; logged out
الرئيسية / منطقتنا تواجه تحديات شديدة الخطورة نابعة من ظروفها ما يستلزم الجدية والابتكار والتعاون

العدد 184

منطقتنا تواجه تحديات شديدة الخطورة نابعة من ظروفها ما يستلزم الجدية والابتكار والتعاون

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

انعقدت الدورة السنوية لمنتدى دافوس في موعدها السنوي المقرر في يناير كالعادة. ترافق انعقاد الدورة الجديدة مع نشر تقرير المخاطر العالمية الذي يتم نشره سنويًا منذ ثمانية عشر عامًا. اتبع واضعوا التقرير هذا العام منهجًا جديدًا في عرض ما تجمع من تقديرات للمخاطر التي تواجه العالم. فالتقرير يقدم تقديرًا للمخاطر التي تواجه العالم في ثلاثة أطر زمنية، هي الحاضر معرفاً باعتباره العام الحالي، والمدى القصير الممتد حتى عامين، وفي المدى الطويل الممتد حتى عشر سنوات. استطلاع رأي لمستثمرين وحكوميين وأكاديميين هو المنهجية التي اعتمدها واضعوا التقرير لتقدير المخاطر العالمية، فواضعوا التقرير يستمدون تقديرهم للمخاطر العالمية من الرؤية التي يتبناها الممارسون في مجالات ذات صلة، وليس من تصور مسبق يتبناه القائمون على منتدى دافوس.

أولاً: مخاطر المدى المباشر والقصير

خمسة تهديدات تصدرت تقديرات الخبراء للمخاطر التي تواجه العالم في المدى المباشر، وهي أزمة إمدادات الطاقة، وأزمة ارتفاع تكلفة المعيشة، والتضخم، وأزمة إمدادات الغذاء، والهجمات السيبرانية. الطاقة والغذاء والأمن، هذه هي الموضوعات الرئيسة التي تتركز فيها التهديدات، وهي موضوعات كان العالم يتصور أنه أتم بنجاح التعامل معها، وأنه لم يعد هناك مبرر للانشغال بهذه الاحتياجات الأساسية في عالم كنا نظنه بات مهيأً للانتقال إلى اهتمامات جديدة تعكس مستوى أعلى من الرفاهية بعيدًا عن مثل هذه الاحتياجات الأساسية.

أيضًا، ترتبط التهديدات الأكثر إلحاحًا في المدى القصير بكوفيد 19 والحرب في أوكرانيا. فعالمنا الراهن يعيش تحت أثر هاتين الأزمتين الكبيرتين الطارئتين، واللتان يشكل أثرهما المجمع خريطة المخاطر التي تواجه العالم في المدى المباشر. في المدى القصير تبدأ آثار هاتين الأزمتين الطارئتين في الاختفاء، لتظهر آثار تحديات أكثر هيكلية. المخاطر الخمسة الأكثر إلحاحًا في المدى القصير حسب استطلاع رأي الخبراء هي أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، والتباطؤ الاقتصادي، والمواجهات الجيواقتصادية، والفشل في الحد من التغير المناخي، والاستقطاب والتفكك الاجتماعي. هناك ارتباط قوي بين أغلب هذه التهديدات الخمسة؛ فأزمة تكلفة المعيشة ستبقى معنا لعدة سنوات تالية، وستسهم هذه الأزمة، ضمن عوامل أخرى، في إضعاف التماسك الاجتماعي، فيما ستتواصل المواجهات الاقتصادية ذات الطبيعة الاستراتيجية، الأمر الذي يتسبب في إخفاق جهود تخفيف التغير المناخي، مسببة تزايد مخاطر الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرفة. فيما يلي تفصيل مختصر لكل واحد من التهديدات الخمسة.

  1. أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة: كانت أسعار الغذاء والمواد الأساسية تشهد موجة ارتفاع منذ قبل كوفيد 19، لكن الوضع زاد سوءًا بعد ظهور الوباء ثم بعد اشتعال الحرب في أوكرانيا. لكن السياسات التي لجأت إليها حكومات عدة ساهمت في تعقيد المشكلة، فقد لجأت حكومات مختلفة حول العالم إلى تقييد تصدير منتجاتها من المواد الغذائية معطية الأولوية لتوفير احتياجات مواطنيها، مما أدى إلى إرباك الأسواق وزيادة إضافية في الأسعار. ومع أن التضخم المتزايد على مستوى العالم يزيد من حدة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، إلا أن معدل ارتفاع أسعار المواد الأساسية قد فاق معدلات التضخم بكثير.

