; logged out
الرئيسية / الاستثمار في هياكل التحالفات الجديدة الآخذة في التحول مع تغير طرق التجارة بسبب الحرب

العدد 184

الاستثمار في هياكل التحالفات الجديدة الآخذة في التحول مع تغير طرق التجارة بسبب الحرب

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

يعود تاريخ ملتقى دافوس إلى أوائل سبعينات القرن الماضي عندما انطلق بهدف تشجيع التجارة والاستثمارات على الصعيد العالمي. ويشارك في فعالياته التي تُقام سنويًا نحو 3000 شخص ثلثهم من رجال الأعمال وممثلي كبرى الشركات. وقد أسس المنتدى أستاذ الاقتصاد الألماني المولد كلاوس شواب عام 1971.  تتناول أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في منتجع دافوس السويسري آفاق الاقتصاد العالمي وتبعات الحروب والأوبئة والتغير المناخي على فرص النمو والازدهار. ويشارك في فعالياته الآلاف من صناع القرار من مختلف دول العالم.

في خضم التحديات الجمة التي يواجهها الاقتصاد العالمي، انطلقت فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس 2023” خلال الفترة من 16 حتى 20 من  يناير 2023، بسويسرا تحت عنوان “التعاون في ظل عالم منقسم ”؛وفي تقديرنا أن منتدى دافوس سيلقي قريبًا بدلة رجل الأعمال ويرتدي بدلة العسكري المبرقعة ،وبدل  مناقشة الانقسام العالمي الناجم عن الأزمات  الاقتصادية التي تواجهها الدول؛ بدءاً بالتغيرات المناخية، مروراً بتداعيات جائحة كورونا؛ سيكون الموضوع الرئيس -وهذا ما جرى-هو التركيز على مناقشة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي أسهمت  في خلق أزمات عدة كارتفاع معدلات التضخم، وتكلفة المعيشة، وأصابت الاقتصاد العالمي بالركود. وضبابية المستقبل إذا استمر تقوس منحنى انقسام جيوسياسي عالمي، مما يطرح أكثر من سؤال خليجي ربما لا توجد لها إجابات في أجندة فعاليات المنتدى، حيث تراكم الأزمات يفوق تراكم الثروات بشكل غير مسبوق، فكيف سيُواجِه الخليج ذلك خصوصًا أن دول مجلس التعاون هي الضمير المستتر في الجملة النفطية -بل والجملة الأمنية-ترفعها متى ما تشاء؟

   **دافوس واقتصاد الحرب  

هيمنت الحرب في أوكرانيا على أعمال منتدى الاقتصاد العالمي في دافوس، وكانت كلمات زعماء العالم والغرب خصوصًا مثقلة بالرسال التعبوية، أكثر من الحلول الاقتصادية؛ فالمستشار الألماني شولتس تحدث أمام منتدى دافوس عن مستقبل النظام الدولي ودور القوى الصاعدة. ولم ينسى أن اعتبر أن روسيا "لن تكسب" الحرب التي تسببت بها في أوكرانيا مؤكدًا أنه لن يُسمح للرئيس فلاديمير بوتين "بإملاء" شروط السلام. والرد الألماني لم يكن موجهًا في تقديرنا إلى بوتين في موسكو بل إلى حليف ألمانيا المبذر الذي لم يتوقف يومًا طوال عام من استجداء الغرب حيث ناشد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في افتتاح منتدى دافوس، المجتمع الدولي بتوفير دعم أسرع لبلاده ومدّها بمزيد من الأسلحة وفرض عقوبات "قصوى" على موسكو ولم ينسى أن يطالب مجددًا بأسلحة ثقيلة كأسلحة الحلف الأطلسي.

  الرد الأوروبي الذي جاء من شولتز كان يحمل رسائل على عناوين خليجية أيضًا حيث قال إنه يجب ألا يبحث المرء عن شركاء سياسيين في الدول ذاتها دائمًا فحسب، موضحًا أنه "في هذا العالم متعدد الأقطاب، تطلب دول ومناطق متنوعة تمامًا مشاركة سياسية أكبر، وفقًا لوزنها الاقتصادي والديموغرافي" وأضاف شولتس أن هذه الدول "تمثل دولًا ومناطق يحتاج العالم تعاونها من أجل المضي قدمًا في مواجهة التحديات العالمية في المستقبل"، وأشار إلى أن شراكة جديدة تعني إظهار التضامن في مواجهة الأزمات الوشيكة كالتضخم مثلاً. وكأنه يخاطب الخليجيين تحديدًا فالعالم يطلب تعاوننًا.

