array(1) { [0]=> object(stdClass)#12960 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

التحكيم التجاري الإلكتروني: المزايا والعيوب

الأربعاء، 01 كانون1/ديسمبر 2010

ليس بجديد القول إننا نعيش في أعقاب مرحلة جديدة، الغلبة فيها لمجتمع المعلوماتية على غرار الثورة الصناعية التي مرَّت بها البلدان المتقدمة خلال القرن الماضي. فبعد شيوع استخدام تقنيَّات المعلومات والاتصالات في إنجاز الأعمال الإلكترونية، وإبرام العقود وتنفيذها عبر شبكة الإنترنت، اتجه التفكير إلى استخدام هذه التقنيَّات الإلكترونية نفسها لتسوية ما قد ينشأ عن هذه الأعمال من منازعات، بمعنى أن إجراءاتها تجرى عبر شبكات الوسائل الإلكترونية، من دون حاجة لوجود أطراف هذه المنازعة في مكان واحد، وهذا الوضع الجديد يقتضي تطوير نظامقانوني ملائم ومواز يحكم هذه العملية.

رغم أن التحكيمالتقليدي المتعارف عليه دولياً في حل منازعات التجارة الدولية سريع وغير مكلف مادياً بالنسبة للأطراف، إلا أن هذا التحكيم يبقى بالنسبة لمعاملات التجارة الإلكترونية بطيئاً ومكلفاً، وذلك بسببضآلة المبالغ المادية أو التعويض المطالب به في غالب الأحيان، وقديؤدي ذلك البطء والتكاليف إلى تقاعس الأفراد والمستهلكين وحتى التجار عنالمطالبة بحقوقهم، إضافةً إلى ما يتطلَّبه من تبادل مادي للبيانات والطلبات والدفوع من الأطراف والاستماع المباشر للشهود وغير ذلك من الأمور.

ويستمد التحكيم الإلكتروني أهميته من المزايا التي يحقّقها كأسلوب لفض المنازعات، ولاسيما تلك الناشئة عن التجارة الإلكترونية، ومن هذه المزايا ما يشترك فيه التحكيم الإلكتروني مع التحكيم التقليدي، ومنها ما تعد مزايا ينفرد بها التحكيم الإلكتروني، وهي مزايا ترد في غالب الأحوال إلى الوسيلة الإلكترونية التي يتم التحكيم الإلكتروني عبرها، إلا أن للتحكيم الإلكتروني في الوقت ذاته مساوئ أيضاً، وهذه المساوئ ترد كما هو حال المزايا إلى الوسط الإلكتروني الذي يتم خلاله التحكيم الإلكتروني.

 تعريف التحكيم الإلكتروني

 يقصد بالتحكيم في الاصطلاح القانوني اتفاق أطراف علاقة قانونية معيَّنة عقدية أو غير عقدية، على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل، أو التي يحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين، ويتولى الأطراف تحديد أشخاص المحَكمين أو على الأقل يتضمَّن اتفاقهم على التحكيم بياناً لكيفية اختيار المحَكمين أو أن يعهدوا لهيئة أو مركز من الهيئات أو مراكز التحكيم الدائمة لتتولى تنظيمَ عملية التحكيم وفقاً للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز، فهو نظام تسوية المنازعات عن طريق أفراد عاديين يختارهم الخصوم مباشرةً أو عن طريق وسيلة أخرى يرتضونها، في هذا النظام قضاء خاص تقضى فيه خصومة معينة من اختصاص القضاء العادي ويعهَد بها إلى أشخاص يختارون للفصل فيها.

أما (التحكيم الإلكتروني) فيقصد به التحكيم الذي يمكن أن يتمَّ إجراؤه بشكل عام أو جزئي عبر الإنترنت أو وسائل الاتصال الإلكترونية الأخرى.

ويتَّضح من التعريف السابق، أن تعريف التحكيم الإلكتروني لا يختلف عن التحكيم التقليدي، إلا من خلال الوسيلة التي تتم فيها إجراءات التحكيم في العالم الافتراضي، فلا وجود للورق والكتابة التقليدية أو الحضور المادي للأشخاص في هذا التحكيم، حتى إن الأحكام قد يحصل عليها الأطراف موقَّعةً وجاهزةً بطريق إلكتروني.