يتوقع الخبراء تجاوز أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة في نهاية المدى القصير، غير أن تراجع الأزمة سيخلف وراءه ضررًا كبيرًا على الفئات الأضعف، الأمر الذي قد تكون له عواقب تتمثل في اضطرابات اجتماعية وسياسية واسعة النطاق ستبقى احتمالاتها قائمة حتى بعد تراجع تكاليف المعيشة عن المستويات القياسية التي وصلتها. ستكون الحكومات في الدول الغنية قادرة على استخدام مواردها لتخفيف آثار الأزمة على الفئات الفقيرة، أما في البلاد النامية فإن الحكومات استنزفت مواردها القليلة لدعم الفئات الأكثر احتياجا، وأصبحت مثقلة بالديون بالفعل، ولم يعد لديها المزيد من الموارد لمواصلة دعم الطبقات الفقيرة، الأمر الذي ينذر بعواقب أكثر حدة اجتماعيًا وسياسيًا. ويوجد في منطقتنا بعض من أكثر البلاد تضررًا من أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، وتشمل السودان وجنوب السودان والصومال وسوريا؛ فيما يتوقع التقرير أن تتسبب الأزمة في اضطرابات في عدد آخر من البلاد، مثل تونس ومصر ولبنان، وأيضًا باكستان.

  1. تباطؤ اقتصادي: تحاول البنوك المركزية في الدول الصناعية الغنية مقاومة الضغوط التضخمية المرتفعة برفع سعر الفائدة، رافعة احتمالات التباطؤ الاقتصادي، وربما الركود. المتوقع هو تراجع معدلات التضخم في البلاد المتقدمة قبل انقضاء العامين المقبلين، غير أن هذا لن ينهي مشكلة الأسواق الناشئة التي ستبقى مخاطر التباطؤ الاقتصادي فيها لفترة أطول. فارتفاع أسعار الفائدة في الدول المتقدمة تسبب في هروب رأس المال من الأسواق الناشئة، مما يفاقم مشكلة التمويل المزمنة، ويجبرها على الاقتراض بالفوائد العالية لتغطية احتياجاتها، لتدخل في مشكلة ديون خارجية شديدة الخطورة.
  2. المواجهات الجيواقتصادية: صعدت ظاهرة تحويل الاقتصاد إلى أداة ضغط منذ عدة سنوات، عندما زاد اللجوء لاستخدام العقوبات والضغوط الاقتصادية لتحقيق أهداف جيوسياسية. بدأت هذه الظاهرة أولا في إطار التنافس الأمريكي ـ الصيني، ثم دخلت مرحلة جديدة بعد حرب أوكرانيا، وما ترتب عليها من فرض المزيد من العقوبات، وتأميم بعض المصالح الاقتصادية الحيوية، وحرمان من استخدام نظم الدفع العالمية.

القومية والسيادة الاقتصادية، اتجاه متزايد القوة، حيث تحرص الدول على تقليل الاعتماد على من تعتبرهم خصوم سياسيين، وتحقيق درجة أعلى من الاكتفاء الذاتي في المنتجات الحيوية، وإعادة تصميم سلاسل التوريد لتربط بين الحلفاء والشركاء المأمونين فقط، وتقييد صادرات منتجات التكنولوجية المتقدمة.

  1. إخفاق جهود الحد من التغير المناخي: تبين المؤشرات أن العالم يتجه إلى الإخفاق في التخفيف من التغير المناخي، وأن فرص تحقيق الالتزامات الضرورية للحد من الانبعاثات تبدو محدودة جدًا، وأن الفجوة بين ما يوصي به الخبراء وبين ما هو ممكن سياسيًا تزداد اتساعًا. الصراعات المسلحة والتنافس الحاد بين القوى الكبرى، والضغوط الاقتصادية، كل هذه عوامل تقلل من استعداد الحكومات للالتزام بتعهداتها في مجال تخفيف التغير المناخي.

لم تتمكن الحكومات في مؤتمر كوب 27 من وضع جدول زمني للتوقف عن استخدام مصادر الطاقة الأحفورية. هذا خبر سيء بالنسبة للبيئة والتغير المناخي، ولكنه قد لا يكون بنفس القدر من السوء لبلاد مصدرة للنفط في الشرق الأوسط، يمكنها الاستفادة من عدة سنوات إضافية تصدر فيها الطاقة الأحفورية، أما بالنسبة لبلاد أخرى في الشرق الأوسط وإفريقيا، فإن التغير المناخي يعني ظروف مناخية غير مواتية، والمزيد من الهجرة المناخية، مسببة نزيف موارد بشرية، وتزايد ضغوط الهجرة غير المنظمة في البلاد الجاذبة للمهاجرين.

