array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

6 خطوات أمام الدول العربية لمواجهة وتجاوز المخاطر والتحديات الاقتصادية

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

تحميل    ملف الدراسة

تعرض الاقتصاد العالمي في السنوات القليلة الماضية إلى عدد من الأزمات منها الأزمة المالية العالمية التي انفجرت في 2008م، واعتبرت حينها الأسواء من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929م، وبعد الخروج من هذه الأزمة بحوالي اثنتي عشرة سنة دخل الاقتصاد العالمي في أزمة أكبر جراء جائحة كورونا والتي أدت آثارها إلى هبوط اقتصادي. وإضافة إلى هاتين الأزمتين ذواتي الأثر العام على الاقتصاد العالمي كان هناك أحداث أثرت على الاقتصاد العالمي منها الحرب الروسية ـ الأوكرانية والتي تسببت في الارتفاع الكبير في أسعار النفط والغاز والقمح والأسمدة حيث تعد روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة لهم في العالم.

المنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس):

        في ظل هذه الظروف والتعقيدات انعقد منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في يناير 2023م، تحت شعار " التعاون في عالم مجزأ " بحضور ومشاركة أكثر من 2700 مسؤول بارز من 130 دولة بما في ذلك رؤساء دول وحكومات ووزراء ورؤساء بنوك مركزية وشخصيات عامة من المنظمات الدولية وقادة الأعمال والمبتكرين، هذا الحضور الكبير والمتنوع أعطى هذا المنتدى مصداقية كبيرة في تقاريره وتحليلاته وتوقعاته المستقبلية. وقد أصدر المنتدى تقرير المخاطر العالمية (2023) والذي تناول أهم المخاطر التي تواجه العالم في العام 2023م، والسنوات المقبلة حتى العام 2030م.

والملاحظ أن تلك المخاطر ظهرت أو تفاقمت جراء الأزمات الاقتصادية والسياسية والبيئية والحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية. وتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية والتي أدت إلى ارتفاع الأسعار في جميع السلع جراء زيادة أسعار الطاقة و الغذاء والتي أدت بدورها إلى زيادة معدلات التضخم والذي جعل البنك المركزي الأمريكي يزيد من معدلات الفائدة على القروض لكبح جماح التضخم لتتبعه البنوك المركزية في العالم باعتبار أن الاقتصاد الأمريكي هو الاقتصاد الأول في العالم و يمثل قاطرة الاقتصاد العالمي وهذا الأمر أثر أيضاً في زيادة الديون العالمية مما دعا صندوق النقد الدولي إلى مناشدة البنوك المركزية في العالم إلى إتباع سياسة مرنة تجاه الديون العالمية لمساعدة اقتصاديات الدول على تجاوز هذه التحديات .

من المخاطر التي ذكرها تقرير دافوس أيضاً هو زيادة معدلات الفقر ولعل ذلك يأتي نتاج طبيعي لارتفاع الأسعار و زيادة معدلات التضخم و الذي بدوره يؤدي إلى تآكل مدخرات المستهلكين ونقص قيمة النقود التي بحوزتهم مما يعرضهم للفقر و يؤدي ذلك إلى تآكل الطبقة الوسطى في كثير من المجتمعات حيث ينحدر معظم منتسبي هذه الطبقة إلى حافة الفقر والذي له الكثير من الآثار السلبية التي تقود إلى خطر آخر تناوله تقرير دافوس وهو تآكل التماسك الاجتماعي حيث تؤدي زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتآكل الطبقة الوسطى إلى ظهور أمراض اجتماعية تؤثر على بنية المجتمع و تهدد تماسكه .

خطر آخر تناوله تقرير دافوس هو زيادة معدلات الهجرة غير الشرعية حيث يظن الشباب الذي طحنه الفقر وعانى من البطالة أن الهجرة إلى الدول الغنية هي السبيل إلى انتشاله من الحالة المزرية التي يعيش فيها ولذلك يجازف بحياته عبر ركوب البحار أو غيرها من الوسائل غير الشرعية والخطرة للوصول إلى الدول الغنية التي تتوفر فيها فرص العمل وسبل كسب العيش.

