array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 185

تنويع الشركاء الاستراتيجيين في إطار المصالح المتبادلة من الخيارات العربية العقلانية

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

تستوجب تجربة العمل العربي المشترك على مدار العقود السابقة (1945-2023م)، المصارحة والمكاشفة، فيما يخص تقييم النتائج التي تم إنجازها، وتحديد المعوقات وأوجه القصور التي تقف أمام بلوغ الأهداف والمبادئ التي تم تسطيرها والموارد التي سخرت من أجل بناء استراتيجيات متعددة من أجل التكامل العربي، حيث لايزال الكثير منها في انتظار التنفيذ من أجل صون الأمن القومي العربي في ظل بيئة دولية تتميز بالمزيد من الفوضى واللايقينية في اتجاهاتها المستقبلية، تتطلب من الدول العربية التكيف بسرعة مع هذه التغيرات الكثيفة والمتسارعة على كل المستويات، أمنيًا، استراتيجيًا، اقتصاديًا واجتماعيًا. فمن الناحية الأمنية-الاستراتيجية، يبقى الصراع العربي-الإسرائيلي والقضية الفلسطينية من أبرز التحديات المستقبلية التي تواجه قدرة العمل العربي المشترك وتهدد الأمن القومي العربي. أما من الناحية الاقتصادية، ورغم العدد الهائل من المنظمات العربية الإقليمية المتخصصة والآليات التي تم طرحها فإن تحدي الأمن الغذائي العربي سيشكل التهديد البيئي-الاجتماعي في العقد القادم. وبما أن العالم العربي يتفاعل إيجابًا أو سلبًا في بيئة دولية، فإن الصراع بين القوى الكبرى على إعادة ترتيب النظام الدولي يطرح قضية استراتيجية كبرى على القادة العرب: ما هي الخيارات والبدائل المطروحة أمام صانعي القرار العربي للتكيف إيجابًا مع مختلف السيناريوهات المحتملة؟ 

أولًا: القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي: خيار السلام والصراع الصفري.

رغم أن جميع قرارات القمم العربية تولي أهمية مركزية للقضية الفلسطينية والصراع العربي-الفلسطيني، وإعادة التأكيد على التمسك بالسلام كخيار استراتيجي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وحل الصراع العربي-الإسرائيلي طبقا للقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، مع طرح المبادرة العربية للسلام منذ قمة بيروت 2002م، التي تعكس الموقف العربي التوافقي الموحد والقائم على مقاربة الأرض مقابل السلام، والتي تعد الشرط المسبق للسلام الشامل مع إسرائيل، والهادفة إلى إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة منذ 1967م، إلا أن واقع العلاقات العربية-الإسرائيلية واتجاهاته المستقبلية، تشير إلى استمرارية كل أشكال الاستعمار الاستيطاني وتمسك إسرائيل والحكومات اليمينية والصهيونية الدينية برفض كل خيارات السلام العربية والفلسطينية المطروحة ما قبل أوسلو وما بعده، وما قبل المبادرة العربية وما بعدها وإلى غاية مبادرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس التي طرحها في خطابه أمام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والسبعين بتاريخ 23 سبتمبر 2022م. وإذا استخدمنا نظرية اللعب في المفاوضات الاستراتيجية، فإن الطرف العربي ينظر للصراع على أنه صراع غير صفري، يمكن حله عن طريق المفاوضات والمساومة الدبلوماسية، وعلى أساسه لا تزال المجموعة العربية متمسكة في آخر قرارات مجلس الجامعة العربية في دورته الواحدة والثلاثين بالجزائر، نوفمبر 2022م، بالسلام العادل والشامل كخيار استراتيجي، الذي يدور مفاوضته حول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكافة الأراضي العربية، بما فيها الجولان السوري ومزارع شبعا وتلال كفر شوبا اللبنانية، وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين طبقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948م، وبالمقابل، فإن إسرائيل تدير الصراع الفلسطيني-العربي انطلاقًا من خيار الصراع الصفري، الذي يعني لا مجال للتفاوض أو المساومة من أجل الانسحاب من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، وهي تريد أن تفرض مقاربتها القائمة على الأمن مقابل السلام. وكل سلوكها منذ الاحتلال إلى غاية الائتلاف الحكومي بين اليمين المتطرف والصهيونية الدينية، يشير إلى استمرارية السياسة العدوانية والاستيطانية الصهيونية التي ستلقي بتأثيراتها على القضية الفلسطينية والأمن القومي العربي ولا سيما دول الطوق. ويعكس تشبث كل الحكومات الإسرائيلية برؤية الصراع الصفري، إن بناء السلام العربي-الإسرائيلي وفق المقاربة العربية يحتاج إلى إعادة تفعيل بعض الخيارات التي تم تبنيها ولم يتم تنفيذها على أرض الواقع. ونشير هنا، إلى مجموعة من الآليات تحتاج إلى إعادة النظر في إطار العمل العربي المشترك لتغيير السلوك الإسرائيلي، من أجل الضغط عليه للدخول في مفاوضات وفرض شروط مقاربة الأرض مقابل السلام.