  1. التفكك والاستقطاب الاجتماعي: هناك قوى ضاغطة تدفع في اتجاه التفكك والاستقطاب الاجتماعي، بما في ذلك التفاوت في الدخل، والتباعد والخصومة بين أنماط القيم في المجتمع.

هناك تراجع في قدرة الأطراف السياسية على الوصول إلى حلول توافقية، وهناك ميل لتبني سياسات لها مغزى إيديولوجي قوي، وهناك تزايد في عدد الاحتجاجات، وهناك أيضًا زيادة في صعود الأحزاب الشعبوية المتطرفة في اليمين واليسار. هذه كلها ظواهر مرتبطة بظاهرة التفكك والاستقطاب الاجتماعي. ويسهم الإنترنت والتواصل الاجتماعي بشدة في تعميق هذه الظاهرة، ويسهم فيها الأخبار الكاذبة والمغلوطة التي يتم ترويجها بسهولة على شبكة الإنترنت.

ثانيًا: مخاطر المدى الطويل

وضع الخبراء عشرة مخاطر على رأس قائمة أكثر المخاطر حدة على المدى الطويل، على النحو التالي:

  1. فشل في الحد من التغير المناخي.
  2. فشل في التخفيف مع التغير المناخي.
  3. كوارث طبيعية وظواهر جوية متطرفة.
  4. فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم الإيكولوجية.
  5. هجرة قسرية على نطاق واسع.
  6. أزمات موارد طبيعية.
  7. استقطاب وتآكل التماسك الاجتماعي.
  8. جرائم وتهديد أمن سيبراني.
  9. مواجهات جيواقتصادية.

 10ـ حوادث وأضرار بيئية واسعة النطاق.

تتصدر المخاطر الناتجة عن تدهور البيئة مخاطر المدى الطويل. فمن بين أهم عشرة مخاطر تواجه العالم هناك ستة مخاطر بيئية، واثنين تتعلق بالتفكك والاضطراب الاجتماعي، وتهديد واحد يتعلق بالأمن والجرائم السيبرانية، وآخر يتعلق بالصراعات الجيواقتصادية. وكمؤشر على الحدة المتزايدة للقضايا البيئية، فقد أتت أربعة من المخاطر البيئية في صدارة قائمة المخاطر العشرة التي تضمنها التقرير، وهي الفشل في التخفيف من التغير المناخي، والفشل في التكيف مع التغير المناخي، يليهم الكوارث الطبيعية والظواهر الجوية المتطرفة، وفقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم الإيكولوجية.

وعند المقارنة بين مخاطر المديين القصير والطويل، يمكن تلخيص اتجاهات التغير في حدة المخاطر على النحو التالي:

أ . مخاطر عالية الحدة في المديين القصير والطويل، وتشمل:

  1. كوارث طبيعية وظواهر جوية متطرفة.
  2. فشل في الحد من التغير المناخي.
  3. فشل في التكيف مع التغير المناخي.
  4. أزمة الموارد الطبيعية.
  5. هجرة قسرية على نطاق واسع.
  6. استقطاب وتآكل التماسك الاجتماعي.
  7. جرائم وتهديد أمن سيبراني.
  8. مواجهات جيواقتصادية.
  9. حوادث وأضرار بيئية واسعة النطاق.

ب. مخاطر زادت حدتها في المدى الطويل، وتشمل:

  1. فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم الإيكولوجية.
  2. المعلومات الكاذبة والمغلوطة.

ج. مخاطر قلت حدتها في المدى الطويل، وتشمل:

  1. أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة.
  2. أزمة الديون.

د. مخاطر منخفضة الحدة في المديين القصير والطويل، وتشمل:

  1. عدم فاعلية المؤسسات متعددة الأطراف والتعاون الدولي.
  2. الصراعات بين الدول.
  3. التراجع الاقتصادي الممتد.
  4. الأمراض المزمنة والحالة الصحية.
  5. تدهور حاد للصحة النفسية.
  6. نتائج عكسية للابتكارات التكنولوجية.
  7. التفاوت الرقمي.
  8. هجمات الإرهاب.
  9. انهيار أو غياب البنية التحتية والخدمات العامة.
  10. عدم استقرار الأسعار.

