array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

الشراكة مصلحة أوروبية لقصور تعاطيها مع اهتمامات صانع القرار الخليجي

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

سوف نمارس حق الشك التمهيدي المسموح به؛ حيث نرى أنه لم يطلق مصطلح القارة العجوز وهو الشائع على قارة أوروبا للنسبة المرتفعة لكبار السن مقارنة بالتعداد الكلي لعدد سكان القارة. ولا بسبب قدم حضارات القارة كالإغريقية والرومانية والبيزنطية. وليس لأنها جزء من العالم القديم بالأصل آسيا وأوروبا وإفريقيا؛ فحسب بل لآنها تتبع سياسة تشبه كيد العجائز، وحسابات العجائز وتحرك العجائز. فقد انهارت الذريعة الرسمية لحلف الناتو في عام 1989م، فحاولت أوروبا ترقية علاقاتها بدول الخليج عبر صفقات السلاح، بل عبر اتفاقيات أمنية، وقد نجحت في ذلك تحديدًا بريطانيا وفرنسا مع الكويت بعد حرب التحرير 1991م، خصوصًا في عقد اتفاقيات أمنية لمدة عشر سنوات جدد بعضها كما تم استبدال بعضها باتفاقيات جديدة أكثر تبلورًا، ثم اقترحت باريس في 2005م، تعزيز الحوار الأمني بين دول الخليج العربي وثماني دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي: فرنسا وألمانيا وبريطانيا واليونان وإيطاليا وهولندا والبرتغال وإسبانيا. وقد عقد اجتماع في مسقط وآخر في يونيو2010م، في لكسمبورغ. ولا زالت باريس مرتبطة باتفاقيات دفاعية، مع الكويت وقطر والإمارات، وأقيمت قواعد في الإمارات وتسهيلات في قطر والبحرين.

  المقاربة الأوسع لدور أوروبا في معادلة أمن الخليج، كانت عبر بوابة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتحديدًا من خلال مبادرة إسطنبول للتعاون (ICI). التي عقدت في إسطنبول، في يونيو 2004م، اتخذ حلف الناتو قرارين رئيسيّين: تمثَّل الأول في رفع الحوار المتوسطي إلى شراكة فعلية، وتجلَّى الآخر في إطلاق مبادرة إسطنبول للتعاون، التي قصدت أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وقد انضمت لهذه المبادرة تنظم على التوالي كل من الكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة. ولم ينضم إليها حتى الآن دولتان من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، هما السعودية وعُمان. لرفض الحلف اعتبار الخليجيين جبهة واحدة. والإصرار أن تعمل مبادرة إسطنبول وفق تفاهمات بين الناتو من جهة وكل دولة خليجية على حدة، من جهة أخرى. وتتبني مبادرة إسطنبول التعاون الخاص بمكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وحماية أمن الطاقة وممراتها الحيوية، والإصلاحات العسكرية، وإدارة الأزمات، والطوارئ المدنية، وإجراء التمارين والتدريبات المشتركة. لكن معضلة مبادرة إسطنبول هي عدم ترقيتها منذ أن قامت، وعجز الناتو في إقناع عمان والسعودية للانضمام.