الآلية الأولى وهي ما تم التركيز عليه في البند الثاني من قرار مجلس الجامعة العربية في قمة الجزائر، فيما يخص متابعة التطورات السياسية للقضية الفلسطينية والصراع العربي/ الإسرائيلي وتفعيل المبادرة العربية، حيث تؤكد على أن مبادرة السلام العربية بكافة عناصرها الشرط المسبق للسلام مع إسرائيل وتطبيع العلاقات معها. لأن مسار التطبيع الذي انطلق بصفقة القرن في فترة الرئيس دونالد ترامب وتعميم السلام الإبراهيمي، يعد هدية بدون مقابل للطرف الإسرائيلي الذي سيعزز من مقاربته القائمة على أولوية الأمن على حساب الأرض. وبالتالي من الضروري أن يتمسك الطرف العربي بكل وحداته بالخيار الاستراتيجي للسلام الذي تم تبينه منذ 2002م، وبكل عناصره غير القابلة للتجزئة، خصوصًا وأن التجربة العربية للتطبيع أثبتت مرة أخرى، أن إسرائيل تراهن على التناقضات العربية-العربية من جهة، والعربية الإقليمية من جهة أخرى، لا سيما مع إيران، وفي الوقت ذاته تدير اللعبة السياسية الداخلية في إسرائيل بما يخدم مقاربة الأمن مقابل السلام، وهو ما اتضح في برنامج الائتلاف الحكومي لحكومة نتانياهو السادسة التي تستمر في رفض المفاوضات والوجود الفلسطيني، ودعم الاستيطان في القدس الشرقية والضفة الغربية والجليل والنقب واعتبار الجولان أرض إسرائيلية بموجب قانون الضم الذي تبنته حكومة مناحيم بيغن في 1981م.

أما الآلية الثانية التي تحتاج إلى التفعيل من أجل الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها وفق المقاربة العربية، الصراع غير صفري في إطار الأرض مقابل السلام، فتقوم على فرض المقاطعة على الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما تم تبنيه في البند الحادي عشر من قرار مجلس الجامعة العربية في قمة الجزائر المتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث يؤكد على أن مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي ونظامه الاستعماري، هي إحدى الوسائل الناجعة والمشروعة لمقاومته وإنهائه وتحقيق السلام، من خلال دعوة جميع الدول والمؤسسات والشركات والأفراد إلى وقف جميع أشكال التعامل مع منظومة الاحتلال الإسرائيلي ومستوطناته المخالفة للقانون الدولي. وفي إطار المصارحة والمكاشفة، فإنه من الضروري أن نذكر أن ما بعد اتفاقية إبراهيم للتطبيع، ارتفع حجم التجارة بين إسرائيل والدول العربية خلال سبعة أشهر الأولى لسنة 2021م، بنسبة 234 % مقارنة بسنة 2020م، وفق مصادر دائرة الإحصاء المركزية في إسرائيل، كما تجاوزت قيمة التبادلات التجارية بين إسرائيل والإمارات العربية 2.5 مليار في سنة 2022م، مع دخول حيز التنفيذ لاتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