المجموعتان الأولى والثانية من هذه المخاطر تستحقان الاهتمام بشكل خاص، فهما يضمان المخاطر التي يرى أصحاب الرأي ذوي الصلة أن حدتها ستكون عالية في المدى الطويل. جميع المخاطر البيئية تقع في هاتين الفئتين، وهي تمثل القسم الأكبر من هذه الفئة من المخاطر، بالإضافة إلى مخاطر التفتت والاستقطاب الاجتماعي والهجرة القسرية، والمخاطر السيبرانية. ينظم التقرير هذه المخاطر المتوقعة في خمس مجموعات، اقتصادية، وبيئية، واجتماعية، وجيوسياسية، وتكنولوجية، ويقترح لكل مجموعة من هذه المجموعات الشكل المحدد للتهديد المرتبط بها. وداخل هذه المجموعات الواسعة، فإن التقرير يركز بشكل خاص على خمسة مخاطر على النحو التالي:

  1. فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظم الإيكولوجية: لا يبدو أن هذا خطر بارز في المدى القصير، ولكن في مدى السنوات العشر القادمة يرى الخبراء أن العالم مهدد بالوصول إلى نقطة اللاعودة فيما يخص الحفاظ على الأنظمة الإيكولوجية. فقد وصل التدخل الإنساني المهدد لأنظمة إيكولوجية شديدة الحساسية إلى مستوى شديد الخطورة، لا تواكبه جهود الحفاظ على النظم الإيكولوجية الطبيعية، فمعدلات تسارع الأنشطة المهددة للبيئات الطبيعية أسرع بكثير من التسارع في أنشطة الحفاظ عليها. ويحذر التقرير من أنه خلال السنوات العشر القادمة سيكون للتفاعل بين فقدان التنوع البيولوجي والتلوث واستهلاك الموارد الطبيعية والتغير المناخي والتغيرات الاقتصادية الاجتماعية، سيكون للتفاعل بين هذه القوى الخمسة آثارًا شديدة الخطورة على الأنظمة الإيكولوجية والحياة الطبيعية والتنوع البيولوجي. ونظرًا لأن أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي يعتمد بشكل مباشر على الطبيعة والموارد الطبيعية، فإن التدهور في النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي سوف يترك آثارًا شديدة السلبية على الاقتصاد والمجتمع. ومن ضمن هذه الآثار المتوقعة تواتر ظهور الأمراض والأوبئة التي تنتقل من الحيوان للإنسان، وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية وتراجع قيمتها الغذائية، ونقص المياه، وتواتر الفيضانات، وارتفاع منسوب مياه البحر.

يرتبط فقدان التنوع البيولوجي إلى حد كبير جدًا بالتغير المناخي الذي يعتبر السبب الرئيس لفقدان التنوع البيولوجي، فموجات الاحترار الشديد، والعواصف وارتفاع منسوب ماء البحر والجفاف وما يتسبب فيه من حرائق الغابات قد تسبب بالفعل في انقراض أنواع حية بأكملها. الفشل في التخفيف من التغير المناخي سيتسبب في تسريع فقدان التنوع البيولوجي وانهيار النظام البيئي، خاصة في البيئات الجليدية في القارات القطبية، وبيئات الشعاب في المياه الدافئة، والغابات.

التحدي الخطير هو أن أزمتي التغير المناخي وفقدان التنوع البيولوجي يغذيان بعضهما البعض. فالموارد البيولوجية في الغابات والبحار هي لازمة لطائفة كبيرة من التكنولوجيات ذات الفعالية في إدارة أزمة التغير المناخي، في حين أن فقدان التنوع البيولوجي يحرم البشرية من الاستفادة من هذه التقنيات التي يمكن اعتبارها الأكثر فعالية وأمنًا، ينطبق هذا بشكل خاص على الغابات التي أصبحت مع تواتر حرائق الغابات الكبرى مصدرًا للانبعاثات الكربونية بدلًا من أن تكون مدفنًا للكربون كما كانت منذ عصور.

