array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 200

واشنطن لا يمكنها استخدام "الفيتو" ضد "الجنائية" وليست عضوًا فيها ولا يحق لها التصويت

الإثنين، 29 تموز/يوليو 2024

تتبدل الإحصاءات شبه الرسمية حول أعداد القتلى والجرحى والتي تقدر بعشرات الآلاف في صفوف المدنيين الفلسطينيين الذين يسقطون ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بسبب استمرار المعارك التي اندلعت في السابع من أكتوبر 2023م، ولم تتوقف حتى اليوم.

ستظهر نتائج هذه الحرب المروعة ومشاهد الخراب والتكلفة البشرية والمادية إلى العلن أكثر فأكثر ما أن يبدأ تفعيل الهدن وتتوقف المعارك في قطاع غزة. لكن حصيلة العنف والقتل والدمار في القطاع، وحسب تقارير غالبية الهيئات الدولية، والمنظّمات الإنسانية والصحية، إلى جانب التحقيقات الأولية الصادرة عن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية والمنظمات الحقوقية، ستفتح الطريق أمام الأجهزة القضائية الدولية لتفعل دورها في التعامل مع ما جرى من منطلق ارتكاب جرائم حرب، قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.

 أولى النتائج العملية والميدانية هو تحرك محكمة العدل الدولية في لاهاي، الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، للفصل في القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل ودعمتها عشرات الدول. بعد ذلك جاء طلب مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، من الدائرة التمهيدية الأولى، في إصدار مذكرات اعتقالٍ بحقّ كلٍّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يواف غالانت، و3 من قيادات حركة حماس على أساس ارتكاب جرائم دوليةٍ تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لميثاق روما الناظم لعملها.

الجنائية الدولية تتوقف عند وجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن هؤلاء الأشخاص، يتحملون المسؤولية الجنائية عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وإسرائيل وما رافقه من انتهاكات للقانون الدولي والاتفاقيات ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني.

لا تكترث إسرائيل لا بقرار المحكمة الدولية ولا بالموقف الأوروبي، ولا بتوصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة الداعية لوقف استهداف المدنيين في قطاع غزة والتسبب بتنقل مئات الآلاف داخل القطاع وخارجه بحثًا عن النجاة من الموت. فكيف ستتعامل محكمة العدل الدولية مع تحرك العديد من العواصم وفي مقدمتها طلب دولة جنوب إفريقيا مقاضاة إسرائيل على ما ارتكبته من جرائم؟ وهل سيواصل المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية تطابقًا مع مواد نظام روما الذي يمنحه صلاحية التدخل المباشر لتفعيل المرحلة الأولى باتجاه تحديد المسؤولية الجنائية واتخاذ تدابير تنفيذ أحكام المادة 25 التي وضعت الفاعل والشريك له على مسافة واحدة في التعامل مع مسائل ارتكاب جريمة الحرب، أو جريمة ضدّ الإنسانية، أو جريمة الإبادة الجماعية، أو جريمة العدوان؟ وهل كان بمقدور القوات الإسرائيلية الاستمرار في حربها التدميرية لو لم توفر لها بعض العواصم والدول الغربية الإمدادات العسكرية، والغطاء السياسيٍ والدبلوماسي الذي تحتاجه لمواصلة ما بدأت به قبل 10 أشهر؟ وألا تتحمل هذه العواصم مسؤولية عرقلة تنفيذ القرارات الدولية وتحديدًا مجلس الأمن الدولي باتجاه وقف حرب الإبادة الجماعية في القطاع؟ وهل مجلس الأمن الدولي راغب أو قادر فعلًا على التدخل بشفافية وموضوعية وعملية في إطار ما منحه له ميثاق الأمم المتحدة للمشاركة في تحديد المسؤولين واتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة وحماية دور وموقع المنظمة الأممية وسمعتها؟ وكيف سيكون شكل العلاقة بين القضاء الدولي وأجهزته والمسؤولين فيه وبين بعض العواصم الغربية التي بدأت تحذر المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية من دفع الثمن إذا ما قرر المضي وراء خطوة النظر بالجرائم الإسرائيلية المرتكبة في غزة؟

المساءلة القانونية الدولية

يعتبر القانون الدولي الإنساني مجموعة من القواعد المنصوص عليها في المعاهدات أو تطبق بحسب الأعراف الدولية التي تراقب أو تحد من السلوك المسموح به لأطراف النزاع في زمن الحرب وهي تلزم جميع عناصر القانون الدولي دون تمييز.

