array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 183

إيران تغير استراتيجياتها على ضوء تغير الأزمات لمنافسة القوى المناوئة في إفريقيا

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

على رغم اعتياد النظام الإيراني تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج وربطها بالقوى الغربية أو إسرائيل، لكنه الآن وصل حد تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج من خلال مهاجمة المناطق الكردية وقصفها، سواء التي في إيران أو في إقليم كردستان العراق، على نحو أدى إلى مزيد من تعميق أزمة الأقليات الإيرانية. عملت إيران على تصدير الأزمة الداخلية التي لم تنجح في إخمادها حتى الآن لتشتيت الانتباه عما يحدث في الداخل، لا سيما أن الانتقادات الدولية تتصاعد تجاه تعامل النظام مع المتظاهرين وما زالت هذه الاحتجاجات تشهد زخماً وتضامناً عالميين.

تهدف الورقة إلى بحث ما يحدث في إيران من احتجاجات شعبية وأزمات داخلية وتداعياتها على علاقاتها بقارة إفريقيا خاصة بعد تمدد النفوذ الإيراني في القارة ومستقبل ذلك على النفوذ السياسي والديني والمذهبي والاقتصادي في إفريقيا.

أولًا: تحليل الأزمات الداخلية في إيران

يُعاني الداخل الإيراني سواءً على مستوى المجتمع أو الدولة من مصاعبَ جمّة كارتفاع معدل الجريمة وسوء التّغذية (التي طالت 70 % من السكان) وشبكات نقل وكهرباء عفا عليها الزمن وظاهرة الهروب من المدارس بالإضافة إلى عدم مشروعيّة الحكومة. وعلى الرغم من هذه المصاعب وتعدُّدها ثَمَّة أزماتٍ عميقة تدور حول الهُويّة الوطنيّة والبنية التحتيّة واتساع فجوات الدخول. ومع مرور الوقت ازدادت هذه الأزمات سوءًا ولم تعالجها أيٌ من الحكومات المُتعاقبة.

وعلى صعيد الأمن المائي، تُعاني شبكات مياه الشرب في إيران من أزمةٍ خانقة؛ حيث أنّ 30 -40 % من أنابيب مياه الشرب المستخدمة لم تُجر لها عمليّات صيانة منذ ستين عامًا. وبلا شكّ تُعاني هذه الشبكات المتهالكة من نسب تسرُّب المياه، إذ تقدرُ كميات المياه المهدورة سنويًّا بـ30%. وعلى صعيد خدمات الطاقة، أصبح انقطاع التيار الكهربائي ظاهرةً معتادة وستَتَفاقم ما لم تقُم الحكومة الإيرانية بإجراءاتٍ تُعالج بها شبكات الكهرباء المتردية في البلاد.

كما أنّ معظم خطوط شبكات الكهرباء شُيّدت في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي؛ بمعدل عمرٍ افتراضي يصلُ إلى خمسين عامًا تقريبًا. والآن تهالكت بالفعل وتحتاج إلى تطويرٍ عاجل. أمّا المدارس فتعاني من نقص التمويل ومتابعة صيانةٍ للمباني فهناك 30 % من مباني المدارس في حالةٍ سيئّة. والطُرقات كذلك ليست بحالةٍ أفضل فالجسور والشوارع متهالكة؛ قرابة الــــ 30% من حوادث الطرقات سببها تدني مستوى البنية التحتية لشبكات الطرق. وما ذكرناهُ من أزماتٍ تعصفُ بإيران لا يدخل معظمها في تقييم الحكومة السنويّة للبنية التحتيّة حتى تُقرّر إذا ما كانت هذه القطاعات تحتاجُ إلى تحسينات أم لا.

ونظرًا للفساد الهيكليّ في البلاد وما تتمتّع به الطبقة الحاكمة من امتيازاتٍ وتوزيع إيرادات الحكومة بين أعضاء الطبقة الحاكمة وأقاربهم، نشأت فجوةٌ كبيرة في الثروة بين الشعب الإيراني والطبقة الحاكمة. وازدادت هذه الفجوة اتساعًا وعُمقًا على الرغم من القفزة في إيرادات النّفط وتدفُق الأموال بعد إبرامها للاتفاق النووي عام 2015م، كما ازدادت نسبة الاستيلاء على موارد الدولة أو ما يُطلق عليه اصطلاحًا بـــِ «السعي وراء الريع».