وفي ذلك الكثير من الصحة، حيث يمكن ربط الحرب الأوكرانية بالعديد من المخاطر العالمية لارتباطها بتأجيج العديد من المخاطر خلال الفترة المقبلة، خصوصاً مع التحول نحو استخدام الطاقة والغذاء كأسلحة في هذه الحرب، مما أدى إلى ارتفاع التضخم ووصوله إلى مستويات غير معهودة. ويؤكد ذلك تقرير دافوس 2023م، حيث اعتبر التقرير أن الحرب الأوكرانية عطلت العودة إلى الوضع الطبيعي بعد جائحة كورونا، وصنف أزمة تكلفة المعيشة كأهم المخاطر العالمية خلال العامين المقبلين، في ظل اضطرابات تدفقات الغاز والغذاء من روسيا وأوكرانيا. وجاءت المواجهة الجيواقتصادية في المرتبة الثالثة بما تحتويه من عقوبات وحروب تجارية. كما تم تصنيف الصراع بين الدول على أنه من بين أهم خمسة مخاطر في 28 دولة، وكانت الحرب في أوكرانيا نقطة تحول للعودة إلى هذا النوع من الصراعات، مما دفع دول حلف الناتو إلى تلبية مطلب تجاوز الإنفاق العسكري لعتبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي.

 كما خيم على التقرير وإن لم يضمنه الخوف من الانجراف تجاه الحل النووي لحسم الخلاف، لكن هذا المعنى كان ضمن كلمات المسؤولين الغربيين حيث صرح أكثر من مسؤول أن التحفظ الغربي مرده أننا لا نقوم بشيء يمكن أن يؤدي إلى دخول حلف شمال الأطلسي الحرب لأن ذلك سيعني مواجهة مباشرة بين قوى نووية". إنما يقوم الأمر على إيصال الرسالة لبوتين بأنه لن يتمكن من إملاء شروط السلام. أوكرانيا لن تقبل بذلك ولا نحن.

تصاعدت وتيرة التسلح عالميًا، حيث ما تزال الحرب أحد أهم المخاطر التي يواجهها البشر، إذ إنه ضمن أول 5 من بين أكبر 10 مخاطر تواجه العالم المدة المقبلة. وأشار التقرير المعنون بـ "تقرير المخاطر العالمية 2023"، 11 يناير 2023م، إلى أن الصراع والتوترات الجيوسياسية تثير عددًا من المخاطر العميقة التي يتوقع استمرارهما إلى ما بعد 2024م، تقريبًا.

ففي مجال التسلح، وبعد نحو عام على بداية الحرب الروسية الأوكرانية، يقلقنا النزاع وتداعياته على السياسات العالمية في مجالي الدفاع والطاقة، وقد تسببت أزمة أوكرانيا في تصاعد وتيرة التسلح عالميًا، حيث رفعت موسكو إنفاقها العسكري بنسبة 2.9%، بينما قفز الإنفاق الأوروبي بمعدل 19%، في حين أقرت طوكيو مراجعة جذرية لسياستها الدفاعية.

لقد أدت حرب أوكرانيا إلى تغيير لافت للسياسة العسكرية التي ظلت برلين تتبعها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث أعلنت ألمانيا تخصيص 100 مليار يورو لصندوق خاص يستهدف تعزيز المنظومة الدفاعية للقوات المسلحة، فيما تزداد الدعوات إلى مضاعفة هذا الرقم إلى 3 أضعاف.

وفي اليابان يستيقظ الساموراي حيث مرر البرلمان الياباني موازنة قياسية بـ 834 مليار دولار. فأصبحت 3 أكبر ميزانية دفاعية بعد أمريكا والصين. وتشتري 400 صاروخ من طراز «توماهوك» الأمريكية، ثم توقيع اتفاقية دفاعية مع بريطانيا. والناتو يعزز العلاقات مع اليابان.

