array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 186

12 مرتكزًا واقعيًا لمحورية دور السياسة الخليجية في المنطقة العربية

الإثنين، 29 أيار 2023

تتمثل الأزمات العربية الكبرى في خمس بؤر مشتعلة تشمل العراق واليمن وسوريا ولبنان من جانب، وليبيا والسودان من جانب آخر. وتشترك كافة تلك البؤر المشتعلة في هشاشة العملية السياسية من الداخل وضعف مؤسسات الدولة والتدخلات الإقليمية لاسيما من قبل الدول الشرق أوسطية غير العربية (إيران وتركيا وإسرائيل) والقوى الدولية لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين. ولهذا حينما تسعى دول الخليج إلى المساهمة في إطفاء تلك الأزمات وذلك لارتباطها المباشر في أمن الخليج فعليها الأخذ بعين الاعتبار كافة تلك العوامل التي تساهم في استمرار اشتعال تلك الدول وبذلك تضع دول الخليج رؤيتها إزاء تلك الأزمات العربية الكبرى وسبل معالجتها وإطفائها. وتقوم الأسس الخليجية في دعم العمل العربي على عدة ركائز تشمل: التنسيق مع جامعة الدول العربية في كافة الملفات العربية، إطلاق المشاريع التنموية الإقليمية لاسيما من قبل المملكة العربية السعودية، دعم المناطق المنكوبة والمهجرين و تقديم المساعدات المباشرة، دعم التنمية البشرية والخطط التنموية العربية عبر كافة المؤسسات الخليجية و أبرزها الصندوق الكويتي للتنمية إلى جانب بقية المؤسسات الخليجية، إطلاق التفاهمات مع القوى الإقليمية والدولية المنافسة للوصول إلى أدنى حد ممكن من تدخلاتها الإقليمية، إعادة الإعمار و بناء الدولة العربية، والتمكين السياسي والاقتصادي، و الحرص على العمليات السياسية التي تضمن مشاركة كافة الشركاء في بناء الوطن، وتعزيز تواصل المجتمعات المدنية و الأكاديمية العربية والتي تعتبر مفتاحًا لإطلاق الحوار وعودة العلاقات، فالتواصل الشعبي هو تواصل إنساني يتجدد معه الأمل في عودة الحياة من جديد.

العراق

تعتبر العراق أقدم تلك البؤر تفجرًا على إثر الحرب الأمريكية في عام 2003م، والتي استهدفت إزالة النظام السابق، وقد ساهمت الإدارة الأمريكية فيما بعد إلى تحويل العراق إلى مسرح للميليشيات المدعومة من إيران، مع الأخذ بعين الاعتبار ثروات العراق النفطية، والتي كانت أيضًا سببًا رئيسًا ما بين حكومة العراق وكردستان، والتي تخللها دعم للجماعات المتطرفة التي حاولت كافة الأطراف الاستفادة منها لتحقيق مكاسبها في الداخل العراقي. وبالرغم من انطلاق ثورات تشرين التي تزامنت تقريبًا مع حكومة مصطفى الكاظمي (2020م) إلا أن الكاظمي كان أكثر رؤساء الوزراء نجاحًا في السعي إلى التقارب العربي وإعادة العراق إلى حضنه العربي وكانت أبرز بصماته الدبلوماسية في إطلاق مشروع الشام الجديد واستضافة الحوار الإيراني-السعودي. إلا أن العراق عاش جمودًا سياسيًا تجاوز العام، تمكن من تجاوزه مع تشكيل الحكومة الجديدة في أكتوبر 2022م، بقيادة محمد شياع السوداني، التي ضمت 21 وزيرًا، 12 وزيرًا من الطائفة الشيعية، غالبيتهم مرشحون من قبل الإطار التنسيقي، 6 وزراء من طائفة السنة، بالإضافة إلى مشاركة الأكراد والأقليات. وتعتبر استضافة العراق في مطلع عام 2023م، كأس الخليج لكرة القدم الحدث الأبرز التي تحدث عنه العراقيون أنفسهم وحنينهم لعودة العراق لحضنه العربي. وهي مشاعر شعر بها الخليجيون أنفسهم وهم يشاركون العراقيين تلك التظاهرة الإنسانية قبل أن تكون تظاهرة كروية. وقد بدا العراق أكثر واقعية مؤخرًا من خلال التركيز في كافة مساعيه الإقليمية على حل قضايا الأمن المائي والطاقة الكهربائية وهي ملفات تستحوذ كافة الاهتمام في مفاوضاته مع كافة دول الجوار لاسيما إيران وتركيا باعتبارهما دول منبع بينما العراق دولة مصب. وبذلك تسعى العراق إلى استكمال مسيرتها التنموية في دعم الإصلاحات الإدارية والاقتصادية. وقد اتضحت رؤية الخليج إزاء الخليج من خلال قمة جدة للأمن والتنمية في مايو 2023م، التي أكدت على أهمية الربط الكهربائي، ودعم كافة خطط العراق الاقتصادية والتنموية.