وأصبح الاقتصاد الإيراني والنظام السياسي غارقًا في الفساد. وهذا دفع لنشوب أزمةٍ في عام 2018 وعام 2019 م، عندما اندلعت مظاهراتٌ عفوية في الشوارع والمدن الإيرانية والأحياء الفقيرة في أطراف المدن. وحسب التقارير الصادرة عن الحكومة الإيرانية يوجد قرابة 23 إلى 40 مليون إيراني تحت خط الفقر المُطلق ويعيش ثلاثة أرباعهم تحت خط الفقر النسبيّ. تعيشُ هذه الطبقة الفقيرة على إعانات الحكومة ليسُدُّوا بها رمقهم، إذ أنّ متوسط تكلفة المعيشة لأسرةٍ يُعيلها شخص واحد تسعة ملايين تومان شهريًّا، بينما نجد أنّ متوسط الدخل الشهري للعامل في إيران يصل تقريبًا إلى ثلاثة ملاين تومان.

وازدادت أعداد الإيرانيين الذين يعيشون في العشوائيات من 19 مليون نسمة عام 2018 إلى 38 مليون نسمة عام 2021م. وفي الأدبيّات الاجتماعيّة والسياسيّة في إيران يُطلق على قاطني العشوائيات بـــِـ: سكان المقابر وسكان مصانع الطوب وسكان الأحياء الشعبيّة وسكان العشوائيّات. وهنالك عوامل عِدّة أدت إلى ازدياد نسبة نزوح الإيرانيين نحو أطراف المدن الكبُرى أبرزها: شُحّ المياه، وارتفاع معدلات البطالة في المدن الصغيرة، والكوارث الطبيعيّة كالفيضانات والهزات الأرضية. وفي جميع الأحوال يزداد الإيرانيون فقرًا؛ فقد انخفض نصيب الفرد من الدخل بنسبة 34% بينما تزداد الطبقة الحاكمة غنًى وهذا أدى بدوره إلى اتساع فجوة الثروة في البلاد لتُثقل كاهل الدولة والمجتمع بالمزيد من الضغوطات.

ثانيًا: الأبعاد الاقتصادية والسيناريوهات الداخلية لإيران

إن رسم خرائط السيناريوهات المحتملة أمر ضروري، لتقييم الأبعاد الاقتصادية لخيارات إيران بغض النظر عن المقاربات الشخصية. وفي هذا السياق، ينبغي النظر في سيناريوهين مختلفين. يتمثل الأول في انهيار المحادثات النووية والثاني في استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، يجب التعامل مع كلا السيناريوهين بناء على قاسم مشترك واحد وهو افتراض أن الصفقة النووية لن تستمر على المدى الطويل.

  • السيناريو الأول: انهيار مفاوضات خطة العمل المشتركة الشاملة

يتوقع هذا السيناريو انهيار المحادثات الإيرانية الأميركية غير المباشرة وغياب أي تخفيف للعقوبات على الجمهورية الإسلامية. كما يفترض زيادة في تطبيق العقوبات الأمريكية، ما سيؤدي إلى انخفاض صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية من متوسط ​​1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2022م، إلى حوالي مليون برميل يوميًا بين عامَي 2023 و2026م، وفي هذا السيناريو، يمكن توقع زيادة تجارة إيران مع جيرانها، لكن وضع مالية الحكومة سيبقى رغم ذلك متوترًا. وفي حال غياب استثمارات كبيرة، يمكن الافتراض أن القاعدة الاقتصادية والصناعية للبلاد ستستمر في التآكل.