أيضًا من المخاطر التي حذر منها تقرير دافوس هو ازدياد ظاهرة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والتي أصبحت مشكلة تهدد بأضرارها ومخاطرها العالم أجمع حيث ازدادت معدلات زراعتها وإنتاجها في العديد من الدول كما انتشر تهريبها والاتجار بها عبر عصابات منظمة لما لها من عوائد وأرباح خيالية.

آثار المخاطر العالمية على الدول العربية ودول الخليج على وجه الخصوص:

بعد أن بدأ الاقتصاد العالمي يتعافى من أزمة كورونا وسجل العالم نسبة نمو 5.9% خلال العام 2021م، قدر البنك الدولي في تقريره الصادر في يناير 2023م، تراجع النمو إلى 2.9% خلال العام 2022م، وتوقع أن ينمو الاقتصاد العالمي بمعدل 1.7 % في عام 2023م، و2.7% في عام 2024م.

وبالرغم من الصدمات التي تعرض لها الاقتصاد العالمي جراء الأزمات والمخاطر العالمية إلا أن التأثير على اقتصادات الدول العربية والتوقعات لعام 2023م، يختلف من بلد لآخر لعدة عوامل.

ولكن في المجمل شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا انتعاشاً كبيراً خلال العام 2022م، وتم تسجيل معدل النمو الأعلى خلال عقد، حيث تمتعت دول المنطقة المصدرة للنفط بمكاسب غير متوقعة ناجمة عن ارتفاع أسعار النفط والغاز وارتفاع حجم الإنتاج، إلا أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو في المنطقة إلى 3.5% في عام 2023م، نزولا من 5.7% عام 2022م.

وتختلف التوقعات حسب تقرير البنك الدولي بشكل كبير بين دول المنطقة حيث تواجه بعض الدول عدم استقرار في الاقتصاد الكلي وصراعات، بينما ينمو البعض الآخر بشكل ملحوظ، مع الإشارة إلى التداعيات الناجمة عن المزيد من الضعف الاقتصادي لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين لدول المنطقة وتفاقم الأوضاع العالمية وزيادة المخاطر المرتبطة بالمناخ وتصاعد التوترات الاجتماعية وعدم الاستقرار السياسي، قد تؤدي إلى حدوث مزيد من الانكماشات الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر في بعض دول المنطقة.

وقد رأينا أن ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة كما حدث في كل من لبنان وسوريا ومصر والسودان ونقص الاستثمار أدى إلى تآكل مستويات الدخل في تلك الدول.

وعلى العكس من ذلك فإن دول مجلس التعاون الخليجي يتوقع أن تحقق 1.3 تريليون دولار إضافية من عائدات النفط في السنوات الأربع القادمة جراء زيادة ارتفاع أسعار النفط والغاز وزيادة الإنتاج حسب توقعات صندوق النقد الدولي ويأتي ذلك بعد ثمانية أعوام من الركود الاقتصادي الناجم عن انخفاض أسعار النفط وآثار جائحة كورونا.

هذه الأموال الإضافية تعني أن دول الخليج سيكون لديها فوائض في الميزانية للمرة الأولى منذ عام 2014م، ومن المتوقع أن تتسارع في النمو الاقتصادي بشكل كبير وعلى سبيل المثال نما الاقتصاد السعودي بنسبة 9.9% في العام 2022م، وهو أعلى معدل نمو في عقد من الزمان كذلك تمكنت اقتصادات دول الخليج العربي وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت من زيادة إنتاجها النفطي وحجم صادراتها العام الماضي بأسرع وتيرة منذ نحو 10 سنوات مع الإبقاء على معدلات التضخم عند مستويات أدنى بكثير من المتوسط العالمي.

هذا النمو الكبير الذي تحقق في العام 2022م، في دول الخليج العربي ونسبة للمخاطر التي رصدها تقرير دافوس 2023م، فقد جاءت توقعات وتقديرات البنك الدولي للنمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعام 2023م، أقل بكثير من تقديرات عام 2022م.

نتيجة للتباطؤ المتوقع في اقتصادات الشركاء التجاريين الرئيسيين والتخفيضات الجديدة في إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية المحلية.