هناك تعارض بين الأمن الغذائي والحفاظ على الطبيعة. فاستخدام الأرض لأغراض اقتصادية يمثل أهم تهديد للطبيعة، وهو ما يضع إنتاج الغذاء في تعارض مباشر مع الحفاظ على الطبيعة، وهذا مأزق وتحدي شديد الصعوبة. فالزراعة والإنتاج الحيواني يشغلان 35% من مساحة اليابسة في كوكبنا. ومع الزيادة المتسارعة في عدد السكان، فسوف يكون من الضروري تخصيص المزيد من الأراضي من أجل إنتاج كميات الغذاء المطلوبة، الأمر الذي يهدد بتحويل مزيد من البيئات الطبيعية، في الغابات والأحراش إلى مصدر لإنتاج الغذاء، وسوف يكون على الحلول القائمة على الحفاظ على الطبيعة أن تتنافس مع التكنولوجيات والحلول ذات المنفعة التجارية العالية، وهو تحد شديد الصعوبة.

أيضًا هناك تناقض بين الحفاظ على النظم الإيكولوجية ومصادر الطاقة الخضراء. هذا هو اختيار صعب آخر سوف يكون على البشرية التعامل معه خلال العشر سنوات القادمة. فالتوسع في مصادر الطاقة الخضراء يتقدم بسرعة كبيرة، وعلينا أن نلاحظ أن هذه التكنولوجيات لم يسبق أن تم إدخالها إلى الإطار الإيكولوجي على نطاق واسع من قبل، ومن ثم فإنه علينا أن نكون متيقظين جدًا للمخاطر المحتملة التي قد تنتج عنها، خاصة فيما يخص تغيير البيئات، والتلوث المغناطيسي والصوتي، ومخاطر إدخال أنواع جديدة من الكائنات الحية إلى بيئات لم تعرفها من قبل.

مصادر الطاقة الخضراء هي الأخرى تستخدم مصادر طبيعية ناضبة، خاصة المعادن النادرة، والتي يؤدي انتزاعها من الطبيعة إلى تغييرات كبيرة في النظام الإيكولولجي. حقيقة أن كثير من هذه المعادن يتم الحصول عليه من بلاد نامية تعاني من مشكلات الحكم غير الرشيد، بما يزيد من المخاطر المترتبة على التعدين غير الآمن، وما يتسبب فيه من تدهور البيئة الطبيعة، ومع زيادة الضغوط من أجل تكثيف أنشطة تعدين المعادن النادرة والمستخدمة بكثرة في الأنشطة الخضراء في قاع المحيطات، فهناك مخاطر شديدة للتسبب في مخاطر بيئية في بيئة المحيطات شديدة الحساسية.

  1. مخاطر تهدد الصحة العامة: كشفت أزمة كوفيد 19 عن المخاطر الصحية القائمة، وتشمل زيادة مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية، وشكوك الناس وترددهم في تلقي اللقاحات، والمخاطر الغذائية، ومخاطر العدوى الناتجة عن التغير المناخي. يتضمن التقرير أيضًا المخاطر التي تتعرض لها الصحة العقلية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الصحة، والتي تزيد حدتها بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية مثل العنف والوحدة والفقر. ويحذر التقرير من حالة الاسترخاء التي تصيب السلطات الصحية نتيجة اختفاء أخبار كوفيد 19 من عناوين الأخبار، بما يعيد تكرار ظاهرة إهمال القطاع الصحي التي كشف عنها كوفيد 19، الأمر الذي يزيد من مخاطر ظهور وباء جديد، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية المتزايدة التي تشجع حكومات على خفض الإنفاق على الصحة.

يرصد التقرير التكلفة التي تم تكبدها بسبب كوفيد 19، ويحذر من احتمال تكرارها بشكل أكثر فداحة حال ظهور وباء جديد في ظل سياسة الإهمال الراهنة. فقد تسبب كوفيد 19 في تراجع جودة الحياة، وتراجع الإنتاجية، وزيادة التغيب عن العمل، والتقاعد المبكر، وتكلفة علاج المرضى والتكلفة الناتجة عن إعادة توجيه الموارد بعيدًا عن احتياجات صحية أخرى مثل الأمراض المزمنة والتطعيمات، الأمر الذي عرض سوق العمل لضغوط شديدة، وزاد من هشاشة القطاع الصحي. وتضع بعض التقديرات التكلفة الاقتصادية لكوفيد 19 في الولايات المتحدة عند رقم 600 مليار دولار، فيما تصل بها تقديرات أخرى إلى أكثر من ذلك بكثير.

