array(1) { [0]=> object(stdClass)#13837 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 201

الحرب لا تضع نهاية مقبولة لمعضلة المياه والمفاوضات الحل الوحيد الناجح

الخميس، 29 آب/أغسطس 2024

قام الرئيس التركي أردوغان بزيارة العراق في أبريل / نيسان، بعد 13 سنة، ويرافقه وفد من وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والصناعة والتجارة والزراعة ويمثل هذا الوفد أجندة مضامين العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية بين العراق وتركيا. وتحتل مسألة حزب العمال التركي وتوسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين الصدارة في أجندة الجانب التركي، على وجه الخصوص. ومن الجانب العراقي فإن قضية موارد المياه هي ذات الأولية الاستراتيجية الأمنية. ووقع الطرفان اتفاقية بشأن الموارد المائية لمدة عشر سنوات وقرابة 24 مذكرة تفاهم في مجالات التعاون الاقتصادي والأمني والزراعي والتقني والعلمي والصحي والثقافي. وترقى الاتفاقيات على مرتبة علاقات الشراكة الاستراتيجية الشاملة بحق. بيد أن الأمر ليس في العدد والمضامين التي تنطوي عليها الاتفاقية ومذكرات التفاهم وإنما في الإرادة السياسية لتنفيذها وحسن الثقة وصدقية الالتزام بمبادئها ومناعتها في الصمود أمام التحديات التي سوف تعترض سبيلها في قادم الأيام. فهذه ليست الجولة الأولى من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، فقد سبقتها العديد، مما يحض على إثارة سؤال مركزي هو ما حظ هذا الحشد من الوثائق في أن يجد السبيل إلى التنفيذ؟  فهل هناك استراتيجية عراقية للمياه متماسكة وواضحة الأهداف والوسائل؟ وهل أن بيد السياسة والدبلوماسية العراقية من الحكمة والخبرة والفن في ترجمتها بما يخدم مصالح العراق؟ وما هي قدرات العراق والخيارات الميسورة والتحديات المرتقبة والمتوقعة؟ وهل يتمكن العراق من إدارة قضية المياه مع الأطراف الثلاثة فرادا وجماعة؟

مدرك أمن المياه في الفكر الاستراتيجي العراقي

إن تركيا في الاستراتيجية العراقية ليست سوى قوة إقليمية من بين محاور سياسة خارجية متعددة المسارات، التي دأبت التصريحات الرسمية العراقية على الإتيان عليها في تحديد السياسة الخارجية العراقية. فهناك إيران إلى الشرق والبيت العربي إلى الجنوب وقطبه المملكة العربية السعودية إن التوكيد على الاتفاقية بشأن الموارد المائية لا يعني أنها منفصلة عن بقية المذكرات، بل أن الأخيرة مكملة وساندة لها. وبإن معضلة موارد المياه قد تصدرت الاهتمامات الاستراتيجية العراقية على صعيد الخطاب السياسي الرسمي والإعلامي والأكاديمي، ولأول مرة على المستوى الجماهيري، كما يتمثل في الاحتجاجات على شحة المياه للاستخدام البشري والزراعي والصناعي.

لم تكن قضية المياه من بين المسائل الاستراتيجية الكبرى في تطور الفكر الاستراتيجي العراقي الذي انصرف إلى الحرب مع إيران ثم الى مواجهة الحصار من بعد حرب الكويت. ومنذ الاحتلال الأمريكي كان الجدل في الاستراتيجية العراقية معني بقضايا محلية أكثر محلية وداخلية ذات صلة بالأمن الداخلي والنزاعات الطائفية والخلافات الجهوية ثم مواجهة مرحلة داعش. لقد كان الهدف المركزي إرساء الأمن والاستقرار والسلام الداخلي وليس التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي السنوات الأخيرة أولت الحكومة العراقية أهمية إلى التنمية الاقتصادية التي كانت قد تراجعت إلى الوراء كثيرًا. والموارد المائية من أهم ركائز التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وقد تحولت قضية المياه إلى مستوى إدراكها من أفق الأمن بمعناه الوجودي. وإنها من أخطر التحديات والتهديدات لذلك الوجود. فهي في صلب الأمن الإنساني وحجر الزاوية في الأمن الغذائي.

وقد أعطت الأمم المتحدة أهمية إلى الأمن المائي وشرع مجلس الأمن في دراسة القضية، وتعرف الأمم المتحدة الأمن المائي بأنه القدرة على الوصول إلى كميات من المياه العذبة الصالحة للشرب وتأمين الإبقاء على الحياة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والحماية من التلوث والكوارث ذات الصلة بالمياه والحفاظ على البيئة الأيكولوجية في حالة يسودها الاستقرار والسلام السياسي.