 

 

جدول رقم (1) آفاق الاقتصاد الإيراني بين عامي 2022 و2026

المصدر: صندوق النقد الدولي

وفي نهاية المطاف، سيؤدي استمرار العجز في الميزانية وهروب رؤوس الأموال وهجرة الأدمغة ونقص الاستثمار إلى تدهور اقتصادي. كما ستزداد البطالة، خاصة وأن الكثير من مؤسسات القطاع الخاص ستخضع لمساءلة سياسية واقتصادية بالإضافة إلى مزيد من تخفيض قيمة العملة الوطنية. كذلك، سيبقى التضخم مرتفعًا، خاصة بسبب إصلاحات الدعم الأخيرة التي أدت إلى ارتفاع أسعار المستهلكين بطريقة غير مسبوقة.

  • السيناريو الثاني: استعادة خطة العمل الشاملة المشتركة حتى عام 2025

يتوقع هذا السيناريو رفعًا مؤقتًا للعقوبات الأميركية حتى عام 2025م، وفي حين ستضر عودة العقوبات الأمريكية بالشركات الإيرانية، يمكن افتراض أن القرارات الاستراتيجية الصحيحة ستقلل من آثارها. على سبيل المثال، يمكن لقطاع البترول الإيراني زيادة قدرته المحلية على التكرير إلى حد أن يتحرر جزئيًا من الاعتماد على صادرات النفط الخام في مرحلة ما بعد العام 2025م، ما سيمكنه من تصنيع منتجات بترولية يصدرها إلى الأسواق في الدول المجاورة وسيدرّ عليه فائدة أكبر.

من وجهة نظر الاقتصاد الكلي، من المتوقع أن تصل إيران من جديد إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي من احتياطاتها من العملات الأجنبية. وقد يسمح ذلك للسلطات في طهران بإدارة أسعار صرف العملات بشكل أفضل، وتحسين أوضاع الميزانية وتقليل الضغوط التضخمية.

شكل رقم (1) احتياطيات إيران من العملات خلال الفترة (2018 – 2022)

المصدر: صندوق النقد الدولي

كما يمكن أن يؤدي ضخ رأس المال إلى تمويل الاستثمار المتأخر في البنية التحتية. وقد تصل صادرات النفط الخام والمكثفات الإيرانية إلى 2.8 مليون برميل يوميًا لمدة سنتين ونصف بزيادة 1.8 مليون برميل يوميًا. ومن شأن هذا التطور أن يدر دخلًا إضافيًا يقارب الـ 65 مليار دولار أمريكي سنويًا بحسب أسعار الطاقة العالمية الحالية، ما سيعزز بشكل كبير الإيرادات الحكومية وصندوق الثروة السيادي كما سيسمح لقطاع البترول بتلبية بعض احتياجاته الاستثمارية.

  • تحليل المؤشرات الاقتصادية

استنادًا إلى تقرير صدر عن غرفة التجارة في طهران، من المتوقع أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3 % في العام الحالي وبمعدل سنوي يبلغ 2 % خلال السنوات الأربع المقبلة. وهذه الأرقام بعيدة عن هدف إيران المتمثل في تحقيق نمو سنوي بنسبة 8 % كما أنها غير كافية أيضًا لتوليد مليون وظيفة سنويًا وهو الحد المطلوب للحفاظ على معدل البطالة. ونتيجة لذلك، يمكن توقع ارتفاع معدل البطالة مرة جديدة، من 9.8 % في العام الحالي إلى 11 % بحلول عام 2026م.

 

شكل رقم (2) آفاق تصدير النفط الخام في إيران

المصدر: صندوق النقد الدولي

يعتبر التضخم هو التحدي الرئيسي الذي يواجهه الاقتصاد الإيراني. ويعتقد الخبراء أن التضخم سيبلغ ذروته عند حوالي 50 % هذا العام. وعلى الرغم من أنه سيبقى مرتفعًا، سيعود لينخفض ​​تدريجيًا إلى حوالي 30 % بحلول عام 2026م، ما سيؤدي إلى زيادة الفقر وكذلك رغبة المواطن الإيراني العادي في الهجرة. كما أن الهجرة وانعدام الأمل في مجتمع الأعمال سيمهدان الطريق لاستمرار هروب رأس المال، مما يزيد من تآكل القاعدة الاقتصادية ويطيل فترة التضخم وانخفاض النمو الاقتصادي.