أما جرائم الحرب فتعرف حسب القانون الدولي الإنساني على أنها الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف أو غيرها من انتهاكات القوانين والقواعد والأعراف المطبقة في النزاعات المسلحة، سواء كانت دولية أو غيرها. هذا إلى جانب التزام الأطراف المتحاربة بمراعاة "مبدأ التناسب" الذي يقضي بأن شرعية عمل ما تتحدَّد حسب احترام التوازن بين الهدف والطريقة المستخدمة لبلوغه قياسًا بإمكانية إحداث أضرار تستهدف المدنيين والمرافق العامة.

أما في الجانب المتعلق بالنزاعات المسلحة فيعرف القانون الدولي الإنساني النزاعات المسلحة الدولية على أنها حرب أو نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر، في حين أن النزاع المسلح غير الدولي هو صراع بين دولة وجماعة مسلحة ما دون الدول أو صراع مسلح بين جماعات مسلحة.

وبناء على الكثير من هذه التعاريف برزت الانقسامات بين الخبراء والقانونيين وحيث يرى البعض أن القتال الدائر في غزة هو غير دولي كونه بين حماس وفصائل مسلحة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، بينما ترى آراء أخرى أن قطاع غزة ما زال محتلًا، إضافة إلى أن فلسطين تعتبر دولة وقد جرى الاعتراف بها من قبل عشرات الدول، وأن قطاع غزة هو جزء من هذه الجغرافيا التي تجعل من الصراع دوليًا. لكن في المحصلة وحسب غالبية الأثراء فإن القانون الإنساني الدولي مُلزم للدول، بما في ذلك إسرائيل، وكذلك الجماعات المسلّحة غير الحكوميّة المشاركة في النزاعات، مثل حماس و"الجهاد الإسلامي"، وأن المسألة ليست فقط في تحديد العناصر والجهات الواجب مساءلتها، بل في تحريك الآليات وتفعيلها لمحاكمة المتهمين.

آليات المساءلة القانونية الدولية

تنطلق الآليات القانونية الممكنة لمحاكمة إسرائيل بتهمة انتهاك القانون الدولي خلال حرب غزة من اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الموقعة بعد الحرب العالمية الثانية ومطلع الخمسينيات وغيرها من الاتفاقيات الدولية الموقعة عام 1977م.

توفر اتفاقيات جنيف وهي سلسلة المعاهدات الدولية التي تطرح قواعد ومبادئ إنسانية ملزمة في زمن الحرب بينها حماية المدنيين وغير المقاتلين خلال النزاعات المسلحة. وقد وقّعت إسرائيل هذه الاتفاقيات، لكن من دون المصادقة عليها، ولم تُدخل أحكامها ضمن قوانينها الداخلية. لكن وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تكن طرفاً في هذه البروتوكولات، فإن ذلك لا يسمح لها بالتنصل من موجبها في احترام المعايير الدولية الإنسانية.

ثم يبرز دور محكمة العدل الدولية في لاهاي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالفصل في النزاعات القانونية التي تنشأ بين الدول، لذا تم اللجوء إليها للفصل في القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل. وتتألف المحكمة من قضاة يمثّلون الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ويمكنها الاستناد إلى فقه قضائي أرسته محكمة العدل الدولية الدائمة التي تأسست في إطار عصبة الأمم بعد الحرب العالمية الأولى وتم إدخال تعديلات جذرية على بنيتها وهيكليتها وطريقة عملها بعد الحرب العالمية الثانية وفي إطار نظام داخلي جديد للمحكمة عام 1945م.

 الجهة القانونية الثانية القادرة على التدخل وتحديد المسؤولة والمحاسبة هنا، هي المحكمة الجنائية الدولية التي توجه الاتهامات إذا اشتبهت في ارتكاب جرائم حرب من قبل أي من الطرفين، حتى ولو لم تكن إسرائيل طرفًا في نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة. وكانت فلسطين قد انضمت إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015م، مما أعطى المحكمة ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة هناك.