ومن زاوية هذا التعريف العريض لا نجد العراق ينعم بهذه الخصائص في الوقت الراهن أو ما يمكن الاطمئنان إليه بأنه سوف يتحقق في ضوء ما هو واقع في البيئة السياسية والميدانية الراهنة. ويعتمد العراق على نهري دجلة والفرات كمصدرين أساسين بنسبة 98%. وطول الفرات 2330 كم وينبع من جبال الأناضول الشرقية. وطول دجلة 1718 كم وينبع من الجزء الشرقي لسلسلة جبال طوروس. والموارد المائية ليست هي السبب الوحيد وراء شح المياه بل هناك جملة من العوامل منها السدود والمشاريع الإروائية والتغييرات المناخية مثل الجفاف والتصحر ومنظومة إدارة الموارد المائية والأبعاد الفنية ومستوى التطور في البنية التحتية والسياسات المائية خلال الحقبات السابقة ودور الزراعة في التنمية الاقتصادية والتقاليد وهدر المياه بسبب العادات في استخدام الماء لأغراض منزلية والزراعة والصناعة وزيادة الطلب على المياه بسبب النمو السكاني والانتقال إلى المدن من الريف.

وتتضارب التقارير في تحديد محنة الأمن المائي العراقي من حيث فداحة المعضلة. فالتقارير الرسمية غير متماسكة فتارة تهول الواقع وتارة تبعث على الاطمئنان. وكانت الحكومات السابقة هشة وواهنة وقد أغفلت قضية الموارد المائية ولم تحملها على محمل التحدي الاستراتيجي ذي الأولوية، بل انصرفت إلى تدبر حالة عدم الاستقرار التي سادت في الداخل بسب النزاعات الطائفية والجهوية منذ الاحتلال الأمريكي في 2003م، وأشاعت إدراك أن الظاهرة طبيعية وليست فيها مخاطر على الأمن المائي والغذائي، بل وأعزتها إلى إنها مؤامرة خارجية تستهدف النظام السياسي الجديد في العراق وأداة للتأثر على خياراته السياسية، وإن من الممكن معالجتها بعد أن يتحقق الاستقرار والسلام والأمن السياسي الداخلي ويستعيد العراق عافيته كقوة إقليمية فاعلة ومنخرطة في السياسة الإقليمية والدولية.

وتشير تقارير دولية إلى الواقع الخطر الراهن وما يحمله المستقبل من عواقب. إن حصة العراق من مياه دجلة والفرات تتناقص بصورة متزايدة بسبب السياسة المائية التركية والسورية والإيرانية. فتركيا منذ السبعينات تسارع الخطى في استكمال برنامجها (الغات) في بناء السدود ومشاريع الري ولتوليد الطاقة على نهري دجلة والفرات. ففي 1990م، تم تشييد سد اتاتورك على الفرات ذي طاقة تخزينية في بحيرة السد 48 مليار متر مكعب. وفي 2018م، تم بناء سد اليسو على نهر دجلة. والسدود والمشاريع الإروائية على أفرعهما تتزايد. وانخفض مستوى سد الموصل جراء ذلك 50%. ففي 2017م، كان المخزون 8 مليارات متر مكعب فأصبح 3 مليارات متر مكعب وتضررت بغداد.

وانخفضت حصة العراق من مياه الفرات إلى 80% وسوريا 40%. وتشيد إيران السدود وتغير مجرى الأفرع لروافد دجلة حتى أصبحت ازمة المياه خانقة في المناطق الشمالية وديالى. وتوقف تدفق المياه من نهر الكارون إلى شط العرب بعدما غيرت إيران مجراه الطبيعي. وبنت السدود على نهر الكرخة. وغدى مستوى الملوحة فيه تفوق المقاييس الدولية لمنظمة الصحة العالمية. ويتناقص المخرون المائي للعراق بمستويات تثير الفزع. فقد كان 60 مليار متر مكعب في 2019م، ثم أصبح 14 مليار متر مكعب في 2023م. وكان نصيب العراق من المياه 30 مليار سنويًا في 1933م، ثم أصبح 9.5 مليار متر مكعب.  وتبلغ كمية مياه الأنهار في المواسم المطرية الجيدة 77 مليار متر مكعب وفي موسم الجفاف أصبحت 44 مليار متر مكعب. وانحدرت كمية الإطلاقات المائية من النهرين إلى 30% من الاستحقاق الطبيعي للعراق. وقد تزايدت مساحات التصحر. فتتعرض 90% من الأراضي الزراعية إلى ظاهرة التصحر. ولا يبدو أي أفق لإنقاصها بل لتوسعها. وتفقد العراق 1000 دونم سنوياً. ويخسر 2 مليون دونم من الغطاء النباتي. وقد نزحت مئات الآلاف من العوائل من الريف إلى المدن. وقد أشارت تقارير إلى أن قضية المياه إذا لم تسوى بطريقة عادلة ووفقًا للقانون الدولي فإن العراق قد يفقد عنوانه التاريخي " وادي الرافدين" ويندثر دجلة والفرات في غضون عقود.