سوريا

كانت سوريا ضمن أبرز دول الربيع العربي صمودًا، كما كانت دول الخليج ضمن أوائل الدول التي لم ترحب برياح ذلك التغيير المدمر، كأنها كانت تستشعر ما سوف يحدث على صعيد الملف السوري الذي عاد إلى المربع الأول، بعد أن تحول إلى ساحة مفتوحة للقوى المتطرفة التي تحالفت معها كافة أطراف الصراع دون استثناء خلال فترات معينة حتى وصلت إلى لا شيء. لذلك تعتبر عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية الحدث الأبرز، والذي جاء كذلك بجهود خليجية تمثلت في البداية بمساعي دولة الإمارات الرامية التي رفضت التصويت لمشروع قيصر في الأمم المتحدة، وقد حسمت المملكة العربية السعودية تلك العودة السورية من خلال عودة العلاقات السعودية-السورية. فقد انطلقت تلك المواقف بضرورة خروج سوريا من الدائرة الإيرانية التي أحكمت قبضتها على سوريا، مما دفع الدول العربية باستشعار خطورة ذلك الموقف بضرورة عودة العلاقات السورية-العربية. في الوقت نفسه، أكدت الدول العربية بما فيها الدول الأشد تأييدًا لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، بضرورة دعم العملية السياسية مطالب المعارضة السورية وإنهاء أزمة السوريين المهجرين، فالمأساة السورية لا يمكن أن تنتهي دون عملية سياسية متكاملة ومؤتمر للحوار الوطني يضع النقاط حول مستقبل سوريا السياسي والإقليمي والتنموي. ويعتبر مشروع إعادة إعمار سوريا أحد أبرز القضايا ذات الأولوية الإقليمية والدولية وهي عملية قدرت كلفتها من قبل الجامعة العربية ب 900 مليار دولار.

اليمن

شكلت اليمن كذلك أحد أهم بؤر عدم الاستقرار على إثر اشتعال فتيل الربيع العربي في ظل قوى سياسية استمرت في تغيير لعبة التحالفات حتى صار الكسب لصالح الحوثيين الذين هيمنوا على المشهد السياسي في صنعاء لبدء فصلاً جديدًا في العداء مع المملكة العربية السعودية بلغت حد تهديد المنشآت النفطية. مما شكل تحديًا حقيقيًا لكافة الرؤى الطموحة التي أطلقتها السعودية والتي تعتبر رهانًا عربيًا وإقليميًا للمنطقة برمتها. وقد اختارت السياسة الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية في البداية خيار المواجهة عبر إطلاق عاصفة الحزم واتبعتها عملية إعادة الأمل 2015م، ومن ثم اتفاق الرياض 2019م، بين المجلس الانتقالي والجنوبي، وصولًا إلى القفزات الهامة في النشاط الدبلوماسي الرامي إلى وقف الحرب وإعادة الفرصة لإعادة الإعمار والربط الاقتصادي. وكان أبرز نشاط دبلوماسي سعودي تمثل بوصول وفد سعودي برئاسة السفير محمد الجابر إلى صنعاء حيث التقى بقيادات لجماعة الحوثي وأبرزهم مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى. وتسعى الدبلوماسية السعودية إلى إحياء السلام والتوصل إلى حل شامل مع مختلف القوى السياسية اليمنية. وتعتبر تلك التطورات على الملف اليمني أبرز نتائج الاتفاق الإيراني-السعودي الذي جاء في مارس 2023م، عبر وساطة صينية محققة اختراقًا دبلوماسية غير مسبوق على الصعيد الإقليمي والدولي. وبذلك فإن الدبلوماسية الخليجية في إدارة الملف اليمني تطورت من المواجهة إلى المفاوضات والوساطة الدولية والمحفزات الاقتصادية.