وفي غبار برجي التجارة العالمي سبتمبر 2001م، أعلن وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد عملية عسكرية تنوي أمريكا شنها لمحاربة الإرهاب العالمي، تحت اسم عملية «الحرية الدائمة»، وكجزء منها تأسست في 2004م، قوة الواجب البحرية المشتركة Combined Maritime Forces «CTF 152»  والتي تتألف من 33 دولة أغلبها أوروبي وخليجي تشارك بقطع بحرية، وواجبها هو تنفيذ دوريات الأمن البحري، ومكافحة الإرهاب، والتصدي لتهريب المواد الممنوعة، ومكافحة جرائم أعالي البحار، والقرصنة. كما تقوم بأعمال البحث والإنقاذ عند حدوث الكوارث الطبيعية، وجميع ذلك وفقاً لاتفاقات القانون البحري الدولي. وفيما بينها تجري هذه الأرمادا تمارين لرفع الكفاءة القتالية للقوات المشتركة في قوة الواجب لرفع حالة الاستعداد، وللارتقاء بالجهوزية القتالية. العمليات البحرية هذه مستمرة وتضم كل دول الناتو وكل بحريات دول الخليج ومن أهم جوانب الاستفادة هو الاحتكاك مع قوة بحرية متطورة يمكن التعلم من خبراتهم في مجالات عدة، منها مساعدة القوات البحرية الخليجية مجتمعة أو منفردة على بناء أنظمة القيادة والسيطرة، وتطوير قدراتهم في هذا المجال لخوض المعارك البحرية باقتدار. كما إن من الأمن البحري ضمان أمن الطاقة للعالم وليس من صالحنا في الخليج عسكرة كل الممرات المائية العالمية، أي خطوط النفط العالمية والممرات البحرية لناقلات النفط والمياه الدولية، مما يعني ضرورة فرض الأمن على جانبي خط منتصف الخليج، وليس ترك الجانب الآخر.
الدور الأمني الأوروبي في الخليج يُعد دورًا مكملاً للدور الأمريكي، وهو حاجة سياسية أمريكية. وعلى الصعيد اللوجستي والعملاني، ليس ثمة مجال للمقارنة بين الحضورين الأوروبي والأمريكي في الخليج العربي. فالاتفاقيات الدفاعية بين الولايات المتحدة والدول العربية في الخليج تعود إلى العام 1945م، وقد تطوّرت هذه الاتفاقيات وهناك اليوم قواعد ومنشآت أمريكية في غالبية أقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. أما الوجود العسكري الأوروبي، فيقتصر حاليًا على "معسكر السلام البحري" الفرنسي في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما توجد "تسهيلات" خاصة للقوات البريطانية في سلطنة عمان والبحرين وقيادة قوة الواجب البحرية المشتركة Combined Maritime Forces «CTF 152» . وهناك حوار أمني خليجي أمريكي مشترك؛ هو مبادرة "حوار أمن الخليج" (Gulf Security Dialogue (GSD)). وهو آلية التنسيق الأمني الرئيسية بين الولايات المتحدة وأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهو يهدف إلى توفير إطار عمل للعلاقات الأمريكية الخليجية في ستة مجالات، هي: تحسين القدرات الدفاعية لدول الخليج، وقضايا الأمن الإقليمي ومكافحة انتشار الأسلحة النووية، والتصدي للإرهاب العابر للدول، وتعزيز الأمن الوطني، وحماية البنية التحتية الحيوية. وتتم في إطار هذا الحوار لقاءات ثنائية سنوية، تُعقَد بالتناوب في كل من واشنطن والعواصم الخليجية. ولا تتوفر مثل هذه الآلية على مستوى العلاقات الخليجية الأوروبية. كما لا ترتقي مبادرة إسطنبول، بحال من الأحوال، إلى مستوى الحوار الأمني الخليجي الأمريكي.

  ومن ذلك نرى أن تعاون 33 دولة خلال 30 عامًا كانت تُحرّكها فيما مضى هموم اقتصادية وتجارية وسياسية متباينة إلى حد كبير كانت تتسبّب أحياناً بمنافسة بين  أعضاء الاتحاد أنفسهم، ثم أتت "الشراكة الاستراتيجية مع الخليج"  وفي 18 مايو 2022 لخص جوزيب بوريل؛ الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية   هذه الشراكة  عبر استعراض عدد من الدوافع  الكثيرة والتي من ضمنها الجوانب الدفاعية والأمنية -التي سنركز عليها- حيث عدد بوريل  أجزاءً منها - سنناقش ما يحتاج إلى إلقاء الضوء- كانعدام الأمن ووجود تحديات كبيرة تواجه النظام الدولي القائم على القواعد، وتفاقمها بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، وحاجة الطرفين للاستفادة من شراكةٍ أكبر . فنحن كما قال بحاجة إلى العمل معًا بشكل أوثق على الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، والتهديدات الأمنية العالمية.

لكن الحقيقة في تقديرنا تعود إلى أن الأحداث الخارجية، مثل تراجع النفوذ العالمي للاتحاد الأوروبي في أعقاب خروج بريطانيا منه، والانسحاب التدريجي للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، أصبحت وسيلة  ضغط على أوروبا  لإعادة النظر  في علاقاتها  مع الخليج، وخاصة أن الأخيرة الآن أكثر انخراطًا في الاقتصاد السياسي والأمني الأوسع للشرق الأوسط  . 

لقد عدد جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية أسبابًا كثير لضرورة هذه الشراكة منها انعدام الأمن ووجود تحديات كبيرة تواجه النظام الدولي القائم على القواعد، وتفاقم تبعات الحرب الروسية الأوكرانية، وحاجة الطرفين الخليجي والأوروبي للاستفادة من شراكةٍ أكبر وأكثر استراتيجيةً تشمل عدداً من المجالات الرئيسية؛ فالعمل معًا – كما قال -بشكل أوثق على الاستقرار في الخليج والشرق الأوسط، والتهديدات الأمنية العالمية.