الأبعاد الدولية

ثمة وسائل لتسوية النزاعات حول المياه. الاتفاقيات عن طريق القضاء الدولي أو الوساطة من طرف ثالث، ثانيًا الاتفاقيات عبر المفاوضات، وثالثًا بفرض الأمر الواقع عن طريق الإرغام بالحرب. لم تكن المياه من أسباب الحروب في العلاقات الدولية تاريخياً. وفي وقت مبكر من بعد نهاية الحرب الباردة بدأت الإشارات والتحذيرات تتكرر بأن الحروب القادمة في مرحلة ما بعد الحرب الباردة سوف تكون بشأن المياه. فقد جنح باحثون في السياسة الدولية إلى أن ينظروا في انعكاسات التغييرات المناخية على العلاقات الدولية وكذلك سياسات التنمية الاقتصادية في مجال الزراعة والطاقة لدول المنبع فخلصوا إلى قراءة مفادها بأنها سوف تقود إلى خلافات ونزاعات وحروب بعدما كانت المياه من أسباب النزاعات على الصعيد الداخلية بين الجماعات والمناطق. وإن المياه في بعض الأقاليم قد أصبحت قضية أمن وطني مركزي، بل وجودي. وقد نبهت دراسات من سي اي أي إلى وجود 10 مناطق تنذر بوقوع صدامات مسلحة ذات صلة بالمياه. وإن الشرق الأوسط من أكثر المناطق المرشحة لخوض نزاعات مسلحة حول المياه في حوض النيل وحوض نهر الأردن وحوض دجلة والفرات. ولم يكن الرأي على المستوى المؤسساتي الدولي بغافل لقضية المياه في تأثيرها على الأمن والاستقرار في السياسة العالمية. ففي مارس 2001م، حذر كوفي عنان، الأمين العام للأمم المتحدة، بأن التنافس الشرق أوسطي على المياه الصافية سيكون السمة البارزة للنزاعات في المستقبل ومصدر الحروب في المستقبل. وقد شاركه الرأي نائب رئيس البنك الدولي. وليس من حجج وافية للأخذ بهذا الرأي التشاؤمي.

الحرب بشأن المياه ليست حتمية

صحيح أنه ليس هناك من إقليم في العالم يثير فيه عامل المياه الهاجس والقلق من تصاعد التوترات إلى مستوى العمليات العسكرية مثل إقليم العالم العربي. بيد أن ذلك ليس بحتمي لقد وقعت توترات بين سوريا وتركيا في 1997م، وتفاقمت التهديدات العسكرية وكادت تفضي إلى اشتباك عسكري، بيد أن الأمر لم يكن للمياه فيه من ضلع مباشر، بل كانت قضية المياه ضحية. فقد كان الأمن القومي التركي تهدده الحركة الانفصالية الكردية التي يقودها حزب العمال التركي. وكان زعيمها عبد الله أجلان قد لاذ إلى سوريا واحتضنته دمشق كورقة ضغط ليس إلا. فسوريا تشاطر تركيا القلق من الحركة القومية الكردية، بعدما تنعمت كردستان العراق بمساحة واسعة من الاستقلال الذاتي في أعقاب غزو العراق في 1991م، وسقوط النظام في 2003م، فهي الأخرى كانت تواجه المسألة الكردية في غرب البلاد. إن السياسيين وصناع القرار يأتون على قضية المياه واحتمال المواجهة العسكرية في نسق خطاب سياسي وليس خياراً عملياً وعقلانياً. إن الحرب لا تضع نهاية مستقرة ومقبولة ومعقولة لمعضلة المياه، بل إنها علاج مرحلي لا يمكن الوثوق والاطمئنان إلى استدامته. فهي تسوية يفرضها السلاح. وليس من العصي بمكان أن يبطلها السلاح. إن المتشائمين من المحللين جلهم من المدرسة الواقعية، بل المالثوسية السكانية، فنذر التوترات والمواجهات العسكرية بسبب المياه لا يمكن التنكر لها. ويأتون على دوافعها. لكنهم يغفلون أن في السياسة خيارات سلمية أخرى. ولا جرم أن لها حظوظ الفلاح أكثر مما للحرب. إن الهيمنة الإقليمية على المياه مرفوضة من قبل الدول فرادًا وجماعات. وما للقوة المهيمنة من شفيع من الدرس التاريخي يضمن بأنها سوف تصون وتديم هيمنتها. فثمة 261 نهراً دولي وتتقاسمها 145 دولة ومع ذلك لم تشهد السياسة الدولية حرباً بالمعنى التقليدي سوى اشتباكات محدودة نظام السلاح والمساحة والمدى كتلك التي وقعت بين إيران وطالبان في مايو 2023م، لمدة ساعات وقتيل واحد وعدد من الجرحى، ثم غلب صوت الحوار والتفاهم على صوت المدافع.   