 

شكل رقم (3) توقعات الاقتصاد الإيراني من خلال مقارنة المؤشرات %

المصدر: صندوق النقد الدولي

ثالثًا: النفوذ الإيراني في إفريقيا

تتغير آليات التوجه الإيراني نحو إفريقيا، ليس فقط لرغبة إيران في تغيير منهجها، بل أيضاً عجزها عن انتهاج آلياتها القديمة، فالتجارب الإيرانية التاريخية المتكررة تشير إلى أن سلوكها الإقليمي وتعنتها يقود في النهاية إلى تجنب التعامل معها، فالتجارب الأكثر وضوحاً على ضرورة تغيير إيران لمنهجها هو أنها حولت من قبل سياستها الخارجية التقليدية إلى سياسة خارجية متحفزة يسيطر عليها "الحرس الثوري"، وليست ذات صلة بأنشطة وزارات الخارجية التقليدية.

وتحاول إيران الاستفادة من تراجع الدور الإقليمي العربي في إفريقيا بسبب الآثار التي خلفتها أحداث "الربيع العربي"، مستغلةً حاجة هذه الدول إلى الاستقرار عبر مد يد العون إليها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، كما تتجه إيران في علاقاتها مع إفريقيا لتملأ الفراغ الذي أحدثته عداواتها مع بقية الدول الغربية خصوصاً الولايات المتحدة.

تتمثل أدوات السياسة الخارجية الإيرانية تجاه إفريقيا فيما يلي:

  • المؤسسات الخيرية والمراكز الثقافية

استخدمت إيران مجموعة من المؤسسات الرسمية و المنظمات الخيرية في تنفيذ هذه الأهداف حيث تقوم مؤسسات ما يسمى “بالبنياد” وهي مؤسسات خيرية تعمل بشكل مستقل عن سلطة الحكومة وتمثل كيانات اقتصادية عملاقة تضاهى إمكانيات الدولة نفسها مثل مؤسسة (المستضعفين والشهيد والإمام والرضا و15 خرداد) وغيرها وتمارس هذه المؤسسات أنشطة كثيرة تمتد من التجارة إلى التصنيع و نشر الدعوة الدينية السياسية وتقديم الخدمات الاجتماعية وهي معفاة من الضرائب وتتبع المرشد الأعلى للجمهورية مباشرة ومن بين هذه المؤسسات تعتبر مؤثرة إمداد الإمام أحد الأدوات التي تستخدمها إيران لتأمين وجودها في شرق إفريقيا لا سيما في دعم تأسيس مراكز شيعية في هذه المنطقة وقد كان لهذه دور بارز في عملية تشيع واضحة في جزر القمر بعد وصول الرئيس أحمد عبد الله سامبى وهو خريج إحدى مدارس  حوزة قم الإيرانية إلى السلطة هذا الدور الحيوي الذي تمارسه مؤسسة إمداد الإمام يأتي في سياق السعي إلى تصدير الثورة الإيرانية للخارج والتي عادت إلى واجهة الأحداث مع وصول أحمدي نجاد إلى السلطة.

بالمقابل يتمثل دور الملحقيات والمراكز الثقافية بمجالات الأدب والفنون في التعريف بالبلد وثقافته وموروثاته ومعالمه السياحية والحضارية ولكن إيران انحرفت بهذه المراكز عن غرضها الدبلوماسي والثقافي المعلن فصارت منصات للترويج للأفكار والكتب ذات الصلة بالمذهب الشيعي كما اجتهدت هذه المراكز طوال السنوات الماضية في تعميق العلاقات الثقافية مع كل الجهات ذات الصلة بالجوانب الثقافية مثل الصحف والجامعات والمكتبات العامة ووزارة الإرشاد والأوقاف واتحادات المرأة والشباب والطلاب وتنظيم احتفالات ذات طابع شيعي مثل الاحتفال بمولد الإمام الرضا و ميلاد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وذكر كربلاء وغيرها.