لبنان

لم يتفجر المشهد اللبناني في ظل أحداث الربيع العربي، وذلك ببساطة كونه أولى البؤر التي تأثرت بالثورات الملونة وهي الموجه الأولى التي شهدت دول ما يعرف بالإتحاد السوفييتي السابق، فكانت الثورة البرتقالية في أوكرانيا وثورة التوليب في قيرغيزستان والثورة القرمزية في جورجيا وثورة الأرز في لبنان 2004م، والتي انتقلت إلى الكويت كذلك إبان المطالبة بتغيير الدوائر الانتخابية عبر حركة البرتقالي في ظل منافستها التي حملت الحركة الزرقاء. لذلك كانت الأسبقية في لبنان على ثورات الربيع العربي التي اندلعت في عام 2011م، وذلك لما تحتله لبنان من موقع محوري في هذا الصراع الإقليمي والدولي. فلبنان ليست إلا مؤشر على حالة الاحتقان أو الانفراج الإقليمي، وليس أدل على ذلك من حالة الجمود الكامل لكافة القوى السياسية التي تقف دون أدنى تأثير على العملية السياسية وذلك بفعل ارتباطها بأطراف الصراع الإقليمي والدولي، وهو جمود بلغ مداه في الآونة الأخيرة على إثر ما واجهته لبنان من أزمات ماليه دفع ثمنها المواطن اللبناني. لهذا تنطلق استراتيجية دول الخليج إلى أهمية تفعيل العملية السياسية وأن تقف كافة القوى السياسية على قدم المساواة وألا تكون الغلبة لقوى على قوى أخرى حيث ستتمكن بفعل السلاح من اختطاف القرار السياسي. وعلى إثر الاتفاق السعودي-الإيراني لمست الساحة اللبنانية تخفيف حدة التراشق الإعلامي بين كافة الشركاء السياسيين وقد تكون تلك البداية لحلحلة الخلاف السياسي والذي يبنى عليه سياسات الإصلاح الاقتصادي والقانوني والإداري والهيكلي والتي باتت مطالب وطنية على إثر أزمة المصارف وقانون السرية المصرفية والذي يعتبر إلغاؤه مطلبًا أساسيًا لحل أزمة مدخرات المواطنين والمستثمرين في البنوك اللبنانية.

السودان وليبيا

تشترك كل من الحالتين السودانية والليبية بالصراع على الموارد الطبيعية واقتسام الثروات وامتداد الصراع وفق فترة زمنية طويلة وهي حالة تفسير تعدد اللاعبين الإقليميين والدوليين في كل من السودان وليبيا. فعلى إثر الانقلاب السياسي الأخير، تبين بوضوح أن الخلاف السياسي مرجعه الصراع على الذهب العملة الأكثر تأثيرًا في ظل الصراع الدولي بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا. وهي قوى انخرطت في صراع جيوبوليتيكي واقتصادي مرير سواء من خلال أوكرانيا أو مراكز التنافس في بحر الجنوب الصيني. كما أصبح ذلك الصراع أكثر وضوحًا في ظل الصراع على الطاقة وسعي القوى الصاعدة لتعزيز عملتها الوطنية سواء كانت الروبل أو اليوان في مواجهة الدولار، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الدولار. فالصين أكبر مستثمر في سندات الخزينة الأمريكية، كما أنها تعيش توأمة مع الاقتصاد الأمريكي في أسواق الطاقة والتي تسعى مستقبلًا لأن تكون المتحكم فيها. ففي ظل ذلك الصراع، تتصاعد أهمية كل من ليبيا والسودان لما لها من مخزون كبير من الموارد الطبيعية. وتلك الحالة، تؤكد أهمية بناء دولة المؤسسات والحوار الوطني والجبهة الداخلية التي تساهم في تعزيز موقف الدولة في ظل ذلك الصراع الدولي والذي سوف يزداد في المستقبل.