كيف يمكن للدول العربية مواجهة المخاطر؟

لعل الكلمة المفتاحية لمواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه عالمنا اليوم بحسب تقرير دافوس 2023م، لخصها شعار المنتدى "التعاون في عالم مجزأ "لأن كل هذه المخاطر ليست مخاطر قطرية أو إقليمية إنما هي قضايا عالمية لابد فيها من وضع أسس للتعاون الدولي حتى تنجح السياسات الوطنية في احتواء آثارها على المستوى الوطني.

وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في المنتدى على أهمية التعاون مشيراً إلى أنه لا توجد حلول مثالية في ظل العاصفة لكن يمكننا العمل للسيطرة على الضرر واغتنام الفرص وأكد على أن الوقت حان الآن أكثر من أي وقت مضى لتشكيل مسارات للتعاون في عالمنا المجزأ.

كذلك أكد بورج برنده -رئيس المنتدى" أنه في وقت مليء بالتحديات، هناك شيء واحد واضح، أنه يمكننا تشكيل مستقبل أكثر مرونة واستدامة و إنصافاً ولكن الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي معاً، فالتعاون والعمل معاً هي الكلمة المفتاحية للدول العربية لمواجهة هذه المخاطر و التحديات و فيما يلي أهم الخطوات لتحقيق ذلك:

1  ـ يمثل نقص الغذاء وارتفاع أسعاره تحديًا كبيرًا للدول العربية فعلى الرغم من توفر الموارد الطبيعية من الأرض و المياه و الموارد البشرية فهناك نقص كبير في إنتاج الغذاء فقد رصد تقرير أوضاع الأمن الغذائي السنوي 2021م،  والذي تصدره المنظمة العربية للتنمية الزراعية أن قيمة صادرات الغذاء من الدول العربية 18.6 مليار دولار في حين أن قيمة الواردات 67.18 مليار دولار وأن فجوة السلع الرئيسة في الدول العربية على أساس الفرق بين الكميات المتاحة للاستهلاك من تلك السلع و الكميات المنتجة فيها تعادل 37.9 مليار دولار و هذا الأمر يتطلب العمل بجدية لإنفاذ المبادرات التي تم إطلاقها لتحقيق الأمن الغذائي العربي مثل مبادرة السودان للأمن الغذائي العربي و التي أجازتها القمة العربية بالرياض 2013م، و المبادرات التي أطلقتها المنظمة العربية للتنمية الزراعية لتسريع تحقيق الأمن الغذائي ارتكازاً  على البرنامج الطارئ للأمن الغذائي. هذه المبادرات تؤكد أن الرؤية الفنية ودراسات الجدوى الاقتصادية لمشروعات الأمن الغذائي متوفرة ولكن ينقصها الإرادة السياسية التي تحولها إلى واقع.

2  ــ لتلافي كثير من المخاطر التي رصدها تقرير دافوس 2023م، يجب على الدول العربية أن تسرع من خطوات التكامل الاقتصادي العربي باستكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى وصولاً للسوق العربية المشتركة و هذا الأمر يتطلب إبعاد العمل الاقتصادي من تأثير الخلافات السياسية لزيادة حجم التبادل التجاري بين الدول العربية و لخلق سلاسل إمداد مستدامة و هذا بالضرورة سيتطلب إصلاح قوانين الاستثمار القطرية لخلق مناخ استثماري ملائم يستطيع جذب رؤوس الأموال العربية و كذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

3  ــ في موضوع الطاقة تتمتع الدول العربية بتنوع كبير في مصادر الطاقة و لها ميزات إيجابية يمكن أن تجعلها مركزًا للطاقة، فبالإضافة إلى النفط والغاز تمتلك الدول العربية قدرات طبيعية و فيرة لإنتاج الطاقة من المصادر المتجددة مثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح و الطاقة الكهرومائية .و لمواجهة خطر أزمة الطاقة يجب على الدول العربية أن تعمل بجد لتطبيق الاستراتيجية العربية للطاقة المستدامة 2030 م، والتي وضعها مجلس وزراء الكهرباء العرب انسجاماً مع أهداف التنمية المستدامة في أبعادها الاجتماعية و الاقتصادية و البيئية و بالتوافق مع هدفها السابع الرامي إلى تمكين الجميع من الوصول الميسر و الموثوق للطاقة الحديثة بشكل مستدام يراعي الواقع التنموي للدول العربية و آفاق تطوره المستقبلي حتى عام 2030م.