فيما يخص الآلية الثالثة، فتركز على المقاربة القانونية الدولية، حيث تعمل الدول العربية على دعم فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، ومواجهة الاحتلال والعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بتحريك الآليات العقابية في المحكمة الجنائية الدولية. ومطالبة مجلس الأمن الدولي بتنفيذ كل القرارات الصادرة عنه. ويجب أن نؤكد مرة أخرى، أن المقاربة الإسرائيلية في إدارة الصراع الفلسطيني-العربي تنظر للقانون الدولي ومجموعة القرارات الدولية على أنها عبارة عن قصاصات من الورق التي يتم تمزيقها بكل سهولة ورميها في سلة المهملات، كما عبر عن ذلك، دافيد بن غوريون، أول رئيس للوزراء الإسرائيلي. وعليه، فإن الترسانة القانونية التي يتم تكرارها في كل القمم العربية من القرار 181 الذي صدر سنة 1947م، والمتعلق بتقسيم فلسطين، والذي بقي معلقًا لأكثر من سبعة عقود، ومن المفترض ألا يقبل المجتمع الدولي والأمم المتحدة عضوية إسرائيل إلا بقيام الدولة الفلسطينية. وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 194 الصادر في 1948 م، والمتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى آخر القرارات المتعلق بوقف الاستيطان، قرار مجلس الأمن 2334 الصادر في سنة 2016م، كل هذه القرارات وغيرها لا تتجاوز حبر القلم الذي كتبت به، وفق قناعة الطرف الإسرائيلي.

يشهد هذا الكم الهائل من القرارات الدولية فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي التي لم تجد لها مجالا للتنفيذ، أن إسرائيل دائما ما تستغل التحولات الدولية منذ الحرب العالمية الثانية إلى يومنا هذا، حيث استفادت من كل مراحل الفوضى الدولية، منذ إعلان قيام الدولة في سنة 1948م، لفترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الاستفادة من تهجير مليون يهودي سوفياتي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كما تحاول أن تستفيد من الحرب الروسية-الأوكرانية بتهجير اليهود الأوكرانيين البالغ عددهم 200 ألف باسم الاستفادة من قانون العودة الذي أقره الكنيست في سنة 1950م، والذي يمنح الحق لأي يهودي في العالم بالهجرة إلى إسرائيل ومنحهم الجنسية. وعليه، فإنه يحتم على الطرف العربي تفعيل مجموع الآليات الضاغطة من أجل إدارة الصراع المستقبلي مع إسرائيل بما يخدم المبادرة العربية للسلام كخيار استراتيجي.

ثانيا: صيانة الأمن القومي العربي الشامل: قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق

من التحديات التي ستواجه الأمن القومي العربي في المستقبل القريب والبعيد، تحدي الأمن الغذائي، حيث اتضح درجة الانكشاف العربي في لحظتين تاريخيتين متتاليتين، أزمة كوفيد19، والحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية، ولعله من المفيد الاستئناس في هذا المجال بما صدر عن مجلس منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة في دورته 172 بروما في أبريل 2023م، حيث يشير إلى الاتجاهات المتصاعدة للجوع المزمن، وانعدام الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية بسبب التأثيرات المضاعفة للنزاعات، وتقلبات المناخ والظروف المناخية القصوى، وزيادة القيود على الموارد، والصعوبات الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، كذلك فإن الظروف الكامنة، مثل الفقر وانعدام المساواة، تعيق الجهود الرامية إلى تحسين الأمن الغذائي والنتائج التغذوية. وهذه التحديات كلها تعيق الدول العربية عن بلوغ أحد المقاصد الجوهرية للتنمية المستدامة لسنة 2030م، لاسيما الهدف الثاني الذي يسعى إلى القضاء على الجوع وضمان حصول الجميع، ولاسيما الفقراء والفئات الضعيفة، بمن فيهم الرضع، على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذي طوال العام في آفاق، من جهة، ووضع نهاية لجميع أشكال سوء التغذية بحلول عام 2030م، من جهة أخرى. كما يعاني سكان الوطن العربي من ارتفاع أسعار الأغذية، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 3.1 مليار شخص في العالم لم يتمكنوا من تحمل كلفة نمط غذائي صحي في عام 2020م، أي بزيادة قدرها 112 مليون شخص مقارنة بعام 2019م، والملاحظة العامة، فيما يخص الأمن الغذائي في الوطن العربي أنه هناك تفاوت بين الدول، بين فئتين من الدول، الفئة الأولى والتي لديها القدرة المالية والاستراتيجية على مواجهة تحديات الأمن الغذائي، وترتكز بشكل أساسي في منطقة الخليج إلى جانب الجزائر وبعض الدول العربية الأخرى التي لديها قدرات مالية وزراعية، بينما تصنف بعض الدول العربية التي تعرف نزاعات مستديمة ضمن الدول الأكثر ضعفًا بمقياس مؤشر الأمن الغذائي العالمي، مثل الصومال، السودان، جيبوتي، اليمن وليبيا، وهذا ما قدمه تقرير مؤشر الأمن الغذائي خلال الربع الثاني من سنة 2022م، الذي أصدرته مؤسسة Deep Knowledge Analytics. ولعله من نافلة القول، الإشارة لما جاء في قرار مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة بالجزائر، فيما يخص دعم جمهورية الصومال الفيدرالية في مواجهة كارثة الجفاف وآثارها الغذائية الخطيرة على الشعب الصومالي، التي أدت إلى تهجير ما يقارب مليون مواطن صومالي من ديارهم، وتهدد ما يربو من نصف الشعب الصومالي بالانهيار التام لأوضاعه الغذائية إلى حد قد يصل إلى المجاعة التي تعصف بأرواح الآلاف من الصوماليين. وإذا كان الاقتراح العملي الذي طرح في إطار العمل العربي المشترك لتجاوز هذه الأزمة الغذائية الصومالية والكوارث البيئية، يشمل الدعوة إلى وضع سياسات وخطط عربية شاملة تتضمن الاستثمار في القطاعات الإنتاجية الصومالية، الثروات الحيوانية والسمكية والزراعية مع فتح الأسواق العربية أمام الصادرات الصومالية، تجعلنا نعيد طرح نفس السؤال التقليدي مع الحالة السودانية، هل يبقى العمل العربي المشترك حبيس الاستراتيجيات والسياسات التي تسير بخطوة السلحفاة، مقابل الكوارث المتصاعدة بيئيًا وإنسانيًا، لأن قرار مجلس الجامعة العربية في الجزائر فيما يتعلق بالاستراتيجية العربية للأمن الغذائي، أعاد طرح المبادرة السودانية فيما يتعلق بالأمن الغذائي العربي التي طرحت سنة 2013م، رغبة في استثمار موارده الزراعية وثرواته الحيوانية من أجل معالجة أزمة الغذاء، مع الإشارة هنا، أن الحلم العربي دائمًا ما كان يتغنى بأن السودان سلة العالم العربي للغذاء، ورغم ذلك فإن التفاؤل يبقى قائمًا أمام الفرص الكثيرة التي يملكها الوطن العربي في القطاع الزراعي والفلاحي بشرط كما اتفق القادة العرب، أن يتم استخدامها بطريقة تكاملية وشراكة ذكية. وللأمانة فإن الجامعة