ورغم أن المحكمة الجنائية الدولية تتطلع إلى اكتساب ولاية عالمية، وهي أنشئت كي تكون محكمة دائمة ومستقلة تحاكم الأشخاص المتهمين بأخطر الجرائم ذات الاهتمام العالمي، كجرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، إلا أن كافة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وبينها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ليست عضوة فيها بعد ولم تصادق على نظام روما الأساسي. ينبغي ألا يفوتنا هنا الإشارة إلى الفارق بين تحرك محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، وهو أن الأولى تُحاكم إسرائيل كدولة في محكمة العدل الدولية بسبب مسؤوليتها تجاه القانون الدولي، بينما أمام المحكمة الثانية يتم محاكمة مسؤولين في الدولة الإسرائيلية مثل رئيس الدولة ورئيس الوزراء ومجموعة من السياسيين والعسكريين وغيرهم من المشتبه بهم على خلفية اتهامات بارتكابهم جرائم حرب، خاصة وأن المحكمة الجنائية تعتبر منذ 2021م، مخوّلة للتعامل مع الجرائم الدولية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

تفعيل آليات المساءلة الدولية

بدأت العديد من الدول والمؤسسات والمنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان التحرك باتجاه تفعيل الآليات القانونية والقضائية للكشف عن الحقائق وتحميل المسؤوليات وتسهيل معاقبة من تدينه المحاكم الدولية في التسبب بمقتل عشرات الآلاف وتدمير مدينة غزة. البداية جاءت عبر تحريك محكمة العدل الدولية التي تعتبر الجهاز القضائي الذي أنشأه ميثاق الأمم المتحدة لتسوية النزاعات بين الدول. ويعد نظامها الأساسي جزءًا من الميثاق. من المفيد هنا التذكير أنه لا يكون اختصاص محكمة العدل الدولية إلزاميًا، ويجب أن تقبل الدول رسميًا اختصاصها إما بصفة عامة أو بصفة محددة. وبمجرد أن تقبل الدول رفع قضية إلى المحكمة، تصبح قراراتها ملزمة قانونًا. وفي حالة إسرائيل فقد قبلت بالفعل اختصاص المحكمة بقبولها الدعوى، وإرسالها فريق قانوني للدفاع عنها. هذا وتعد قرارات محكمة العدل الدولية ملزمة ونهائية فيما يتعلق بالدول، ولمجلس الأمن السلطة، بناءً على طلب الدولة المتضررة، لتنفيذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية.

ثم اتسعت رقعة التحركات باتجاه نظام روما الأساسي لسنة 1998م، وما ولد عنه من جهاز قضائي دولي جديد هو المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، والهدف هنا هو كسر دائرة الإفلات من العقاب على الجرائم المنصوص عليها في قواعد وأسس القانون الدولي التي يتحمل مسؤوليتها جميع أطراف النزاع. والجنائية الدولية هي أول نظام قضائي دولي دائم يتم تأسيسه من أجل محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة،

كما تشمل الجهود المبذولة سياسيًا ودبلوماسيًا تفعيل دور مجلس الأمن الدولي الذي يتمتع بسلطة التعامل مع تهديدات السلم والأمن الدوليين بموجب المادة رقم 39 من ميثاق الأمم المتحدة. ويمكنه إنشاء محكمة دولية خاصة بمقتضى أحكام الفصل السابع. وقد تم إنشاء هذه المحكمة لمحاسبة المسؤولين عن جرائم الإبادة الجماعية التي تم ارتكابها في العديد من الحروب الأهلية والدولية بينها البوسنة وروندا خلال الحروب الأهلية. وعلى عكس المحكمة الجنائية الدولية فهي محاكم تم تأسيسها من أجل ممارسة اختصاصها بشكل مؤقت وحصري في إقليم معين أو جرائم محددة.

ويضاف إلى ذلك جهود تبذل باتجاه تشكيل لجان تحقيق وبعثات تقصّي الحقائق في مواجهة حالات انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وتُشكَّل هذه اللجان والبعثات المذكورة من قبل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة.

الغطاء السياسي في مواجهة قرارات المحاكم الدولية

من الواضح أن السلطات في إسرائيل لا تخضع للمساءلة كما ينبغي، كما تقول الحقوقية الجنوب إفريقية نافانيثيم بيلاي، رئيسة لجنة الأمم المتحدة التي أوصت بطلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية في موضوع غزة.

كيف ولماذا تمكنت إسرائيل من الإفلات من العقاب على مدى عقود طويلة، ونجحت في مواصلة انتهاكاتها المستمرة ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة؟ من سهل لها ذلك وساعدها على عدم المثول أمام القضاء الدولي؟

الأنظار متجهة نحو العديد من العواصم الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية من جديد. مؤشرات سياسية وإعلامية وحقوقية كثيرة ترى أنه نتيجة الجدل الحاصل في أمريكا حول مسؤولية السلطة السياسية في دعم تل أبيب ماديًا وعسكريًا ودبلوماسيًا، فسيكون هناك نقاشات واسعة أبان انطلاق الحملات الانتخابية الرئاسية المرتقبة في البلاد. وأن هذا السيناريو سينتقل إلى عواصم غربية أخرى بدأت معالمه تظهر إلى العلن في أعقاب إعلان نتائج الانتخابات التشريعية الفرنسية والوعود التي أطلقها اليسار الفائز باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