بعبارة أخرى فإن التحكيم الإلكتروني يتميَّز عن التحكيم التقليدي بالآلية التي يتم بها إجراؤه من بدايته إلى نهايته؛ حيث يتم التحكيم الإلكتروني عن طريق استخدام الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديث مثل الحاسب الآلي أو الفاكس وغيره، وذلك أن التحكيم الإلكتروني لابدَّ أن يستند إلى اتفاق بين أطرافه على حسم ما قد ينشأ بينهم من منازعات عن طريقه، وهذا الاتفاق في الغالب ما يكون -هو كذلك- إلكترونياً، حيث يتم تبادل الرسائل الإلكترونية فيما بين الأطراف ثمَّ فيما بينهم وبين هيئات أو مراكز التحكيم الإلكتروني عن طريق تعبئة نموذج إلكتروني خاص ببعض مراكز التحكيم التي تباشر نشاطها عبر الإنترنت، ثمَّ تبدأ إجراءات التحكيم بصور إلكترونية مثل الجلسات التي تعقد عبر الإنترنت أو بواسطة تبادل الرسائل الإلكترونية بين أعضاء هيئة التحكيم أو تقديم الأدلة عن طريق الوسائل الإلكترونية أو سماع الشهود عن طريق الرسائل الإلكترونية، ثمَّ صدور الحكم عن طريق هيئة التحكيم الإلكتروني، الذي يصدر أيضاً بصورة إلكترونية، فالتحكيم الإلكتروني يتم فيه استخدام وسائل اتصال حديثة مختلفة عن الوسائل التقليدية في التحكيم التقليدي.

 ميّزات وعيوب التحكيم الإلكتروني

لعلَّ من أهم ميزات التحكيم الإلكتروني ما يأتي:

أولاً: زيادة وتشجيع الاستثمار

مما لا شك فيه أن بساطة الإجراءات وسرعتها كميزة للتحكيم تزيدان هذه الأخيرة استخدام الوسائل الإلكترونية التي شملت كل المعاملات والاتصالات بين الأفراد، حتى لو كانوا من دول مختلفة، هذا من شأنه أن يؤدي إلى زيادة الاستثمار وتشجيعه وجذبه.

كما أن التحكيم الإلكتروني - مثله مثل التحكيم التقليدي- يتميَّز بسريَّة الإجراءات وعدم العلانية؛ ذلك أن استخدام الوسائل الفنيَّة والتقنية في إجراءاته واتباع وسائل التنفيذ وغيرها تجعل الوصول إلى هذه الأحكام كما يقول البعض أمراً شبه مستحيل، بل تقضي على حالات الإهمال المادي التي قد تؤدي إلى الكشف عن مضمون بعض الأحكام. ومما لا شك فيه أن هذه كلها ميّزات تعمل على توفير مناخ ملائم للاستثمار وتشجعه.

 ثانياً: سرعة حسم النزاع

من أهم ما يميز التحكيم الإلكتروني هو السرعة في الفصل بالنزاع، وهذه الميزة تفوق كثيراً ما يجري به تداول هذه المنازعات في أروقة المحاكم الوطنية من بطء وتكدس للقضايا، خاصةً مع ازدياد عقود التجارة الإلكترونية، حتى إن هذا التحكيم يفوق كثيراً سرعة الفصل في المنازعات المعروضة عليه مقارنةً باللجوء للتحكيم التجاري العادي الذي يحتاج إلى مدة أطول بكثير مما يتطلَّبه هذا التحكيم، وسبب ذلك هو الحضور المادي للأطراف ولهيئة التحكيم وتبادل المرافعات والبيانات بين أطراف الدعوى.

 ثالثاً: التقليل من النفقات

إذا كانت ثمة مثالب للتحكيم العادي تتمثَّل في كثرة النفقات والمصاريف بسبب أتعاب هيئة التحكيم وأتعاب المحامين، وكذلك مصاريف الانتقال لأعضاء هيئة التحكيم لا سيما إن كانوا في دول مختلفة عن دولة مقر التحكيم، وغيرها من المصاريف الإدارية، فإن هذا العيب لا يوجد عند اتباع التحكيم الإلكتروني، حيث إنه لا يتطلَّب الانتقال من جانب أعضاء هيئة التحكيم ولا من جانب أطراف خصومة التحكيم الإلكتروني.

فكما ذكرنا أن اتَّباع الوسائل الإلكترونية يتيح عقد جلسات عبر الإنترنت، وكذلك يتيح تبادل أدلة الإثبات والمستندات عبر الإنترنت وغيرها من الإجراءات، وبالتالي تقل النفقات حتى لو كان هذا التحكيم على نطاق دولي.

 رابعاً: سهولة الحصول على الحكم

يتميَّز التحكيم الإلكتروني بسهولة الحصول على الحكم، وذلك بسبب تقديم المستندات عبر البريدالإلكتروني، أو من خلال الواجهة الخاصة التي صممت من قبل المحَكم أو مركز التحكيم الإلكتروني لتقديم البيانات والحصول على الأحكام موقعةً من المحَكمين.

 خامساً: الملاءمة

يتميَّز التحكيم الإلكتروني بالملاءمة (Convenience)، حيث إنه خلافاً للمحاكم أو هيئات التحكيم التقليدية، فإن التحكيم الإلكتروني متاح على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، هذه الميزة تمكن الأطراف من إرسال رسائل البريد الإلكتروني أو الاتصال في أي وقت من دون الاضطرار إلى تكبد عناء السفر لمسافات طويلة، ويمكنهم أيضاً ممارسة التحكيم الإلكتروني من أي مكان من دون قيد، حيث يتم ذلك بواسطة جهاز الكمبيوتر في المنزل أو في العمل أو أي مكان آخر، فأصبح بإمكان أطراف النزاع والمحَكمين التواصل بشكل مباشر من دون التواجد فعليّاً في المكان نفسه.