وفي إطار تنفيذ هذه الاستراتيجية يجب إكمال الربط الكهربائي لشبكات الكهرباء العربية وإكمال الإطار القانوني لقيام السوق العربية المشتركة ورفع مساهمة الطاقة المتجددة بشكل معتبر في خليط الطاقة الوطني وتحسين كفاءة الطاقة مما يؤدي إلى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

وتمكن مصادر الطاقة المتجددة والربط الكهربائي العربي الدول غير المنتجة للنفط والغاز من الحماية من تقلبات أسعار الوقود وتأمين مصادر مستدامة تضمن الوصول إلى خدمات الطاقة الحديثة لتأمين الغذاء والمأوى والدواء والعلاج لمكافحة الجوع والفقر وقضايا التنمية الأخرى.

 4 ـ من أبرز المخاطر التي تواجه العالم و التي تحتاج الدول العربية للتعامل معها بجدية هي أزمة تغيير المناخ لأن الفشل في تخفيفها و التكيف معها سيكون له انعكاسات سلبية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة، و لعل من محاسن الصدف أن تم عقد مؤتمر الأطراف حول المناخ COP 27 في شرم الشيخ العام الماضي، و سيتم عقدCOP 28  في دولة الإمارات نهاية هذا العام، مما يوفر فرصة طيبة للمواطن العربي للإلمام بقضايا المناخ. ويتطلب الأمر أن تقوم الدول العربية بسن القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية البيئة وتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بما يتوافق مع التوجه العالمي ووضع مقررات في مناهج التعليم وتسخير الإعلام للتعريف بقضايا البيئة والمناخ.

5 ـ من المخاطر التي تواجه العالم أيضًا ظاهرتي الهجرة غير الشرعية و الإتجار بالمخدرات وهذه قضايا يمثل الفقر والعوز حاضنة لها، وهما تحتاجان إلى مزيد من التعاون بين الأجهزة المختصة في الدول العربية و بقية دول العالم لمكافحتها لأنها ظواهر غير مرتبطة ببقعة جغرافية محددة و إنما هي جرائم عابرة للحدود ، وتمثل الدول العربية الغنية مستقر للهجرة غير الشرعية فيما تمثل دول الشمال الإفريقي  ممرًا للهجرة.

6 ـ من الخطوات المهمة للدول العربية لمواجهة التحديات و المخاطر التي تواجه العالم هي عملية الإصلاح الاقتصادي الشامل لأن الأزمات الاقتصادية تقوض جهود التنمية ولا يمكن دعم صمود الاقتصاد أمام هذه التحديات والمخاطر إلا بعملية إصلاح شاملة تستهدف تنويع الاقتصادات العربية والتركيز على التحول الصناعي و تطوير سلاسل الإنتاج والقيمة المضافة واستخدام التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز النمو الاقتصادي في كافة القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية لدعم الاستدامة و الحفاظ على البيئة والتكيف مع متغيراتها مع أهمية تحسين البنية التحتية للاتصالات و الإنترنت و التوسع في استخدام التكنولوجيا و الاتجاه نحو الاقتصاد الرقمي واقتصاد المعرفة مع اتخاذ إجراءات لتعزيز الحماية الاجتماعية و الحد من التداعيات السلبية على الفئات الضعيفة من المجتمع.

دور المنظمات وجهات التمويل العالمية والعربية في التخفيف من آثار المخاطر:

إن المخاطر التي أوردها تقرير دافوس 2023م، لها أثر عام على الاقتصاد العالمي يتطلب من المنظمات الدولية و مؤسسات التمويل العالمية العمل للتخفيف من آثارها، و هو ما تسعى لتحقيقه الأمم المتحدة عبر منظماتها المتعددة فقضايا المناخ مثلاً يتم نقاشها على مستوى عالمي عبر مؤتمر الأطراف  حول المناخ COP وقضايا  التجارة العالمية والحروب التجارية بين القوى الاقتصادية الكبرى تعالج عبر منظمة التجارة العالمية خاصة وأن منتدى دافوس أكد أن هناك فجوة تمويل للتجارة العالمية تصل إلى 1.7 تريليون دولار و هذا يتطلب تدخل مؤسسات التمويل العالمية لمساعدة الدول لسد هذه الفجوة .وكذلك لابد من وضع سياسات تعالج أزمة الديون العالمية و تجنب الاقتصاد العالمي الدخول في الركود من خلال مساعدة الدول للحد من تأثير أزمة الغذاء والطاقة وغيرها من التحديات.

