهذا يعني أن المنافسة في تطوير ونشر القدرات والأنظمة العسكرية عالية التقنية ستكون شكلاً من أشكال "الحرب" حيث يمكن أن يحقق أحد الأطراف تميزًا كبيرًا من حيث درجة الردع والنفوذ الاستراتيجي إذا اختار التوجيه الصحيح للاستثمارات، والتكامل الأمثل للتقنيات في تطوير المنظومة.

توازن القوى الإقليمية في منطقة الخليج

تمثل إيران حالياً -من وجهة نظر عسكرية بحتة -التهديد الإقليمي الأكثر خطورة في المنطقة، وذلك يستنفر سباق التسلح مع دول الخليج العربي لمعادلة النفوذ السياسي والعسكري. وتُعَدُّ إيران قوة نووية محتملة، وربما تكون قد أكملت التصميم والاختبار السلبي للأسلحة النووية غير الانشطارية. وفي سبيلها لإمكانية الاقتراب صوب إنتاج اليورانيوم المُستخدَم في صنع الأسلحة، مع تنامي روابط أمنية واقتصادية وثيقة مع روسيا والصين. يُضاف إلى ذلك خطر أن تتمكن إيران من تشكيل تحالف أمني مع سوريا والعراق واليمن وحتى حزب الله في لبنان يتبنَّى توجهاتها السياسية.

تتنافس كل من الصين وروسيا مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على النفوذ العسكري والنفوذ الاقتصادي في المنطقة. فللصين الآن قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُسهم في تطوير موانئ باكستان وقد تُطوِّر علاقاتها مع إيران وتقيم منشآت موانئ على أراضيها خارج الخليج. أما روسيا فتجلب صواريخ ومُسَيَّراتٍ من إيران، وينشط المرتزقة الروس في الحرب الأهلية الليبية. في المقابل تتراجع علاقات الولايات المتحدة مع دول المنطقة.

دول الخليج في مواجهة التصعيد الإيراني

ولتحقيق توازن استراتيجي بعيد المدى في هذه المنطقة الحيوية من العالم، فعلى دول مجلس التعاون أن تنظر في بناء هياكل وحدوية وتعاون إقليمي، أو الاعتماد على الذات، عبر إنتاج وسائل الدفاع بتسخير الإمكانات الاقتصادية، وهناك مجالات واعدة تستحق الاهتمام الخليجي لتوطينها منها المُسَيَّرات والصواريخ البالستية الدقيقة والروبوتات والأنظمة السيبرانية كأدوات تقليدية. والخيار الآخر هو انتهاج سياسة الردع الاستباقي، وتضييق الحدود الفاصلة بين الدفاع والهجوم، وربما البحث عن حلفاء أقوياء لتحقيق مبدأ التوازن، بالدخول تحت مظلة نووية أو امتلاك سلاح نووي، للتحول إلى "توازن الرعب" الذي سيقود الطرفين على ضفتَي الخليج إلى نوع من الوفاق القسري، ومنع كل طرف من التصرف وفق مصالحه الخاصة. لا مناصَ من إعادة النظر في مفهوم دور الردع وسياسات الدفاع الوطني والإقليمي مع التبدلات الجيوسياسية والتطورات التقنية. تحقيق التوازن هو ما سيدفع طهران للقبول بمشروع للسلام الإقليمي، تحترم فيه كل دولة حدودَ جيرانها وسيادتها، وتضع قواعد تحُول دون العدوان المسلح.

سيزيد الناتو دعمه لأوكرانيا مع تعزيز دفاع الحلف وقدرته على الردع.
اجتماع وزراء دفاع الناتو في 13 أكتوبر 2022م.

 

الغواصة الباليستية النووية الروسية (SSBN) "تولا" (الأسطول الشمالي)
في مناورة لقوات الردع الاستراتيجي، 26 أكتوبر 2022م.

 

انفجار يدمر جزءًا من جسر مضيق كيرتش في شبه جزيرة القرم، 8 أكتوبر 2022م

 

 

 

مقالات لنفس الكاتب