array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

التكامل الخليجي الأوروبي يؤدي لإنشاء منطقة تجارة حرة تعود بالنفع على الجوار

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

لطالما شكلت إيطاليا جسرًا بين الاتحاد الأوروبي والعالم العربي، وتمكنت الدبلوماسية الإيطالية، على مدى العقود الماضية من بناء مصداقية قوية عبر إعلاء الحوار الشامل من أجل أجندة إيجابية في منطقة البحر المتوسط الأوسع. فنحن ندرك تمامًا أهمية العمل على خلق مساحة مشتركة من الاستقرار والازدهار باعتبار ذلك السبيل الوحيد من أجل التغلب على التحديات التاريخية بما في ذلك؛ الأوضاع الأمنية، والأمن الغذائي، والهجرة، والانتقال الطاقي. وهو ما انعكس عبر كلمة رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني أمام منتدى " حوارات روما المتوسطية” والتي أكدت خلالها دعم بلادنا الراسخ للجغرافيا السياسية القائمة على الحوار الذي يمكن بناؤه وتدعيمه في منطقة البحر المتوسط الأوسع على أساس الاحترام المتبادل للهويات والقيم الثقافية”. من ثم، كان بديهيا أن تعرب روما عن ترحيبها بالاتفاق المُعلن حول استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، حيث يمثل هذا التطور خطوة مهمة من أجل استقرار الأمن الإقليمي وخفض مناخ التصعيد. كما أنه يتعلق بأحد القضايا الرئيسية التي تنشط فيها المشاركة الإيطالية وهو ما يجعلنا نتطلع قدمًا من أجل رؤية تنفيذ الاتفاق في الوقت المناسب.

ولهذه الأسباب، تعد بلدنا في وضع جيد من أجل مواصلة إسهاماتها النشطة في التطبيق الفعال والموجه نحو النتائج لوثيقة الاتحاد الأوروبي المشتركة بشأن “شراكة استراتيجية مع الخليج” التي اُعتمدت في شهر مايو من 2022م، وأقرها مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي في غضون شهر من تاريخ صدورها. وتهدف هذه الوثيقة الاستراتيجية، التي طال انتظارها، إلى تعميق وتوسيع نطاق التعاون مع الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي، والاعتراف بـ الديناميات الاجتماعية والاقتصادية الجديدة التي تشهدها المنطقة، والتعبير في الوقت ذاته عن عزم الاتحاد الأوروبي على التفاعل على المستوى الاستراتيجي مع دول مجلس التعاون الخليجي التي يزداد دورها ونفوذها نموًا على الساحة العالمية. وانطلاقًا من هذه الخلفية، أود أن أُشير إلى مجموعة من الملاحظات من المنظور الإيطالي، التي ترتكز بشكل رئيسي على قضايا الأمن، والطاقة، والشراكة الاقتصادية-التجارية، نظرًا لأنها من المجالات التي تشهد اعتمادًا متبادلًا بشكل متزايد بين الجانبين الأوروبي والخليجي.

يعتبر الأمن من القضايا التوافقية التي تتوحد فيها الرؤى الأوروبية والخليجية، ولم يكن يومًا من القضايا الخلافية، حيث أنه يمثل في نهاية المطاف شرطًا وجوديًا لنهضة الأمم الاقتصادية والاجتماعية، وعاملًا أساسيًا لإعلاء حقوق الإنسان وحمايتها وتدعيم المؤسسات القائمة. وعلى مدار العقد الماضي، حرص الشركاء في دول مجلس التعاون الخليجي على تدعيم ريادتهم كصانعي مستقبل لأوطانهم وأن يكونوا لاعبين أكثر استباقية، وحيلة، واستقلالية على الساحة العالمية. كما تعمل دول مجلس التعاون الخليجي على بلورة نهج إقليمي جديد داخل منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط، ونفض غبار انقسامات الماضي، فضلًا عن السعي لبناء شراكات أكثر صلابة داخل المنطقة وخارجها. وتوافقًا مع هذا النهج، تعمد دول الخليج إلى الاضطلاع بمسؤوليات جديدة متعددة الأطراف وتشمل مستويات مختلفة، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، وبالطبع مجلس التعاون الخليجي الذي تعمل تحت مظلته. وقد ساعدت الدبلوماسية الخليجية النشطة في أن تجعل مجلس التعاون شريكًا رئيسيًا في الحوار بشأن التحديات الأمنية التي ينبغي معالجتها نظرًا لتأثيرها على منطقة البحر المتوسط. وبالتالي، فإن الالتزام بعقد آليات التشاور المنتظمة مع قادة دول مجلس وكبار المسؤولين الخليجيين من شأنه أن يسهم في فهم أفضل للمواقف والمخاوف الأمنية الخاصة بكل منا، بما يمهد الطريق أمام تبلور نهج أكثر اتساقًا وفاعلية لمعالجة بعض من الأزمات الأكثر إلحاحًا والتي تعد محل اهتمام مشترك مثل الوضع في ليبيا، وأزمة سوريا، وحرب اليمن، وعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب لبنان وكذلك منطقة القرن الإفريقي. لذلك وافقت روما والعديد من شركاء دول مجلس التعاون الخليجي على بدء حوار استراتيجي يهدف إلى التوصل لفهم مشترك للتحديات الأمنية الخاصة بالمنطقتين وصياغة خطط عمل ممكنة.