يرصد التقرير أيضًا المخاطر الناتجة عن نقص المخصصات للقطاع الصحي فيما تزيد بسرعة نسبة السكان من المسنين في كل المجتمعات. لقد ارتبطت هذه الظاهرة بزيادة معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة غير السارية وأشكال العجز المختلفة مثل أمراض القلب ومشكلات الجهاز الحركي. ويحذر التقرير من آثار الانشغال عن تطوير القطاع الصحي، ومن المنافسة بين احتياجات صحية متنوعة على الموارد المحدودة المتاحة للقطاع، بما قد يهدد بخسارة مكاسب تحققت في مجال معدل العمر المتوقع عند الميلاد لأسباب لا تتعلق بالأوبئة الطارئة.

لقد تراجعت أولوية المخاطر الصحية في تقرير هذا العام عما كانت عليه في تقرير المخاطر العالمية للعام السابق. غير أن هذا لا يجب تفسيره باعتباره تحسنًا في الوضع الصحي، لكنه يعكس ظهور مخاطر جديدة عالية الحدة، وتدهور الأوضاع فيما يخص مخاطر أخرى.

أسلحة وصراعات جديدة: صدر تقرير المخاطر العالمية لهذا العام فيما كانت الحرب في أوكرانيا تعرض الأمن الدولي لمخاطر كثيرة، من بينها زيادة الإنفاق العسكري لقوى كبرى رئيسية وتغيير السياسة الدفاعية لدول تبنت لسنوات سياسات مضادة للعسكرة والحرب. يؤكد تقرير المخاطر العالمية أن هذا الاتجاه الجديد في علاقات القوى الكبرى هو تتويج لنمط استمر طوال سنوات سابقة. فبينما شهدت العلاقات بين القوى الكبرى الرئيسية تراجعًا في مستويات التسلح والإنفاق العسكري خلال العقد ونصف الماضيين، كانت الصراعات وتكلفتها خارج القوى الرئيسية وبعيدًا عن مركز العالم المتقدم في تزايد مستمر. يبني التقرير على البيانات التي ينشرها مؤشر السلام العالمي، والذي تبين أنه بينما تراجع التسلح في الدول الكبرى، كان هناك في العالم النامي زيادة في عدد القتلى في الجريمة والصراعات الداخلية، وزيادة في عدد الصراعات داخل الدول، وفي تورط جيوش الدول في صراعات خارجية، وسهولة أكثر في الوصول إلى الأسلحة الخفيفة، وزيادة في عدم الاستقرار السياسي، وارتفاع في عدد اللاجئين والنازحين داخليًا، وحدة الصراعات الداخلية، وعدد ضحايا الصراعات الداخلية.

اقتران التغيرات الحادثة في العلاقات العسكرية بين القوى الكبرى، واتجاهات الصراع الجارية منذ أكثر من عقد من الزمان في أطراف العالم، ينذر بزيادة مخاطر الصراعات الدولية في المستقبل. منذ انتهاء الحرب الباردة كان هناك اتجاه نزولي في الإنفاق العسكري للدول الكبرى، وبشكل عام اعتمدت زيادة الإنفاق العسكري أو تراجعه على مقدار النمو الذي يحققه الناتج المحلي الإجمالي. ما حدث مؤخرًا هو أن هذه العلاقة بين الإنفاق العسكري والناتج المحلي الإجمالي قد تم فصمها، واتجهت دول رئيسية لزيادة إنفاقها العسكري بمعدلات تزيد كثيرًا عن معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي. هذا هو ما حدث مع الإنفاق العسكري للولايات المتحدة والصين والهند واليابان وروسيا. هناك اتجاهات إضافية نحو العسكرة والاستقطاب، ومن ذلك حضور دول مثل نيوزيلاند واستراليا واليابان وكوريا لأول مرة قمة حلف الأطلنطي في مدريد في يونيو 2022م.

التطورات في التكنولوجيا العسكرية ترفع مستوى المخاطر بما تؤدي إليه من محو الفواصل والتمييز بين الحروب التقليدية والحروب غير التقليدية، تشمل الأرض والبحر والبر والفضاء والمجال السيبراني والقطبين المتجمدين، بما في ذلك أسلحة الطاقة الموجهة والأسلحة المضادة للأقمار الصناعية. أيضًا فإن التطور في مجال حوسبة الكوانتم يفتح آفاقاً واسعة جدًا لتطوير تكنولوجيا الحرب، وهي مجالات وتكنولوجيات لا تحكمها معاهدات أو تفاهمات غير مكتوبة، مما يزيد فرص الصراع وعدم الاستقرار.