وبين التكتل الأوروبي الذي يضم 27 دولة ودول مجلس التعاون الخليجي الست صادق البرلمان الأوروبي على "وثيقة الشراكة " Joint Communication on a “Strategic Partnership with the Gulf” والتي تضم 21 بندًا، تشمل مجالات مختلفة من السياسة والأمن إلى المناخ مرورًا بالاقتصاد والطاقة.

وقد رحب مجلس التعاون لدول الخليج العربية، على لسان معالي الدكتور نايف فلاح مبارك الحجرف، الأمين العام للمجلس بإعلان الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، اعتماد ورقة العمل المشتركة والتي أعلن عنها اليوم الأربعاء 18 مايو 2022م. لكن توقيع الوثيقة لا يعني مظلة أمنية بأية درجة؛ بل مصلحة أوروبية في ظل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تحظى دول مجلس التعاون الخليجي باقتصادات ديناميكية وتعدّ بوابة أساسية تصل بين أوروبا وآسيا وإفريقيا. كما أنها مزود موثوق به للغاز الطبيعي المسال وتملك أحد أفضل موارد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في العالم، الأمر الذي يجعل تطويرها عاملاً أساسيًا في تنفيذ الاستراتيجيات المشتركة للوفاء بالالتزامات المناخية. نقول إنها مصلحة أوروبية لقصور تعاطيها مع ملفات تثقل كاهل صانع القرار السياسي الخليجي، وأهمها ملف إيران، حيث يروج جوزيب بوريل أن الجانبين الأوروبي والخليجي يتشاركان الوضع الناجم عن عدم وجود اتفاق مع الإيرانيين بشأن البرنامج النووي هو من القضايا التي نريد أن نعمل مع دول الخليج بشأنها، فالتكتل الأوروبي بات يدرك في الآونة الأخيرة أن الوضع الأمني والاستقرار في منطقة الخليج لهما عواقب مباشرة على الاتحاد الأوروبي.  لكنه يعود للتقليل من التضامن الأوروبي مع الخليج تجاه الملف الإيراني وما يمثله تحرك طهران في الساحة الإقليمية فيصب ماءً باردًا بالإشارة إلى تقدم الخطوات الإيجابية واستئناف الحوار مع إيران حيث أن الوثيقة أشارت إلى أنه بالرغم من كون إيران مهمة للأمن في المنطقة، إلا أنها تبقى مصدر تهديد للاستقرار عبر دعمها المباشر وغير المباشر للوكلاء السياسيين والعسكريين، فضلاً عن نشر الصواريخ الباليستية، ونقل الأسلحة إلى جهات فاعلة حكومية وغير حكومية. وكان الأحرى بجوزيب بوريل العمل على إعادة تشكيل الاتفاق النووي مع إيران، وممارسة المزيد من النفوذ الدبلوماسي عليها من أجل نزع فتيل التوترات بينها وبين دول مجلس التعاون.

 أما موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة في اليمن فطوال فترة النزاع، ظل الاتحاد الأوروبي نشطًا في ثلاثة مجالات هي الدعم السياسي، والمساعدات الإنسانية، والمساعدات التنموية، وقد استخدم الاتحاد الشق السياسي لدعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى تسوية للسلام في اليمن، لكن هذا الشق كان من جانب لتغطية المساعدات الإنسانية، والمساعدات التنموية وكلها كانت تصب في صالح الحوثة، فأين ما قدمه الاتحاد الأوروبي من 15 مليون يورو دعمًا لأنشطة الأمم المتحدة؟ وفي تقديرنا أن من ذلك الجانب السياسي اتفاق ستوكهولم في ديسمبر 2018م، الذي أقر عددًا من تدابير بناء الثقة حول مدينة وميناء الحديدة وتعز، فقد خلق تحديًا للشرعية ولم تتوقف الأعمال العدائية في تعز ولم يلتزم بما يخص ميناء الحديدة؛ وفي الجانب المقابل فإن تقارير رجال الاتحاد الأوروبي في اليمن هي التي دفعت المشرعين الأوروبيين لحظر الذخائر والأسلحة ومنعها من الوصول إلى تحالف إعادة الشرعية، فقول الممثل الأعلى الأوروبي للشؤون الخارجية والأمن، جوزيب بوريل، إن الاتفاق الأخير بشأن الهدنة وإجراءات بناء الثقة في اليمن، فرصة لتحسين الأمن والاستقرار الإقليميين على نطاق واسع كلام لا يمت للواقع بكثير صدق.