خيار تدويل النزاع

التحكيم الدولي خير الحلول

إن الخلافات حول المياه في حوضي دجلة والفرات لن تنحى منحى الصراعات المسلحة بأشكالها التقليدية. إن ميزان القوة الشاملة والقدرات العسكرية بين العراق وكل من تركيا وإيران غير متكافئ ولصالح كل منهما بفوارق كثيرة في الكم والنوع. كما ليس هناك من هامش لدور عامل عدم التماثل في القوة بين يدي العراق، وليس ثمة إرادة سياسية سيادية أو شعبوية نزاعة إلى جعل المياه قضية مركزية في العلاقات مع تركيا وإيران. وطالما أن الأمر كذلك، فمن الناحية الدولية لمشكلة المياه فإن في وسع العراق تدويل القضية بالذهاب إلى التحكيم الدولي. وفي تاريخ هنالك نزاعات على المياه والبحيرات والأنهار الدولية أو العابرة للحدود تمت تسويتها في محكمة العدل الدولية كتلك التي في أمريكا اللاتينية بين كوستاريكا ونيكاراغوا وبين أرغواي والأرجنتين وفي أوروبا بين هنعاريا وجيكوسلفاكيا، وفي إفريقيا بين بوتسوانا وناميبيا وكذلك بين بينين والنيجر. ولكن تركيا لن تأخذ بخيار القضاء الدولي فقد امتنعت عن التوقيع على ميثاق الأمم المتحدة بشأن الأنهار الدولية في 1997م، الذي ينص على الحقوق المتكافئة. وتتمسك بموقفها بأن دجلة والفرات نهران سياديان وفي داخل الأراضي الوطنية ولها حق السيادة المطلقة ولا تشاركها دول الجوار في هذه السيادة. وإن وترفض تركيا تصنيف نهري دجلة والفرات بأنهما نهران دوليان أو حدوديان، بل عابران للحدود. وإن تركيا لها الحق كدولة المنبع إلى استخدام المياه دون أن يترتب على ذلك مسؤولية أمام جيرانها.  ومن النافع الإشارة هنا إلى أن تركيا تسعى للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي فلن تستطيع الأخذ بهذا الموقف الذي يتنافى مع موقف الاتحاد الأوروبي. ولربما إن إسراع تركيا في تنفيذ برنامجها من سدود ومشاريع على دجلة والفرات لفرض أمر قائم. وتدرك تركيا أن سياستها المائية في حوضي دجلة والفرات غير عادلة ومقبولة ومنصفة وفقاً لمعايير منظمات دولية في مسألة الاحتياجات إلى المياه بالنسبة للعراق وسوريا.

دور وسيط ذي صدقية: عزوف أمريكا والاتحاد الأوروبي

والخيار الدولي الثاني السعي لحث طرف ثالث أن يقوم بدور الوسيط في النزاع بين تركيا والعراق. وليس أمام العراق من سبيل إلى حث أو إغراء واشنطن وبروكسل للنهوض بدور الوسيط. أولها أن تركيا لا ترى أن الخلافات قضية تستدعي دور وسيط ثالث لحلها. ومن جهة ثانية، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي غير معنيين بالقضية فلا يعدانها من بين مصادر التهديد لمصالحهما القومية. وطالما أن النزاع ثلاثي الأطراف فإن الموقف الأمريكي والأوروبي من سوريا يعيق المساعدة منهما. فهما خصمان لسوريا ويفرضان العقوبات على نظامها وتحتل أمريكا جزءًا من أراضيها في الشرق عند الفرات ولا تريد وحدة التراب الوطني السوري في قوة داعمة لقوات سوريا التي يغلب عليها الجناح الكردي.