تطوير التكنولوجيات العسكرية شمل أيضًا الأسلحة النووية، فبدأنا نشهد لأول مرة منذ انتهاء الحرب الباردة زيادة في عدد الرؤوس النووية، وتطوير في تكنولوجيا حمل وتوصيل الرؤوس النووية، وقامت كوريا الشمالية بأكبر عدد من تجارب إطلاق الصواريخ القادرة على حاملة رؤوس نووية في تاريخها، فيما قامت الولايات المتحدة بتطوير قاذفة استراتيجية جديدة هي الأولى منذ ثلاثة عقود.

  1. تهديد الخصوصية الرقمية: بينما يتزايد الاعتماد على التكنولوجيا والتطبيقات الرقمية ينتشر استخدام الأجهزة التي تقوم بجمع البيانات، فحياتنا تصبح مرقمنة بسرعة، ما يتيح إمكانية تسجيل ما نفعله في حياتنا لصالح جهات حكومية وخاصة، بما يهدد الخصوصية والاستقلال الذاتي، ويهدد بشكل خاص حق الفرد في ألا يكون مرصودًا وموضع متابعة. وتزيد المخاطر التي تتعرض لها هذه الحقوق بسبب التطور السريع في تكنولوجيا التعرف على الوجه وتكنولوجيا رصد المشاعر من خلال المعلومات الحيوية، وهي تكنولوجيات تتطور أسرع بكثير من تطور الأطر المنظمة لاستخدامها.

تتمثل المعضلة في أن مواصلة الابتكارات في مجال التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي تستلزم إتاحة البيانات الكبيرة التي بدونها لا يمكن لهذه التكنولوجيات المتطورة أن تعمل. هناك تعارض متزايد بين ضرورات تسهيل الفرصة لمزيد من الابتكارات التكنولوجية من ناحية، وحماية الخصوصية وحقوق الأفراد من جهة أخرى. لابد من إيجاد نقطة توازن بين هذين المطلبين، وإلا فإن أحدهما سيجور على الآخر، بما يمثل خسارة للاقتصاد والمجتمع والأفراد على المدى الأبعد، ويتيح الفرصة لبعض البلاد أن تحقق سبقًا على حساب البعض الآخر في هذا المجال.

  1. الاستقرار الاقتصادي وتزايد وطأة الديون: أسرفت الحكومات في الاستدانة في الفترة السابقة، أولًا بإغراء من انخفاض سعر الفائدة، وثانيًا لتخفيف الآثار الاقتصادية لكوفيد 19، فلما تغيرت الأحوال، وتسارع التضخم، وأخذت أسعار الفائدة في الارتفاع، وزادت قوة الدولار، وجرى اتباع سياسات متشددة للسيطرة على التضخم، أصبحت الديون تمثل تهديدًا كبيرًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي، وزادت احتمالات دخول العالم في ركود تضخمي، كما زادت احتمالات عجز عدد من الاقتصادات الكبيرة الناشئة عن سداد ديونها، بما في ذلك الأرجنتين وباكستان وغانا وكينيا، وبعض دول الشرق الأوسط المهمة، خاصة تونس وتركيا ومصر، بالإضافة إلى مشكلات تواجه اقتصادات ناشئة كبيرة أخرى ومنها المكسيك وجنوب إفريقيا وبولندا.

لقد وصل عدد الدول التي طلبت قروض إنقاذ من صندوق النقد الدولي إلى 54 دولة، تمثل 18% من سكان العالم، وإن لم تمثل أكثر من 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بما يشير إلى عمق المشكلة من ناحية، وإلى إمكانية التعامل معها من ناحية أخرى، بشرط توافر باقي العناصر التي تضمن سلامة الاقتصاد العالمي.

المؤكد هو أنه سوف يكون هناك موارد مالية أقل متاحة للإنفاق العام والاستثمار، وسوف يكون على الحكومات تخفيض نفقاتها. وبسبب الضغوط المالية وضرورات ترتيب الأولويات فإن قطاعات البنية التحتية والخدمات التنموية طويلة الأمد، كالتعليم والصحة، والحماية الاجتماعية سوف تكون الخاسر الأكبر من هذا الاتجاه التقشفي، الأمر الذي قد تكن له تداعيات خطيرة على الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد الأكثر تضررًا. وبالنسبة لنا في العالم العربي والشرق الأوسط، فإن الأزمة الاقتصادية لعام 2008م، وما تبعها من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الغذاء، كانت مقدمة للاضطرابات التي شهدتها المنطقة عام 2011م، وعلى حكومات المنطقة أن تتحسب لتجدد موجات الاضطراب من جديد في المنطقة.