وفي الأزمة الأوكرانية يروج الاتحاد الأوروبي إلى أن التواصل مع الخليج لم يكن نتيجة الأزمة الأوكرانية ولكنه اعتراف متزايد من جانب الاتحاد الأوروبي بالحاجة إلى نهج أعمق وأكثر تنسيقاً مع دول مجلس التعاون الخليجي ويقول الاتحاد الأوروبي أنه تمت مناقشة العديد من الآراء والتوصيات قبل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا لذلك من الضروري عدم الربط بين البندين، وقد تكون آخر نقطة صحيحة لكن الغرب أعاد تعريف نفسه في الحرب الأوكرانية عبر طرق عدة منها إعادة ترتيب علاقته مع الخليج النفطي، ورص صفوف (الناتو) وتقديم دعم إلى كييف.

 وحين التعمق في موقف الاتحاد الأوروبي من الأزمة الأوكرانية نكاد نجزم أنهم ينظرون إلى امتداد الزمن العسكري للأزمة كتطور منشود وليس استجابة قسرية، فهم يفتحون ملفات عدة مع دول الخليج كملف مكافحة التطرف والإرهاب حيث لم تغفل الوثيقة ملف مكافحة الأيدولوجيات المتطرفة والإرهاب، إذ قالت "يمكن أن يؤدي انتشار الأيديولوجيات الراديكالية والمتطرفة إلى خلق أرضية خصبة للتطرف العنيف، ويمكن أن يؤدي إلى أعمال عنف". وأضافت: "يمكننا تصور مشاركة أكثر عمقًا في مكافحة الإرهاب مع شركاء الخليج، خاصة في قضايا مثل منع التطرف العنيف ومكافحة تمويله ووسائل نشره عبر الإنترنت وخارجه

في القارة العجوز فقط تبقى الكتابات القديمة حول البراغماتية المتوحشة صالحة للنشر في أي وقت فالأوضاع لم تتغير والأحوال لا تتبدل ولعل ما يشد المراقب الخليجي هو نهج المساومة الابتزازية التفاوضية لدى الاتحاد الأوروبي، فالمفاوضات   مع الاتحاد الأوروبي تستند إلى طلبات كثيرة جدًا  بشأن دول الخليج، وبالتالي يختلف الطرفان حول عدد من الأولويات ليس من اليوم فحسب بل أن هذا النهج قائم في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون  فاتخاذ معظم الإجراءات بينهما يتم بشكل ثنائي، وليس متعدد الأطراف للانفراد بدول الخليج ، وما لوح به الاتحاد الأوروبي مسعاه لإعفاء عدد من دول مجلس التعاون الخليجي من تأشيرات دخول «شنغن» سير في الاتجاه الصحيح فهي ستساهم بشكل كبير في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمارات بين الطرفين، وحين طرح الاتحاد الأوروبي تأشيرات شيغن لمواطني الكويت ودولة قطر الشقيقة وهي خطوة مستحقة مقارنة بالإمارات تم التصويت في أوروبا بالموافقة لكن لم ينسوا نهج المساومة الابتزازية التفاوضية فوضعوا شرطي الاعتراف التام بحقوق المثليين وإلغاء عقوبة الإعدام من التشريعات الكويتية والقطرية، وقد رفع الشرطين عن قطر بعد تهديد الدوحة لهم بوقف الغاز القطري ولم تكن الكويت بموقف يسمح لها بالضغط كما فعلت قطر.

كما تم إقرار زيادة مكاتب الاتحاد الأوروبي في الخليج، في سعيهم لمزيد من تعزيز الدبلوماسية العامة والتواصل الاستراتيجي بين الاتحاد الأوروبي والخليج، ولزيادة إبراز مكانة الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه في المنطقة لكن كلا التحركين يثبت ولا ينفي الابتزازية التفاوضية فلحلف الناتو مكتب في الكويت منذ أكثر من عقد ولم يتجاوز إنجازه أكثر من تقديم القوة الناعمة لدول الخليج.

 وقد أرفق الاتحاد الأوروبي خطوة تسهيل الشنغن وزيادة المكاتب بالتعهد بالتنفيذ حيث تعهد مجلس وزراء الخارجية الأوروبيين بتنفيذ هذه الشراكة مع الخليج، إذ ذكرت الوثيقة سيستخدم الاتحاد الأوروبي جميع أدواته ووسائله لضمان التنفيذ الفعال والسريع لهذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة مع منطقة الخليج.