السياسية الخليجية إزاء الملفات العربية

تلعب السياسات الخليجية دورًا محوريًا في المنطقة العربية منطلقة من براغماتية سياسية فرضتها العديد من المعطيات أهمها:

-تشكل الجزيرة العربية مهد العروبة التي انطلقت مع قدوم الإسلام حيث لعب العرب دورًا بارزًا ورئيسًا في إيصال تلك الرسالة والتي حملتها راياتها العديد من الشعوب، وبالتالي فإن الدور المركزي يعتبر مصدرًا هامًا وانطلاقة حقيقية للمنطقة العربية.

-تصاعد ذلك الدور الخليجي على إثر فشل الإيديولوجيات التي تعاقبت على المنطقة وذلك لعدم واقعيتها حيث بنيت على سياقات مختلفة واستعارة من التجارب الغربية والتي لا تتناسب والخبرة العربية.

-واجهت منطقة الخليج قضايا أمنية بالغة التعقيد سواء كانت بفعل الحرب العراقية-الإيرانية أو الحرب السوفييتية في أفغانستان والتي أعقبتها العديد من الحروب ومنها الغزو العراقي على دولة الكويت وحرب العراق في 2003م، وهي حروب لم تتمكن الصيغ العربية من مواجهتها أو منعها بل كانت تلك الصيغ العربية جزءًا من تلك الحروب والفوضى وتصويرها على أنها مكاسب شعبية مما يؤكد عدم واقعية الطروحات القومية المتطرفة في تحقيق الحلم العربي.

-التنسيق مع كافة المؤسسات العربية وعلى رأسها جامعة الدول العربية حول كافة القضايا العربية وسبل حلها.

-تبني دبلوماسية الوساطة التي تعتبر ركيزة في السياسة الخارجية الخليجية

-تخصيص صناديق لدعم التنمية والبنية التحتية.

-الاستثمار البشري والتنموية الاقتصادية تعتبر ركائز هامة بنت عليها السياسات الخليجية توجهاتها منذ النشأة وحتى الآن.

-التأكيد على محورية الإنسان العربي وتعليمه وإنتاجيته لاسيما من خلال إطلاق محافظ لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

-فعالية التنسيق في الأزمات والكوارث وأهمية التنسيق في مجال الأمن الغذائي والمائي حيث ثبت أن رهانات الخليج في تقنية التحلية المائية وإعادة إحياء الأنهار ومصبات المياه هي رهانات المستقبل في الأمن المائي.

-تعزيز العمل الإغاثي ومساعدة المناطق المنكوبة.

-الاهتمام بالحلول السياسية والحوار الوطني كجزء رئيسي في كافة الصراعات السياسية والإقليمية في المنطقة.

-إطلاق المشاريع التنموية الإقليمية العملاقة التي تعتبر رهان تنموي لكافة الدول العربية حتى تتمكن من التحول إلى كتلة صاعدة تساهم في رسم خارطة السياسة الدولية إلى جانب المجاميع الدولية الأخرى الصاعدة.

يساهم تبني تلك الآليات في بث الأمل من جديد في تحقيق حلم عربي حقيقي على أرض الواقع بعيدًا عن التنظير الإيديولوجي النابع من التجارب الغربية التي سارت في مسارات مختلفة عن التجربة العربية. فهذا الحلم الجديد لابد أن يبنى على أهداف تنموية مستدامة ساهمت الأسرة الدولية برمتها من دول نامية في رسم ذلك الحلم الذي يمكنها من تعزيز قدرات عالم الجنوب في مواجهة عالم الشمال الذي عاش سنوات على تفكك وانقسامات عالم الجنوب، ولهذا فقد أضحى من الأهمية بمكان لإفساح المجال لحلم حقيقي يراهن ويساهم في بنائه أبناء الجنوب قاطبة.

مقالات لنفس الكاتب