  • الأدوات الإعلامية

تمتلك إيران إمبراطورية إعلامية هي الأكبر على مستوى المنطقة وواحدة من أكبر الإمبراطوريات الإعلامية في منطقه آسيا الهادئ والعالم، وتسيطر وكالة بس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وهي مؤسسة حكومية يشرف عليها شخصيًا المرشد الأعلى ومن خلال هذه المؤسسة يتم توجيه السياسات الإعلامية الخاصة بجميع المحطات التليفزيونية وإذاعات الراديو في البلاد بما يتناسب مع توجهات الدولة. وترتبط الوكالة بعدد من الوزارات مثل الثقافة والخارجية ويتم استخدامها لخدمة الرسائل التي تصدر عنهم فيما يتعلق بالترويج للثورة الإسلامية والثقافة الإيرانية والدبلوماسية العامة.

  • تقديم التدريب والدعم الفني والمالي

حرصت إيران على تثبيت أقدامها في إفريقيا عبر تقديم المساعدات وبناء مشروعات البنية التحتية للطاقة وبناء محطات توليد الكهرباء، وكذا تعد إيران أكبر مصدري السلاح للسودان حيث تم توقيع اتفاقية للتعاون الاقتصادي والعسكري بين البلدين. وعلى غرار ما سبق تتمدد البحرية الإيرانية في إفريقيا بانتظام منذ أن بدأت إيران تشارك في بعثات مكافحة القراصنة في خليج عدن وترسو على سواحل الصومال فضلاً عن العلاقات مع إريتريا التي تدعم تنظيم القاعدة في الصومال كما تدعم الانفصاليين بالتدريب والسلاح في السنغال ومتمردي ساحل العاج وجامبيا ونيجيريا. وظفت إيران أدوات القوة المختلفة في سياستها الإقليمية تجاه دول القارة الإفريقية فجاء توظيف المشترك الحضاري والإسلامي، واعتمدت على ابتعاد الرأي العام الإفريقي عن حساسية التجاذب الشيعي والسني.

رابعًا: تداعيات الأزمات الداخلية لإيران على استراتيجيتها تجاه إفريقيا

إن الاستراتيجية الإيرانية الجديدة تنحو إلى أبعد من الاستراتيجيات القديمة التي كانت تركز على استخدام المعارك لكسب المواقف الدولية، فهي ترغب في السيطرة على الأرض والموارد والممرات المائية والمقدرات الاقتصادية والمواقع العسكرية الحساسة بوسائل ناعمة. ولكل دولة من الدول التي سعت إيران إلى توثيق علاقاتها معها مزايا مختلفة عن غيرها، فإريتريا مطلة على مضيق باب المندب، والسودان يربط بين شرق القارة وغربها بملتقى طرق حيوي يسهم في نشر التشيع مع الحركة التجارية والثقافية، أما دول غرب إفريقيا مثل نيجريا والسنغال فتبدو متأهبة لتوطيد هذه العلاقات نظراً لوجود بعض الحركات الإسلامية المساندة للمذهب الشيعي، وهناك أيضاً العلاقة مع جنوب إفريقيا التي تستمر على الصعيد الاقتصادي نظراً إلى معدلات النمو الاقتصادي الكبيرة التي تمتلكها.

ويكتسب القرن الإفريقي أهميته الاستراتيجية من كون دوله تطل على المحيط الهندي من ناحية وتتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث مضيق باب المندب من ناحية أخرى ومن ثم فإن دوله تتحكم في طريق التجارة العالمي خاصة تجارة النفط القادمة من دول الخليج والمتوجهة إلى أوروبا والولايات المتحدة كما أنها تعد ممراً مهماً لأي تحركات عسكرية قادمة من أوروبا أو الولايات المتحدة في اتجاه منطقة الخليج العربي. ولا يقتصر أهمية القرن الإفريقي على اعتبارات الموقع فحسب وإنما تتعداها للموارد الطبيعية خاصة البترول وهو ما يعد أهم أسباب رعاية واشنطن لمفاوضات السلام في السودان بالإضافة إلى قربه من جزيرة العرب بكل خصائصها الثقافية ومكنوناتها الاقتصادية.