جهوزية روسيا والصين

 إن روسيا والصين هما الأكثر استعدادًا للقيام بدور الوسيط إن شاء الطرفان المتنازعان. فلقد عرض بوتين على السيسي الجاهزية للوساطة بين مصر وإثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة الذي تشيده إثيوبيا على النيل. وإن روسيا تسعى لتكون ذات دور في سياسة الشرق الأوسط، فدورها في تسوية النزاعات الشرق أوسطية يعزز رؤيتها إلى الإقليم بأنه يمثل نظام علاقات دولية متعددة الأطراف وليس فضاء هيمنة أمريكية صرف. وإن الحرب في أوكرانيا لا تلهيها عن دورها الدولي في خلق وحفظ الأمن والاستقرار الإقليمي. وإن لديها روافع تذلل مصاعب مساعيها. فهي ذات حضور عسكري في سوريا وتهتم بأمنها واستقرارها ووحدة ترابها. ولروسيا علاقات شراكة استراتيجية مع تركيا تتوسع وتتعمق.

والصين هي الأخرى لها من الدوافع ما يجعلها ذات دور الوسيط. فهي مثل روسيا تسعى إلى التعددية في نظام العلاقات الدولية للشرق الأوسط. وإنها قد أفلحت في التوفيق بين إيران والمملكة العربية السعودية وبانت قدراتها في الوساطة في حين عجز الآخرون. وأنها تتحمل وزر دبلوماسيتها، وإلا لما أقدمت على الوساطة لتكون محل اختبار. وكذلك أنها لها وقع التأثير على بغداد وأنقرة. إن مشروع طريق التنمية بين الخليج العربي -العراق – تركيا -وأوروبا مصلحة صينية للحد من أثر مشروع الولايات المتحدة -الهند -السعودية – إسرائيل -وأوروبا في إيهان المشروع الاستراتيجي الصيني العملاق " مبادرة الحزام والطريق".

خيار اتفاق بالمفاوضات

إن خيار المفاوضات السبيل الذي ليس من سبيل غيره. فلقد وقع العراق اتفاقيات ومذكرات تفاهم منذ العشرينيات من القرن المنصرم بينه وبين كل من تركيا وسوريا على الصعيدين الثنائي والثلاثي. وإن الأمر ليس في المفاوضات وعدد الوثائق بل في الإرادة السياسية وحسن النيات والالتزام ببنودها. وإن واقع الحال لا يتحمل التريث والانتظار والاطمئنان إلى الكلام الدبلوماسي المعسول. المحنة خانقة. ويترتب عليها ضعف الموقف التفاوضي العراقي. ولا يمكن المراهنة بأنه سوف يتحسن. فضغط شحة المياه سيتفاقم بفعل مشاريع تركيا التي لا قيد عليها والعوامل الطبيعية تعمق وتوسع مخاطر الأمن المائي العراقي. وتعذر التوافق في المواقف مع سوريا، فدمشق في موقف أشد وهناً من بغداد عند الجلوس على طاولة المفاوضات.

لقد أفصحت أنقرة عبر حكوماتها المتتالية عن أجندتها المائية وما تطالب به. ووضعت سقوفاً عالية وأحيانًا تعجيزية. ومع ذلك فمن خلال المفاوضات من الممكن عقد صفقة للمدى القريب والوسط والبعيد المدى. فالعوامل الطبيعية في مسالة المياه تصيب تركيا مثلما تصيب العراق سوى في حسن تدبر معالجتها.

ولعل إيداع قضية المياه في إطار نظام علاقات شراكة استراتيجية تعاون شاملة تصمد في جميع التقلبات والتغييرات هي الاستراتيجية الأنجع في بلوغ ليس هدف أمن المياه وحسب بل الأمن الاقتصادي بمعيار كاسب/ كاسب والأمن السياسي الذي تنشده تركيا مثلما سنشد العراق الاستقرار والسلام والأمن الداخلي. وأحسب أن البيئة الراهنة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل من العراق وتركيا، وكذلك الحاجة إلى جرعة من الاستقرار والأمن والسلام الإقليمي تستدعي إعفاء الوطن العربي مما يعصف به من تحديات وتهديدات من داخله ومن خارجه. وإن الأمن والاستقرار والسلام في العالم سوف يتعزز بصفقة المياه الاستراتيجية.

مقالات لنفس الكاتب