كما مزق الساموراي بسيفه الطويل المادة 9 من دستور اليابان المضافة 1947م، وتنص على أن" الشعب الياباني يتنازل عن الحرب للأبد كحق سيادي للأمة"، وهذا يعيني أن اليابان أدخلت تعديلات غير مسبوقة على استراتيجية الأمن القومي الراسخة في البلدان منذ الحرب العالمية الثانية، حيث قررت زيادة إنفاقها العسكري والتخلي بشكل نسبي عن سياسات التقيد العسكري المتبعة منذ عقود، من أجل امتلاك القدرة على تنفيذ هجوم مضاد حال وقوع أي استهداف لأراضيها. ورغم تصارع القارة الأوروبية مع أزمات متداخلة، بمزيج مؤلم من التضخم المرتفع والنمو الضعيف من عواقب حرب روسيا وأوكرانيا؛ رغم ذلك قالت حكومة بولندا إنها ترغب في زيادة إنفاقها الدفاعي إلى 3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2023م، وستبدأ برنامجًا مكلفًا للغاية للتوسع في هيكلة الجيش وإعادة تسليحه على مدار الأعوام الخمسة المقبلة.

أما الصين فقامت برفع ميزانية جيشها بنسبة 7,2% في عام 2023م، وهي ثاني أعلى ميزانية دفاعية في العالم بعد أمريكا وسط تصاعد التوتر العالمي حيث كشفت وزارة المال الصينية زيادة الميزانية العسكرية عند افتتاح الدورة السنوية العامة للجمعية الوطنية الشعبية. وهذا أمر مقلق إذا تعمقنا في تفاصيل هذه الأرقام التي تظهر ان الجيش الصيني يضم في صفوفه مليونين و35 ألف جندي، منها القوات البرية تبلغ 965 ألف جندي والقوات الجوية 395 ألف جندي، والقوات البحرية 260 ألف جندي، ووحدة الصواريخ الاستراتيجية 120 ألف جندي، كما تمتلك حوالي 350 رأساً نووياً وهو عدد أقل بكثير مما تملكه أمريكا التي تملك 5428 رأساً نووياً وأقل من روسيا التي تملك 5977، لكن الصين أكثر من بريطانيا التي تملك 225 رأسًا، وفرنسا التي تملك 290 رأسًا. وتهدف الصين لزيادة عدد صواريخها إلى 1500 رأس بحلول 2023م، كما تملك 3 حاملات طائرات تعمل اثنتان منها فقط بينما تمتلك الولايات المتحدة 11 حاملة طائرات، وتملك قاعدة عسكرية واحدة خارج البلاد في جيبوتي بينما تملك الولايات المتحدة عشرات القواعد حول العالم والتي يبدو أنها في ازدياد فقد وافق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون يمهد الطريق لوصول ميزانية الدفاع إلى مستوى قياسي يبلغ 858 مليار دولار العام المقبل، بزيادة 45 مليار دولار عن الميزانية التي اقترحها الرئيس جو بايدن.