العربية لا ينقصها الاستراتيجيات والسياسات التي تخطط لمواجهة التهديدات البيئية وانعدام الأمن الغذائي، ونشير هنا إلى استراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة (2020-2030)، لمعالجة مثلث الحلول المستدامة للأمن الغذائي القائمة على توفير المياه، الطاقة والغذاء. واعتماد الاستراتيجية العربية للإدارة المستدامة للموارد الرعوية (2020-2040)، فضلًا عن قرار مجلس الجامعة العربية الرامي إلى تكليف المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة بالتوسع في نشر نظام الزراعة الحديثة كنظام زراعي مستدام لديه القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية في البيئة العربية الجافة. ومن المشاريع الاستراتيجية التفاؤلية،والتي بقيت قائمة وتحتاج إلى السرعة في التنفيذ لمعالجة قضايا الأمن الغذائي العربي، الاستراتيجية العربية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية في آفاق 2030، التي تؤشر على الإدراك والوعي الاستراتيجي العربي المبكر في استخدام التكنولوجيات المتطورة لبناء الأمن العربي الشامل، حيث تعود الفكرة إلى القمة الثانية بالإسكندرية سنة 1964م، عندما تم إنشاء المجلس العلمي العربي المشترك لاستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية في نطاق الجامعة العربية، وتم التوقيع على اتفاقية التعاون العربي في هذا المجال في سنة 1982م، ليتم تشكيل الهيئة العربية للطاقة الذرية كبديل للمجلس العلمي سنة 1988م، لتوضع أول استراتيجية عربية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية (2009-2020م)، وبعد تقييم المرحلة الأولى تم تبني الاستراتيجية الثانية لآفاق 2030م، الملاحظ هنا، أن ما بين الفكرة وتنفيذ الاستراتيجية تصل إلى ما يقارب الستين سنة (1964-2023)، وعليه من الضروري تغيير سرعة التنفيذ في القرارات الاستراتيجية التي تصون الأمن القومي العربي الشامل، لأنه مثلما جاء في وثيقة الاستراتيجية العربية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، فإن معظم الدول العربية تعاني من شح في الموارد المائية لعدة أسباب منها، ما هو طبيعي كعدم أو قلة وجود مياه عذبة سطحية، أو جيوسياسي كوجود منابع الأنهار التي تعتبر المصدر الرئيس للمياه العذبة خارج حدودها وتحكم دول أخرى في كميات المياه، يضاف إليها العوامل المناخية التي ساهمت في زيادة مساحات واسعة من الأراضي المتصحرة، الذي يؤدي في النهاية إلى انعكاسات كارثية على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية. وتبين الوثيقة الاستراتيجية للطاقة الذرية الفوائد العظيمة التي يمكن أن تتحكم فيها الدول العربية في حالة السرعة في التنفيذ لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في مختلف المجالات، الموارد المائية والأمن الغذائي، الصحة، البيئة، الطاقة والصناعة والتعدين. ونشير مرة أخرى، أن المؤشرات العربية فيما يخص الأمن البيئي الشامل تفرض التكيف السريع مع ما نعيشه وليس مع ما هو قادم، لأن المياه، الغذاء والطاقة تعد مصدر استقرار الدول والمجتمعات، والعالم العربي الذي يحتوي على 10 % من مساحة العالم، يتميز مناخه بالجفاف وشبه الجاف وتذبذب في معدلات الأمطار، يضاف إليه معدلات سكانية من الأعلى في العالم بنسبة 2.5 % سنويًا بينما حصة الفرد الواحد من المياه أقل من 10 % من المعدلات العالمية، مما يحتم كما أوصت وثيقة الاستراتيجية الطاقة الذرية باتخاذ إجراءات فورية وإجراءات على المدى الطويل. لأن مجالات الطاقة والتعدين والصناعة تعتمد على الخامات النووية مثل اليورانيوم والثوريوم، وما يلاحظ أنه ومنذ 2002 م، أصبح إنتاج 99 % من اليورانيوم في العالم حكرًا على عدد محدود من الدول غير العربية، وأفضل الخيارات الاستراتيجية التحكم في إنتاج دورة الوقود النووي للاستخدامات السلمية، للتقليل من التبعية التكنولوجية النووية من جهة، ولكن لمواجهة أخطر تحدي اجتماعي-اقتصادي يعبر عليه بالأدبيات العربية:" قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق".   