أما على المستوى العربي فإن لمنظمات العمل العربي المشترك ومنظمات التمويل العربية دورًا كبيرًا للتخفيف من آثار هذه المخاطر على الدول العربية ذات الموارد المحدودة والتي تعاني من أعباء الديون وضعف المداخيل المالية. فقد أظهرت التقارير أن الدول المستوردة للنفط تأثرت سلباً بالتحديات الاقتصادية التي تواجه العالم، حيث تواجه بعض الدول عدم الاستقرار في الاقتصاد الكلي وصراعات قد تؤدي إلى حدوث مزيد من الانكماشات الاقتصادية وزيادة معدلات التضخم والفقر والبطالة.

هذا الواقع يتطلب من منظمات العمل العربي المشترك و مؤسسات التمويل العربية التنسيق في السياسات والتعاون من أجل اغتنام الفرص التي توفرها الأزمة الاقتصادية العالمية، ففي مجال الأمن الغذائي يمكن السير بقوة نحو تنفيذ المبادرات العربية من أجل توفير الغذاء والتحكم في أسعاره ويتطلب ذلك إكمال البنية التشريعية بإقرار القانون الموحد لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية كما يمكن استثمار الفوائض المالية الكبيرة التي وفرتها زيادة أسعار النفط و الغاز و زيادة الإنتاج في الاستثمار العربي في المجالات الصناعية والزراعية لتوفير منتجات للصادر خاصة وأن أوروبا وأمريكا تبحثان عن سلاسل إمداد تكون أقصر من تلك التي تنطلق من الصين و شرق آسيا وقد سمع كاتب هذا المقال من مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي جمعه به لقاء عمل في الجامعة العربية أن أوروبا تفكر جدياً في إيجاد بديل لسلاسل الإمداد الطويلة خاصة بعد أزمة كورونا وغلق قناة السويس نتيجة لجنوح السفينة غلوري و ما سببته من تعطل إمداد المنتجات إلى أوروبا وهذا يمكن أن يوفر فرصة لاستثمارات ضخمة لإنتاج صناعي في الدول العربية يستهدف التصدير إلى أوروبا و يساعد في تنويع مصادر دخل الدول العربية.

أيضاً يمكن لمؤسسات التمويل العربية وعلي رأسها مجموعة التنسيق التي تضم معظم صناديق التنمية العربية أن يكون لها دور كبير من خلال توفير التمويل لمعالجة الكثير من الأزمات التي تواجه الدول العربية خاصة أن هذه المجموعة تمتلك قدرات كبيرة. فقد بلغ المجموع التراكمي لالتزامات العمليات التمويلية لمؤسسات التنمية العربية أعضاء المجموعة حسب التقرير العربي الموحد. منذ بداية النشاط الإقراضي لها إلى نهاية عام 2020م، حوالي 245 مليار دولار كان نصيب الدول العربية منها حوالي 127.7 مليار دولار. لذلك يمكن لهذه المؤسسات توظيف كل أدوات التمويل المتاحة لدعم الدول العربية الأضعف مثل المنح والقروض الميسرة والدعم الفني ودعم الموازنة العامة وميزان المدفوعات وخطوط التمويل وتمويل التجارة وتأمين التجارة والاستثمار وبرامج تطوير القطاعين العام والخاص.

ختامًا: بالرغم من قتامة الواقع الاقتصادي الدولي إلا أن الدول العربية يمكن أن تحول كل هذه المخاطر والأزمات إلى فرص ترتقي بها اقتصاداتها إذا توفرت الإرادة السياسية و تكاملت الأدوار و تعاونت الدول من أجل استغلال الموارد المتاحة لدى كل منها و يمكن حينها أن تصبح المنطقة العربية ليس مصدراً للغاز و النفط فقط وإنما مصدرًا للطاقة المتجددة و مصدرًا للغذاء و المنتجات الصناعية المعتمدة على تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة و الذكاء الاصطناعي و بذلك تعالج مشاكل و تقلبات الحاضر و وتضمن واقعًا اقتصاديًا أفضل في المستقبل.

مقالات لنفس الكاتب