في الشق الأمريكي هناك انتقادات داخلية كثيرة بسبب دعم الولايات المتّحدة المالي والعسكري المفتوح لتل أبيب، بحسب ما أكدته القيادات في البلدين. بين المؤشرات على ذلك ما ذكره الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهو يعقب على ما كتبه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس على حسابه في منصة "إكس"، حول حزمة المساعدات لإسرائيل " شكراً لك رئيس مجلس النواب مايك جونسون، على قيادتك التي أدت إلى تمرير حزمة المساعدات لإسرائيل في زمن الحرب في غزة من قبل مجلس النواب ".

 الأبعد من ذلك هو إرسال 12 نائبًا في الكونغرس الأمريكي تهديدًا لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية، مشيرين إلى أنّه في حال إقدام المحكمة على إصدار مذكرة اعتقالٍ بحقّ نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين آخرين، فإن هذه الخطوة ستعتبر تهديدًا ليس لسيادة إسرائيل فقط، بل ولسيادة الولايات المتّحدة.

لم يتوقف البعض في أمريكا عند هذا الحد ِ، بل أعلن وزير خارجيتها، في 22 مايو 2024م، أنّه سيعمل مع المشرعين الأمريكيين على اتّخاذ إجراءٍ ضدّ قرار المحكمة الجنائية الدولية. كما قاد الجمهوريون حملةً لفرض عقوباتٍ على مسؤولين فيها، أدّت إلى تصويت مجلس النواب لصالح تمرير مشروع قانون يفرض عقوباتٍ على مسؤولي المحكمة، يوم الثلاثاء 4 يونيو 2024م، حينها وافق المجلس على مشروع القانون بأغلبية 247 صوتًا مقابل 155، ونص على فرض عقوباتٍ على الأفراد "المشاركين في أيٍّ من جهود التحقيق، أو الاعتقال، أو الاحتجاز، أو المحاكمة لأيّ شخصٍ محميٍ من قبل الولايات المتّحدة وحلفائها".

من الجدير بالذكر هنا؛ أن قانون "حماية أعضاء الخدمة الأمريكية"، أو ما يعرف بقانون "غزو لاهاي"، الذي صدر عن الكونغرس عام 2002م، بهدف حماية أعضاء الخدمة الأمريكية من التعرض للمحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية هو بين الأوراق السياسية التي يستفيد منها البعض للتخلص من المساءلة القانونية.

الخاتمة

المساءلة القانونية ليست بين الأولويات

لا يناقش القانون الدولي الإنساني مسائل أسباب شن الحرب أو مشروعيتها، فهذا من اختصاص ميثاق الأمم المتحدة بالدرجة الأولى. ومن الممكن مناقشة مسألة أن انتهاكات قوانين الحرب تصعب ملاحقتها قضائياً ويمكن إحباطها بسبب عدم تعاون الأطراف المعنية أو نتيجة الغطاء السياسي الذي قد توفره بعض الدول الحليفة.

مشكلة أخرى تقوم على أن أحكام محكمة العدل الدولية ملزمة ونهائية فيما يتعلق بالدول بعد إعلان الأطراف المعنية قبول المقاضاة أمامها. لكن المحكمة لا تملك بنفسها سلطة تنفيذ أحكامها جبرًا على الأطراف، ولمجلس الأمن السلطة، بناءً على طلب الدولة المتضررة صاحبة المصلحة، لتنفيذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر من محكمة العدل الدولية وهو ما قد يعرقل مسألة تنفيذ الأحكام. ينبغي الإشارة هنا أيضًا إلى أن قرارات المحكمة الجنائية الدولية تحتاج كذلك لتفعيل دور مجلس الأمن الدولي عند تنفيذ الأحكام التي وصلت إليها.

تبنى المجتمع الدولي الذي يرفع شعار التمسك بتنفيذ مبادئ القانون الدولي، وضمان عملية قضائية عادلة ونزيهة، والرغبة في التعاون تحت سقف المنظمات الدولية مبدأ ضرورة تكامل الآليات القانونية مع المبادرات الدبلوماسية كخطوة أساسية لا بد منها على طريق بناء السلام العادل. لكن العقبة كانت دائمة في خيارات وحسابات ومصالح اللاعبين الكبار داخل هذه المؤسسات والمنظمات الدولية والصلاحيات الاستثنائية التي منحتهم حق عرقلة التنفيذ.