ثالثًا: مخرجات قمة الجزائر والتحديات الإقليمية والدولية.

مثل اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى القمة في دورته العادية الواحد والثلاثين، نوفمبر 2022م، فرصة للعمل العربي المشترك لإعادة طرح الأمل الفسيح الذي تتيحه مجموعة الفرص والمحفزات العربية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، التي تحتاج إلى إرادة سياسية عربية مشتركة، واختيار الجزائر "لم الشمل" عنوانًا للقمة العربية فيه الكثير من الدلائل التاريخية والواقعية، أولها، أن الجزائر تريد إحياء ذكرى الثورة التحريرية لأول نوفمبر 1954م، مع تاريخ انعقاد القمة، للتذكير بالتاريخ العربي المشترك القائم على التضامن بين شعوبها ودولها في فترات المحن والفتن، ومن الرمزية التاريخية أن تسليم القمة القادمة للملكة العربية السعودية تعيد التذكير بموقف الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى عندما كان أميرًا للرياض جمع التبرعات للثورة الجزائرية، ودعمت السعودية طرح القضية الجزائرية في فترة الاحتلال الفرنسي في مجلس الأمن الدولي عبر الجامعة العربية، وأطلقت على موسم الحج لسنة 1957م، حج الجزائر للدعم المعنوي والمادي للثورة الجزائرية. وعليه، فإن هذا الدين التاريخي والتضامني للعالم العربي مع الثورة الجزائرية، يفرض على الجزائر تبني الدعم والتضامن العربي مع القضية الفلسطينية لإنهاء الاحتلال الاستيطاني الصهيوني، وهو الدافع الذي جعل الرئيس عبد المجيد تبون، يطرح بالتزامن "لم الشمل الفلسطيني" من جهة، ولم الشمل العربي من جهة أخرى، وحساباته الاستراتيجية في ذلك قائمة على مجموعة من التصورات الواقعية:

أولاً، أن الجزائر التي ساهمت تاريخيًا في تسليح الثورة الفلسطينية لسنة 1965م، وشاركت بجيشها إلى جانب الجيوش العربية في مواجهة العدوان الصهيوني في 1967م، ونصر حرب أكتوبر1973م، واحتضنت إعلان الرئيس الراحل ياسر عرفات قيام الدولة الفلسطينية في أرض الجزائر في 15 نوفمبر 1988م، فيما عرف بوثيقة الاستقلال، تبقى ملتزمة بهذا الخط التاريخي-الحضاري من أجل دعم القضية الفلسطينية، وكان آخرها التزامها بالمساهمة في ميزانية الدولة الفلسطينية بـ 153 مليون دولار.

ثانيًا، أن القمة العربية بالجزائر ورمزيتها التاريخية تكون فرصة مناسبة لتوحيد الصف الفلسطيني استكمالا لكل المبادرات العربية، وهو ما تجسد في مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الفلسطينية المنعقد بالجزائر، بتاريخ 11-13 نوفمبر 2022م، وما نتج عنه من التزامات "إعلان الجزائر"، كفرصة استراتيجية لمواجهة التوسع الصهيوني واستكمال قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.    

ثالثًا، أن من معوقات العمل العربي المشترك استمرار النزاعات العربية-العربية التي فتحت الأبواب واسعة للتدخلات الأجنبية وتدمير دول عربية وازنة، مما يستوجب العمل على لم الشمل العربي من خلال ديناميكية دبلوماسية تهدف إلى تصفير كل القضايا الخلافية العربية الداخلية، وبكل واقعية بما يخدم التوافق العربي، وهو ما كان مع الحالة السورية التي تم إرجاء البث في عودتها إلى الجامعة العربية إلى القمة القادمة في الرياض لاستكمال التوافق العربي.