*** الخليج وتهذيب توحش الاستراتيجيات الغربية   

دخل بوتين أوكرانيا في عملية خاصة أرادها شهر وصارت سنة ويتوقع لها من 5-8 سنوات. فما الموقف الخليجي المطلوب للتعامل مع تبعات هذه الحرب؟ وهنا نشير إلى أنه حتى لو أعلن طرف صراع انتصاره تخلف الحروب دولًا منقسمة فيها ثلاثة جيوش واحد من المشاليل وجيش من المشيعين وجيش من اللصوص. وعلينا في الخليج ربط الأحزمة فقد قال المتفائلون ستتضح الرؤية حول مدة الحرب وتظهر ملامحها، بعد الانتهاء من انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي، ثم قالوا سنعرف مدة الحرب بعد نتائج حرب الغاز الروسي ثم حرب القمح الأوكراني ثم موقف الصين مما يعني غموض النهاية. . . من بين أربعة سيناريوهات محتملة لانتهاء الحرب في أوكرانيا يرجح حرب الاستنزاف، والثلاثة سيناريوهات الأخرى التي بعدها هي أن يأمر بوتين بوقف القتال والدخول في مفاوضات أو انتصار أحدهما، أو فشل المفاوضات بين موسكو وكييف، وفشل المساعي الدولية، وفشل الضغط الغربي على كييف من أجل التفاوض على صفقة مع روسيا، حتى لو كان ذلك يعني التخلي عن بعض أراضيها. كما أن من الأسباب التي ترجح طول مدة الحرب أن الحكومة الأمريكية لم تبذل جهوداً كبيرة أو أنها لا تبذل جهوداً كافية. كما يمكن الاتكاء على صناع القرار الغربيين فمن باب شهد شاهد من أهلها أقوال الأمين العام لحلف “الناتو” الذي أعتبر أن الحرب في أوكرانيا قد تستمر لفترة طويلة، كذلك ما قاله كيسنجر ونصح الأوكرانيين بتقديم تنازلات. أما الخبراء العسكريين فمنهم ميك رايان، الجنرال الأسترالي والعالم العسكري الذي صرح: "هناك احتمال ضئيل لتحقيق نصر من قبل أي من الطرفين على المدى القصير. لغياب القدرة على توجيه ضربة استراتيجية حاسمة. كما أن صحيفة الاندبندنت البريطانية كتبت في صدر صفحتها الأولى: نهاية الصراع في أوكرانيا تبدو بعيدة المنال. أما الأسباب الروسية التي ستطيل الحرب فتنحصر في أهداف بوتين العصية وهي سحب الوجود العسكري للقوات الأجنبية في أوروبا الشرقية، كما يشعر بوتين أن السكان الناطقين بالروسية شرقي أوكرانيا روس تابعين له.

سيتبدل الزخم صعوداً وهبوطاً بين الطرفين ويحقق كلا الجانبان مكاسب أحيانًا ويمنيان بخسائر أحيانًا أخرى. فبوتين يظهر الصبر الاستراتيجي والمراهنة على أن الدول الغربية ستشعر بـ "إرهاق أوكرانيا"، لكن الغرب يستمر في تصميمه ويواصل تزويد أوكرانيا بالأسلحة

سيطول أمد الحرب لقوة روسيا فلديها إمكانية تعبئة عامة تصل إلى 20 مليونًا، وقاعدتها الصناعية العسكرية ضخمة، والموارد فيها القادرة على إدارة هذه المؤسسات باستدامة لسنوات. كما أن ديناميكية الحرب وأسلحتها تتغير بوتيرة شهرية، بالإضافة إلى جمود خطوط القتال، وكل من أوكرانيا وروسيا لا يستطيعان تحقيق المزيد من الناحية العسكرية، وعليه ستنشأ خطوط معركة شبه ثابتة وتتحول الحرب إلى صراع دائم بوتيرة منخفضة وتصبح "حربًا إلى الأبد". ويحتاج الغرب وقتًا لتقديم الدعم العسكري لأوكرانيا ووقتًا من أجل الحفاظ على العقوبات الاقتصادية ووقتًا لعزل موسكو دبلوماسياً. وكلمة وقت تعني سنوات. كما أن من أسباب طول الحرب تنوع أهداف أطراف الصراع المتعددة كإخضاع موسكو وإنهاء حلم روسيا في إقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب، فالصراع الحقيقي هو بين روسيا والغرب، أي أن الصراع ليس بين روسيا وأوكرانيا،  

متى تنتهي الحرب؟

 *تنتهي الحرب حينما تكون تكلفة الحرب قد أصبحت أغلى من تكلفة السلام، بمعنى أن ينتصر أحد الطرفين، وتصبح تكلفة الحرب بالنسبة للمنهزم أغلى بكثير من تكلفة السلام، وتقديرات مدة الحرب سبقتنا اليها وسائل الإعلام الغربية نفسها فقد قالت شبكة "سي بي إس" الأمريكية، فإن مسؤولي الولايات المتحدة والغرب لا يرجحون أن تكون الحرب الحالية قصيرة الأمد. وذكر المصدر أن وزيرة الخارجية البريطانية، ليز تراس، تعتقد أن هذه الحرب قد تدوم 10 سنوات. وفي المنحى نفسه، قال مشرعون أمريكيون في الكونغرس، إن هذه الحرب قد تمتد إلى 10 سنوات أو ربما 15 و20 عامًا. كما قالت الموظفة السابقة في مجلس الأمن القومي الأمريكي، إيميلي هاردينغ، إنه على الولايات المتحدة وأوروبا أن تستعد لنزاع مدته ما بين 8 و10 سنوات، بما له من تداعيات اقتصادية. لذا نرجح 5-8 سنوات.    