في وثيقة "التوجه الاستراتيجي 2022"، للاتحاد الأوروبي حزمة شاملة تتكون من ركائز: أهداف وطموحات سياسية جديدة للأوروبيين لتحمل مسؤولية أكبر عن أمنهم ودفاعهم، وأدوات مالية جديدة لمساعدة الدول الأعضاء وقطاع الدفاع الأوروبي على تطوير قدرات دفاعية، ومجموعة من الخطوات تابعة للإعلان المشترك للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي والتي حددت مجالات التعاون. وعليه فالتقرب السابق للاتحاد الأوروبي لا يأتي منعزلاً عن تقرب حلف شمال الأطلسي للخليج عبر مبادرة إسطنبول.

وسياسة الأمن والدفاع المشتركة أو مسار عمل الاتحاد الأوروبي في مجالات الدفاع وإدارة الأزمات، تتضمن منع الصراع وتعزيز الأمن الدولي وفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة. ويتكون هيكل سياسة الأمن والدفاع المشتركة -الذي يرأسه الممثل السامي للاتحاد، جوزيف بوريل، والذي يشار إليه أحيانًا باسم اتحاد الدفاع الأوروبي من هياكل عدة للصناعات الدفاعية للمفوضية الأوروبية. وهيكل إدارة الأزمات والتخطيط وهيكل القيادة والتحكم في الاتحاد الأوروبي أصغر بكثير من هيكل قيادة منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مما دفع إلى الاتفاق على إمكانية استخدام عمليات قيادة الحلفاء التابعة لحلف الناتو في تنفيذ مهام الاتحاد الأوروبي. وهنا نتوقف عند توجه الاتحاد لاستحداث أداة عسكرية ضمن أدوات الاتحاد الأوروبي.  لتشكيل "قدرة الاتحاد الأوروبي للانتشار السريع" EU Rapid Deployment Capacity الوارد ذكرها في وثيقة "التوجه الاستراتيجي 2022"، بحيث تدخل وحدات المناورة فيها حيز التنفيذ بحلول العام 2023، ووفق موقع وزارة الدفاع الهولندية ستتولى ألمانيا قيادة هذه القدرة، وستساهم هولندا بعدد 150 كتيبة، وستساهم لوكسمبورج بعدد من الأقمار الصناعية التي ستقوم بالاستطلاع لصالح هذه القوات، وستوفر بلجيكا قدرات متخصصة لم يعلن عن تفاصيلها. وهذا بالكاد يكفي للدفاع عن أوروبا، رغم أن دول مجلس التعاون الخليجي شريك موثوق به ويعتمد عليه، وهو هيكل جذاب لوفرة موارده وقيمته الاستراتيجية ليس للاتحاد الأوروبي فحسب بل للصين وروسيا وكتل أخرى، والصحيح أن تلويح واشنطن بالانسحاب من الشرق الأوسط قد فقد زخمه فإن أمريكا لا تزال الشريك الأمني الأساسي لدول الخليج، ولا سيما أن كلاً من روسيا والصين، لا تستطيع ، أو  لا تريد ، أن تحل محلها في المنطقة. وبالتأكيد لا نريد أن يكون البديل حليف بضعف الاتحاد الأوروبي بمثل ما احتواه "التوجه الاستراتيجي 2022" للاتحاد. يضاف إلى ذلك القراءة السلبية للشعوب الأوروبية حيال تدخلها في الأزمات الدولية بعد كارثتي أفغانستان والعراق. بل وحتى في الأزمة الأوكرانية فقد نفذ "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية" استطلاع رأي حول رؤية عينة من المواطنين الأوروبيين لمشاركتهم في الأزمة الأوكرانية، حيث أظهرت النسبة الأكبر من العينة أن الحرب ستؤثر بالسلب على مستقبل الاتحاد الأوروبي وستترك الاتحاد الأوروبي أضعف مما هو عليه، وهذا بصرف النظر عن موقف العينة من الحرب، فمنهم من يرى أنه من حق أوكرانيا استعادة مجمل الأراضي التي سيطرت عليها روسيا حتى تنتهي الحرب، ومنهم من يرى ضرورة إنهاء هذه الحرب في أسرع وقت ممكن، ومنهم من يتأرجح بين هذين الموقفين، والقاسم المشترك بينهم هو توقعهم أن هذه الحرب ستترك الاتحاد الأوروبي أضعف مما هو عليه. فهل نتوقع دعم شعبي أوروبي لو تدخل الاتحاد لصالح دول الخليج مقارنة بموقف الرأي العام الأمريكي؟ نشك في ذلك.

مقالات لنفس الكاتب