ثالثًا: الخليج والشرق الأوسط على خريطة المخاطر العالمية

لا يخصص تقرير المخاطر العالمية قسمًا خاصًا بمنطقتنا، أو بأي منطقة أخرى. فالتقرير يحاول أن يكون عالميًا بحق، وإن كان لم يستطع تجنب احتلال مشكلات العالم المتقدم مركز اهتماماته، وهو أمر مبرر نظرًا لموقع هذه الدول المتميز في مجالات الاقتصاد والتكنولوجيا والقوة العسكرية والبحث العلمي. لا أحد يمكنه تجنب المخاطر التي يرصدها التقرير، حتى لو كان التقرير متأثرا بمصالح ووجهات نظر الدول المتقدمة، فالأخيرة تمثل مركز العالم المؤثر في بقية أجزائه. علينا في منطقتنا أن نأخذ هذه التهديدات العالمية بجدية، وأن نركز أيضًا على التهديدات التي تميز منطقتنا بشكل خاص، والتي لم يرد ذكرها في التقرير إلا عرضًا نظرًا لطبيعتها الإقليمية المحددة، ومن أهمها.

مخاطر الدول الفاشلة. فبينما يرصد التقرير التفكك والاستقطاب كمخاطر تهدد العالم، فإن هذا النوع من المخاطر وصل إلى مدى بعيد في منطقتنا، وفيها عدد من أكثر الدول فشلاً في العالم، وكذلك بعض من أسوأ الحروب الأهلية التي شهدها العالم خلال العقد الأخير. لقد نجحت دول المنطقة خلال العقد الأخير في منع انضمام مزيد من الدول لقائمة الدول الفاشلة، غير أنه لا يوجد ضمان بأن هذا النجاح سيتواصل في المستقبل، خاصة وأن عوامل التفكك الاجتماعي والاستقطاب والصراعات الداخلية مازالت تمارس أثرها بقوة في عدد إضافي من دول المنطقة.

مخاطر الصراعات المسلحة بين الدول. الشرق الأوسط هو صاحب أكبر نصيب من الصراعات المسلحة بين الدول خلال نصف القرن الأخير، وفيه بعض من أكبر مستوردي السلاح في العالم، وفيه دول مسلحة نوويًا، أو تسعى للانضمام للنادي النووي. وباستثناء الوضع في أوروبا بعد بدء الحرب في أوكرانيا، فإن فرص نشوب الصراعات الدولية المسلحة في الشرق الأوسط أعلى منها في أي إقليم آخر.

الهجرة القسرية وغير الشرعية. بسبب الحروب والصراعات، وأيضًا بسبب الفقر واليأس من الفوز بفرصة حياة كريمة، فإن منطقتنا تمثل أحد أهم مصادر الهجرة القسرية وغير الشرعية في العالم. فبؤر الصراع المنتشرة في منطقتنا تواصل إرسال المهاجرين، بالإضافة إلى المهاجرين الباحثين عن فرصة حياة على الشاطئ الشمالي للبحر المتوسط. لقد بنت شبكات تهريب البشر لنفسها بنية تحتية قوية في بلاد المنطقة، خاصة حول البحر المتوسط، مدعومة بالطلب المتزايد على الهجرة، وبالمهاجرين العابرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء في طريقهم إلى أوروبا.

الإرهاب. لقد اختفى الإرهاب من قائمة المخاطر التي رصدها تقير المخاطر العالمية، غير أن الإرهاب مازال يمثل تهديدًا خطيرًا في بلادنا. لقد تمت هزيمة موجة إرهاب تنظيم داعش التي وصلت إلى ذروتها في منتصف العقد الماضي. غير أن إبقاء تنظيمات الإرهاب تحت الضغط يتطلب تخصيص موارد وفيرة، كما يتطلب الإبقاء على حالة التأهب طوال الوقت.

التحدي الذي تواجهه منطقتنا هو أن عليها تحمل نصيبها ومشاركة العالم في مواجهة التحديات العالمية التي رصدها تقرير المخاطر العالمية، بالإضافة إلى مواجهة التحديات شديدة الخطورة الخاصة بالمنطقة والنابعة من ظروفها. هذا العبء المضاعف يستلزم أقصى قدر من الجدية والابتكار والتعاون. ويتحمل مجلس التعاون الخليجي والدول المكونة له مسؤولية خاصة في هذا السياق بسبب المكانة القيادية التي يشغلها الخليج في العالم العربي والشرق الأوسط.

مقالات لنفس الكاتب