المحاكم الدولية بكافة أنواعها ومهامها أمام اختبار حقيقي اليوم في موضوع غزة والنكبة التي لحقت بها. إما أن تخرج من تحت عباءة التدخلات السياسية والهيمنة على قراراتها وتنفيذ هذه القرارات أو أنها ستواصل مسيرة الانحراف عن المسار الصحيح الذي يدعو إليه ويطالب به عناصر المجتمع الدولي.

تفعيل الآليات القانونية والقضائية أو اللجوء إلى الجمعية العامة استناداً إلى قرار "الاتحاد من أجل السلام" من دون الحاجة إلى المرور بمجلس الأمن، يتطلب أيضًا توافر الإرادة السياسية والتفاهم بين الدول الأعضاء على خطوة بهذا الاتجاه. لذا، على مجلس الأمن الدولي أن يتحمل مسؤوليته في المحافظة على السلم والأمن الدوليين وتعزيزهما، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحل النزاعات، وأن تلتزم الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن بهذه المتطلبات والتعهدات التي قدمتها عند جلوسها أمام طاولة هذا المجلس.

 

تطبق قواعد القانون الدولي الإنساني أو قوانين الحرب بالتساوي على جميع الأطراف المتحاربة بغض النظر عن طبيعة النزاع، وهذا يعني أن طرفي الصراع في غزة أمام مسؤوليات ومساءلة قانونية وسياسية وإنسانية حيال ما يدور منذ مطلع أكتوبر / تشرين الأول المنصرم.

واضح تمامًا أن العقبة هي في فتح الطريق أمام تنفيذ أحكام وقرارات المحاكم الدولية وأن لعبة التوازنات السياسية تحت سقف مجلس الأمن هما العقبة أمام الانتقال إلى عالم أفضل كما جاءت الوعود والتعهدات النظرية عند تبني ميثاق الأمم المتحدة.

لا توجد وسيلة قانونية، مع وجود حق النقض في مجلس الأمن الدولي، إلا محكمة الجنايات الدولية الخاضعة أيضاً لتوازنات القوى؛ فهذه المحكمة، رغم إعلان اختصاصها منذ عام 2011م؛ بملاحقة انتهاكات حقوق الإنسان في غزة، لم يصدر عنها الكثير من الأحكامً. وهذا يعود لسببين: عدم انضمام الدول لنظام المحكمة. وتهديدات الدول الكبرى بعرقلة عمل المحاكم الدولية إذا تضاربت قراراتها مع مصالحها ومصالح حلفائها.

ما أوقع القانون الدولي في مصيدة ازدواجية المعايير هو تقديم العديد من الدول الكبرى لمصالحها وحساباتها على مصالح المجتمع الدولي، وأن تطبيق قواعد القانون الدولي يحتاج لقوة دولية لا تملكها سوى الدول الكبرى والدائمة العضوية تحت سقف مجلس الأمن، وهي لا تقدم تلك القوة إلا إذا كان لها مصلحة في ذلك.

العقدة تبقى سياسات ومواقف الكبار تحت سقف مجلس الأمن الدولي وتلويحهم الدائم بسلاح حق النقض، من هنا رهان البعض هو اليوم على ضرورة تفعيل دور وصلاحيات الجمعية العامة على حساب دول مجلس الأمن والخماسي الدائم العضوية.

من هنا تلتقي أراء العديد من خبراء القانون الدولي عند حقيقة أن واشنطن لا يمكنها استخدام حق النقض ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية، لأن قرارات المحكمة غير قابلة للاستئناف، كما أن الولايات المتحدة وإسرائيل ليستا عضوين في المحكمة وبالتالي لا يحق لهما التصويت.

 الواقع يؤكد الحاجة الماسة للتعاون الدولي من أجل تعديل ميثاق الأمم المتحدة وبنية مجلس الأمن وآلية الدول الدائمة العضوية المزودة بحق النقض.

دون أن نغفل حقيقة أخرى حول أن قوة ردع إسرائيل على جبهات غزة تمر أيضًا عبر الداخل السياسي والشعبي الإسرائيلي نفسه. فهل سيكون هناك مساءلة قانونية عادلة سياسية برلمانية لحكومة نتنياهو أم لا؟ وما هو الثمن الذي سيدفعه بعد دخول اتفاقيات وقف إطلاق النار حيز التنفيذ؟

مقالات لنفس الكاتب