 عيوب التحكيم الإلكتروني

وعلى الرغم من الميّزات التي تميز التحكيم الإلكترونيعن القضاء العادي والتحكيم التقليدي، إلا أن فيه من المخاطر والعيوب المصاحبة له، ونذكر منها العيوب التالية :

 1- عدم تطبيق المحَكم للقواعد الحمائية والآمرة: يخشى الأطراف وخاصةً الطرف الضعيف في العقد من اللجوء إلى التحكيم بصفة عامة، والتحكيم الإلكتروني بصفة خاصة، وذلك بسبب الخشية من عدم تطبيق القواعد الآمرة والحمائية المنصوص عليها في القانون الوطني له، خاصةً إذا كان هذا الطرف مستهلكاً، مما يترتب عليه بطلان حكم التحكيم، وعدم إمكانية تطبيقه وتنفيذه على أرض الواقع، وكذلك عند اختيار القانون الواجب التطبيق غير قانون المستهلك الوطني ليحكم النزاع، فإنَّ المحَكم لن يطبق هذه القواعد الحمائية المنصوص عليها في قانون المستهلك الوطني؛ لأنه لا يطبق إلا القانون المختار، وذلك لأنه ليس قاضياً فلا يلتزم بتطبيق القواعد الآمرة، حتى في الدولة التي يوجد فيها مقر محكمة التحكيم، لذا فقد عارض كثيرون اللجوءَ إلى التحكيم لأن حمايةَ الطرف الضعيف تكون دائماً من خلال القواعد الآمرة التي يضعها مشرعو الدولة لحماية طائفة خاصة أو مصالح جماعية، ولا يهتم المحَكم إلا بحل النزاع بين الأطراف من دون النظر إلى مصالح السياسة التشريعية العليا للدول.

2- عدم الثقة بالتعاملات الإلكترونية سواء من الطرف الآخر أو من هيئةالتحكيمالمحجوبة عنه، فضلاً عن التشكيك في إمكانية تنفيذ حكمالتحكيمالإلكتروني الصادر عن الهيئة التحكيمية.

3- الخشية من عدم سريَّة التحكيم: إن التحكيم الإلكتروني قد لا يحقق السريَّة المبتغاة بالنسبة ذاتها التي يحققها التحكيم التقليدي، ويعود السبب في ذلك إلى أن إجراءات التحكيم الإلكتروني تتم عبر الإنترنت، وهذا الوسط قد يشكل تهديداً لسريَّة التحكيم، إذْ إن إجراءات التحكيم تقتضي – رغبةً في الحفاظ على السريَّة- أن يكون لكل طرف رقم سري يتيح له وحده الدخول إلى الموقع الخاص بالقضية التي يجري التحكيم فيها، فيلتقي بالمحَكم أو الطرف الآخر، ويتمكَّن من الحصول على الوثائق والمستندات المتعلقة بالنزاع، إلا أن حصول أطراف النزاع على الأرقام السرية يتطلَّب تدخل أشخاص آخرين لا علاقة لهم بالنزاع لتيسير حصولهم على الأرقام السريَّة، وهؤلاء الأشخاص هم بطبيعة الحال من المختصين فنياً بهذا الشأن، وهذا ما يعني عملياً أن معرفة الأرقام السريَّة لم تعد مقصورةً على أطراف النزاع وحدهم، وهو ما قد يشكل تهديداً لسريَّة التحكيم.

 وإجمالاً فرغم العيوب سالفة الذَّكر فإن ما يتمتع بها التحكيم الإلكتروني كنظام لفض المنازعات الإلكترونية أو حتى العادية، تبدو أهميته وضرورته في مجال المنازعات الناشئة عن تنفيذ العقود والصفقات الإلكترونية التجارية، حيث إنَّه لمَّا كان ثمة اختلاف بين كيفية إبرام وتنفيذ الصفقات التجارية التقليدية وإبرام وتنفيذ الصفقات التجارية الإلكترونية في مجال التجارة الإلكترونية، وهذا الاختلاف كان مؤداه ضرورة تبني قواعد قانونية جديدة تتلاءم مع التجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية بصفة عامة، وهذا التبني لهذه القواعد يجب أن يصاحبه ويلازمه تبني آليات ووسائل جديدة لحل المنازعات الناشئة عنها. وكان على رأس هذه الوسائل التحكيم الإلكتروني؛ حيث إنَّه – كما عرضنا – يتمتع بميّزات التحكيم العادي ويتجرد من مثالبه، وبالتالي بات يزيد من ميّزات التحكيم العادي ويقضي على عيوبه، وأيضاً يدل على هذا الاستنتاج، حيث إن الوثائق الدولية توصي بتشجيع اللجوء إليه باعتباره من الوسائل الإلكترونية المهمة لحل المنازعات.

مقالات لنفس الكاتب