جعلت إيران من القارة الإفريقية منذ وقت مبكر واجهة خلفية للتحرك الدبلوماسي والاقتصادي في مواجهة الحصار الدولي والعزلة الإقليمية، وضلعًا أساسيًا في “الهلال الشيعي”، وتعمل إيران على نشر المذهب الشيعي الإثني عشري في البلدان الإفريقية تحت غطاء التعاون في المجالين العلمي والثقافي، حيث تقدم منحًا دراسية للطلاب الأفارقة أو تسهل لهم الانتقال إلى إيران بمنح دراسية من أجل إخضاعهم للتكوين وتوظيفهم بعد عودتهم إلى بلدانهم في نشر التشيع. وتركز طهران بشكل أساسي على نيجيريا، البلد الأكبر من حيث عدد السكان المسلمين في القارة، حيث تؤثر على حوالي 30 مؤسسة تعليمية في مختلف المناطق الرئيسية للبلاد.

وتعتبر جنوب إفريقيا من الدول الإفريقية الهامة التي تربطها علاقات قوية مع إيران، فجنوب إفريقيا تعد من الدول الإقليمية المؤثرة التي تمتلك قدرًا كبيرًا من النفوذ، ليس على مستوى إفريقيا فحسب وإنما على المستوى الدولي كذلك، وتشمل مجالات هامة سواء على المستوى الاقتصادي أو العسكري والطاقة والدعم السياسي في المحافل الدولية والإقليمية، وعليه فإن هذه العلاقة ليست مفاجئة وإنما جاءت تكريسًا لعقود من التعاون الدبلوماسي بين الدولتين. وكانت جنوب إفريقيا من أوائل الدول التي نادت برفع العقوبات عن إيران، وبعد تخفيف العقوبات الدولية عن طهران استغلت جنوب إفريقيا الحدث لتوطيد العلاقات الاقتصادية والعسكرية معًا، ليس فقط على مستوى تصدير النفط وإنما في المجالات العسكرية أيضًا وتحديث معداتها الدفاعية القديمة، ففي عام 2017 م، وقّعت إيران وجنوب إفريقيا مذكرة تفاهم في إطار التعاون العسكري والدفاع بينهما وتأتي الاتفاقية المذكورة في أعقاب وصول أحد الأساطيل الإيرانية الصغيرة ورسوها في ميناء بجنوب إفريقيا، كما بعثت حكومة جنوب إفريقيا رسالة إلى الأمم المتحدة في مارس 2017م، تطالب فيها بالسماح ببيع صواريخ أرض - جو إلى الحكومة الإيرانية، وكشفت الصحف الجنوب إفريقية أن حكومة بلدهم تسعى إلى إبرام اتفاق لبيع صواريخ أرض- جو من نوع أومكونتو، وأن هذه الصواريخ تمثل سلسلة صواريخ حديثة قصيرة المدى قادرة على الإطلاق في جميع الأحوال الجوية، مصنعة من قبل شركة دينيل ديناميكس في جنوب إفريقيا، كما أن عقد بيع هذا النوع من الصواريخ إلى إيران يصل إلى 1.5 مليار رند "عملة جنوب إفريقيا" وهو ما يعادل 180 مليون دولار أمريكي.

وختامًا فإن إفريقيا تمثل أهمية استراتيجية من الناحية العسكرية والأمنية لإيران وتتسم مصالح القوى الخارجية ومنها إيران بالتشابك والتعقد ولكنها تتجه في مجملها نحو تحفيز الصراع واستمراره في العديد من الدول الإفريقية لاسيما في الصومال والسودان بل وتعتبر المحدد الرئيسي لمستقبل التفاعلات إذ تتقاطع  المصالح في جانب منها مع بعضها البعض وتناقضه في جوانب أخرى في إشارة واضحة إلى ما يمكن اعتباره خريطة التحالفات الإقليمية والخارجية إذ يشير الواقع الاستراتيجي إلى تأثير عملية المصالح في مسيرة التفاعلات وقد حولت الأهمية الاستراتيجية لإفريقيا إلى منطقة نفوذ غربي جعلتها دائما محل تنافس بين الدول الكبرى، لذا تغير إيران استراتيجياتها في ضوء ما يستجد من أزمات داخلية بها وما تصل إليه منافستها مع القوى الأخرى داخل إفريقيا.

مقالات لنفس الكاتب