فمن ناحية، ينبغي لنا النظر في زيادة إشراك الدول الخليجية في المبادرات الأمنية الأوروبية وبصورة مستمرة، إلى جانب الاعتراف بأهميتهم كشركاء أمن رئيسيين بمنطقة البحر المتوسط الأوسع، وعدم اختزالهم في كونهم شركاء في المال والتجارة. على الجانب الآخر، ثمة فرصة مواتية كي تكثف أوروبا إسهاماتها في مجال الأمن وأن تظهر قدرتها على مساندة الشركاء الخليجيين في القضايا الشائكة. وغني عن القول إن هذه العملية تتوافق مع قدرة الاتحاد الأوروبي على أن يبرز دوره كطرف فاعل وشريك في الحوار الأمني ينعم بالثقة والمصداقية، وهو الهدف الذي يتم بالفعل تسريع العمل عليه منذ أن بدأت روسيا عدوانها على أوكرانيا.

وفي هذا الإطار، يمكن لملف الأمن البحري أن يلعب دورًا محوريًا في تدعيم العلاقات الأوروبية الخليجية. حيث من المتوقع أن يكتسب الأمن البحري أهمية حاسمة خلال العقد المقبل، في ظل تدفق التجارة وإمدادات الطاقة التي تمر عبر المياه الخليجية وممراتها البحرية الحيوية. بالتالي، يرتبط الأمن البحري في منطقة الخليج بأمن أوروبا واستقرار منطقة البحر المتوسط بشكل عام. ومن هذا المنطلق، طُرح عدد من المبادرات الأوروبية التي كان لها إسهامات ملموسة في هذا الملف بينها: عملية "أجينور" من أجل تعزيز الأمن البحري في المنطقة والتي تعمل تحت مظلة "حملة التوعية البحرية التي تقودها أوروبا في مضيق هرمز"، إلى جانب عملية "أتلانتا" في الصومال والتي تعرف أيضًا باسم" القوة البحرية الأوروبية "نافور"، والتي من الممكن تطويرها وإعادة تركيز أهدافها وفقًا للاحتياجات والمتطلبات المتغيرة. وفي ضوء هذا، أود الإشارة إلى أن إيطاليا تعتبر مساهم رئيسي من حيث إجمالي الأصول البحرية المشاركة في كلتا العمليتين.

في الوقت ذاته، يشكل ملف الأمن الغذائي أيضًا أولوية رئيسية لكلا الجانبين في سبيل مخاطبة الأزمات الإنسانية التي تلوح في أفق منطقة البحر المتوسط الأوسع. وبالتالي يجب أن نكون على المدى المتوسط، قد قطعنا شوطًا في بناء شراكة أوروبية ـ خليجية تضع نصب أعينها امتلاك القدرة على النفاذ إلى السلع الزراعية العالمية التي تخدم مصالحنا ومصالح شركائنا في منطقة البحر المتوسط. وهو ما سيثمر عن تحسين ورفع جودة المنتج الزراعي مع الحفاظ على الثروة المائية بفضل اعتماد تقنيات مبتكرة للزراعة. ومع أخذ المعطيات السابقة في الاعتبار، يستدعي الأمر العمل على تشجيع الاستثمارات الخليجية ــ الأوروبية المشتركة في هذا المجال الحيوي، والتي ستساعد على وضع الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في طليعة الدول الداعمة لأنماط التنمية المستدامة. وربما تتسنى أيضًا إمكانية استكشاف أدوات مالية جديدة وبين القطاعين العام والخاص بحيث تتجاوز فكرة المساعدة الإنمائية التقليدية، وبلورة آليات تعاون جديدة لتبادل المعرفة في مجال التقنيات الزراعية الحديثة، ولا سيما الزراعة المائية حيث تتمتع إيطاليا بتجربة استثنائية.

وتعتبر قضية الطاقة أحد الدوافع الرئيسية للتقارب بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي. وفي هذا الإطار، يمكن أن تصبح إيطاليا جسرًا بين الخليج وأوروبا عبر منطقة البحر المتوسط مستفيدة من موقعها الجغرافي الفريد. حيث تهدف مبادرة" خطة ماتي" التي تم اعتمادها مؤخرًا إلى وضع إيطاليا كبوابة للطاقة الأوروبية، ومركزاً للطاقة لمنطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط وقد تعتمد في ذلك على مجموعة من البنى التحتية سواء من حيث الربط الكهربائي أو ارتباط أسواق الغاز بالسوق الأوروبي الأوسع. وفي حين أن الشركاء في مجلس التعاون الخليجي منخرطون بشكل جيد في مسار التحول الطاقي، بالأخص ما يتعلق بمضاعفة إنتاجهم من مصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين، تقف إيطاليا في مكان جيد يؤهلها لأن تكون شريكًا رئيسيًا لدول الخليج في عملية نقل الفائض من إنتاج الطاقة النظيفة إلى السوق الأوروبية الأوسع نطاقاً.