**ماذا أعددنا في الخليج لحرب لا تقل عن 5 سنوات ؟

** الجوانب الإيجابية في استثمار الفوز السياسي، فالزعماء الإقليميين الأقوياء يشعرون بجرأة أكثر، السعودية تحولت إلى دولة محج للقادة. من جانب آخر نرى استجداء الغرب لقطر كبديل لروسيا، ونرى الإمارات تمارس رفاهية الامتناع عن التصويت على إدانة الحرب الروسية.

كما يجب استثمار الكسب الاقتصادي، فالمعروف أن المصدرين للطاقة يستفيدون أموالًا إضافية ويعني أن دول الخليج سيكون لديها فوائض. ومن المتوقع أيضًا أن يتسارع النمو الاقتصادي فيها بشكل كبير.

من ناحية أخرى يجب الاستثمار في هياكل التحالفات الجديدة فالتحالفات آخذة في التحول، مع تغير طرق التجارة بسبب الحرب، كذلك تتغير التحالفات نفسها، وهناك تشكيك في استمرارية تفوق الدولار الأمريكي في الاقتصاد العالمي.  بل والهيمنة الغربية على النظام العالمي.  أما الجوانب السلبية فتتلخص في أن اقتصادات دول الشرق الأوسط ومنها الخليج تشهد أزمات في الغذاء فحوالي ثلث القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا، وفي ارتفاع الأسعار بشدة مع اختلال سلاسل التوريد. وارتفاع معدلات التضخم

كما تجدر الإشارة إلى أن ما حدث من انفراج في العلاقات الخليجية ـ الإيرانية قد يقلل من حدة تبعات الحرب الأوكرانية الروسية على دول الخليج برعاية صينية، وقد تم الاتفاق لأن طهران والرياض، وصلت إلى أن التدافع الأمني الإقليمي في المنطقة خسارة لكل الطرفين وهو ما جعل السعودية وإيران تحاولان وضع علاقاتهما في نصابها الصحيح، فالبلدين وصلا لقناعة مشتركة، وهي أن الرابح في التدافع الأمني سيكون خاسرًا أيضًا في الوقت ذاته. كما تم الاتفاق بسبب النجاح الصيني. فقد نجحت بكين بصفتها وسيطًا يتمتع بحسن النية وموثوقًا به، وأدت الصين واجبها بكل أمانة باعتبارها الدولة المضيفة".  من إحساسها ومصلحتها "العالم لا يقتصر فقط على قضية أوكرانيا"

** لكن يبقى سؤال عن قدرة الخاسرين على تخريب هذا الاتفاق وهم كثر وعلى رأسهم إسرائيل الخاسر الأكبر فقد تلقت بالخليجي الفصيح كلمة (لا) لن نكون وقودًا لمغامراتكم الإعلامية في إيران. ودليل الخسارة الإسرائيلية هو هجوم رئيس حكومة إسرائيل السابق، نفتالي بينيت، على رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو، على خلفية الاتفاق الإيراني -السعودي، مشيراً إلى أنّه "فشل مدوٍّ، وينبع من الدمج بين الإهمال السياسي والضعف العام ونزاع داخلي في الدولة". وأنّ "استئناف العلاقات يُعَدّ تطوراً خطراً بالنسبة إلى إسرائيل، ويمثّل انتصارًا سياسياً لإيران". ومثله َهجوم رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، يولي أدلشتاين، فقد قال إنّ "الاتفاق بين إيران والسعودية سيئ جداً لإسرائيل". كما أن الخاسر الآخر هو أمريكا الديموقراطية. فقد قالت *صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنّ الاتفاق بين السعودية وإيران يمثّل "انتصاراً دبلوماسياً لبكين، في منطقة هيمنت الولايات المتحدة، منذ فترة طويلة، على الجغرافيا السياسية فيها". وكأن ما حدث أنّ الهيمنة الأمريكية على سياسات الشرق الأوسط، "انتهت رسمياً". كما تشمت مدير السياسات في منظمة "متحدون ضد إيران النووية"، جايسون برودسكي، أنّه إذا نُفّذ هذا الاتفاق الذي توسطت فيه الصين، فإنّه سيُظهر التكاليف التي تتحملها المصالح الأمريكية بعد "معاملتها للشركاء كخصوم".