رابعًا: من الواقعية في العمل العربي المشترك وصون الأمن القومي الشامل بكل أبعاده أن يتم تسوية وحل كل النزاعات القائمة داخل الدول العربية، وهو ما لاحظناه في أزمة الأمن الغذائي، حيث الدول التي تعرف إشكالية بناء الدولة وإقامة مؤسسات شرعية هي التي تعاني أكثر من غيرها من انعكاسات الأمن الغذائي، حيث تمثل السودان نموذجًا مغريًا في حالة التركيز على الاستثمارات في المجالات الزراعية والثروة الحيوانية، قد تساهم في بناء الاستقرار بشرط أن نتجاوز إشكالية بناء المؤسسات الشرعية، نفس الاتجاه يسقط على ليبيا التي تمتلك من الموارد والقدرات ما يجعلها تغري العمل العربي المشترك في كثير من المجالات الحيوية خصوصًا في فترة ما بعد البناء والتعمير.

خامسًا، إذا كانت هذه المعوقات السياسية والأمنية التي تعيق العمل العربي المشترك، فإن حالة الاستقطاب الحاد التي تطرحها الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية، تتطلب وضع مجموعة من الخيارات الاستراتيجية العربية للتكيف الإيجابي مع التغيرات الجوهرية في طبيعة النظام الدولي من حيث مؤسساته القائمة، الأمم المتحدة على وجه الخصوص ومؤسسات برتن وودز وما تطرحه من صراع العملات والتخلي عن الدولار في التبادلات التجارية أو كعملة احتياطية، أو القوى التي تدير الصراع بين توجهات الأحادية القطبية التي تريد إبقاءها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال التوسع الأطلسي وبناء الأحلاف العسكرية، وتوجهات الصين وروسيا ومجموع التكتلات على غرار مجموعة البريكس، التي ترى في تعددية الأقطاب المشهد الأفضل لبناء السلام العالمي. ومن بين الخيارات العربية العقلانية التي تجمع بين القواعد القانونية الدولية والواقعية السياسية، نشير إلى ما يلي:

  • الانخراط في بناء عمليات السلام العالمي وفق الحياد الإيجابي فيما يخص الحرب الروسية-الأوكرانية-الأطلسية، باستمرار مهام مجموعة الاتصال الوزارية العربية التي تضم الجزائر، مصر، الأردن، العراق، السودان، السعودية والأمين العام للجامعة العربية، من أجل تسوية سياسية وواقعية لنزاع جيوسياسي عالمي شديد الحساسية.
  • سعي الفواعل العربية في الاندماج الدولي بما يخدم التعددية الدولية وإعادة رسم ملامح النظام الدولي بما يوفر للدول العربية المشاركة في صنع القرار الدولي من خلال إصلاح الأمم المتحدة وفق المبادرات الدولية التي تطرح دمقرطة العلاقات الدولية، من حيث التمثيل الجغرافي والحضاري.
  • تنويع الشركاء الاستراتيجيين في إطار المصالح المتبادلة، فبقدر ما تتصاعد النزاعات الجيوسياسية بين القوى الكبرى واستخدام كل أدوات الصراع العسكري وتغيير العقائد العسكرية لدرجة المواجهة الوجودية بين روسيا، الصين والولايات المتحدة الأمريكية، بقدر ما تترابط المصالح البينية بين القوى الفاعلة، ففي سنة 2022م، استوردت أمريكا منتجات بأكثر من 418 مليار دولار من الصين، وهو رقم تاريخي لم يتحقق من قبل في ظل التهديدات الوجودية للنزاع في تايوان، كما ارتفع حجم التبادل التجاري بين روسيا واليابان بــ10 % سنة 2022م، مقارنة بالسنة التي قبلها رغم العقوبات الدولية المفروضة على روسيا. وهذه المؤشرات تشير إلى درجة التعقيد والترابط الذي تعرفه البيئة الدولية بين الصراعات الجيوسياسية المتنامية والمصالح المتشابكة.
مقالات لنفس الكاتب