وإذا كانت الأولوية الأوروبية حاليًا تتمثل في تنويع إمدادات الوقود الأحفوري، لاسيما في ضوء المشهد الجيوسياسي الراهن، ينبغي لنا العمل على بناء شراكة استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي على المدى البعيد، وذلك من خلال إنشاء وتحسين البنية التحتية الخاصة بربط الطاقة النظيفة ونقل الإمدادات. وسوف تسمح هذه الشراكة لكل من أوروبا ودول مجلس التعاون بقيادة الجهود العالمية الخاصة بالتحول الطاقي ومعالجة أزمة التغير المناخي، وتقليص المخاطر المحدقة بأمن أسواقنا وأسواق شركائنا في منطقة البحر المتوسط. وينطوي هذا الأمر على قيمة تفوق أهميتها الآن أكثر من أي وقت مضى من أجل خدمة أمننا المشترك، وتعزيز مرونة أداء قطاع الطاقة لدى كل منا وتطوير علاقات مشتركة أكثر وثاقة.

 ومن الضروري أيضًا أن يتم استئناف مفاوضات التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في أسرع وقت ممكن بعد أن ظلت متوقفة لفترات طويلة، حيث ستساعد في تعميق الشراكة الاقتصادية بين الجانبين مدعومة أيضًا بإمكانية تكامل أسواق المنطقتين. كما أن إيطاليا بالأخص لديها مصلحة رئيسية في أية مبادرة من شأنها تحفيز مناخ الأعمال للشركات الصغيرة والمتوسطة داخل أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، بالتوازي مع العمل على إزالة الحواجز والعقبات التي تحول دون النفاذ إلى الأسواق، وتطوير بيئة مواتية للاستثمار. وتمثل دول مجلس التعاون الخليجي أهمية استراتيجية بالغة لسوق الصادرات الإيطالي في مختلف القطاعات بدءًا من؛ السيارات، والآلات والماكينات الصناعية، إلى المنتجات الطبية، والزراعية، والأزياء، والأثاث. كما تعتبر دول الخليج مصدرًا رئيسيًا لإمدادات النفط والغاز التي يتم توريدها لإيطاليا، بما في ذلك المنتجات البتروكيماوية، والمعادن، وغيرها من السلع الاستراتيجية الأخرى اللازمة في سبيل تحقيق تنمية اقتصادية. ونظرًا إلى أن هذا الهيكل من التدفقات التجارية بين إيطاليا والدول الخليجية يعد شائعًا أيضًا في علاقاتها التجارية مع الشركاء الآخرين في الاتحاد الأوروبي، من ثم يمكن التوصل إلى تفاهم بشأن مفاوضات التجارة الحرة بين الجانبين خاصة أنه لا يوجد تنافس بين غالبية قطاعات الأسواق في المنطقتين، الذي قد يتسبب في تعقيد إجراء إعفاءات جمركية. لذلك يجب أن يقودنا تكاملنا في السوق نحو إنشاء منطقة تجارة حرة تربط الخليج وأوروبا، والتي يمكن مرة أخرى أن تعود بالنفع على جوارنا المتوسطي المشترك.

*** تطرقت في هذا المقال إلى بضعة مجالات فقط (الأمن، الطاقة، الشراكة الاقتصادية) من بين العديد من المجالات المؤهِلة للاستفادة من الإمكانات التي ينطوي عليها تعاون أكثر وثاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي في ظل أوجه التآزر والمصالح المشتركة التي تجمع بين الجانبين ومواجهتهما التحديات ذاتها. وبينما نعمل على توسيع نطاق التعاون المشترك، من الأهمية بمكان أن يتم تأطير هذه الشراكة المتنامية من خلال اتباع أسلوب منهجي شامل محوره الإنسان وتقوده الرغبة في تحقيق نتائج ملموسة. كما يستلزم التعاون الفعال مع دول الخليج على وجه التحديد، أن يُبدي الاتحاد الأوروبي ككتلة والدول الأعضاء فيه والمجتمعات الأوروبية جميعًا، اهتمامًا متزايدًا وفهمًا أفضل لمنظومة الإصلاحات الجارية في مختلف أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. حيث تجري تحولات وتغييرات جمة على قدم وساق داخل المنطقة الخليجية وهو ما ينبغي أن يحظى بالتقدير والإشادة خاصة التقدم المحرز على صعيد القيم الأساسية مثل التسامح، والمساواة بين الجنسين، والحريات الفردية، وارتفاع مستوى التعليم. ما من شأنه أن يمهد الطريق لحوار أكثر فاعلية وثراء حول قضايا حقوق الإنسان التي تظل محورًا رئيسيًا في منظومة العلاقات الخارجية بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون.

مجلة آراء حول الخليج