وهناك خاسرون في لبنان، فالجميع ينتظر أن يسهم الاتفاق السعودي الإيراني في زحزحة الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، خاصة ملف الانتخابات الرئاسية، وتشكيل الحكومة اللبنانية القادمة، بسبب النفوذ الإقليمي للبلدين في هذا البلد العربي.  لكن حزب الله ومن بقي من فريق ميشال عون يعرفون أن السعودية ملتزمة بالمبادرة الكويتية التي تؤكد احترام لبنان سيادة الدول العربية والخليجية، ومنع تهريب المخدرات إلى الخليج، وتطبيق القرارات الدولية، أبرزها حول حل جميع المليشيات اللبنانية ونزع سلاحها. وهذا مرفوض منهم. فهم من الخاسرين.

  وفي اليمن الحوثة خاسرون ليس لتوقف المدد التسليحي والخبرة القتالية والدعم الهندسي بل حتى الدعم السياسي داخل اليمن نفسه. كما أن في العراق خاسرين فما جدوى فصائل الحشد الشعبي الولائية إذا لم تكن لها مهمات مكملة لتنفيذ السياسة الإقليمية الإيرانية، كما كانت أيام عمل وزير المستعمرات الإيرانية قاسم سليماني؟

فهل يستطيع الخاسر تخريب الاتفاق؟

 لا شك أن بذور فشل الاتفاق موجودة في ثناياه  كما يرى الخاسرون .وهي ثغرات قد تستخدم من الخاسرين ومن تلك البذور أن  خراب العلاقات الخليجية والإيرانية بصفة عامة كان نتيجة علاقة بين ثقافتين متناقضتين، فصانع السياسة الخارجية الإيرانية ينتمي إلى ثقافة عقائدية تستند إلى «الإيمان المطلق» بثوابتها، والجانب الخليجي ينتمي إلى ثقافة براغماتية  مسالمة حديثة، وشتان بين الاثنين، لذا يعتمد صانع السياسة الخارجية الخليجية على الحوار ، أما طهران فسياستها لا تتعدى الطريقة المعروفة  الحوار والضرب تحت الحزام في الوقت ذاته، وإلا ما معنى التمسك في دستورهم بفقرة تصدير الثورة ونصرة المستضعفين وهو توصيف مهذب للتدخل في شؤون الآخرين.

كما يستطيع الخاسر من البناء على الهاجس التاريخي، فهو على علم أن الخليجيين لا يثقون في طهران لكثرة الأزمات وسهولة اندلاعها، ففي 2016م، كانت القطيعة الأكبر بعد إعدام السعودية لإرهابيين فاعتدى إيرانيون على سفارة الرياض في طهران وقنصليتها بمدينة مشهد، وإلغاء إرسال الحجاج الإيرانيين. وفي 2017م، دعا المرشد خامنئي، حجاج بلاده إلى تجنب التسوق من السعودية ، كما صدرت اتهامات من مسؤولين إيرانيين حيال دعم المملكة لمقتل 25 من أفراد الحرس الثوري الإيراني خلال عرض عسكري بطهران. وفي2019م، هجمات استهدفت المنشآت النفطية، في بقيق وخريص. وفي 2020م، سمحت طهران بدخول سعوديين لبلادها دون ختم جوازاتهم رغم منع السعودية مواطنيها من السفر لإيران.

كمراقب خليجي، نتمنى أن ينجح الاتفاق فالتدافع الأمني الإقليمي في المنطقة هو مثل التدافع لشراء تذكرة على السفينة تايتانيك. كما نتوقع من صانع القرار السياسي الخليجي استثمار مكتسبات الحرب الروسية ــ الأوكرانية لتلافي تبعاتها.

مقالات لنفس الكاتب